سمير فريد الثقافة فى اللغة العربية مشتقة من تثقيف الرمح أى صقله، وهى تعبير دقيق يعنى أن المثقف هو الإنسان، الذى شذبه العلم وصقله، أى يتقن عمله عن معرفة عميقة، سواء كان معمارياً يبنى أم طبيباً يعالج أم مدرساً يعلم، أم فناناً يكتب أو يغنى، وهكذا، أى أنه «المهنى»، صاحب الموهبة والكفاءة. وإلى جانب المثقف المهنى، هناك المثقف «العضوى»، كما أطلق عليه المفكر الإيطالى جرامشى، أى الذى لا يتمتع بالموهبة والكفاءة فقط، وإنما يهتم أيضاً بالعمل العام والسياسى منه على وجه الخصوص وعلى سبيل المثال يعتبر الدكتور مجدى يعقوب نموذجاً للمثقف المهنى، بينما يعتبر الدكتور محمد البرادعى نموذجاً للمثقف العضوى، ولا يعنى هذا بالطبع أن مجدى يعقوب لا يهتم بما يحدث فى بلاده، فلا يوجد مثقف يعيش فى «برج عاجى» كما يقال، وكلهم يعيشون فى الواقع بين الشعوب التى ينتمون إليها، ولكن المثقف المهنى هو من لا يرغب أو لا يقدر على المشاركة فى العمل السياسى. المثقفون المصريون الذين مهدوا لثورة 1919 الشعبية الكبرى، وصنعوا نهضة مصر فى العصر الديمقراطى من 1923 إلى 1953، كانوا من المثقفين العضويين الذين شاركوا فى الحياة السياسية، وأسسوا الأحزاب وتداولوا السلطة من أحمد لطفى السيد إلى طه حسين، ولكن كان هناك أيضاً من لم يشارك فى العمل السياسى من توفيق الحكيم إلى نجيب محفوظ. فى العصور التى سادت فيها النظم الإمبراطورية والملكية فى العالم، كان المثقف المهنى يعمل تحت رعاية الملوك والأمراء، بل عاش بعضهم فى القصور الملكية، وكان المثقف العضوى تحت رعاية نخبة الشعب الذى يتوجه إليه بعمله، ولكن هذا لا يعنى أن كل من عاش فى القصور كان بعيداً عن الشعب، ومنهم مثلاً الرسام جويا، فقد كان رسام البلاط الملكى فى إسبانيا ولكنه رسم أيضاً ما يريده، واستطاع أن يصبح ضمير الأمة فى لوحاته. وفى القرن العشرين الميلادى، وبعد الحرب العالمية الأولى 1914 1918، التى أصبحت الدنيا بعدها غير الدنيا قبلها، نشأت فى الأنظمة الشمولية «الشيوعية فى روسيا والفاشية فى إيطاليا والنازية فى ألمانيا»، ولأول مرة، وزارات للمثقفين باسم «الإرشاد القومى» ومسميات مشابهة، وذلك لتوجيه المثقفين، خاصة الفنانين فى المسرح والسينما والموسيقى والفنون التشكيلية، وبعد الحرب العالمية الثانية 1939 1945 تغير الهدف مع تغيير المسميات إلى وزارة الثقافة أو وزارة الفنون، ولكن ظلت العلاقة بين الدولة والمثقفين ملتبسة فيما يتعلق بمدى حريتهم فى التعبير مع وجود وزارة تعنى بشؤونهم.