وصف رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان، الذي تواجه حكومته الاسلامية قضية فساد واسعة، السبت الازمة السياسية في البلاد بأنها "مؤامرة" من القوى المناوئة على "مستقبل واستقرار" تركيا. وأكثر اردوغان في خطاباته في الفترة الأخيرة، من استخدامه للمفردات المقذعة في حق منتقديه وهي مفردات عادة ما يستخدمها الحكام الشموليون كما يقول المراقبون، ليجعل نفسه في خانة الخير المحض والخصوم "الذين يسعون لتجريد تركيا من رموزها وعزتها ومكتسباتها" في خانة الشر المحض. وفي مأدبة غداء في اسطنبول مع عدد من المفكرين والكتاب والصحافيين الموالين للحكومة، اعاد اردوغان التجديد على رايه بوجود قوى في تركيا والخارج تتامر على الاطاحة به من السلطة. وقال في كلمة متلفزة "ما يحاولون فعله هو اغتيال الارادة القومية". واضاف "لقد حاولوا القيام بانقلاب قضائي في تركيا.. ولكننا سنواجه هذه العملية، وسنواجه مؤامرة 17 كانون الاول/ديسمبر هذه التي تستهدف مستقبل واستقرار بلادنا". وتأتي اتهامات اردوغان هذه في رد فعل على التحقيقات الواسعة في قضايا فساد ادت الى اعتقال عدد من حلفائه الرئيسيين في نفس التاريخ الذي وصفه بيوم المؤامرة، ومن بينهم عدد من كبار رجال الاعمال وابناء وزراء سابقين. واجبر اردوغان على اعادة تشكيل حكومته. وادت الفضيحة الى استقالة عدد من النواب من حزب العدالة والتنمية. كما اثرت فضيحة الفساد على الاقتصاد حيث سجلت الليرة التركية ادنى معدلاتها مقابل الدولار كذلك تدهورت الاسهم في بورصة اسطنبول هذا الاسبوع. واعرب اردوغان السبت عن ثقته بان تركيا ستتغلب على الصعوبات الحالية. وقال ان الانتخابات البلدية المقرر ان تجري في اذار/مارس المقبل ستكون اختبارا للنظام الذي يستعد للانتخابات الرئاسية التي ستجري في اب/اغسطس. وقال اردوغان "لن نسمح بأن تخيم الغيوم على مستقبل تركيا". واتهمت حكومة اردوغان التي تتولى السلطة منذ 2002 الموالين لرجل الدين فتح الله غولن المقيم في المنفى في الولاياتالمتحدة والذي يحظى بنفوذ في الشرطة والقضاء، بالتحريض على التحقيقات في قضية الفساد. وفاز أردوغان ثلاث مرات متتالية في الانتخابات وأحدث تحولا في تركيا بالحد من نفوذ المؤسسة العسكرية العلمانية. وشهدت تركيا انتعاشا اقتصاديا تحت قيادته لكن احتجاجات هذا العام كشفت ايضا عن حالة من الاستياء بين كثير من الأتراك تجاه ما يعتبرها البعض فترة من الحكم الاستبدادي. ويزيد الانفصال التام عن غولن الحليف السابق لأردوغان عدد الشخصيات التي اصطفت ضد رئيس الوزراء. وقال جمال اوساك رئيس مؤسسة الصحفيين والكتاب وهي منظمة وثيقة الصلة بغولن "اعتقد ان تشدد لهجة رئيس الوزراء امر غير سليم.. أرى ان من غير الملائم استهداف أحد زعماء الرأي للمرة الاولى في تاريخنا السياسي". واشبعت وسائل الإعلام القريبة من المعارضة اردوغان انتقادات شديدة اللهجة بسبب موقفه محملة إياه مسؤولية مباشرة عن الازمة التي تهز رأس الدولة. وقال الكاتب الصحفي مراد بيلج في بداية الأزمة "ليس هناك ادنى شك بان الفساد هو آفة (…) ولكن الاجواء السياسية التي سببها رئيس الوزراء منذ بدء هذه الازمة هي أسوأ وأخطر من الفساد نفسه". من جانبه، كتب زميله احمد حقان "من فضلك، تخلى عن هذا التصرف ‘انا لا اسلم أقاربي الى العدالة"، مشيرا الى ان هذا "سوف لن يدمرك وحدك بل سيدمرنا جميعا". وبعد سنوات من المواجهة مع كبار الشخصيات في الجيش جاء رد فعل أردوغان على فضيحة الفساد ليضعه أيضا في خلاف مع الشرطة والقضاء، وهو الأمر الذي جعله يشعر بمزبد من الاخطار على نفوذ حزبه وأساسا على مستقبله السياسي. ويقول محللون إن تكرار اردوغان للإشارة إلى المؤامرة يعكس خوفا كبيرا في نفسه من تكون كرة لهب الفساد المتدحرجة قد أذنت فعلا ببداية سقوطه السياسي في المدى القيرب جدا.