[email protected] لا نشك إطلاقاً في أن المؤتمر الوطني كان يعمل طوال ربع قرن على تفتيت معظم أحزاب المعارضة مستخدماً أسلحة عديدة مثل الاختراقات بواسطة الغواصات والترغيب وتوزير بعض العناصر بغير رغبة قيادات أحزابها والدعوة للحوار وغير هذه المناورات لكن معظم الأحزاب أيضاً لديها عوامل قصورها الذاتي مما أدى لتشرذمها بهذه الكيفية. أو تلك فقدت فسيفساء أحزاب غير فاعلة ولا منفعلة بهموم الشعب ناهيك عن أن تكون فعالة تعمل على حل قضاياه الوطن العاجلة الواضحة وضوح الشمس. لكن الحركة الإسلامية تفتتت بعوامل أخرى لعل أبرزها القرب من السلطة والبعد عنها فهذا ما قاد إلى تشظّي الحركة الإسلامية نفسها قبل الانقسامات السابقة للانقلاب إذ أصبح هناك 1- المؤتمر الوطني 2- المؤتمر الشعبي 3- مجموعة غازي 4- السائحون 5- مجموعة الطيب زين العابدين 6- منبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى وسابقاً كان هناك 7- الإخوان المسلمون 8 مجموعات السلفيين ويمكننا رصد الانقسامات والمفاصلات والتشظّي في حزبي الأمة والاتحادي الديمقراطي أيضاً وحتى في أحد أحدث الأحزاب مثل حزب حق. وبعيداً عن البحث في أسباب هذا التفتت لابد أن نقر بأن هذا نذير بفشل الطرق القديمة في العمل السياسي فيما يتعلق بالمعارضة وبفشل سياسات الإسلاميين ممن اشتركوا في الانقلاب خلال ربع قرن في إدارة شئون البلاد .ومع ذلك (ينذرنا) ولا (يبشرنا) أحد مفكري الإسلاميين هو البروفيسور حسن مكي بديمومة حكمهم فيقول: (لا أرى أي مستقبل في العالم الإسلامي كله إلاّ للإسلاميين، لأن القومية العربية سقطت والقوميات الصغيرة سقطت. وفي السودان إذا نظرتي تجدي في الخرطوم قرابة ال1000 مسجد جديد. الإنسان مهما قيل عن تراجعات لا ينال الثقة إلا عن طريق الغاية الدينية خاصة بعد انفصال الجنوب، لا يتم إصلاح إلا عن طريق الغاية الدينية، صحيح أنها محتاجة إلى مراجعات، والناس مصدومين فيها خاصة في الجانب الاقتصادي، ومشكلة الذين يرفعون الراية الدينية لديهم قصور في فهم الحداثة والنظريات الاقتصادية، وخطاب الذين يرفعون الراية الدينية ومن يشكلها؟ هم أئمة المساجد الذين في معظمهم خريجو فقه العبادات وقليل من فقه المعاملات. وكثير من المساجد يطغى عليها السلفيون بما في ذلك من تشدد وغلو. استنساخاً للماضي الذي يشوه المستقبل بأشياء مجزأة ومنتقاة من الماضي. لذلك الراية الدينية محتاجة إلى تجديد وخطاب جديد ولا يمكن أن يشكل بخطابات التعبئة والحشد وشعارات الإسلام دين ودولة ولا خطابات أئمة المساجد, فالقنبلة الذرية والتقنية والثقافية لا يمكن أن ينتجها أئمة المساجد فهي لا تحتاج إلى لسان فقط، وإنما إلى عقل أيضاً). قصدنا أن نورد حجته فأوردنا نصه كاملاً معذرة . وفي النص هذا البروفيسور كما ترون يفلق ويداوي (الحركة الإسلامية ) لا غير بنظره هي مستقبلنا، لكنها ( تحتاج إلى مراجعات) و( مشكلة الذين يرفعون الراية الدينية أن لديهم قصور في فهم الحداثة والنظريات الاقتصادية) يفلق ويداوي . فهو من ناحية قال في تلك المقابلة (لا أعتقد سيكون هناك جديد، المطلوب تغييرات هيكلية، وهي لا تتم إلا بشرطين الأول أن يعلن الرئيس "البشير" عدم ترشحه مرة أخرى التزاماً بالدستورية، ولأن ما لم يقدمه في ال(24) عاماً لن يستطيع تقديمه مستقبلاً. الأمر الثاني أن يفوض سلطاته إلى شخصية قومية تدير المرحلة الانتقالية وتكون حكومة انتقالية) فهل الشخصية القومية ستكون إسلامية؟ وإذا لم تكن إسلامية فكيف يستقيم ذلك مع رؤيته الأولى التي يقول فيها إنه لا يرى مستقبلاً لغير الإسلاميين؟ الشخصية التي يقترحها قد تقود لدولة مدنية بل ربما لدولة العلمانية.أم أن لهذه الشخصية مواصفاتها التي تدخلها من جديد في دائرة الدولة الدينية؟وهل تقبل الإقاذ بمثل هذا التفكيك الطوعي المجاني بمجرد اقتراح من إسلامي سابق لا زالت أشواقه تراوح مكانها مع الدولة الدينية. وبما أن حسن مكي قال رأيه بقطعية وعن العالم الإسلامي كله فدعونا نقصر حديثنا عن السودان وأقول بقطعية أيضاً للبروفيسور حسن مكي : إنني لا أرى أي مستقبل للسودان غير دولة المواطنة وهي دولة مدنية.هدفها بناء نهضة السودان مما جميعه بغض النظر عن الايدولوجيا.نحن سنبني دولة قانون تقوم برد المظالم ووقف القتال وحقن الدماء وبناء الاقتصاد بشفافية و تسريح جيش الدستوريين الجرار؛ ورد السودان لأقاليم قليلة كما في السابق وتقديم خدمات نوعية في الصحة والتعليم. وإذا كانت رؤيتكم قد فشلت خلال ربع قرن وهي تتمسح بالدين فإن رؤيتنا نحن بقية السودان التي لا تتمسح بشيء سوى بالعلم والتخطيط والشفافية وستخرج السودان وإن طال السفر من حفرته الراهنة. من الذي صبر على من؟ قال القيادي بالمؤتمر الوطني رئيس مجلس شورى هذا الحزب مهدي إبراهيم إن رفع الدعم كان يجب تطبيقه قبل أحد عشر عاماً لكننا صبرنا. وحسب ما جاء بإحدى الصحف فإن مهدي إبراهيم قال: - إن أهل السودان نسوا أنهم تمتعوا بأوضاعٍ جيدة ومعتدلة في السنوات الماضية، ونحن آثرنا أن نصبر على ذلك.وهكذا وضع هذا القيادي الشعب في جهة وهم أي المؤتمر الوطني في جهة مقابلة .وهذا الشعب الذي نسي في ظن مهدي إبراهيم هو الذي صبر على الإنقاذ لا هي التي صبرت عليه ولو أن رفع الدعم تم قبل أحد عشر عاماً ربما كان قد قصر من زمن معاناة شعبنا فمن يدري؟ صبرنا قال . من أين وكيف تصك قيادات المؤتمر الوطني مثل هذه العبارات المستفزة؟ على الإسلاميين العودة إلى الله هكذا طالب كبير الحركة الإسلامية في تشكيلها الجديد.هو لم يطالب الشعب فإذا كان الإسلاميون بعيدين عن الله يطالبهم بالعودة إليه فكيف يكون حال الشعب؟لابد أن الصورة بدت الآن فيها مفارقة.كان الأحرى بهذا الزعيم الإسلامي أن يطالب عضويته بالعودة إلى الشعب عن طريق رد الحقوق المسلوبة لهذا الشعب المنكوب فعن هذا الطريق وحده تكون عودة الإسلاميين لله. فسيولوجيا الطفابيع الطفابيع كائنات خاطفة نوعين، فهي شبه بشرية شبه حيوانية. هم الحلقة المفقودة دون شك. لكن العلم الحديث لا زال يتعامل معهم كبشر. يطولون فجأة حكى عابر السبيل معتصم فقال كنت سائراً في العقبة التي تربط بين قريتنا وقرية تمري؛ حين أبصرت شخصاً يسير أمامي وما أن أبصرني حتى تباطأ في سيره فحاذاني . حين أقريته السلام رد بجملة سلامية طويلة مجلجلة لا ادري لم خيل إلي انه تفوح منها رائحة النحاس. وسرعان ما أدركت أن عباراته تلك كانت خالية من أي معنى. كان كمن يسمّع نصاً حين رددها. سرنا مسافة طويلة سوياً. أنا صامت أبحث عن مفتتح جملة للحديث معه بهدف أن أبدد مخاوفي؛ وهو ينظر للبعيد كأنه يحادث الجبال. وحين لمحته خلسة رأيت فراغاً هائلاً في عينيه. ويبدو أنه أحس بنظرتي إذ أن ذلك الفراغ اختفى فجأة. وعادت عيناه لحالتهما الطبيعية. طفق يسألني عن سعر السمسم في هذه المنطقة التي لم تسمع باسم هذا المحصول حتى. وسألني عن محاصيل لم اسمع بها أنا نفسي، الذي يسمونني في بلدتي السندباد. كان كمن يستجوب. ما ارتحت للرجل لكنها رفقة على أية حال. عند مشارف تمري تمتم الرجل بشيء لم أفهمه؛ فخلته يودعني لكنه استدار وطال فجأة حين اقتربنا من أحد الأسوار. طال بقامة خلعتي، ومن جديد رأيت الفراغ في عينيه. وقبل ظهور فزعي كاملاً انحنى من فوق السور على أشخاص يبدو أنهم كانوا داخل البيت. وسمعت صوته كالرعد – ما قلنا الحركات دي تبطلوها! والتمعت السماء فوقي فرأيت فأساً مكان يده اليمنى تقطر دماً. طبعاً جريت لا ألوي على تمري وعند منحنى الطريق رأيت الكائن وقد عاد لحالته الطبيعية وهو يصيح خلفي: – تعال ما تخاف جريت وجريت. كنت كتلة من الخوف. واعتصمت بآية الكرسي. ومن يومها كلما أحكي هذه الواقعة لا يصدقني أحد؛ رغم أن المنطقة كانت حتى عهد قريب تضج بقصص السحاحير الذين يخرجون من النيل. جريت.. جريت قال معتصم ولا زلت حتى اليوم أجري من ظلي حين أسير وحيداً. أيديهم فأسية اكتشف أيدي الطفابيع الفأسية في نواحي القصبة وضواحيها متقصي أثر في منتصف القرن الماضي. لم يفصح عن كيف ربط بين آثار الأقدام في التراب والرمال وبين كون الأيدي صناعية. قال للسائرين معه من أصحاب عدد من المواشي التي نهبت ويبحثون عنها طائعين لقدراته الفذة، إن درب الهمباتي اختلط عليه بدرب هذا الشخص الذي لديه يدان صناعيتان. ولم يلبث بعد مسيرة عدة ساعات أن قطع المتقصي عمله فجأة وقاد الجميع إلى تنضبة ما أن وخز داخلها بعصاه حتى التمع برق خاطف غاضب وامتدت يدان فأسيتان لعصا المتقصي فقطعتاها في لمح ذلك البرق؛ وهدر صوت كالرعد يرغي ويقول: – أبعد من هنا يا زفت بالطبع جرى المتقصي ومن معه لا يلوون على تنضبة. ولم يعثر لهما من يومها على أثر. واستعصى العثور عليهم على كل متقصي الأثر قبل ظهور متقصيات الأثر الإليكترونية. من بعد حكى الناس عن أيدي الطفابيع الفأسية برواية متقصي الأثر المختفي الذي أصبح من رعب به مثل الموتورين من جنود الحرب العالمية الثانية الذين لا زالوا يختبئون في الأحراش والأكمة منذ انتهاء تلك الحرب. وعندما استولى الطفابيع على الحكم قتلوا جبلاً بعد أن ارتفعت أيديهم بأكف فأسية حتى أصبح الدعاء في ذلك اليوم في مدينة القصبة حربياً كأنهم ما كانوا يتضرعون بسحل الشيخ بل يأمرون. حكى أحد اللصوص أنه شاهد التماعة فئوس مكان الأيدي لدى قوم يسيرون وهم يغمغمون في الظلام لكن لا أحد يصدق نصوص اللصوص. والطفابيع في حقيقة الأمر أيديهم فأسية. لكنهم يتضايقون من هذا التحوير ويعملون على إخفائه وتظهر الخاصية الحديدية ثم تغيب في لحظات عند اتخاذ قرار بالفتك السريع المريع. ولا شك أن متقصي الأثر كان يبالغ حين قال في روايته التي تم تداولها شفاهة: أن الفئوس مقام الأيدي ظهرت لربع ساعة. ومنذ التماعة الفئوس في الدعاء الحربي لم ير فئوس الطفابيع النابتة إلا عابر السبيل معتصم وامرأة من القصبة قيل أنها معتوهة حين ذكرت أن رجلاً مد يده الفأسية وسط الزحام في مظاهرة عامة تكتظ بالحشود فقطع يداً معلقة في هتاف. لكن الطفابيع يفتكون بأيديهم الفأسية في بيوت معتمة بعيداً عن أعين الشعب الماكرة. يفتكون ويفتكون المئات دون أن يطرف لهم جفن كأن الأمر عبادة. جدة- 2002م _________________ إطلالة السبت نشرت بصحيفة الخرطوم يوم السبت 23 نوفمبر