[email protected] الرقيق الأميركي وتجارة الرقيق في وادي النيل كثيراً ما كنا نفخر بجندنا البواسل و هم يحاربون في المكسيك و في كرن – كرن كانت حرباً قريبة عهد و نعرفها أو علي الأقل تفهمنا دوافعها و دواعيها و قد كان إستقلال السودان وعداً أوفت به القوة المستعمرة، أما المكسيك فهي بدأت كأسطورة، ما الذي دفع بأؤلئك الجنود إلي تلك البلاد البعيدة و ماذا فعلت لشعبنا حتي نرسل قواتنا لمحاربتها؟ أسئلة كثيرة وجدت الإجابة عليها في كتاب إبتعته منذ عام 85 و لم أجد الوقت لأتصفحه إلا الآن، لأكتشف حقيقة القوات السودانية في المكسيك- فهي لم تكن قوات سودانية إلا بسحنتها و ربما لو عاش بعضهم إلي يومنا هذا لأنكروا إنتمائهم لبلاد السودان! تماماً كما كان ينكر صديقي الأميركي ذو الجذور الإفريقية عندما قلت له ذات يوم" أنت إفريقي و من عندنا " فما كان منه إلا أن رد بغضب " لا ، أنا أميركي " و دهشت ! مؤلف صغير الحجم، تقل صفحاته عن المائتين، غير أنه نتاج جهد كبير و بحث مُضني في السجلات الأمريكية فمن خلال مكاتبات و مراسالات قناصل الحكومة الأمريكية و قناصل لدول أُوروبية في مصر و غيرها من دول العالم خلال منتصف القرن التاسع عشر ، إستطاع الباحث السوداني د. أحمد البشير – الحاصل علي درجة الكتوراة من جامعة هاوارد في واشنطن و قد طُبع الكتاب في عام 83.أن يسلط الضؤ علي حقيقة تجارة الرقيق و أسطورة القوات السودانية في المكسيك! عرف الكاتب وادي النيل بأنه يشمل المنطقة الجغرافية من مصر و حتي السودان (القديم بالطبع).ومن سخرية الأقدار فإن غالب الأحداث كانت تدور حول جهود الولاياتالمتحدة و إنجلترا لمنع تجارة الرقيق! وكلا الدولتين ضالعتين في تلك التجارة وقد عملت سواعد مواطنينا السود في بناء تلك الدول – لم تكن دعةو محاربة تجارة الرقيق مخلصة – تماماً مثل الجهود الحالية لمحلربة الإرهاب –ذريعة للتدخل في شأن الدول الأخري و تحريك الدماء في أجساد إمبراطوريات شاخت! حيث يؤكد المؤلف بأن تلك الدول إستفادت من تجارة الرقيق، كما يُؤمن علي حقيقة أن المجتمع الأمريكي مجتمع سادت فيه العبودية –و هو أمر يُلاحظ حتي اليوم في التكوين الإجتماعي لأمريكا و هو يغلب علي سياستها و يؤثر في مجري الحوادث اليومية و لعل الجميع تابع خبر الشرطي الأميركي الذي تمت تبرئته من مقتل شاب أسود، حيث نقلت الفضائيات أخبار المحاكمة و المظاهرات التي خرجت مستنكرة! و قد تدخل أوباما لتهدئة الخواطر! وموضوع السود و تاريخهم يثير الحساسية إلي اليوم هنالك. لاحظ الباخث التعتيم الذي حدث علي تجارة الرقيق و العبودية في الدراسات التي تمت حول العلاقات الأمريكية مع وادي النيل في القرن التاسع عشر و عزا ذلك إلي أن الموضوع كريه ! و أن غالب الدارسين كانوا من الأمريكان و المصريين، مما دعاهم لتجنب الموضوع. تجارة الرقيق كانت واضحة في مصر و أطراف السودان الشمالي –جبال النوبة، شمال بحر الغزال، نهر السوباط و الحدود السودانية الإثيوبية.المنطقة الثانية تشمل الرقيق الأبيض من أناضوليا – تركيا الحالية ، سيركاسيا، البحر الأسود، جورجيا، منطقو القوزاق و جنوب شرق أروربا و الرقيق الملون من إثيوبيا. مصر كانت مصدرة للرقيق الأسود و مستوردة للرقيق الأبيض و الملون- أما السودان الشمالي فقد إمتص معظم المختطفين السود و صدر الباقي إلي مصر و الجزيرة العربية. لالآف السنين كانت الدولة المركزية في مصر و لاحقاً في السودان الشمالي كانت تفترس جيرانها السود. مجئ الإسلام في نظر المؤلف عزز تجارة الرقيق و لم يبدأ بها. حقيقة أن القبائل السوداءؤ طانت وثنية أعطت مُبرراًلإستمرار الرق.كما أن صغر المساحة الزراعية و وجود طبقة الفلاحينٍ المسالمة في مصر أدي إلي عدم إستخدام العبيد في الزراعة – كما حدث في أميركا.لذلك تم تجنيدهم في الجيش و كخدم في المنازل ، كما أن إباحة الإسلام للسراري و الخليلات أعطي الناس ترف الحصول علي العبيد بقدر ما تسمح به أخوالهم المالية. إحتفظت الطبقة الحاكمة و النخبة في مصر بالحريم حيث أُستخدم المخصيين في خدمتهن و قد كان جلهم من السود.ٍ أما فيما يختص بموضوعنا و هو حول الجنود السودانيين و حربهم العبثية في المكسيك فقد اورد الباحث أسباباً شتي لأخذهم ، منها قدرة تحملهم علي الحرب في المكسيك و مناعتهم من الأمراض الإستوائية إضافة إلي شجاعتهم. ولكنه ذكر بأن قنصل أميركا إحتج للسلطات المصرية علي أخذ هؤلاء الجنود رغم إرادتهم و مؤكداً علي أن بعضهم أُخذ من شوارع الإسكندرية! مما يعني بأنهم غير سودانيين و لكنهم سود!(التعليق من عندي).و قد رد عليه وزير خارجية مصر بأن حكومة مصر لا تفرق بين أسود و أبيض و بأن كل الجنود يعاملون بالتساوي و كل أسود يدخل الجيش المصري يصبح حُراً ! يعني لا خيار أمامهم إما التجنيد أو الرسف في الأغلال – أغلال العبودية و قد أكد بابكر بدري في أوائل القرن العشرين خلال أسره بمصر بأنه تعرض للسُخرة – أي العمل المجاني ! و هي العبودية ذاتها. لم يرد في الكتاب بأن هؤلاء الجنود أُخدوا من السودان ! و حتي لو حدث ذلك ليس مما يدعو للفخر – فهؤلاء الجنود سيقوا قسراً لحرب لا غبينة لهم فيها و قد مات حوالي ربعهم في تلك الأجواء القاسية و نحن نتعاطف معهم لأسباب إنسانية ونأسي لهم.لذلك علينا أن نترك الأوهام و أن لا ننسب حرب أؤلئك الرجال المساكين للسودان و مفاخره و ألا نعدها من مآثر جيشنا الباسل! و إلا فليأتي كل من يفعل ذلك بدليله! أين أهلهم بالسودان ؟ و أين أحفادهم؟ ثم إن مصر لم تكن حرة و السودان لم يستقل بعد، فكيف نعدهم من جُندنا ؟ في زيارة إلي مصر وجدت في منطقة قناة السويس جندي مصري أسود ، فسلمت عليه و تبادلتُ معه حديثاً و قد فهمت منه بأنه يُعامل كدرجة تانية و ليس كمواطن مصري و هو من الزومة و لعله ما زال حياً ليؤكد هذه المعلومة أو ينفيها! إن أي حديث لحرب لنا ضد الفاشية أو النازية أمر لا يقبله عقل إذا أن الإنجليز لم يكونوا أفضل من النازيين في معاملتهم للأفارقة و ما زالت عظام جنودنا في كرري شاهداً علي أكبر مزبحة في التاريخ و لو أننا نتنتع بأي حس وطني لطالبنا برد الإعتبارلهؤلاء الجنود و تعويض البلاد عما لحق بها من مزابح – وهنا نذكر بما تفعله إسرائيل من تبنيها لمزابح اليهود في أوروبا و هي لما تولد بعد! و إثارتها لمزاعم بمزابح للأرمن من قبل تركيا – كيد في السياسة تجيده إسرائيل!ٍٍٍِ إن ما فعلته بريطانيا في السودان حدث بعضه متزامناً مع ما حدث لليهود في أوروبا و علي محامي السودان السعي لرد الحقوق و طلب تعويضات لضحايا الإحتلال البريطاني و مما يُحمد للقذافي بأنه إستطاع إجبار إيطاليا علي تعويض ليبيا علي جرائمها في ليبيا و هي سابقة علينا الإستفادة منها! الآن سيذهب الكثير منا إلي سفن نقل العبيد لو جاءت إلي سواحلنا ! هروباً من عسف الحكومات التعيسة كما يحدث الآن من هروب بالزوارق إلي أُستراليا و إيطاليا و إلي اليمن و إلي إسرائيل سيراً علي الأقدام.