وزيرالخارجية يقدم خطاب السودان امام مؤتمر القمة الإسلامية ببانجول    مشار وكباشي يبحثان قضايا الاستقرار والسلام    وزير الخارجية يبحث مع نظيره المصري سبل تمتين علاقات البلدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    الجنرال كباشي فرس رهان أم فريسة للكيزان؟    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما بعد المشير هل يعود الجيش لحكم مصر؟
نشر في حريات يوم 25 - 06 - 2013


(عبد الله السناوي – معهد العربية للدراسات)
"في حقائق القوة الكامنة، بغض النظرعن أدوارالرجال، لم تكن إقالة "طنطاوي"خطا أحمر رسم في الهواء لدور الجيش في السياسة".
تحكمت في المشير "محمد حسين طنطاوي" نزعتان قرب مغادرة "المجلس العسكري" سلطة الحكم في أغسطس سنة 2012، يمكن أن نوجزهما فيما يلي:
الأولى: قلق من الإخوان المسلمين:
جسدتها عبارة منسوبة إليه: "لن أسلم البلد إلي الإخوان المسلمين"، وفيها اعتبارات ومشاعر متضاربة، فهو ملتزم بتسليم السلطة لمدنيين في المواقيت المقررة، وقلق في الوقت نفسه أن تؤول إلي جماعة الإخوان المسلمين..
والثانية عودة الجيش للسياسة:
وقد عكستها عبارة أخرى توقع فيها أن: "الجيش سوف يعود بشروطه إلى ساحات السياسة في غضون ستة أشهر"، وفيها اختلطت التوقعات بالأمنيات، فالأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية، التي خبرها بنفسه، مرشحة للتفاقم، وفي الخلفية شيء من تمنى رد الاعتبار للمرحلة الانتقالية التي قادها.
النزعتان معا تعبران عن أزمة رجل طمح أن يخلف الرئيس السابق "حسني مبارك" على مقعد الرئاسة، ونازع رجلا آخر من داخل المؤسسة العسكرية وهو الراحل اللواء "عمر سليمان" رئيس المخابرات العامة الأسبق الطموح ذاته لكن قدراته السياسية خذلته، فلا هو تمكن من إدارة المرحلة الانتقالية بكفاءة تضمن سلامتها، ولا هو وضع نفسه في مكان بالتاريخ تطلع إليه.
لأسباب كثيرة ومعقدة سلم بنفسه السلطة للإخوان المسلمين، وجرت إطاحته تاليا من مقعده العتيد في قيادة القوات المسلحة، تولدت بعدها "عقدة الأب" عندالجيل الجديد من القادة العسكريين، خذل دوره الافتراضي في قيادة المرحلة الانتقالية، وهم خذلوه بدورهم بالطريقة التي خرج بها، وبدأت تلوح في الأفق السياسي المحتقن مع تصاعد الأزمات وتفاقمها احتمالات عودة الجيش مرة أخري على ما توقع ذات يوم قرب تسليم السلطة.
المشير وعزوف عن رئاسة ممكنة:
في أسابيع ثورة يناير الأولى ارتفعت حظوظه لتقلد المنصب الرئاسي، فالشعب يثق في جيشه، والجيش أضاف إلى رصيده التاريخي ما اعتبر انحيازا لثورة شعبية جديدة، وجماعة الإخوان المسلمين بسياساتها البرجماتية مستعدة أن تؤيد وتقايض الرجل القوي الجديد في مصر، والجماعات السلفية أخذت تبايعه في الميادين العامة أميرا جديدا للمؤمنين! وقوى سياسية أخرى لا تمانع أن يسند إليه المنصب الرئاسي كمرحلة انتقالية ضرورية،
وباستثناء بعض الأصوات التي ارتفعت مبكرا للتنديد بما اسمته "حكم العسكر" لم تكن هناك معارضة يعتد بها لصعود"طنطاوي"للرئاسة، وفيما بعد فإن ما كان محدودا اتسع وأفضت الإدارة الفاشلة إلى سحب على المكشوف من رصيد الجيش في الحياة العامة وتدهورت صورته بفداحة.
عزف المشير الأخير محمد حسين طنطاوي، لأسباب متداخلة، عن الترشح للرئاسة بعد أن آلت إليه مقاليد السلطة، من بينها حالته الصحية وتقدمه في السن، ورغبته أن يقضي ما تبقى له من عمر بين أولاده وأحفاده، وحجب أية احتمالات لترشح نائبه الطموح الفريق"سامي عنان" للمنصب نفسه، ممانعته في الضغوط الملحة التي تعرض لها من داخل المجلس العسكري أثارت تساؤلات عن الدواعي التي جعلته يرفض منصبا طمح طويلا إليه.. وفي اجتماع بأيام الثورة الأولي ضم ثلاثة جنرالات من بينهم اللواء"عبد الفتاح السيسي" وزير الدفاع الحالي واللواء"محمود حجازي" مدير المخابرات الحربية الحالي وأربعة شخصيات إعلامية كنت بينهم، سأل اللواء "محمد العصار":"من رئيس مصر القادم؟"..وكانت الإجابة مختصرة: "المشيرطنطاوي"أومن يشيرإليه، وبداالارتياح على وجوه الجنرالات دون أن يصدر عنهم أي تعليق!
وبدأ سباق الرئاسة..
عندما بدأ السباق الرئاسي لم يحسم المشير الأخير أمره: مع أي مرشح يقف؟. قال للراحل عمر سليمان : "على بركة الله"، ولم ينبس بكلمة إضافية، وضايق ذلك "سليمان" الذي خامرته فكرة أن المشيرلايريده رئيسا قبل أن يطاح به من السباق الرئاسي، في ظروف تحوطها تساؤلات، وبذات القدر لم يتحمس لترشيح الفريق "أحمد شفيق"، كان قلقا بدرجة ما أن يتولى رئاسة الجمهورية رجلا بخلفية عسكرية يحاول إعادة استنساخ أدوار أسلافه في العلاقة مع القوات المسلحة، وأبدى مقربوه تحفظا على"عمرو موسي" باعتقاد أنه قد يمثل"سادات آخر" ينقلب على قيادة الجيش في أقرب فرصة، ولم يكن مقتنعا بأن مرشحي الثورة لهم فرصة، وبشكل أو آخر أبدى تعاطفا مع "منصور حسن" لكنه لم يحاول أن يسانده، راقب التطورات الجارية أمامه وتدخل فيها بأضيق نطاق وترك مصير البلد لمقاديرها.
تلخصت أزمة الجيش والبلد معه في رجل امتلك القرار وحده، فالمجلس العسكري الذي يترأسه يدين بالولاء له، والقيادات العسكرية النافذة حصدت مواقعها برعايته، وفارق الأقدمية بينه وبين من يليه أربعة عشر دفعة، افتقد القدرة على التصرف المناسب في الوقت المناسب وأفضت تصرفاته إلي تمكين جماعة الإخوان المسلمين من السلطة كلها على عكس ما كان ينزع إليه وأوضحناه سابقا!
الجيش بلا خطة انتقالية:
لم تكن لدى المشير طنطاوي خطة لإدارة المرحلة الانتقالية، لم يتعامل مع ما جرى في يناير على أنه ثورة، لا هو ولا المجلس العسكري.
راهن على وقف الاندفاع الثوري ودخل في مواجهات شوارع مع الشباب الغاضب نالت من صورة المؤسسة العسكرية. راهن في الوقت نفسه على تفاهمات مع جماعة الإخوان المسلمين، وكانت الإدارة الأمريكية حاضرة فيها، وذهب لتعديلات دستورية أجري عليها استفتاء في مارس (2011) بدلا من إقرار دستور جديد يكون محلا لتوافق وطني ودخلت البلاد في انشقاق سياسي ضاعت خلاله خطى "العسكري"، الذي تذكر قبل تسليم السلطة أنه يسلمها بلا دستور يحكم صلاحيات رئيس الجمهورية، فصاغ علي عجل إعلانا دستوريا مكملا وصف بأنه مكبل- من قبل أنصار الرئيس محمد مرسي وبعض معارضيه- لأي رئيس منتخب، ألغاه الدكتور"محمد مرسي" في نفس لحظة إطاحته مع نائبه "عنان".
كان المجلس العسكري قد تحلل من داخله، وإدارة المرحلة الانتقالية دعت واحدا من أقوى رجاله أن يقول: "نفتقد إلى قيادة فكرية ملهمة" وانتقل الضجر الذي كان عليه إلى الروح المعنوية في مستويات القيادة المختلفة عندما تنقل إليها بصياغات مختلفة عبارته الشائعة: "متى نتخلص من هذه الأزمات التي حلت فوق رؤوسنا". بدت أعباء السلطة فوق طاقته واستحقاقات الحكم أكبر من قدراته.
هو رجل وطني يقول خصومه العسكريون إنه يعتقد نفسه"الوطني الوحيد"، ووثائق"ويكليكس" تؤكد التزاماته الوطنية، وهو رجل عسكري منضبط من مدرسة الفريق أول "محمد فوزي" الذي أعاد بناء القوات المسلحة، من تحت الصفر بعد هزيمة (1967)، وكلاهما ترأس الكلية الحربية في فترة من مسيرته المهنية، لكن هذه الصفات وحدها لم تسعفه في معالجة أزمات الحكم في مرحلة عاصفة.
ضد التوريث وناصرية التوجه:
تعود النزعتان اللتان تحكمتا به قرب تسليم السلطة إلى خلفيته السياسية والعسكرية، فهو ينسب نفسه إلى التيار القومي:"أنا ناصري"، وأغلب الجيل الجديد من العسكريين يتبنون الاتجاه نفسه، ينتسب بخبرته إلى مواريث يوليو ودور القوات المسلحة على مسارحها السياسية، وينتمي لجيل من العسكريين يعتقد أن الرئاسة من حق القوات المسلحة. لهذا السبب بالذات، قبل أي سبب آخر، عارض المشير"حسين طنطاوي" مشروع التوريث، كانت الفكرة السارية داخل العسكريين أنه طالما الأمر توريثا فإن القوات المسلحة هي صاحبة الحق، أما إذا كانت الرئاسة انتخابا حرا في نظام ديمقراطي فإن القوات المسلحة ستلتزم بما يقرره شعبها، هذه الفكرة مازالت تسري في سيناريوهات المستقبل، والمعني أن تدخل الجيش يظل محتملا إن لم تترسخ قواعد ديمقراطية تحكم اللعبة السياسية.
الجيش وسؤال السلطة المفتوح:
الكلام المتواتر عن تدخل جديد للجيش يمنع انهيار الدولة، تكمن فيه حالة انكشاف للنظام الحالي ونوازعه لتمكين جماعة بعينها من مفاصل الدولة، وعجزه شبه الكلي أن يوفر لمجتمعه شيئا من الطمأنينة العامة في التصدي لأزماته الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية بشيء من الكفاءة..
كما أن المشاحنات من حين لآخر بين الجماعة والجيش عبر وسائل الإعلام تدل على أزمة أعمق في بنية مؤسسة القوة الأولى لا يمكن تجاوزها إلا بقواعد لعبة جديدة، لا استبدال تمكين جماعة من الدولة كلها بتوريث سلطة من أب إلى نجله.
مكامن الخطر في تسييس الجيش ظاهرة، وقد دفعت مصر فواتير باهظة لتسييس مؤسستها العسكرية، وقد كان من بين أسباب هزيمة 5 يونيوعام 1967 وغياب قواعد الانضباط العسكري فيها، وشيوع نوع من التسييس في قياداتها، ترسخت فكرة عدم التسييس في المؤسسة العسكرية عند إعادة بنائها من جديد وخوض حرب الاستنزاف، وقد حافظت فيما بعد حرب أكتوبر1973 علي سلامة الجيش وسط تحولات السياسية وانقلاباتها.
في يناير 1977 فرض الجيش الأمن في شوارع القاهرة بأعقاب انتفاضة خبز مليونية مشترطا على رئاسة الدولة، قبل النزول إلغاء أسباب الغضب الجماهيري التي تلخصت وقتها في زيادة كبيرة بأسعار السلع الرئيسية، ثم عاد الجيش لضبط الأمن مرة أخري في عام 1986 بعد تمردالأمن المركزي.
في المرتين 1977 و 1986 أعيدت السلطة للرئاسة، في الأولى من المشير"عبدالغني الجمسي" إلى الرئيس"أنور السادات"، وفي الثانية من المشير"عبد الحليم أبو غزالة" إلى الرئيس"حسني مبارك"، غير أنه في المرة الثالثة فرض الجيش على الرئيس التخلي عن السلطة، وكان ذلك في فبراير (2011) لأن سؤال السلطة كان واضحا:"لمن ينحاز الجيش؟"!
مبارك والمشير ومرسي:
كان المشير "طنطاوي"على ولاء كامل ل"مبارك"، فالرئيس أقدم منه عسكريا، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ثم أنه دفع به إلى المناصب العسكرية العليا واحدا إثر آخر، و"مبارك"
كان يثق فيه ويرفض بصورة مطردة أية أفكار تشير بتغييره، نفس درجة الثقة حازها رجل آخر هو اللواء"عمر سليمان"، ورغم أن العلاقة بين قائد الجيش ورئيس المخابرات كانت تشوبها حساسيات وتوترات إلا أن كليهما نافس الآخر في الولاء ل"مبارك"، لكن الولاء العسكري لم يحل دون أن تتولد عنده انتقادات لمستويات الأداء في الدولة، ذات مرة دخل المشير على مكتب اللواء"صبري العدوي" قائد الحرس الجمهوري الأسبق غاضبا بعد اجتماع في مجلس الوزراء:"ما هذه الفوضى؟!.. هل يمكن أن أعطي التحية العسكرية مستقبلا لأحمد نظيف الذي أهاجمه بضراوة في مجلس الوزراء؟"..
بدا قائد الحرس الجمهوري محرجا ف"أنا أخضع مباشرة لرئيس الجمهورية"، الانتقادات ذاتها وصلت إلى مسئولية رئيس الجمهورية عنها، فبعد اجتماع آخر لمجلس الوزراء على ما يروي اللواء"حسن الرويني" قائد المنطقة المركزية السابق نظر المشير إلى صورة للرئيس السابق في مكتبه قائلا:"إنه السبب"، الإشارة تحمل الرئيس السابق مسئولية السياسات الاقتصادية التي تتبناها المجموعة الملتفة حول نجله الأصغر، وتوالت الروايات عن مواجهات المشير في مجلس الوزراء، وقد نشرت في حينها، وأبدى"مبارك" ضيقا بها:"هو نسي نفسه"، لكنه لم يفكر في إقالته، لا هو ولا اللواء"سليمان"، وكلما تقدم العمر ب"مبارك"كان أكثر تحوطا في مسألة تغيير القيادات العسكرية والأمنية.
لم يكن مبارك يريد أن يغامر بمنصبه وحياته معا، لكن المشير اقتنع في لحظة مواجهة الحقائق بأنه من الضروري أن يغادر"مبارك"، سأل"عمرسليمان"الذي عين قبل أيام نائبا لرئيس الجمهورية الدكتور "حسام بدراوي" أمين عام الحزب الوطني الجديد أن ينقل للرئيس ما قاله للتو من أنه ربما يلقى مصير الرئيس الروماني"نيكولاي شاوشيسكو" إن لم يتخل فورا عن السلطة..
أجابه"بدراوي": "أنامستعد أن أقول له هذا الكلام في حضور النائب، قاصدا اللواء عمر سليمان نفسه، ووزير الدفاع المشير طنطاوي، ورئيس الحكومة الفريق أحمد شفيق"،ردعليه "سليمان"على الفور: "وجودنا سوف يعقد الأمورولن يقبل أن يقال له مثل هذا الكلام في حضورنا" الرواية سمعتها من الدكتور"بدراوي" نفسه.
لم يكن "طنطاوي"انقلابيا.. في يوم (2) فبراير(2011) دعاه قائدا عسكريا يتمتع بثقته:"أقلبه"، وكانت إجابته:"لن يعترف بنا أحد في العالم"..نفس الفكرةرفضها قبل تسليم السلطة للمرشح الرئاسي للإخوان المسلمين، فهو رجل منضبط لا يغامر، فضلا أن أحدا لايفكرفي انقلاب عسكري في السابعة والسبعين من عمره!
قرب حسم الانتخابات الرئاسية استبدت به الحيرة، واحتار مقربوه فيما يريد، فهو يريد أن يلتزم بما تعهد به من نقل السلطة في مواقيتها، ولا يريد في الوقت نفسه أن يسلمها للإخوان المسلمين، لا يفكر في انقلاب عسكري ولا يقبل بخروج يقرره بنفسه من موقعه في القوات المسلحة.
يتأفف من الضغوطات الأمريكية لكنه لا يصدها، وأخذت حيرته مسارا جديدا في سؤال مستقبله بعد نقل السلطة:"هل يبقي في منصبه كوزير للدفاع؟".. هذا يتطلب أن يؤدى اليمين الدستورية أمام رئيس جديد قال له بعد انتخابه مباشرة:"أنت أخويا الكبير".
وقد تعمد العسكريون عندما زارهم للمرة الأولي قبل تنصيبه دستوريا في مقر الأمانة العامة للقوات المسلحة أن يخاطبوه باسمه مسبوقا بدرجته العلمية بلا أية أوصاف رئاسية، لم يرتدوا القبعات العسكرية التي تستوجب تأدية التحية الواجبة للرئيس المنتخب، ولم تخف الملاحظة على"مرسي".
في المشهد حيرة رجل لا يعرف بالضبط كيف يتصرف في الأوضاع الجديدة، كرامته تستوجب أن يغادر موقعه، فقد كان الحاكم الفعلي والرجل الأول في البلاد لعام ونصف العام، لكنه رأى أن واجبه يقتضي أن يبقى لوقت إضافي يحاول أن يرمم فيه صورة القوات المسلحة وإعادتها لمهامها الأصلية، وفي الحيرة ما بين اعتبارات كرامته ودواعي الواجب عنده تدهورت هيبته في عيون رجاله. اقترحوا عليه أن يظل رئيسا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة مع إسناد الصلة بالحكومة لوزير دولة للدفاع، يكون تاليا وزيرا للدفاع، ومن بين الذين تقدموا بهذا الاقتراح الدكتور"كمال الجنزوري" رئيس الحكومة وقتها، لكنه أصر على ما رأى، وقبل أن يكون عضوا في حكومة ترأسها الدكتور"هشام قنديل"الذي لم يصدق نفسه عندما أقسم اليمين الدستورية وزيرا للري أمامه عندما كان الرجل الأول في البلد، لم يطل الوقت بعدها على إطاحته.
"طنطاوي"حاول أن يدخل التاريخ بتسليم السلطة لمدنيين وفق انتخابات تتوافر فيها شروط النزاهة بقدر ما يستطيع، لكنه لم يتصرف على نحو يؤسس لحكم دستوري يستند على قاعدة التوافق الوطني، وعندما اشتدت الأزمات حوله كان يقول:"مصر محروسة" لكنه ترك الحوادث تجري إلى مصائرها وأفضت المرحلة الانتقالية الكارثية إلى استبدال استبداد باستبداد آخر وإجهاض الثورة نفسها وأطيح به في النهاية وذهب إلى عزلته مكتئبا.
في حقائق القوة الكامنة،بغض النظرعن أدوارالرجال، لم تكن إقالة "طنطاوي"خطا أحمر رسم في الهواء لدور الجيش في السياسة.
تدخل الجيش بين التمني والإحباط:
كان دخول العسكريين إلى مسارح السياسة ومقاعد الحكم في(11) فبراير(2011) داعيا إلى طرح سؤال الجيش بعد إطاحة"طنطاوي". وقد مثلت تجربة"العسكري" في الحكم على ما فيها من سلبيات فادحة إعادة تسييس واسعة النطاق في القوات المسلحة، تضاربت بعدها ضرورات عودتها للانضباط العسكري والمهام الأصلية في حفظ الأمن القومي، وما يرتبط به من تدريبات قتالية مع أجواء تذمر من الإهانات التي لحقت بها تصاحبها حالة عدم رضا عن مستويات أداء مؤسسة الرئاسة.
بشكل سريع استعاد الجيش ثقته في نفسه، تراجعت بوضوح نبرة الانتقادات الموجهة إليه، وفي تجربة "بورسعيد"، التي أعلنت عصيانا مدنيا غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث كله، لاقت تجربة الجيش مع أهلها نجاحا لافتا بصورة دعت مواطنين إلى حملة توكيلات واسعة لقائد الجيش الجديد الفريق أول"عبدالفتاح السيسي" لإدارة شئون البلاد، غير أن تأكيدات الأخير أن الجيش لن يتدخل في الحياة السياسية أصابت المراهنين عليه بإحباط.
سيناريوهات المستقبل لا تدخل فيها اعتبارات التمني والإحباط، واحتمال تدخل الجيش مجددا في السياسة تتحكم فيه حسابات داخلية ودولية، التدخل مرجح في حالة قرب دخول الدولة في إنهيار، والتدخل غالب في حالة استعداد القوى الدولية للقبول به.
إن التدخل تحوطه مخاوف أن يتورط في مواجهات داخلية دامية، وهو الجيش العربي الوحيد الذي لم تصبه التحولات الحادة في دول ما يسمى ب"الربيع العربي"، خلل الحسابات يفضي بطبيعته إلى مزالق لا نهاية لها..
وفي كل السيناريوهات المتوقعة فإن الجيش رقم صعب في الحياة السياسية المصرية لربع قرن إضافي على ما توقعه الرئيس الأسبق"أنور السادات" عام(1974)في حوارمع الأستاذ "محمد حسنين هيكل"من امتداد دور الجيش في الحياة السياسية لنصف قرن، نبوءة "السادات"تحققت تقريبا، وقد استند إلى الانتصار العسكري في حرب أكتوبر وتداعياته على الأوضاع الداخلية، ومن المرجح أن يمتد الدور بصيغ مختلفة في المستقبل وفق سيناريوهين رئيسين:
السيناريو الأول:
أن يتدخل الجيش مرة أخرى تحت ضغط الحوادث وانهيارات الدولة، لكن يصعب أن يتحول إلى سلطة حكم دائمة، فالأوضاع الداخلية والدولية لا تسمح، وهو غير مهيأ بطبيعته للحكم، كما ثبت ذلك في تجربة المشير"طنطاوي"،
والأغلب أن تشهد مصر مجلسا رئاسيا يعبر عن قواها السياسية الرئيسية، ويشرف على وضع دستور جديد ويواجه الاستحقاقات والأزمات الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية الضاغطة، ويمهد لانتخابات رئاسية جديدة، ومن طبائع الأمور أن يمثل الجيش في هذا المجلس الرئاسي شخصيات تنتسب إليه.
السيناريو الثاني:
ألا يتدخل الجيش بصورة مباشرة لكنه يضغط على الرئاسة لتصحيح المسار الكارثي الذي تندفع إليه البلاد، وأن يدخل في مشاحنات جديدة معها تفضي إلى إضعاف مركزها أكثر مما هي عليه الآن، دون أن يقوم بانقلاب مباشر عليها،
المعني أن يوازن لا أن يحسم، يضغط لا أن يحكم، إلا إذا اضطر للتدخل اضطرارا لمنع انهيار الدولة.
في السيناريوهين تتجلى صورة "المشير"ونزعته المحبطة في عدم تسليم السلطة للإخوان المسلمين وتمنيه بعودة مجددة للجيش إلى مسارح السياسة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.