عزالدين صغيرون …… الكثيرون يبدون خشيتهم من أن تبني الفصائل الثورية المسلحة حساباتها على نحو يقود إلى الحرب الأهلية في هذا المنعطف المفصلي من الحراك الجماهيري العفوي. وبالفعل هناك ما يغري البعض في هذه الفصائل، التي لا نشك في وعي وخبرة وذكاء قادتها، ويقود خطواتهم إلى هذا المنزلق بحسن نيّة، عن طريق دعم الحراك السلمي في العاصمة والمدن الكبرى، بحماية مظاهرات الشباب بالبندقية، لكف أذى أمن النظام ومليشياته المسلحة عنهم. ورغم ما في هذا التفكير ما يغري، انطلاقاً من الحرص على أرواح شبابنا، إلا أنه هو بالذات باب فتنة الحرب الأهلية، لأنه من ناحية يعطي النظام (المندحر بإذن الله) الذريعة لتصعيد حربه واستخدام كل ما في ترسانته المدعومة إيرانياً ضد شعبنا ، خاصة وهو يفتقد لأدني درجات الحس الوطني الأخلاقي أو الديني الذي يعصمه عن ذلك، كما أنه يعيش أقصى درجات الخوف والرعب من هبة الشعب!. هذا عن النظام ، أما عن الثوار المقاتلون، فإن انخراطهم في معمعة الصراع – وهم لا يعرفون عدوهم المندس بين الجماهير – سيُفقد بندقيتهم بوصلتها الصحيحة ، وخطأ النيران الصديقة وارد في مثل هذا الهرج، وهذا ما رأيناه يحدث في ثورة مصر ، وإن بصورة غير متقنة التنفيذ وغير ذكية، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار حساسية بعض المكونات الاجتماعية العرقية والقبلية، بسبب إرث من سوء الفهم عمقته الممارسات السياسية القبيحة والخبيثة، مما لا يطمئننا كثيراً على ما سيؤول إليه الحال في حال تواجد الفصائل الثورية المسلحة في هذه الظروف المشحونة بالتوترات، في قلب العاصمة أو مدن وسط وشمال السودان الكبرى المكتظة بالسكان. إن إستراتيجية الثورة ينبغي أن تقوم على تكامل الجهدين: الأعزل السلمي والمسلح، بمعنى أن تستمر الثورة في حراكها داخل هذه المدن سلمية، وقد علمتنا تجارب الربيع العربي أن سلمية الثورة أمضى سلاح في مواجهة بطش آلة الدولة العسكرية، على أن تقوم فصائل الثورة المسلحة بتفعيل دورها العسكري بشن عمليات نوعية على مواقع السلطة العسكرية والأمنية في مناطقها، وشلها عن التحرك نحو العاصمة والمدن الكبرى لإغاثة مركز السلطة ومساعدته. وتكون القوى المسلحة بذلك قدمت أكبر خدمة للقوى السلمية للتعجيل بإسقاط النظام، لتلقي بعدها الأولى سلاحها وتنتظم في حوار سياسي متكافئ بين جميع السودانيين لترتيب بيتهم الدستوري على نحو لا يسمح بتكرار سيناريو الفشل الأزلي هذا.