[email protected] وظيفة الوزير في زمن الإنقاذ أصبحت وظيفة مضروبة وبلا قيمة، وهي تُعادل – من حيث المقام - وظيفة ملاحظ صحة في الحكومات السابقة، وعدد الذين جلسوا على كرسي الوزارة أو ما يعادله في زمن الإنقاذ يوازي عدد سكان دولة لها علم، وليس هناك حارة أو زقاق لم يخرج منه وزير أو أكثر، وعلى الصعيد النظري، فإن مخصصات أجعص وزير لا تزيد عن ثلاثة ألف جنيه في الشهر، ومثل هذا المبلغ تُحقق مثله – أو ربما أكثر منه- أي بائعة كوارع في ناصية الشارع. والحال كذلك، لا يستطيع وزير أو مسئول أن يدّعي بأنه جاء إلى الوزارة لخدمة الوطن والمواطنين، أو يقول بأن سبب إجهاشه بالبكاء عند تركه الوزارة هو حرمانه من تقديم تلك الخدمة، فالذين يبلغون هذه المناصب يفعلون كل شيئ في سبيل الحصول عليها أو البقاء بها، وقد حكى الأستاذ كمال رزق وهو من رجال الإنقاذ المزمنين أن هناك قيادات بالمؤتمر الوطني تلجأ للسحرة والمشعوذين للحصول على هذه المناصب، قال هذا الكلام في خطبة الجمعة بالمسجد الكبير. كما أنه وبحسب نظام الحكم الرئاسي الذي تنتهجه البلاد، فكل نواب الرئيس ومساعديه والوزراء مجرد "معاونين" للرئيس لتنفيذ السياسة التي يضعها أو يقرها، ولا يستطيع أكبر كبير في الحكومة أن يدّعي بأنه يستطيع أن ينتصر للحق أو العدالة في ظل وجود هذا النظام الفاسد، فوزير العدل – مثلاً – لا يستطيع تقديم قضية فساد حكومي للمحاكمة من نفسه ودون أن يحصل على ضوء بذلك من القصر، (يقهقه المرء حين يسمع حديث عبدالرحمن الصادق المهدي عند أدائه القسم كمساعد رئيس جمهورية الذي قال فيه أنه قبل المنصب بهدف حل المشاكل العالقة مع الجنوب وتسوية مشكلة دارفور). ليس هناك وزير أو مسئول في ظل هذا النظام يستطيع – حتى لو أراد – أن يخدم الشعب بذمة ومسئولية ودون أن يطاله فساد، فهناك ناضورجية بكل موقع لا يتركون الوزير في حاله حتى لو كان إبن حلال، يُزينون له الباطل ويكشفون له طريق الثراء، لأن لقمتهم من لقمته (هل رأيت دموع طاقم الوزير كمال عبداللطيف). ووظيفة الوزير في زمن الإنقاذ "خضراء دمن"، وفي الدين يُطلق مثل هذا الوصف على المرأة الصالحة في منبت السوء، والإنقاذ أكاديمية للفساد لا منبت، فقد توارث وزراء ومسئولي هذا النظام الفساد حتى أصبح من خصائص الوظيفة، وتغلغل فيها حتى أصبح منهجاً لممارستها، فالعمارة في الوزارة (هل يوجد وزير مُعسِر!!). الحسنة الوحيدة التي تفعلها الإنقاذ أنها تجعل أبناءها يتجرعون من نفس الكأس الذي سقت منه خصومها، وأنها تعرك أنوفهم بالتراب، ولكن لا ينبغي أن يجعلنا ذلك ننسى جرائم الفساد والنهب التي إرتكبها هؤلاء "الملافيظ" لمجرد خروجهم من الوزارة ومواقع المسئولية، وواجب المعارضة أن تواصل في رصد وتوثيق تلك الجرائم بما يضمن عدم إفلات أي مجرم منهم. يُخطئ من يعتقد بأن الإنقاذ قد إنصلح حالها وأنها تريد أن تفتح صفحة جديدة وتنتهج الحكم الرشيد بهذا التعديل، ذلك أن لمحة سريعة في أسماء وخلفية الوزراء الجدد تؤكد أن الذي تبدل هو الحمار الذي يحمل اللبن المغشوش لا اللبن ذاته، فالذين تم تعيينهم في المواقع هم تلاميذ للمجرمين الكبار (ثلاثة من "كتاكيت" الإنقاذ كانوا يعملون مساعدين لوزير السدود أسامة عبدالله ورابعهم من عيلة الرئيس بقرية صراصر). الصحيح أن كل أبناء المؤتمر الوطني من عجينة واحدة، فالحاج حسبو ليس بأفضل من الحاج ساطور، فكل ما فعله أبوساطور أنه جعل من نفسه مضحكة للناس ومحلاً للتندر بما يفعله ويقوله، ومثل هذه المسخرة للنفس يؤجر عليها الحاج ساطور، فلا ضرر يصيبنا منها وتزيل عننا كدر رفاقه، بيد أن سلفه الحاج حسبو صاحب سوابق ومسجل خطر، له سجل في جرائم تعذيب المعتقلين أثناء فترة عمله بالأمن الشعبي الذي عمل به فور تخرجه في من قسم الجغرافيا بجامعة عين شمس، كما أنه متهم بالتصرف في مبلغ 10 مليار جنيه إختفت على يديه أثناء فترة عمله كمفوض للعمل الإنساني بوزارة الشئون الإنسانية (2005) وقد جرى التحقيق معه رسمياً بشأنها ولم تر نتائج ذلك التحقيق النور حتى اليوم. تبقى أن يعلم الشعب أن معظم "ملافيظ" النظام من الوزراء والمسئولين يستمرون في تقاضي مخصصاتهم وإمتيازاتهم كاملة، إما بموجب قانون مكافآت شاغلي المناصب الدستورية، وهو القانون الذي يقضي بإستمرار نواب الرئيس ومساعديه ورؤساء القضاء وكبار ضباط القوات النظامية في الحصول على كامل مخصصاتهم المالية والعينية، أو بتعيينهم في وظائف هايفة من وراء حجاب تضمن لهم الحصول على تلك المخصصات، فالصافي جعفر – مثلاً – تم تعيينه بدرجة وزير في وظيفة الأمين العام للمجلس القومي للذكر والذاكرين بعد إقصائه من مشروع سندس الزراعي، و يوسف عبدالفتاح "رامبو" تم تعيينه في وظيفة مدير منتزه المقرن العائلي، لا وإيه، اللواء صلاح "اللاوندي" الذي كان يشغل منصب مدير الجمارك جرى تعيينه في وظيفة وزير بلا وزارة بولاية نهر النيل .. والقائمة ليس لها نهاية. لا يمكن أن نختم هذا المقال دون أن نشير إلى حقيقة بلغتني من أحد المصادر الموثوقة، وهي أن الفريق طه مدير مكتب الرئيس البشير هو الذي يحمل أختامه ويسخرها لمصلحته ويصفي بها أعدائه، وأنه يستطيع أن يخسف بأكبر رأس في الإنقاذ الأرض بإشارة من طرف أصبعه (قام بتشميع صحيفة الهندي عزالدين لأجل غير معلوم لمجرد غشارة عابرة وردت في حقه بعمود عقب إعلان التعديل الوزاري)، وأنه وراء كل ما جرى ويجري، قلت للمصدر الموثوق: الحمد لله الذي جعل لكل آفة آفة.