محاولة غريبة. والأرجح أنها آثمة. لفك الاشتباك التاريخى والأيديولوجى بين الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية. وهذا ما يثيره كتاب أصوات فاشية. التاريخ الحميم لإيطاليا فى ظل حكم موسولينى وهو كتاب تم نشره فى ديسمبر 2013 – ويصر فيه المؤرخ الإيطالى كريستوفر دوجان صعود وسقوط الفاشية من خلال يوميات وخطابات ربات البيوت ومديرى الفنادق وتلاميذ المدارس وجنود الجيش وغيرهم من المواطنين العاديين الذين كانوا شهود عيان على نظام موسولينى إبان عقدى الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين. وهذا المنهج فى التاريخ يكشف عن درجة عالية من التعاطف والإعجاب من جانب المواطنين العاديين تجاه الطاغية – ولعل أبرز مثال على ذلك ما ذكره المؤلف حول دأب أحدى ربات البيوت الإيطالية على مطاردة موسولينى برسائلها التى تعرب فيها عن اعجابها به. وهى تعتذر له فى إحدى رسائلها عن انزعاجها له. وهنا يشير المؤرخ إلى أن هذه السيدة بعثت إلى موسولينى ب 848 رسالة. وحول ظاهرة محاولة تجميل الطاغية. يقول الكاتب جان طومسون. انه أصبح من المعتاد فى هذه الأيام الادعاء بأن موسولينى كان فى الأصل رجلا طيبا. ولكن النازى الألمانى هتلر هو من حرَّضه على أن يضل سبيله. ويضيف طومسون. أن معظم الإيطاليين يرغبون فى اعتبار أنفسهم شعب مهذبا. ولذلك يفضلون توجيه اللوم إلى هتلر على الجرائم التى ارتكبها موسوليني. ولا يمكن لهذه الرؤية المخادعة التى تحاول تجميل الطاغية. أى طاغية. أن تخدع أحداً. ذلك أن موسولينى لم يكن ساذجا بحيث لا يدرك مصالحه ولا مصالح بلاده. وأن هتلر كان يملى عليه ما يريد. والثابت من وقائع التاريخ أن موسولينى كان ضالعا ومشاركا فى جرائم الحرب العالمية الثانية التى ارتكبها هتلر. - وحتى تتبين لنا أبعاد شخصية موسولينى وعلله. ينبغى أن نشير إلى الأطوار الأساسية التى شكلت حياته وحددت مساره. فقد ولد عام 1883 وعمل مدرسا لفترة وجيزة. ثم هرب إلى سويسرا عام 1902 حتى يتجنب أداء الخدمة العسكرية. وهناك عمل فى المصانع. ومن ثم أصبح مهتما بالأفكار الاجتماعية والإصلاحية السائدة. وخاصة الأفكار النقابية. أى تعزيز نقابات العمال وصولا إلى الدفاع عن حقوق العمال. وعندما تمكن من العودة إلى ايطاليا عام 1904 أصبح أحد المؤيدين للحزب الاشتراكى الايطالى. وسمحت له الظروف بالعمل صحفيا. غير أنه انسحب من عضوية الحزب بسبب خلافات حادة نشبت بينه وبين الحزب حول الحرب بين النمسا والمجر. وكان موسولينى يؤيد تلك الحرب. بينما كان الحزب يعترض عليها. وتولى رئاسة تحرير صحيفة شعب ايطاليا. وشكَّل الفرق الفاشية. وكانت ايطاليا فى مستهل عقد العشرينيات. من القرن العشرين تعانى أزمة اقتصادية خانقة. وتجنح أوضاعها نحو الانفلات واحتمال الارتطام بصخرة الحرب الأهلية. وشهدت تلك الفترة تدفق أموال كبار الرأسماليين على الفرق الفاشية سرا. وكانوا يطمحون لسد الطريق بهذه الفرق أمام تقدم الشيوعيين والاشتراكيين. وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى. كان موسولينى يجاهر بمعارضة اشتراك ايطاليا فى غمارها. وكان يدعو إلى حياد ايطاليا. لكنه سرعان ما غير موقفه السياسى وأعلن ضرورة اشتراك المانيا فى الحرب إلى جانب الحلفاء. ولما انتهت الحرب كان التكوين الأيديولوجى للفاشى موسولينى قد اكتمل. وكانت أبرز أعماله فى ذلك السياق الزحف نحو روما فى اكتوبر 1922 – أى زحف الفرق الفاشية بقيادة موسولينى نحو العاصمة الايطالية روما ودعا الملك فيكتور ايمانويل الثانى موسولينى إلى تشكيل حكومة جديدة. وفى الوقت الذى وصل فيه الجيش الفاشى إلى روما فى 30 اكتوبر 1922 وصل موسولينى على متن قطار من ميلانو إلى روما. وأصبح رئيسا للوزراء. والسؤال الآن. ماذا بعد استيلاء موسولينى على السلطة فى ايطاليا؟. وهنا يشير جواهر لال نهرو أحد كبار المثقفين والمسئولين الهنود فى القرن العشرين. فى كتاب لمحات من تاريخ العالم. الذى كتبه فى شكل رسائل بعث بها إلى ابنته انديرا غادى إبان فترة سجنه وقت الاحتلال البريطانى للهند. ويقول نهرو: إن موسولينى قال قبل شهر من الزحف إلى روما. إن برنامجنا بسيط للغاية. اننا نريد أن نحكم ايطاليا. وحقق ما أراد. وحكم الفاشى موسولينى ايطاليا من اكتوبر 1922 حتى ابريل 1945 وكانت ركائز حكمه الشمولى والقمعى تعتمد على الطاعة المطلقة له واستلهام امبراطورية روما القديمة والقضاء على الخصوم السياسيين. وتوقت العلاقات السياسية بين ايطاليا الفاشية وألمانيا النازية. اعتبارا من عام 1936 عندما تم تكوين المحور بين برلينوروما. وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية التى فجَّرها هتلر بغزو قواته لبولندا عام 1939 كان موسولينى حليفه وأعلن الحرب على بريطانيا وفرنسا فى يونيو 1940. غير أن الهزائم التى مٌنيَّ بها موسولينى فى اليونان وفى ليبيا وشرق إفريقيا قد أدت إلى اضمحلال هيبته. وعندما لاحت فى الأفق احتمالات غزو قوات الحلفاء إيطاليا أرغم الملك فيكتور ايمانويل موسولينى على الاستقالة فى يوليو 1943 وتم اعتقاله وسجنه. وتمكنت قوات المانية محمولة جواً من تهريبه من السجن فى سبتمبر 1943 غير أن الجماهير الإيطالية الثائرة تمكنت من القاء القبض عليه. بينما كان يحاول الهرب عبر الحدود إلى سويسرا. وأطلقوا عليه رصاصة أودت بحياته. وتم نقل جثمانه إلى ميلانو. حيث علَّقوه فى ميدان عام، كى تشاهد الجماهير نهاية الطاغية الفاشي. أما هتلر فقد انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه فى 29 ابريل 1945 إن من المستحيل محاولة تجميل أى طاغية. وهى محاولة آثمة إن جرؤ أحد على اقترافها.