[email protected] أسعدني وأثلج صدري و"سرّ بالي" تصريح الدكتور نافع، نائب رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم السابق، ومساعد رئيس الجمهورية حتي أيام قليلة خلت، الذي وصف فيه التعديل الوزاري الأخير بأنه "تصفير للعدَّاد"، وأن القادمين الجدد "سيُصفِّرون العدَّاد" بعد 11 عاما، ثم يُصفِّره من يأتي بعدهم "حتى يُصفّر عليهم عزرائيل"! – أي أن نظام الإنقاذ سيحكم السودان إلى يوم الدين! أولا، ولفائدة صِغار السن، وغير السودانيين، وساكني الأبراج العاجية، "تصفير العدَّاد" تعبير يستخدمه سماسرة السيارات المستعملة، ويعني "اللعب" في عدّاد الأميال/الكيلومترات في السيارة وجرّه إلى البداية حتي تبدو السيارة "على الزيرو" – أي كالجديدة، وقد قصد به دكتور نافع بداية ربع قرن آخر (ربما) من حكمهم. أما "تصفير عزرائيل" – ولعل الدكتور اختلطت عليه الملائكة فنسب صافرة إعلان يوم القيامة إلى عزرائيل عوضا عن إسرافيل – فالمقصود به النفخ في الصُّور الذي يُعلن يوم القيامة والحساب. وما أثلج صدري واسعدني و"سر بالي" في تصريح د. نافع هو انه قطع ألسنة المغرضين والمرجفين الذين يشككون في إيمان أهل الإنقاذ بيوم القيامة والحساب، وبمبدأ مسؤولية كل فرد عن أعماله في ذلك اليوم، و"من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره". ويستند المرجفون في تشككهم على اتهامات (بدت لي واهية في بادئ الامر) بالفساد في الأرض، وأكل مال الله، وأكل مال اليتيم، وأكل السُحت، والظلم الذي حرمه الله على ذاته العليّة، وقتل النفس التي حرم الله الا بالحق، والكذب الصراح، وغياب الرحمة، ونكث العهود، وافقار الناس وإذلالهم، والتنصل من مسؤولية الوالي على رعيته، والتفريط في مصالح العباد والبلاد، وغير ذلك من التهم الغليظة التي تودي بصاحبها إلى النار وبئس القرار. وقد عزّزوا اتهاماتهم بعدم معرفة أو قبول أو تذكر أهل الإنقاذ ليوم القيامة والحساب بالقول أنهم ماضون في شططهم وآثامهم، لا يردعهم رادع ولا وازع، ولا تبدو عليهم بوادر تردد أو نية في توبة وإقلاع عما يقترفون. وقد حسبت لفترة طويلة ان معظم هذه الاتهامات مبالغ فيها، غير ان تواتر الاتهامات والقرائن جعلتني اتشكك في حكمي وأعيد النظر في الأمر برمته. وحين قلبت نظري واسترجعت أقوال أهل الانقاذ وافعالهم (والشريعة عليها بالظاهر)، رأيت ان القوم يؤمنون بالله، بدليل رفعهم لراية لا إله إلا الله، والتلويح يوميا بشعار "هيَ لله"؛ ويؤمنون بالقضاء والقدر، بدليل نسبتهم الظواهر الطبيعية مثل السيول والفيضانات، والفقر، وفشل السياسات الاقتصادية، وانهيار قيمة الجنيه السوداني، وفقدان الجنوب ونفطه، للقضاء والقدر؛ ويؤدون الفرائض من صلاة، وصوم (جماعي وفرادى)، وحج (مرارا) – أما الزكاة فلا نقطع بأدائهم لها (لأن بعض عقود تعيين منسوبيهم تعفيهم من دفع ضريبة الدخل الشخصي وربما انسحب الإعفاء على الزكاة، والله اعلم). غير ان اتهامات المرجفين بعدم إيمان أهل الإنقاذ باليوم الآخر (وما يشتمل عليه من حساب عسير على أعمال الناس في الدنيا، وعذاب ابدي لمن يُخطئ) بدت لي اتهاما غليظا جائرا، رغم أن حجج المُرجفين كادت أن تفلح في زعزعة هذا الظن. ومن فرط اشفاقي على أهل الإنقاذ من مغبة هذه الاتهامات إن صحّت، أسعدني وأثلج صدري و"سرّ بالي" وأنهى تشككي تصريح د. نافع بإشارته لتصفير "عزرائيل"، وهو عندي اعتراف كافٍ بالإيمان باليوم الآخر وبالثواب والعقاب الذي يعنيه، رغم ما قد يدفع به البعض من أن الإعتراف جاء على نحو غير مباشر بالإشارة إلى النفخ في الصّور وليس للحساب الذي يعقبه، وأنه مُعنى أكثر بالتنبؤ (أو التهديد؟) باستمرارية النظام إلى الأبد، وليس في مقام التأكيد بالإيمان باليوم الآخر. ولكني أقول أنه بفضل هذا الإعتراف، حسُن عندي إسلامهم، واكتمل إيمانهم، وتأكد عندي أنهم يراقبون الله في كل أعمالهم خشية الخسران المبين في يوم الدين. نسأل الله أن يُطيل أعمارهم ليحكموا السودان إلى يوم الدين، "يُصفِّرُون العدّاد" عند كل مُفاصلة ومُفارقة ومنازعة في صفوفهم، ويُصفِّرون في غبطة وهم في طريقهم إلى مزارعهم واستراحاتهم وقصورهم وبنوكهم، وشعب السودان "يَصْفَرّ" من المسغبة والمذلة والهوان وانقطاع العشم!