«إذا كنت تبحث عن الجانب المضىء لما يحدث الآن فى مصر، أقترح عليك أن تصعد لارتفاع 30 ألف قدم ثم تنظر إلى أسفل. من هذه المسافة، الأحداث فى مصر منذ عامين ونصف تقريبًا ستبدو منطقية. قامت مصر بثلاث ثورات منذ أوائل عام 2011، وعندما ننظر إليها فى المجمل، نفهم الرسالة حول ما يبحث عنه أغلبية المصريين»، كانت هذه مقدمة مقال نُشر للكاتب العالمى توماس فريدمان فى صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بعنوان «ثورات مصر الثلاث». فريدمان أوضح أن الثورة الأولى هى عندما أطاح الشعب والجيش المصرى بالرئيس المخلوع حسنى مبارك فى 2011 وتولى المشير حسين طنطاوى شؤون البلاد. واعتبر الكاتب أنه عندما فشل طنطاوى فى إدارة البلاد استُبدل به ما أسماه «انتخابات ثورية» من خلال جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسى، الذى حاول بدوره السيطرة على السلطة من خلال الإطاحة بقيادات الجيش وتمكين المُوالين للجماعة فى المناصب المهمة. ويرى فريدمان أن طريقة مرسى الاستبدادية وغير الشاملة وقيادته الاقتصادية الفاشلة أدت إلى خوف المصريين، الذين تحالفوا مع جيل جديد من قادة الجيش، فى الشهر الماضى، فى ثورة ثالثة للإطاحة به. وتابع القول «للتوضيح بطريقة أبسط، ثورة مصر الأولى كانت للتخلص من التأثير القمعى للنظام، والثورة الثانية كانت للتخلص من البقايا، والثالثة كانت للهروب من الطريق المسدود». الثورة الأولى، كما يصفها الكاتب، حدثت لأن عددًا ضخمًا من الشباب المصرى غير المنتمى إلى التيار الإسلامى نشأ وقد اختنق من سيطرة التأثير القمعى لنظام مبارك الذين شعروا فيه أنهم يعيشون فى نظام مزيف، وغير قادرين على تحقيق قدراتهم الكاملة فى ظل نظام يفتقر إلى الرؤية. واعتبر أن الجنرالات الذين تبعوا مبارك كانوا هم بقايا النظام، مما جعل كثيرين من المصريين اللبيراليين مستعدين للتصويت لمرشح جماعة الإخوان المسلمين بدلا من الجنرال الذى كان ينتمى إلى نظام مبارك. لكن مرسى فضَّل فرض سيطرة الجماعة على الحكومة بدلًا من أن يحكم بنفسه، ووصل بمصر إلى طرق مسدود، مما جعل المصريين ينزلون مرة أخرى إلى الشارع ويتوسلون للجيش للإطاحة بمرسى. بالنظر إليهم نظرة شاملة هناك رسالة من أغلبية المصريين مفادها «لا نريد مزيدًا من القمع، نريد حكومة تطمح إلى جعل مصر فى مقدمة العالم العربى مرة أخرى. لا نريد مزيدًا من البقايا، نريد حكومة تكون شاملة وتحترم أن ثلثى المصريين لا ينتمون إلى التيار الإسلامى، وكثيرين المسلمين لا يريدون العيش فى دولة دينية». فريدمان يرى أنه كان من الأفضل الإطاحة بمرسى، وعلَّق بالقول «لكن ما حدث قد حدث. نحن بحاجة إلى تحقيق الأفضل». وذكر أن الشىء الصحيح بالنسبة إلى الرئيس باراك أوباما أن يفعله الآن ليس فقط تجاهل دعوات قطع المساعدات الاقتصادية لمصر، ولكن يجب أن يسعى لجعل العالم كله يساعد الحكومة المصرية الجديدة على النجاح. أشار فريدمان إلى أنه ليس مفاجأة أن الناس خائفون من احتمال أن يبقى الجيش المصرى فى السلطة إلى أجل غير مسمًّى، واعتبر أنه أمر خطير، ولكنه عبَّر عن عدم قلقه حول هذا الشأن، موضحا أن الشعب المصرى أصبح أكثر قوة، وأن غالبية المصريين خلال ثلاث ثورات دعوا إلى إسقاط حكومات كانت تسير فى الطريق الخطأ.