لا أعرف ماذا يريد أهل الحكم في السودان، فبعد أن قطعوا جزءاً من أرض الوطن، وأشعلوا النيران في أطراف أخرى، كادت تجد مصير الجزء المقطوع، ها هم يشعلون النيران في الشمال القصي الهادئ دائماً، الساكت على مظاهر التهميش، والتطنيش، والتهليب، وها هم يحرقون نخيله، ويبيعون أراضيه، ويتوعدون بمحو ما بقي من آثاره بعد أن يغمروه بماء النيل بعد أن يبنوا ما شاء لهم من سدود. ابناء الشمال الذين فاض بهم الكيل خرجوا حاملين سعف النخل، ولافتات مهترئة للمطالبة ببعض حقوقهم من الماء والكهرباء وضرورات الحياة، فإذا بهم يواجهون بحشود مدرعة من القوات النظامية التي تضرب وتسجن من دون مراعاة لسن أو احترام للحرائر اللائي فاض بهن الكيل، فخرجن مناصرات الرجال، ومعبرات عن رأيهن في حياتهن التي أصبحت كالموت.. إن هذا الذي يحدث استمرار لسياسة العصا الغليظة التي ترهب وتسكت وتميت من دون احترام لآدمية الإنسان.. والعجيب أن يتغير العالم كله، ولا نزال نحن نعيش كل جبروت العسكر، وإرهابهم، فلا دور لإعلام، ولا حركة فاعلة من منظمات المجتمع المدني خارج حدود السودان التي عليها أن تلقي الضوء على هذا الظلم البين، وأن تنقل ما يحدث في شمال السودان ليشاهد العالم كيف تهدر آدمية إنسانه.. فهل سيطول صمت العالم بعد أن نامت أعين الإعلام العربي عن هذا المشهد المريع؟ وأين قيادات الأحزاب التي تدعو إلى المهادنة، والتغيير السلمي أم طاب لهم السلم والأمان، بعد أن أناموا ضميرهم وغفلوا عن الشعب وحياة الضنك التي يعيشها؟