أكوبام كسلا يعيد قيد لاعبه السابق عبدالسلام    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المهدي مخاطبا الوسطية العالمية بتونس: دور الأسرة في مواجهة التطرف
نشر في حريات يوم 18 - 12 - 2013


بسم الله الرحمن الرحيم
المنتدى العالمي للوسطية – فرع تونس
15/12/2013م- مدينة الباجة
ندوة بعنوان: (الوسطية في مواجهة الغلو والتطرف)
دور الأسرة في مواجهة التطرف
الإمام الصادق المهدي
أخواني وأخواتي، أبنائي وبناتي
السلام عليكم والرحمة، وبعد-
أبدأ بالتهنئة الحارة لأهلنا في تونس الشعب الرائد على الاتفاق على اسم رئيس الوزراء الوفاقي، فقد كانت ولادة عسيرة ولكنها سليمة، لكل أمرئ نصيب من اسمه واسم الشخص المتفق عليه مهدي جمعة، فليكن مهدياً من الهداية وجمعة من جمع الكلمة.
كما أهنئ حزب الأغلبية على الحلم الذي تحلوا به فاختاروا المشاركة لا المغالبة كما قال الحكيم العربي:
ملكتُ بحلمي فرصة ما استرقّها من الدهر مفتول الذراعينِ أغلبُ
أقول:
عندما دعيت لحضور هذا المنتدى رأيت في التلبية فرصة لمقابلة الزملاء لبحث حالة التردي التي تعيشها أمتنا بحيث تسفك دماء المسلمين في كل أركان الأرض، وفي كثير من الأحيان الاقتتال أهلي في داخل الجسم الإسلامي بين عناصر إسلامية ضد علمانية، أو سنية ضد شيعية، اقتتال رباعي الأضلاع يدمر المنطقة ولا يرجى لأحد هذه الأطراف أن تقضي على الآخر، فمع كل طرف قوى اجتماعية داخلية متجذرة ويحظى بدعم خارجي مما يزيد من سفك الدماء وتدمير المصالح في حالة انتحار لا تخدم إلا مصالح الأعداء.
لذلك رأيت أن أحضر للتفاكر حول ما ينبغي عمله في أمرين:
الأول: أن الغلو والعنف المرتبط به عبر السنوات العشر الماضية في زيادة لا نقصان، لماذا مع ما يبذل من جهد فكري وإعلامي وأمني ضده؟
الحقيقة أن كل الإجراءات ضد الغلو والعنف المرتبط به إجراءات تواجه الأعراض لا الأسباب، القضية ليست دينية بل هنالك أسباب سياسية داخلية وخارجية ترفد الغلو والعنف المرتبط به.
المطلوب مواجهة الأسباب بصراحة لإزالتها وإلا فإن الغلو والعنف المرتبط به سوف يزيد، بل والإجراءات التي تتناول الأعراض لا الأسباب سوف تزيد من قدرته على تجنيد المؤيدين. والمعركة المشتعلة بين الإسلامي والعلماني، والسني والشيعي، هي الأخرى إلى زيادة وتصعيد وترفد الغلو في أطرافها وبالتالي العنف الدامي.
نحن في منتدى الوسطية العالمي، أشبعنا البحث النظري درساً، وصار الواجب أن ننقل همنا من التنظير إلى العمل، أن ننقل همنا من الوسيطة الاجتهادية للوسطية الحركية. لا يجوز أن نظل محللين وباحثين دون تحرك والأمة تحترق وتنتحر. لقد آن الأوان أن نضع تصوراً محكماً ونكون آلية حركية للتحرك الواسع لإطفاء الحرائق المشتعلة. لا عذر لمن لا يتحرك "وَمَنْ أَصْبَحَ لا يَهْتَمُّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُم" .
بعد هذه المقدمة أدخل في موضوعي وهو دور الأسرة في مواجهة الغلو والتطرف، أقول:
أُدعى في السودان لعقد قران كثير من الأزواج، لعل الأهل من داخل كياننا وحتى من خارجه يتفاءلون بمشاركتي. من السنة أن يُقدم لعقد القران بخطبة النكاح. تأملتُ الخطب التقليدية فوجدت معانيها متكررة وماضوية لذلك غيرت معاني الخطبة لتتخذ الخطبة معالم حديثة ومعانٍ تربوية.
أهم ما أركز عليه في خطابي بمناسبة عقد القران هو: أن الخليقة كلها تتوالد لحفظ النوع على الشيوع، ولكن توالد ابن آدم وبنته خص بعلاقة مميزة تترتب عليها علاقة خاصة بين الزوجين لأن الجد الأعلى للبشر قد سواه ربه، ونفخ فيه من روحه ففيه قبسٌ إلهي. لذلك صار الآدميون مستخلفين على ملك الله، هؤلاء المستخلفون زودهم الخالق بمواهب فريدة هي: تشوق روحي، وعقل، وفطرة أخلاقية، وحرية الاختيار، وحباهم ربهم بحقوق مقدسة تدور معهم حيثما هم هي: الكرامة، والعدالة، والحرية، والمساواة، والسلام. هذه المنظومة من الحقوق المقدسة للناس أجمعين فلا مجال لتفرقة بينهم، ههنا أقول إن التمييز العرقي الذي وفد إلينا هو تصنيف عبري غريب علينا لأننا أصحاب عقيدة: " كُلُّكُمْ بَنُو آدَمَ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَابٍ" ، فلا فضل لبعضهم على بعض بالعرقية والإثنية. الثقافة العبرية هي مصدر العنصرية الإثنية، كذلك الثقافة العبرية هي مصدر دونية المرأة باعتبارها هي التي أخرجت آدم من الجنة أما في الإسلام فقد نسب القرآن الخطأ لآدم وحواء معاً أو خص آدم به إذ قال: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى) .
شعب الإيمان للبيهقي
الإمام أحمد
سورة طه الآية (121)
القيمة الإيمانية والإنسانية للرجال والنساء في الإسلام متساوية إذ قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) وقال: (أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) .
وقال نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجالِ" . قياساً على شق التمرة. لذلك صارت مقاصد الشريعة للزواج تقوم على أسس سامية: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) . أساء فهم هذه الآية بعض أعظم المفسرين الرازي إذ قال: (خَلَقَ لَكُم) أي خلق للرجال أزواجاً مثلما خلق لنا الأنعام وغيرها. الخطاب في (خَلَقَ لَكُم) ليس للرجال بل للرجل والمرأة معاً، والدليل على ذلك واضح في آية أخرى هي: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) . هذه العلاقة السامية هي العش الذي يليق بطفل الإنسان حفيد آدم عليه السلام.
هذه هي المعاني التربوية التي أجهر بها في خطبة النكاح. فهي توجب علاقة خاصة في تكوين الأسرة، ما يوجب سلوكاً معيناً للزوجين، فإن فاتهما ذلك واختلفا فالسبيل لإزالة الخلاف هو التحكيم بحكم من أهله وحكم من أهلها (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) فإن استحال الوفاق لسبب ما فالحل: (فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ) .
إلى هنا تنتهي المعاني التي أكررها في خطب النكاح لدى عقد ا لزواج، وهي تؤسس كيان الأسرة على المحبة والمودة والرحمة، ما يبعد المخاشنة والمصاولة والعنف، لأن هذه المواجهات هي التي تؤسس للصدام وبالتالي للغلو والعنف في الأسرة، وتصير الأسرة مصدراً لهذا السلوك التنافري وتؤثر به على الأطفال. التنافر بين الزوجين يصنع مزاج الغلو والعنف.
إن للأطفال حقوقاً أسهبت في تفصيلها نصوص الكتاب والسنة وهي التي تحيطهم بالمحبة، وتسوسهم بالتربية ما يعدهم لنشأة طيبة خالية من الحرمان والمرارة، وغيرها من المشاعر التي تصنع مواقف معادية للمجتمع وبالتالي مستعدة للغلو والعنف.
الإنسانية بعد قرون أي في عام 1990م لحقت بالمعاني التربوية الإسلامية وأبرمت معاهدة حقوق الطفل، وهي إلى حد كبير مطابقة لحقوق الطفل في دفاتر الإسلام.
ولكن المجتمع المسلم لقرون طويلة غيب حقوق الإنسان وبالتالي غيب حقوق الأطفال.
في آخر احصاء رسمي في السودان ذكر أن عدد الأطفال المشردين في الخرطوم يبلغ 2470 طفلاً، هؤلاء يعيشون ويتناسلون في الشوارع، وهم لا شك تربة خصبة لكل أنواع العداء للمجتمع، هذه الظاهرة شائعة في كل عوالمنا العربية، والأفريقية، والإسلامية، بل العالم أجمع.
سورة التوبة الآية (71)
سورة آل عمران الآية (195)
الإمام أحمد
سروة الروم الآية (21)
سروة الروم الآية (21)
سروة الروم الآية (21)
سورة الأعراف الآية (189)
سورة النساء الآية (35)
سورة البقرة الآية (229)
إن انهيار الأسر، وتفشي التشريد، والعطالة من أكبر المصادر التي ترفد الجريمة المنظمة، والتطرف والعنف، وكل الإجراءات ضد هذا السلوك المعادي للمجتمع لا تجدي ما دامت الأسباب المغذية للسلوك المعادي للمجتمع موجودة: أطفال بلا رعاية، وبلا عناية، وبلا حقوق هم أكثر استعداداً ليصيروا أعداءً للمجتمع الذي حرمهم.
صحيح هنالك مصادر أخرى للغلو والعنف التمسك بمثاليات ماضوية أو مستقبلية ولكن في هذه الحالات كذلك تؤثر التربية غير المتوازنة في نفسية الشباب وتعدهم للانخراط في حركات الغلو والعنف أو الهروب من الواقع عن طريق المخدرات.
في غير مجال المشردين فإن كثيراً من الأمهات يهملن أطفالهن ويحرمونهن من لبن الأم وهو إكسير حياة لا بديل له، أو يهملن حضانة وتربية الأطفال هن والآباء ما يؤدي لشعور الأطفال بالحرمان وبالتالي الاستعداد للانحراف.
العنف هو أسهل طريق للتطويع، لذلك كثير من الآباء والأمهات يسهب في تطويع أولادهم عن طريق العنف. العنف كأساس لتربية الأطفال يجعلهم إما منافقين تحاشياً للضرب، أو متمردين. العنف اللفظي والحسي وارد كاستثناء في بعض الظروف كالكي آخر الدواء. أما اعتياد العنف فخطأ جسيم.
ومن أسوأ أسباب غرس التمرد في النفوس التمييز بين الأطفال الذي أشار إليه ونهى عنه ابن الرومي:
وأولادنا مثلُ الجَوارح أيُّها فقدناه كان الفاجعَ البَيِّنَ الفقدِ
ومن مساوئ التربية التي تصنع العقد التمييز بين الأبناء والبنات على أساس الجندر، هذه الظاهرة الآن جعلت كثيراً من بناتنا المتعلمات يتمردن ويخرجن عن نهج الاعتدال بل يلحدن.
الأسرة هي المدرسة الاولى للأطفال. "حزب الحضن" وهو الحزب الأكبر في المجتمع، وفي الأسرة تغرس المشاعر إن كانت ايجابية فهي تربي جيلاً سوياً أو سلبية فهي تفتح أبواب الانحراف من غلو وإجرام وعنف.
لاحظت أن بعض الآباء المتشددين في اتجاه يكونون ردة فعل مضادة في أطفالهم لأنهم يحملونهم على التشبه بهم، بعض الآباء ذوي الفكر اليساري إذ يحاولون تطويع أولادهم لنفس الاتجاه يحصلون على نتائج عكسية. ذهبت لتقديم واجب العزاء لبنت زعيم سوداني بعثي، في مرحلة ما كان البعثيون يعلنون اتجاهاً علمانياً صارخاً يستبعد الدين من الحياة العامة، ولكن اتجاه السيدة بنت هذا الزعيم اتخذت نهجاً مضاداً فأتت لاستقبال عزائي منقبة تماماً بل لا ترد عبارات عزائي فلدى هذا المذهب صوت المرأة عورة!
كذلك بعض أولاد المتدينين يتخذون أحياناً نهجاً مضاداً تماماً حتى أن المجتمع السوداني إذ لاحظ انحراف بعض دعاة الدين قالوا في تفسير هذه الظاهرة: إن إبليس الذي ارهقه آباؤهم إنما ينتقم من الآباء بتضليل الأولاد.
تجربتي الشخصية مع أولادي كانت خالية من العنف اللفظي والحسي معتمدة على التوجيه والإيحاء والقدوة، وأعتقد أن النتيجة رغم ما تعرضت له أسرتنا من بطش الطغاة من سجن، ونفي، ومصادرة أموال كانت طيبة. عندي 6 بنات و4 ابناء اعتقد أنهم يتقون الله وحرمة الوطن ويحرصن من مواقع مختلفة على خدمة المجتمع بلا تعال وبلا مرارة، وهم في كافة وظائفهم في الحياة يتصفون بالجدية والاعتدال، ويرجى أن يكونوا هم والحفدة من بعدهم إضافة لدينهم ووطنهم.
إن اهتمامي بهذا الجيل لم يقف على أسرتي، فشغلت كثيراً بموضوع تربية الأطفال حتى البلوغ، ثم الشباب حتى الكهولة، فمرحلة الشباب هي مرحلة المشاعر الهائجة فعبارة شباب من شب أي قفز وآب أي كرر القفز أي القفز المكرر، وهي مرحلة زاخرة بثلاث خصال جياشة: الحماسة، والمثالية، والتفاؤل. إنها مرحلة تحتاج لبوصلة تشبع الحماسة، والتفاؤل والمثالية، ما لم يجد الشباب هذه البوصلة فإن نزعاتهم الشبابية يمكن أن تشدهم إلى أنواع الغلو في الفكر أو في السلوك الاجتماعي أو في الاجندات المتطرفة والعنف.
إن كتب التراث الإسلامي مليئة بأدبيات التربية وهموم الأسرة وكذلك كتب علم النفس الحديث، وهي مهمة لأنه كما قال ابن خلدون ما من ظاهرة في الوجود سواء كانت طبيعية أو اجتماعية إلا ولها قوانين تخضع لها. (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) .
كل تلك الأدبيات تؤكد أن إهمال التربية الأسرية، وإهمال الجوانب التربوية في أجهزة التعليم والإعلام يصنع للمجتمع قنابل زمنية، يخطئ من يظن أن الصرامة هي مفتاح التربية ويخطئ من يظن أن التساهل في الأمر هو الحل.
المطلوب دائماً أن نذكر قاعدة ابن مسعود رضى الله عنه: أن للشيطان نزغتان لا يبالي بأيهما ظفر: الغلو، والترك.
هذا النهج الذي يحرص على التوازن التربوي شغلني فاستفدت من مراجع التراث الدينية والأدبية، والمراجع الحديثة، وألفت كتاباً بعنوان: "أيها الجيل" خاطبت فيه مرحلة الطفولة ومرحلة الشباب واستفدت فيه من تجربتي الخاصة وتجاربي مع أولادي وحفدتي. العنوان المصاحب لعنوان الكتاب هو: "التوازن سر الاستقامة"، الوقت لا يسمح بتلخيص هذا الكتاب لحضراتكم ولكنني وزعت عليكم خلاصته فأرجو أن تطلعوا عليها.
أهم ما في هذا الكتاب هو بيان لصورة الإنسان وأن للإنسان عشر ضروريات هي: روحية، مادية، عقلية، أخلاقية، عاطفية، اجتماعية، رياضية، جمالية، ترفيهية، وبيئية.
إن على الإنسان أن يدرك أهمية هذه الضرورات لحياته، وواجب اشباعها جميعاً في توازن، واعتبار أن أية مغالاة في جانب واحد تحدث خللاً في نفس الإنسان، وتمهد لاستقباله سلوكاً بعيداً من الاستقامة. هذا الكتاب يخاطب الأسر وذراريها بما ينبغي أن يكون عليه نهج الوسطية في التربية، وهو وحده النهج الذي يمثل ترياقاً مضاداً لصيحات الغلو.
الغلو ظاهرة إنسانية لا تنحصر في دين من الأديان ولا في نحلة من النحل. كل من اعتقد أنه يملك الحق المطلق وأن عليه أن يطبقه على الآخرين سوف يركب جواد الغلو وسوف يلجأ للعنف، بل حتى في السلوك الشخصي إذا غالى الفرد في الروحانية يصير حمامة المسجد الذي يصير عالة على غيره في الحياة، أو الذين يغالون في أمر المادة فيصيرون عباداً للمال، أو الذين يغالون في مشاعر عاطفية فيفقدون التوازن على نحو من قال:
فَإِنْ تُسْلِمِي نُسْلِمْ وَإِنْ تَتَنَصَّرِي يُعَلِّقُ رِجَالٌ بَيْنَ أَعْيُنِهِمْ صُلْبَا!
وفي المشاعر كذلك فالمبالغة مؤذية: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) .
ختاماً: أقدم لكم كتابي "أيها الجيل" مرافعة في سبيل أن التوازن سر الاستقامة.
سروة طه الآية (55)
سورة الحديد الآية (23).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.