جرائم (الإخوان فى السودان) بقلم : السيد رشاد واحدة من أخطر النتائج الكارثية لفكر جماعات ما يسمى ب«الإسلام السياسى» هى ادعاؤها تمثيل «المقدس» فى الأرض، بل وسحبها هذا التقديس على نفسها كحركات تتحدث باسم السماء، والمأزق أن «المقدس» يحرم نفسه من حق الخطأ، ويمنع غيره من واجب المحاسبة، ولم تكن جماعة الإخوان المسلمين بالسودان ممثلة فى «سلطة الإنقاذ» إلا نموذجاً لهذه الرؤية الكارثية التى تخلط ما بين الغاية والوسيلة، والنسبى والمطلق، وتغض النظر فى ممارساتها السياسية عن أية معايير أخلاقية، مستخدمة فى ذلك حيلتين أيديولوجيتين، الأولى «التأصيل» أى الاستشهاد بآية قرآنية أو حديث نبوى أو واقعة فى السيرة النبوية، مع اقتطاع هذا الاستشهاد من سياقه الكلى «الدينى والأخلاقى والتاريخى» وتوظيفه أيديولوجياً على وقائع قائمة وحالية برغم اختلافها، أما الحيلة الثانية فإعادة تسمية الأشياء والممارسات بأسماء أخرى مستوحاة من المناخ الدينى مما يخرج هذه الممارسات عن سياقها الفعلى، فيصبح الكذب على الجماهير مثلاً «مجرد تدابير» ونقض العهود «خدعة للعدو» و«الحرب خدعة»، ويتحول استهداف المدنيين والأبرياء واغتيال القيادات والرموز إلى «جهاد»، والمحسوبية والمظالم إلى «تمكين»، والتزوير إلى «عبادة». من هنا يكشف لنا مؤلف هذا الكتاب المهم الذى بين أيدينا «مساهمات فى نقد الإسلام السياسى»، وهو الكاتب والمحلل السودانى الحاج وراق سيد أحمد، كيف استخدم نظام حكم الإخوان فى السودان سياسة الأرض المحروقة سواء فى دارفور أم فى جبال النوبة والنيل الأزرق، وجنوب السودان قبل الانفصال، حيث القتل بالشبهة وعلى الهوية وإلقاء الأطفال فى النيران المشتعلة، والاغتصاب الجماعى للنساء، والقصف العشوائى للمدنيين، وإحراق القرى، وردم الآبار وقطع الأشجار، وتشريد ملايين السودانيين . وينطلق مؤلف الكتاب من فرضية محورية هى أن الآثار الكارثية لحكم جماعة الإخوان فى السودان، إنما هى نتيجة منطقية لمصادرة الديمقراطية، والتوحش الأمنى، وانتهاك الحقوق، ووضع الأمن والسياسة على رأس الأولويات على حساب الصحة والتعليم والحاجات الأساسية الاجتماعية. ويشير إلى مقولة مهمة للدكتور الترابى، عراب النظام فى فترته الأولى، والتى يقول فيها: «النظام الديمقراطى» لا يستجيب لمقتضيات «النظام الإسلامى»! الواجب تأسيسه على التوحيد، كأحادية ترفض التعددية، والثقافية والسياسية. وفى بلد متعدد الثقافات والأديان كالسودان أدت محاولة ابتلاع الدولة داخل تنظيم شمولى مغلق، وضيق إلى تقطيع وتمزيق السودان بالضرورة، بل إن القضايا الحالية التى يواجهها السودان كاشتداد الأزمة الاجتماعية، وتفشى الفقر وسوء التغذية والأوبئة، لا يمكن عزلها عن غياب الحريات، فلا يمكن الفصل بين الحرية والتنمية. وكعادتهم يستغل الإخوان خطبة الجمعة والمساجد فى تنفيذ مخططاتهم، فمثلاً خطيب «الإنقاذ» بدر الدين طه، دائماً يخطب فى الجامع الكبير بالخرطوم مطالباً باغتيال أعداء الإخوان ومعارضيهم، وإعطاء صبغة دينية وقانونية لتنفيذ هذه الاغتيالات. إنه المنهج الإخوانى السائد فى كل قطر يتولون السلطة فيه، فهم يتغنون بأفضل المبادئ للتستر على أسوأ الأوضاع، ويرفعون شعارات السماء لاحتلال الأرض، لتستمر الجرائم مغلفة بهذه الشعارات البراقة التى هى بمثابة «فخ» لاصطياد البسطاء، وخداع الأتباع، وتدمير مقدرات الأوطان لحساب مصلحة الجماعة.