القوة المشتركة تكشف عن مشاركة مرتزقة من عدة دول في هجوم الفاشر    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. حسناء أثيوبية تشعل حفل غنائي بأحد النوادي الليلية بفواصل من الرقص و"الزغاريد" السودانية    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    اللجنة العليا لطوارئ الخريف بكسلا تؤكد أهمية الاستعداد لمواجهة الطوارئ    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي : سد الألفية الأثيوبي : حميد نقبله أم خبيث نرفضه؟
نشر في حريات يوم 09 - 06 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
سد الألفية الأثيوبي: حميد نقبله أم خبيث نرفضه؟
الإمام الصادق المهدي
25 يوليو 2012م
1. حوض النيل مرتبط عضوياً بالشرق الأوسط وهما يمثلان رقعة استراتيجية مهمة جداً في العالم. عندما اتجه الرئيس المصري جمال عبد الناصر لبناء السد العالي بتمويل سوفيتي اثناء الحرب الباردة، قدم الأمريكان في ستينات القرن الماضي مشروعات لأثيوبيا في أعالي النيل لبناء عدد من السدود في تحد لاتفاقيات سابقة أهمها:
1902م اتفاقية بين بريطانيا ممثلة لمصر والسودان وأثيوبيا تعهدت بموجبها بعدم القيام بأعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أوالسوباط تؤثر على انسياب المياه شمالاً إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية الممثلة لمصر والسودان يومئذٍ.
1906م أبرمت بريطانيا ممثلة لمصر والسودان مع مستعمرة الكنغو اتفاقية ألزمت الأخيرة بعدم إقامة منشآت على نهري السمليكي وتانجو تقلل من المياه التي تصب في بحيرة ألبرت بدون موافقة حكومة السودان.
1929م أبرمت بريطانيا نيابة عن مستعمراتها: السودان، وكينيا، ويوغندا، وتنزانيا مع مصر اتفاقية نصت على حق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل، وعدم القيام بأعمال بخصوص الري أو التوليد الكهربائي على الفروع المغذية للنيل ما يؤثر سلبا على انسياب المياه شمالاً: سواء بتقليل الانسياب أو تعديل منسوب المياه أو طريقة وصولها إلا بالاتفاق مع مصر. وتقرر أن يكون لمصر حق مراقبة مجرى النيل من منابعه حتى مصبه.
1959م أبرمت اتفاقية بين مصر والسودان لاقتسام مياه النيل ومقدارها قياساً في أسوان 84 مليار متر مكعب قسمت بعد 10 مليارات تبخر كالآتي: 55.5 مليار م3 لمصر و18.5 م3 للسودان.
كان موقف دول المنابع من هذه الاتفاقيات: أن الاتفاقيات القديمة موروثة من عهد الاستعمار وهم كدول جديدة ذات سيادة غير ملتزمين بها في تناقض مع مبدأ توارث الاتفاقيات الدولي. أما اتفاقية 1959م فهي ثنائية لم يشركوا فيها وهي غير ملزمة لهم.
2. لم تهتم دول المنابع كثيراً بمياه النيل للري لأنها في مناطق منابع النيل تحظى بأمطار غزيرة تكفي للري الزراعي. ولكن زيادة السكان فيها والاهتمام بالتنمية وتطور التكنولوجيا جعلها تهتم بالإنتاج الكهروبائي للتنمية فيها وللتصدير.
وبالنسبة لأثيوبيا بعد تحقيق درجة من الاستقرار فيها لا سيما منذ بداية القرن الواحد وعشرين ركزت على بناء السدود في بعض المناطق مثل وادي نهر الحواش للزراعة ولكن في المناطق الغربية من البلاد وهي جبلية كان بناء السدود للإنتاج الكهروبائي. أهم هذه السدود سد النهضة أو الألفية الذي أعلنت أثيوبيا العزم على تنفذه في أبريل 2011م.
التقديرات المتاحة حالياً أن هذا السد سوف يكون ارتفاعه 240متراً، ويكّون بحيرة سعتها 151 كيلومترا مربعا، ويحجز مياه مقدارها 63 مليار متر مكعب، وسوف يولد طاقة كهروبائية مقدارها 5250 ميغاواط وهي ثلاثة أضعاف ما يولد السد العالي من الكهرباء. ويكلف السد مبلغ 4.5 مليار دولار.
هنالك معارضة داخلية من بعض سكان منطقة السد لأنه سوف يغطي مساحة من أرضهم ويجبر على ترحيلهم.
وهنالك معارضة مصرية وسودانية بأن قرار إقامة هذا السد كان مفاجئاً لهما ولم يشتركا فيه ما أدى لاتهامات بأن في الأمر مؤامرة ضد البلدين.
لا شك أن القرار أثيوبي انفرادي. ونحن في مصر والسودان يهمنا كثيراً التعاون مع دولة الهضبة الأثيوبية لكيلا تقيم مشاريع تضر بانسياب المياه شمالاً. وكذلك مع دول الهضبة الاستوائية لنفس الهدف، وكذلك للتعاون في زيادة دفق مياه النيل الأبيض بحوالي 20 مليار متر مكعب بيانها:
9 من قناة جونقلي الأولى والثانية.
7 من قناة بحر الغزال
4 من السوباط ومشار
20 الجملة
ولكن تصرفاتنا في مصر والسودان كان لها دور مهم في صناعة الفوضى في حوض النيل. الفوضى التي من شأنها ترك الأمر سداح مداح للتصرفات الانفرادية:
‌أ. ظللنا نتمسك بحجة المعاهدات القديمة التي تجاوزها الموقف السياسي والاقتصادي والديمغرافي في دول المنابع، وحتى محاولة الأمم المتحدة إصدار اتفاقية دولية ملزمة لأحواض الأنهار المتعدية للحدود في عام 1997م لم تحسم الأمر لأن الاتفاقية نفسها حمالة أوجه ولأن أهم دول حوض النيل تحفظت عليها.
‌ب. صنعنا استقطابا في حوض النيل لأننا أبرمنا اتفاقية ثنائية في عام 1959م ورفضنا مشاركة دول المنابع متصرفين كأن النيل ملكية ثنائية خالصة لنا.
‌ج. صحيح أننا تجاوبنا مع مبادرة حوض النيل الدولية منذ 1999م، وأهم أهداف هذه المبادرة إبرام اتفاقية شاملة لحوض النيل ومع النجاح في الاتفاق على بنود الاتفاقية الجديدة تركز الاختلاف حول:
- تعديل الوضع القانوني القديم بما لا يؤثر بصورة جسيمة على الاستخدامات الحالية كما ترى دول المنابع، أم رفض أي تعديل كما ترى مصر والسودان؟
- أن يكون التصويت في المفوضية بالأغلبية أم بالأجماع؟
- مدى الالتزام بالأخطار المسبق في حالة الاقدام على أية مشروعات؟
نتيجة لهذا الاختلاف وقعت على الاتفاقية الجديدة ست دول يتوقع أن ترتفع إلى سبع بانضمام دولة جنوب السودان. بينما أعلنا في مصر والسودان مقاطعتنا لهذه الاتفاقية ووقفنا بعيدين عن المفوضية الناتجة عنها.
إدارة ملف مبادرة حوض النيل من ناحية مصر (النظام القديم) والسودان كانت معيبة للغاية.
الرجل المؤهل حقيقة لإدارة هذه الأزمة من الناحية المصرية هو د. محمود أبو زيد فهو رئيس سابق لمجلس المياه العالمي وهو القائد الطبيعي لفريق وزارة الري وعنده خبرة فنية وعلمية ودبلوماسية ممتازة. ولكن لأسباب غير موضوعية قرر رئيس الوزراء المصري آنذاك إعفاءه من الوزارة بصورة مهينة واستبداله بمهندس مؤهل أكاديمياً فحسب، فتولى الملف مندفعاً بمواقف نظرية فساهم في تكوين استقطاب حاد في حوض النيل حول الموقف من الاتفاقية الجديدة.
أما موقف السودان فيما يتعلق بملف الري هذا فقد كان كثير العيوب:
. إهمال ملف المياه في محادثات السلام فجاء بروتوكول قسمة الثروة خالياً تماماً منه مع أن الخبراء – مثلا- يوهانس أجاوين مدير منظمة العدل الأفريقية قال: موضوع استخدام مياه النيل من الأرجح أن يسبب الاحتكاك بين الشمال والجنوب مباشرة بعد إبرام اتفاقية السلام. لا توجد حجة مقنعة لإهمال المياه في بروتوكول الثروة. ورد في بروتوكول تقاسم السلطة على أن تكون الحكومة السودانية هي المسؤولة من هذا الملف بإشارة من حكومة الجنوب لكسب دول المنابع والمصب لصالحها. أي أن الجنوب غير مسئول عن موقف حكومة السودان من الاتفاقيات السابقة.
. عدم الحرص على استخدام حصة السودان في مياه النيل لذلك كنا في العهد الديمقراطي معطين تعلية خزان الرصيرص أولوية، ثم خزان سيتيت، ثم خزان مروي وشرعنا فعلا في تعلية الرصيرص. ولكن النظام الذي أطاح بالديمقراطية قلب الأولويات مع أن تعلية الرصيرص يكلف ثلث مروي ويزيد من كفاءة مروي وينتج ثلث الطاقة الكهرومائية مع الفوائد الزراعية الكبيرة. لا توجد حجة مقنعة لقلب الأولويات!
. وبعد توقيع الدول الخمس على الاتفاقية الجديدة في مايو 2010م في عنتبي ثم لحقت بهم بوروندي في فبراير 2011م تذبذب موقف السودان بصورة مخجلة.
طلبت مصر والسودان الدعوة لاجتماع وزراء ري دول الحوض في أكتوبر 2011م ثم طلبا تأجيله، وطلبا تأجيلاً ثانياً واستجيب لهما ليعقد الاجتماع في يناير 2012م ومع ذلك تغيبت الدولتان.
. واتسمت تصرفات الوفد السوداني بالذبذبة: خرج من اجتماع في مايو 2009م احتجاجاً على مناقشة مشروع الاتفاقية، وأعلن السودان أنه انسحب من مبادرة حوض النيل، ثم غير موقفه وأعلن أنه جمد عضويته ولم ينسحب، ثم غير موقفه مرة ثالثة بأنه جمد موقفه من مشاريع المبادرة لا من المبادرة ذاتها!
طبعا هذا الإهمال لقضية حيوية مثل مياه النيل والتقلب جعله ممكنا أن القيادة السياسية غير ملمة بالقضية والنظام الأوتوقراطي لا مجال فيه للمساءلة.
إذن حكومتا مصر (العهد القديم) والسودان ساهمتا في صناعة الفوضى في حوض النيل.
3. دول المنابع لا تقدر بالدرجة الكافية أهمية النيل الخاصة لمصر أولا ثم للسودان:
تعتمد مصر بصورة لا تقارن على مياه النيل لأنه موردها المائي الأوحد (95%) ومن يستعرض جغرافية مصر يرى أن الحياة فيها تقوم حول النيل. فصار النيل لمصر هو الحياة وهو أيقونة الوجود على نحو ما قال أحمد شوقي:
أَلَم نَكُ مِن قَبلِ المَسيحِ اِبنِ مَريَمٍ وَموسى وَطَهَ نَعبُدُ النيلَ جارِيا
فَهَلّا تَساقَينا عَلى حُبِّهِ الهَوى وهَلّا فَدَيناهُ ضِفافاً وَوادِيا
نحن في السودان أقل اعتماداً على مياه النيل ولكننا نعتمد على مياهه للزراعة المروية والتوليد الكهربائي.
لكي يحل التعاون محل الصدام ينبغي أن تدرك دول المنابع ما للنيل من أهمية حياتية خاصة في مصر ثم السودان، ولكن التعاون تفاعل، علينا نحن أيضا أن ندرك أن عوامل كثيرة استجدت في دول حوض النيل الأخرى: كثافة سكانية، ضرورة تنموية، مجاعات متكررة، خيارات جديدة أتاحها التطور التكنولوجي خاصة في مجال الانتاج الكهرومائي ما أعطى الانتفاع بمياه النيل لديهم أهمية مستجدة. وعلينا أن ندرك شعورهم بأننا في أسفل الوادي نتعامل معهم باستعلاء وحرص على مصالحنا دون مراعاة لمصالحهم. وعندما يتحدثون عنها يكيل لهم كثيرون منا الاتهامات بالعمالة لجهات أجنبية.
4. لدى مقابلتي لرئيس وزراء أثيوبيا في عام 1997م قال لي: نحن حريصون جداً على الاتفاق معكم ومع مصر حول مياه النيل، ولكن مصر والسودان يتصرفان معنا بموجب اتفاقيات قديمة كأن النيل لا يهمنا وهذا الآن تغير كثيراً فنحن أكثر سكاناً، والإنتاج الكهرومائي بالنسبة لنا أكثر أهمية للتنمية فإن استمر هذا الحال الذي يفرض علينا قراراً ثنائياً ويئسنا من التجاوب سوف نتصرف بما يحقق مصلحة شعبنا. وبعد أسبوع من هذا اللقاء التقيت الرئيس المصري السابق في القاهرة وتطرق الحديث لمياه النيل فقال: النيل هو حياة مصر ومن يمد يده عليه سوف نقطعها.
المبدأ الأول الذي يجب أن نقره هو العمل على منع أية تصرفات انفرادية في حوض النيل.
والمبدأ الثاني الذي ينبغي أن نقره هو استبعاد العنف في حسم قضايا النيل على أساس أن التعاون هو الركيزة الوحيدة التي تقوم عليها استخدامات مياه الأحواض المشتركة.
والمبدأ الثالث هو العمل على إبرام الاتفاقية الجديدة لحوض النيل ما يعني الانضمام لاتفاقية مبادرة حوض النيل فغيابنا من منبر يعني غياب مصالحنا والسماح للآخرين باتخاذ قرارات في غيبتنا فيبقى أمامنا خيار التقاضي الدولي أمام محكمة العدل الدولية، ولا تستطيع تناول الأمر إلا إذا احتكم لها الطرفان المختلفان، أو مجلس الأمن الدولي ولا يرجى أن يلزم دول المنابع بالاتفاقيات القديمة أو الاتفاقية الثنائية التي لم يكونوا طرفاً فيها. ينبغي أن ننضم للاتفاقية الجديدة ودول المنابع أبدت استعدادها للالتزام بعدم المساس بصورة مؤثرة سلبا على الحقوق المكتسبة. مع العلم أننا حتى في اتفاقنا الثنائي (اتفاقية 1959م) وضعنا بنداً لحصة محتملة للدول الأخرى في استخدامات مياه النيل.
إن ايجاد أساس قانوني جديد لحوض النيل هو الموضوع الأهم الذي يجب أن نركز عليه.
غياب الاتفاق الجديد لا يعني استمرار الوضع القانوني القديم الموروث كما يتوهم بعض الناس، ولكنه يعني إطلاق عنان الفوضى في الحوض.
الفوضى في حوض النيل هي عدونا الأكبر لأنها تفتح المجال للتصرفات الفردية وللاستقطاب الحاد.
5. رغم الفوضى الحالية ورغم أن أثيوبيا أقدمت على مشروع سد الألفية فإنها ما زالت تتحدث بلغة التفاهم مع مصر والسودان في تصريحات على لسان وزير خارجية أثيوبيا ورئيس الوزراء الأثيوبي الذي أعلن استعداد بلاده لمناقشة ومراجعة الآثار السلبية التي قد يسببها سد الالفية لمصر والسودان.
نعم سوف يؤثر قيام سد الألفية في أثيوبيا على انسياب المياه شمالاً بما يحدث من بخر من بحيرة، الخزان وما يؤثر على أوقات انسياب المياه.
نعم سوف يقلل الخزان من حجم بحيرة السد العالي.
نعم سوف يحجز السد كمية من الطمي الذي يخصب أراضينا، وربما يقلل السد حجم الطاقة الكهرومائية المنتجة في السد العالي.
نحن محتاجون لدراسة فنية شاملة للآثار السالبة التي يحدثها قيام سد الألفية في المجالات المذكورة وفي البيئة الطبيعية. هذا موضوع لا يعامل بالعفوية والارتجال وهو موضوع قومي ينبغي أن يشترك في أمره كل المجتمع بخبرائه ومهندسيه فاحتكار القرار فيه للحكومة خطأ جسيم.
هنالك إيجابيات يرجى أيضا أن تدرس بدقة أهمها:
. الطمي الذي سوف يحجزه السد يقلل من ترسبه في خزانات السودان والسد العالي ما يزيد من كفاءتها ويزيد من إمكاناتها في توليد الطاقة بسبب قلة الإطماء وبالتالي زيادة الطاقة التخزينية.
. بالنسبة لنا في السودان يمكن أن يحقق ما حققه السد العالي لمصر وهو تنظيم انسياب مياه النيل الأزرق لمنع هجمتها القصيرة العمر وضبط فيضانها وتنظيم توافرها على طول السنة. مما يقلل من مخاطر الفيضانات ومشاكل الهدّام السنوية.
. الوادي الذي يقع فيه السد عميق والمنطقة التي تخزن فيها مياهه طقسها أكثر اعتدالاً منه في السودان وفي مصر ما يجعل التخزين المائي فيها أفضل من حيث قلة البخر.
. مهما شيد السودان من خزانات فإنه محتاج لمزيد من الطاقة وكذلك مصر، السد سيوفر طاقة للتصدير لدول الجوار بما فيها مصر بتكلفة- تصل لثلث إنتاجنا لها- هذا طبعا بافتراض ربط الشبكة الكهربائية بين بلداننا.
إن لدول حوض النيل مصالح في مياه هذا النهر العظيم، يجب أن نعترف أن السيادة على النهر مشتركة فمصر صاحبة المصلحة الأكبر في مياه النيل لأسباب تاريخية وطبيعية، والسودان صاحب مصلحة كبيرة باعتبار ما لديه من أراضٍ صالحة للزراعة المروية، وأثيوبيا المنتجة الأكبر للمياه والكهرباء فالمطلوب نظرة تكاملية لمصلحة الأمن الغذائي والطاقي للدول المذكورة. ولا بد أن تدخل دول الهضبة الاستوائية في معادلة التكامل هذه. وهذا كله ممكن إذا تأكد للجميع وجود معادلات كسبية في حوض النيل تتحول لصفرية إذا غابت الحكمة والقيادة الرشيدة. هذا هو جوهر كتابي الصادر عام 2000م في القاهرة: مياه النيل الوعد والوعيد.
أما فيما يتعلق بسد الألفية فينبغي أن نسعى للمشاركة في كل أوضاعه بما في ذلك الدراسات الفنية لضمان كفاءتها والحيلولة دون أية سلبيات، وحبذا لو أن أثيوبيا أشركتنا في المشروع بما يحقق المصالح المشتركة خاصة وهناك لجنة فنية مشتركة حاليا فيها ممثلون لكل من أثيوبيا والسودان ومصر إضافة لأربعة خبراء دوليين لبحث المسائل الفنية، يمكن أن تقترح آلية مشتركة لإدارة السد. ولكن حتى إذا لم يتوافر هذا فنحن تهمنا ضبط مواعيد انسياب المياه شمالاً ومعرفة الزمن المطلوب لملء بحيرة السد وغيرها من العوامل الإدارية. وفي مجال المزارعة ومع قرب بحيرة السد من الأراضي السودانية يمكن شق قناة من بحيرة السد لري أراضٍ في السودان.
6. المطلوب بإلحاح الآن هو:
‌أ. إبرام اتفاقية حوض النيل الجديدة بمشاركة كافة الدول المتشاطئة على الحوض وهو ما تحققه الاتفاقية الإطارية إذا انضممنا إليها وركزنا داخلها على تحديد انصبة كافة الأطراف وكيفية تجنب الإضرار بالحقوق المكتسبة والاهتمام بالاتفاقيات والاستثمارات المطلوبة لزيادة انسياب مياه النيل.
‌ب. إيجاد صيغة تعاون مؤسسي في مشروع الألفية لزيادة الايجابيات واحتواء السلبيات.
7. قيام سد الألفية سوف يزيد من الحساسيات الأمنية في حوض النيل وهنالك عوامل اقتصادية مشتركة، وعوامل ثقافية مشتركة، وهي عوامل تشير إلى ضرورة حد أدنى من اتفاقية أمنية استراتيجية بين دول حوض النيل وربما أمكن تطويرها في اتجاه تكاملي أكبر. ولكن حالة التعامل الغافل القديم ما عادت ممكنة، بل إن استمرارها خطر على الأمن القومي مثلما هو خطر على التنمية وعلى الأمن الغذائي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.