احتفاء بصدور كتابه "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي"، نظم المجلس الثقافي للبنان الجنوبي، بالتعاون مع وزارة الثقافة، في إطار بيروت عاصمة عالمية للكتاب، احتفالاً تكريمياً لكريم مروة، الذي كان أحد قادة اليسار ولم يفارق مشروع تجديده، فكراً وممارسة وتنظيماً، وكتب وناضل وثابر، محاولاً تقصي أسباب الفشل في مواجهة التحديات الجديدة. وشارك في الاحتفال وزير الإعلام طارق متري، وفاعليات. وحضر النائبان علاء الدين ترو ومروان فارس، والوزير السابق محمد يوسف بيضون، وذلك في قصر الأونيسكو بيروت. قدم الاحتفال سناء أبو شقرا الذي اعتبر أن "محاولات إصلاح كثيرة فشلت عبر التاريخ، لكنها تركت، كلها معالم وبصمات. وإذا كانت محاولات القرن العشرين التي أعلنت نفسها اشتراكية، قد قصّرت عن أهدافها المعلنة، إلا أن بصماتها على التاريخ كانت أكثر عمقاً وتأثيراً". وقال متري "جعل مروة الدفاع عن حقوق الإنسان قضية النهضة الأساسية. ويقول بمحاذرة الإنزلاق الى الشعبوية والمغامرة اللتين تيسّران أو تسوّغان الاستهانة بها". وأضاف "يستعين على الوعورة بالأمانة للواقع، وهي عنده التزام أخلاقي، فضلاً عن كونها مسألة معرفية، كما يستعين بنوع من اليوتوبيا، لا بوصفها خيالاً أو طلباً للمال، بل بوصفها مبدأ للأمل، متصالحاً مع فكرة التغيير الديموقراطي وعلى مراحل". واعتبر أنه "ينطلق في رسم الملامح العامة للمشروع الجديد لليسار في العالم العربي من إعادة الاعتبار الى السياسة، ويضع بناء الدولة في مقدمة القضايا". ورأى أن "السياسة عند كريم مروة ليست "خناقة شرقية"، بل تتعدى مجرد صراع على السلطة، يتوسّل المضامين الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وتشترط إعادة الاعتبار هذه تحرير العمل السياسي من الآفات الشائعة في بلداننا بإسم السياسة، أي النفاق والخداع والتزوير والعناد والإفساد وإثارة الغرائز". وتابع "يرى المؤلف ضرورة الفصل في الفهم والممارسة، بين الدولة كمؤسسة دستورية والسلطات التي تأتي بالانتخابات الى موقع القرار فيها وتتغير تغيراً دائماً، لذلك، فإنه يشدد على أولوية بناء الدولة، الدولة الديموقراطية الحديثة، دولة الحق والمواطنة". وأشار متري الى أنه "لا ديموقراطية من دون ديموقراطيين ولا تجاوز للطائفية من دون لا طائفيين. فالديموقراطية ليست مجرد خصائص للنظام السياسي، بل ممارسة في نواحي الحياة كلها. والطائفية لا تكون بغيضة عند المطالبة بإلغائها ومشروعة عند استثمارها في التعبئة كما في الصراع على السلطة". وألقت سلوى سعد كلمة الكاتب الفرنسي إريك رولو الذي رأى أن "النص في الكتاب يبرهن على أن التغيرات العميقة التي جرت في العالم على كل المستويات تستوجب بإلحاح مراجعة شاملة لبرامج اليسار واستراتيجياته وتكتيكاته". واعتبر أن "قراءة الكتاب تؤكد أن مشروع التحديث الطموح لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار من الديموقراطية المتقدمة". وبعد أن تحدث عن المواضيع المطروحة في الكتاب، قال الناقد فيصل درّاج أن "مروة، في ماركسيته الليبرالية وليبراليته المتمركسة، يظل فكراً ديموقراطياً عقلانياً يقظاً، يدافع عن الثقافة ويمارس دور المثقف ويبني وحدة السياسة والثقافة على أساس نقدي". وقال عالم الاجتماع الطاهر لبيب "لا نعرف على وجه الدقة ما بقي من اليسار العربي، هذا إذا نظر إليه من منظور الفكر السياسي والتجربة السياسية، أما إذا نظر إليه من منظور فكري أو معرفي فما ظهر منه، في لحظته، وما بقي منه، واسع التأثير الى اليوم". واستعرض أنور مغيث المواضيع التي طرحها المؤلف، فقال "لقد شدد كريم مروة على ضرورة الاكتفاء في الوقت الحالي بالعمل على التخلص من الاستبداد وتأكيد المواطنة وإقامة دولة القانون. وهي مهام ضرورية وملحة وشرط لكل ممارسة سياسية فعّالة وكل تحسين ملموس لواقع المواطن العربي، ولكن هذا الاكتفاء يجعلنا نقع داخل السجال الحالي حول مبرر وجود اليسار في أي مجتمع في العالم". وسأل الأسير المحرر نبيه عواضة "لماذا تعذّر علينا النهوض ونحن بناء ثقافة التحرر والتقدم؟ وهل ما نعانيه هو أزمة يسار فكري سياسي تنظيمي أم مشكلة يساريين عاجزين عن تجاوز إخفاقاتهم، فضاعوا بين ركام الانهيارات، تارةً تخبطاً وتارةً أخرى مكابرة؟". وقال مروة "أنا من المؤمنين بأن اليسار اليوم، وغداً، وفي أزمنة مقبلة، هو حاجة موضوعية لبلداننا ولجميع بلدان العالم"، مضيفاً إن "العالم المعاصر المليء بالفوضى وبالتناقضات لا يمكن أن تستقيم فيه الحياة من دون دور كبير وفعّال لليسار. لكن اليسار الذي أدعو الى النهوض به هو يسار جديد، يسار ينتمي واقعياً الى العصر وإلى تحولاته في الإيجابي منها وفي السلبي". وأشار الى "ثمة ظاهرة خطيرة يشهدها عالمنا المعاصر، تتمثل بالتناقض المذهل بين التقدم الهائل للعلوم وللمعارف وللتقنيات وللاتصالات، وهي إنجازات كبرى يصنعها البشر، وبين الاستخدام المفرط في السوء لهذه الإنجازات من قبل البشر ذاتهم الذين يصنعونها، الأمر الذي يعبّر عن تدن خطير في مستوى وعيهم". وأشار أمين عام المجلس الثقافي للبنان الجنوبي حبيب صادق الى خمسة من مؤلفات كريم مروة، متحدثاً عن كتابه "نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي"، الذي بدا أكثر دقة في تحديد إطار النقاش، إذ رسم في القسم الأول منه معالم مشروع جديد لليسار في العالم العربي، وتضمن القسم الثاني نصوصاً منتقاة من فكر ماركس ومن فكر كبار الماركسيين الأوائل". واعتبر إن "اليسار، الماركسي خاصةً، مطالب برغم هزله وتشتته، بأن ينتفض من ركوده المزمن وبطالته الفكرية، ويتقدم من جديد للقيام بدوره الطليعي في جمع أطراف اليسار الديموقراطي العلماني والتوافق معها على صوغ برنامج نهضوي جديد". وألقيت رسالة من قبل الفنان مرسيل خليفة، قال فيها "أرى مشاركتي بهذه المناسبة موقفاً ثقافياً، إبداعياً، فكرياً، إعلامياً، والتأكيد على حقيقة يقولها كل منا بطريقته، بعمله وموقفه، خصوصاً عندما يكون الوطن على ما هو عليه من حكم طائفي ومن تفكك وتشرذم. فليس الفكر هنا محايد ولا الموسيقى أيضاً محايدة". وتابع "موقفنا ليس إلا مع قلب المواجهة المحررة للإنسان وللوطن في آن، وللسلام الداخلي مع النفس ومع الآخرين من ذوي القرب الفكرية حيث حاجتنا كبيرة الى الهدأة الداخلية والطمأنينة والشعور العميق بالقيم التي تحفظ للإنسان الإنساني فيه وحيث الحاجة كبيرة الى أنسنة العلاقات بين البشر وإعادة تأسيسها على قواعد الاختلاف والتسامح والمحبة والإنصاف واحترام الكرامة ونبذ العنف والتعصّب والطائفية والقهر والاضطهاد والاحتلال". وتوجه الى المؤلف كريم مروة بالقول "تابع ما بدأت به من سنين وأسهر على حماية الفكر ليصبح حصناً لا يهزم". صحيفة المستقبل اللبنانية 19 أبريل 2010م