زوج أعمى وزوجة خرساء مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مُهمَلهْ وعينان نائمتانْ أعود ثلاثين عاماً وخمسَ حروب وأشهد أن الزمانْ يخبئ لي سنبلهْ يغنّي المغنّي عن النار والغرباء وكان المساء مساء وكان المغّني يُغَنّي ويستجوبونه : لماذا تغّني ؟ يردُّ عليهم : لأنُي أُغنّي وقد فتَّشوا صدرَهُ فلم يجدوا غير قلبهْ وقد فتشوا قلبَهُ فلم يجدوا غير شعبهْ وقد فتَّشوا صوتَهُ فلم يجدوا غير حزنهْ وقد فتَّشوا حزنَهُ فلم يجدوا غير سجنهْ وقد فتَّشوا سجنَهْ فلم يجدوا غير أنفسهم في القيود الشاعر الكبير محمود درويش من أجمل ما قيل في الحرية.. الحرية شرط كل شيء .. و لا شيء شرط للحرية… إذا رفضت أن تكون محتلا في منطقة ضميرك، فليس في مقدور أحد أن يحتل منك مكان آخر.. عندما يتحرك قطار الحرية، فإن على الناس أن يختاروا بين أمرين: إما الركوب فيه،،و إما الموت تحت عجلاته… الحرية “واجب” لا بد من أدائه.. و ليس “حق” يمكن التنازل عنه.. الحرية ليست ثمنا للحقوق… كما أن الحقوق ليست أثمانا للحرية.. فمن يطلب منك التنازل عن حقك لكي يمنحك الحرية ، او يطلب منك التنازل عن الحرية لكي يمنحك حقك، فهو كمن يمسك بيدك من جهة و برقبتك من جهة أخرى ثم يهددك بقطع أحدهما ثمنا لترك الأخرى… من أقوالهم وليس من أقوالي، أو أفكاري (كانجورا وتقسيم الوطن) كلما ضاق الحال بأهل الحكم، وأبواقهم تحسسوا مسدساتهم، وفكروا في تضييق الحريات، وظنوا أن بذلك يمكنهم حماية طغيانهم، وتلك الصحيفة العنصرية البغيضة “كانجورا” كلما ضاقت الحلقة على أهلها بشرتنا باغلاق ” أجراس الحرية”، وهي الصحيفة التي تنادي بالحريات، وكانت تدعو للوحدة على أسس جديدة، وظلت صوتاً للمهمشين، ومنبراً للديمقراطيين، ونافذةً من نوافذ المجتمع المدني،لكن أهل ” كانجورا” بعد أن ساهموا في عملية تقسيم الوطن شمال وجنوب، هاهم يبدأون مخططهم لخلق الفوضى، وتحريض الآخرين للخروج من خارطة الوطن الجريح، فبعد أن خرج الجنوب، وينتظر الآن شهادة الميلاد، بداوا يستفزون المهشمين في النيل الأزرق، وجنوب كردفان، ودارفور، وبدلاً عن الدعوة للحوار مع الحركة الشعبية ، ها هم يطالبون بعدم منحها ” صك غفران”، أو تذكرة وطنية لممارسة حقها، وكان الوطن هو ملكهم، ويعلمون أن ذلك سوف يقود لاستفزاز أهل تلك المناطق، كما يطالب كبيرهم الذي علمهم السحر باغلاق الحوار مع مني أركو مناوي، وكانه يريده أن يعود إلى الحرب!. أيها أهل المنبر؛ وتلك ” كانجورا” لمصلحة من تريدون تقسيم الوطن؟. ولصالح من تعملون؟. وهي أسئلة لا نطرحها على طريقة “المؤامرة”، وهي عادة نكرهها من موقف ” ديمقراطي” إلا أن أفعال المنبريين تثير التساؤلات، وتدعو لمراجعة الأمر بشجاعة، وهو لماذا يقفون ضد المساواة؟. ولماذا يرفضون السلام الاجتماعي؟. ولماذا هم سعداء غاية السعادة باستفزاز الآخرين ليخرجوا عن خارطة السودان القديم؟. ما بين الحوش وود سلفاب وعركي وهاشم صديق ما بين الحوش وود سلفاب، يظل الشاعر الكبير هاشم صديق، هو فارماس الشعر، ونخشى أن تختلط الأوراق، ونقول شاعر الشعب، هذا اللقب الذي أطلق على الشاعر الكبير محجوب شريف، لكن يظل هاشم صديق، هو فارماس، وهو شاعر الشعب كذلك في مسرحيته المعتقة ” نبتة حبيبتي”، ويلهمنا كل فترة باجمل ما تجود به قريحته، قبل يومين نعى هاشم صديق الفنان الكبير مصطفى سيد أحمد، ونجم الملاعب الراحل والي الدين محمد عبد الله، الذي رحل قبل سنوات ، وهو في قمة مجده الكروي، لكن هاشم صديق يظل وفياً له، برغم أن نادي الهلال الذي لعب له والي الدين قد نسيه ، لكن قلب الشاعر ، يظل ذاكرة قوية للشعوب، وقلب الشاعر فسيح ورحب و”أبيض” برغم تحفظي على الصفة، وطالما هو القلب كذلك، ليته يجلس مع صديق العمر، وفارس الأغنية السودانية أبو عركي البخيت، ليؤذنا لنا بفجر الحرية، ويطويا صفحة الأحزان، ويدوزنان مشاعرنا ب”أَضحكي”، ويا عركي، ويا هاشم، أخلتفتما، ولا أعرف من السبب، ولا أريد أن أعرف، وأوقفتما غنائكما الجميل، إلا أن سوق الكاسيت، والمواقع الالكتورنية يحتفظان بذات الألق، ولا تسطيعان منع السودانيين من الاستماع له، حتى ولو جاء بوليس “المصنفات الفنية، وها أنا أعلن لذه المصنفات أنني أمتلك نسخة قديمة من كاسيت “أصحكي” أستمع لها صباح مساء!. ومناسبة هذا القول، أن قصائد هاشم القديمة، وبما فيها “الملحمة” عادت لوجدان الناس هذه الأيام مع هبوب الرياح الشمالية، والشمالية الغربية، وليت الصديقين اللدودين يدركان أن الشعب ينتظر منهما الجديد. جاء في روايات طرائف الحكام وهى لحاكم يعبد الديمقراطية عبادة، وصل إلى سدة الرئاسة عن طريق تمرده على معلمه السابق الذي بقي على رأس السلطة ربع قرن من الزمان حتى أصابه الخرف وهو في ريعان الشيخوخة، إلى أن وصل به الأمر حداً جعله يسأل مرة أحد وزرائه: من أنت؟ أجابه: أنا وزير الدفاع. فقال له: اذهب إلى بيتك فأنت معزول. المهم هنا هو أن الرئيس الجديد تعهد أمام شعبه بأنه لن يقبل أن يجدد فترة رئاسته سوى مرة واحدة. ومنذ عشرين عاماً وهو يجدد فترة رئاسته مرة واحدة عندما تنتهي مدتها. ولما توسلوا إليه، باسم الشعب، أن يجعل رئاسته مدى الحياة أجاب بحزم: وهل تريدون منّي أن أصل إلى مرحلة الخرف؟. زوج أعمي وزوجة خرساء قال أحدهم ” اذا اردت ان تجعل زوجتك تستمع الي كل كلمة تقولها: قل ذلك وأنت نائم!”. واكثر المنازل هدوءً تلك التي يقطنها زوج اعمى وزوجة خرساء.