مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاومة الظلم – المشروعية والوسائل
نشر في حريات يوم 13 - 02 - 2011


بقلم: عبدالمحمود أبو
الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار
12 فبراير2011م
المجتمع الانساني تسوده منظومة من العلاقات فهنالك علاقات أسرية وعلاقات خارج الأسرة وعلاقات مع بقية المجموعات التي يتكون منها المجتمع كما أن له علاقة بالسلطة التي تحكمه داخل الدولة وتمتد علاقاته خارج الدولة . والعلاقات الانسانية تتداخل فتتفق حينا وتتعارض أحيانا . إن المجتمع الانساني يتطور نحو الأفضل كلما كفلت فيه الحرية وبسطت العدالة وروعيت كرامة الانسان ، وينهار إذا افتقد المعاني المذكورة ، والانسان قبل أن يهذبه الدين كان يحتكم إلي قوته ورغباته كما قال عمرو بن كلثوم
بُغَاةٌ ظَاِلَمينَ وَمَا ظُلِمْنَا وَلكِنَّا سَنَبْدَأُ ظَاِلِميِنَ[2]
إنه منطق المجتمع الجاهلي حيث كان الاعتداد بالقوة فكل قبيلة إما مغيرة وإما مغار عليها
قال زهير بن أبي سلمي:
ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لايظلم الناس يظلم[3]
قال العكبري : ثلاثة إذا لم تظلمهم ظلموك: ولدك وزوجتك وعبدك، فسبب صلاحهم التعدي عليهم[4]
بل إن المتنبئ يعتبر أن الظلم من شيم النفوس ومن لا يظلم فإن فيه علة يقول:
الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذاعفة فلعلة لايظلم[5]
هذه المفاهيم أبطلها الاسلام حيث حرم الظلم وأحل محله العدل فرب العزة يقول: “ياعبادي إني حرمت الظلم علي نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…” وفي القرآن الكريم وردت آيات كثيرة تستفظع الظلم وتتوعد الظالمين قال تعالى ” ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار مهطعين مقنعي رؤوسهم لايرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء” [سورة ابراهيم:42-42] لقد وضع الاسلام تشريعا حكيما لبسط العدل ومحاصرة الظلم والظالمين حيث قيد سلطة الحكام وجعل طاعتهم مشروطة بطاعة الله وألزمهم بالشورى وطالب الأمة أن لاتتردد في التصدي للطغاة بل أمر بتكوين جماعات للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وورد في السنة أن سيد الشهداء حمزة بن عبدالمطلب ورجل تعرض لحاكم ظالم فنصحه فقتله! لقد تحدث الفقهاء كثيرا عن العدل وبينوا أن الظلم مؤذن بفساد العمران على حد قول ابن خلدون وقال ابن تيمية “إن الله لينصرالدولة العادلة ولوكانت كافرة ولاينصر الظالمة وإن كانت مسلمة إن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولاتدوم مع الظلم والاسلام”[6].
لقد تطورالمجتمع الانساني كثيرا وابتكر وسائل حديثة للتصدي لبطش الدولة حيث انتشرت منظمات المجتمع المدني المعنية بالدفاع عن حقوق الانسان وتنوعت أساليب المقاومة التي جعلت الآليات العسكرية مشلولة وعاجزة عن التصدي فالمقاومة اللبنانية استعملت سلاح المعلومات لشل القدرات العسكرية الهائلة للدولة الصهيونية وبوعزيزي أحرق نفسه ليفجر الثورة في تونس التي أطاحت بنظام زين العابدين والثورة المصرية كان وراءها شباب الفيس بوك، فالانسان لديه القدرة للتعامل مع كل الظروف وكل الأوضاع فقط عليه أن يعرف ذاته والقوة الكامنة فيه ليوظفها توظيفا صحيحا وصدق من قال: أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر.
المفاهيم:
الظلم: هو وضع الشيئ في غير موضعه وفي القرآن الكريم هناك أنواع متعددة للظلم فالشرك ظلم قال تعالي” إن الشرك لظلم عظيم” [لقمان:13] والجحود ظلم قال تعالى ” وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا” [النمل:14] والكذب ظلم قال تعالى “..هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين” [هود:18] وتعدي حدود الله ظلم قال تعالى: “ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون: 229]إن كلمة ظلم ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة وعشرين مرة[7]. وورد في السنة “مطل الغني ظلم”[8] و”انصر أخاك ظالما أومظلوما ” قيل فكيف ننصره مظلوما؟ قال” تكفه عن ظلمه”[9] أوكما قال: وفي العصر الحديث ظهرت مصطلحات مثل الظلم الاجتماعي والمظالم الاقتصادية والمظالم السياسية ورد المظالم …الخ
المقاومة:
يقصد بها التصدي للمواقف والسياسات والأعمال التي تصدرمن الخصم سواء كان فردا أو تنظيما أودولة ، ويهدف التصدي لافشال تلك الأعمال وإبطال مفعولها ، إن مقاومة الظلم والعدوان قضية فطرية في الانسان وغريزة في الحيوان فالحيوان يدافع عن نفسه إذا شعر بالخطر، والانسان يقاوم العدوان بتفاديه والهروب منه ومقاومته إذا استطاع قال تعالي “ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض…” [البقرة:251]
المشروعية:
لقد اتفقت الأديان السماوية والقوانين الوضعية والنظريات الفلسفية علي مشروعية مقاومة العدوان والتصدي له دفاعا عن النفس وإحقاقا للحق ففي اليهودية جاء تشريع المعاملة بالمثل قال تعالي ” وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص…” [المائدة: 45] وفي تراث العرب وردت عبارة “القتل أنفى للقتل” والاسلام أقر مشروعية المعاملة بالمثل قال تعالى “فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم …” [البقرة:194] إن مشروعية مقاومة الظلم مبررة دينا وعقلا وقانونا لعدة اعتبارات:
1- حفظ الكرامة الانسانية: فالانسان خلق مكرما قال تعالى ” ولقد كرمنا بني آدم ” فالعدوان عليه وظلمه إنتهاك لكرامته التي خصه الله بها ومقاومة الظلم فيها صون للكرامة الانسانية
2- من أهم مقاصد الاسلام لاستمرار مجتمع الاستخلاف بسط العدل والظلم نقيض العدل وكل ما يحقق العدل ويدفع الظلم فهو مشروع قال تعالى ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقديرالذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا..”[الحج:39-40]
3- جعل الله الاسلام دين السلام والسلام اسم من أسماء الله الحسني ومن أهم عوامل استقرار المجتمع وتماسكه بسط السلام ولن يكون هنالك سلام إذا انتشر الظلم فمقاومة الظلم لبسط السلام مقصد من مقاصد الاسلام الشرعية.
4- المساواة في الحقوق والواجبات حق من حقوق الانسان والظلم ينتهك هذا الحق فمقاومته واجبة
5- الاسلام يرفض الاستكانة والخنوع قال تعالى ” إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا” [النساء"97]
6- السنة النبوية حثت على مقاومة الظلم: عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “مامن نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالايفعلون ويفعلون مالايؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهومؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل”[10]. ومخالفة القول للفعل ظلم من أبشع أنواع الظلم لأنه يؤدي إلي النفاق ويزعزع الثقة التي بها صلاح المجتمع.
7- مقاومة الظلم مشروعة في الاسلام بل من مات وهو يدافع عن حقه فهو شهيد عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال: “فلاتعطه مالك” قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: “قاتله” قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: “فأنت شهيد” قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: “هوفي النار”[11]
الوسائل:
كل نفس أبية ترفض الظلم وتبغض الضيم والانسان يغضب عندما يظلم وتنتابه مشاعر كثيرة تدفعة دفعا للانتقام ورد العدوان وبعض الناس لاينظرون للعواقب إذا ظلموا فيندفعون للمواجهة فيحققون نقيض مقصودهم. أما المسلم المبصرفإنه يتعامل مع الموقف بالحكمة التي تمكنه من تحقيق أقصى ما يريد بأقل الخسائر. والتعمق في الاسلام يؤدي إلي خيارات متعددة للمقاومة خلاصتها كالآتي:
أولا: الوعي بالمظالم: من أهم وسائل المقاومة أن يدرك الانسان أنه مظلوم ويحدد من الذي ظلمه وماهو نوع الظلم الذي وقع عليه وهل لديه يد فيما وقع عليه من ظلم؟ ليقرر بعدها خيارات المقاومة هذه التساؤلات مهمة خاصة فيما يتعلق بالمظالم العامة الاجتماعية والسياسية لأن الظلم في هذه الحالة واقع على مجتمع وليس علي شخص بعينه، والظالمون يستفيدون من جهل الناس بمظالمهم فيستمرون في غيهم دون خوف يقول الكواكبي:”من أغرب الأشياء أن المستبد يأخذ أموال الناس ظلما ثم يعيدها إليهم بالتجزئة فيهللون ويفرحون ويشيدون بكرمه الحاتمي”[12]!!! وفي مجتمعاتنا المتخلفة فإن الناس لاينظرون إلي جوهر الأشياء وإنما ينظرون إلي الشكليات فيقولون إن هذا الحاكم عادلا لأنه بني جسرا أو احتفل بمهرجان للقرآن الكريم أو قال كلاما عنيفا ضد أمريكا …الخ هذه العقلية هي التي مكنت للاستبداد والظلم في بلداننا.
ثانيا:من أهم وسائل المقاومة تحريرالشعوب من الخوف وتبصيرهم بحقوقهم : فالانسان ابن بيئته فإذا عاش في بيئة مستبدة خارت قواه وضعفت همته واستكان للواقع يقول الكواكبي أيضا ” إن الاستبداد يحول ميل الأمة الطبيعي من طلب الترقي إلي طلب التسفل بحث لودفعت إلي الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهرمن النور”[13] فأمة هذا حالها لايرجى منها . وعنترة بن شداد تفجرت طاقاته بعد وعيه بأن القيمة للنفس وليس للون والعنصر حينما قال له أبوه : “كر وأنت حر” كان لكلمات أبيه التي حررته من قيد الرق أثر كبير في نفسه فقد غيرت فيه الشعور بالدونية وحركت فيه كل الطاقات الكامنة فتفجرت شجاعة ، وحكمة ، وحباً ، وعفة ، وإباء ، ونبلاً ، فأتحف التاريخ بالقيم النبيلة التي ارتبطت به وصارت محل احتفاء حتى يومنا هذا [14]! لذلك إهتم الأنبياء والمصلحون بتوعية شعوبهم وتحريرهم من رق الوثنية والاستعباد قبل الاقدام .
ثالثا: إعلان رفض الظلم واعتزال الظالمين: إن الظالم يحيط به الخوف من كل جانب ، فعندما يعلن المظلومون رفضهم لظلمه فإن ذلك يزيده خوفا ويدفعه للتراجع ! لقد حث الاسلام على اعتزال الظالمين ومقاطعتهم قال تعالى “ولاتركنوا إلي الذين ظلموا متمسكم النار” ولكن الظالمين في كل زمان يسعون لاستقطاب بعض الناس بالترغيب والترهيب ولكنها محاولات لاقيمة لها إذا كانت الشعوب واعية بمظالمها وحقوقها واتفقت علي أهدافها فعندما اشتعلت الثورة المهدية في كل السودان أرسل غردون إلي الامام المهدي خطابا يعينه فيه حاكما على كردفان فرد عليه الامام المهدي قائلا” لسنا في كسروية كسرى ولاقيصرية قيصر ولاباشوية باشا ولامديرية مدير ولاحاجة لي بالسلطنة والملك والجاه إنما نحن في وظيفة مهدية”
رابعا:الوسائل السلمية من أفضل وسائل المقاومة فالمستبد يحضرنفسه ويسخرموارد البلاد للمواجهات العنيفية فليس من الحكمة أن يواجه بما يتفوق فيه ولكن المقاومة السلمية تشل قدرته وتضعف همته حدث ذلك للكيان الصهيوني عندما واجهته ثورة الحجارة فقد عجزت الآليات العسكرية عن التصدي وخسرالكيان الصهيوني في كل المحافل الدولية بل حتى داخل إسرائيل ظهرت أصوات تنادي باحترام حقوق الفلسطينيين فلما تحولت المقاومة لعمل مسلح خسرالفلسطينيون وصاروا يوجهوت السلاح إلي بعضهم بعضا. قال الشريف الرضي:
ملكت بحلمي فرصة مااسترقها من الدهرمفتول الذراعين أغلب[15]
خامسا: المقاومة يجب أن تكون مرتبطة بهدف: فالظالم نحن نبغض أفعاله فإذا كانت الكراهية للأشخاص فإنها تتحول من هدف نبيل إلي انتقام شخصي وسيتحول المنتقم نفسه إلي ظالم فالهدي النبوي كان واضحا :اللهم أعزالاسلام بأحب الرجلين إليك بعمربن الخطاب أوبعمروبن هشام”[16] أبوجهل وعندما دعا رسول الله بهذا الدعاء كان عمرمن أشدالناس عداوة لرسول الله ! إن مقاومة الأفعال الغرض منها الاصلاح فربما يتحول الظالم نفسه إلي عادل فقد مارس الظلم وأدرك مساوئه فإذا علم واقتنع بإن العدل فيه مصلحته قبل مصلحة الآخرين فإنه سيتحول وماذلك على الله بعزيز. ولكن كراهية الأشخاص تستبطن إقصاء يؤدي إلى دمارفي النهاية.
سادسا:التنظيم: هذا العصر الذي نعيش فيه هو عصرالنظم والادارة . والمقاومة كنشاط إنساني تعتبرإدارة بكل ماتعني الكلمة من معنى ومن أساسيات المقاومة معرفة قدرات الخصم ونقاط قوته ونقاط ضعفه، ومعرفة قدرات المقاوم ليوظفها توظيفا صحيحا تمكنه من شل قدرات الظالم وإضعافه فالتنظيم يقسم المقاومة إلي مراحل كل مرحلة تؤدي إلي التي بعدها حتي يتحقق الهدف ، ويتم تقسيم الأدوار وتقييم المواقف واتخاذ القرارالمناسب في الوقت المناسب وتوفرالمعلومة …الخ أما الانفعال واسقاط تجارب الآخرين دون إدراك للواقع فإنه يعتبرتصرف أحمق لايقتل عدوا ولايترك صديقا وسيمكن الظالم من الاستمرا.
سابعا:استعمال العنف يعتبرآخرالتدابير ومشروعيته جاءت من قوله تعالى: ” أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..” وهي مشروعية لاتكون إلابشروط أولها: استنفاد كل الوسائل السلمية وثانيها: الظن الغالب بأن لايؤدي العنف إلى ضرر أكبروثالثها: أن يتم الاعداد الجيد بحيث يحقق العنف النصر بأقل الخسائر. ورابعها: أن تعلنه قيادة مؤهلة بشروطها يقول المتنبئ:
من الحلم أن تستعمل الجهل دونه إذا اتسعت في الحلم طرق المظالم[17]
وقال النابغة:
فلا خير في حلم إذالم يكن له بوادر تحمي صفوه أن يكدرا[18]
أخيرا نماذج للمقاومة السلمية:
1- الامام عبدالرحمن: يعتبرالامام عبدالرحمن رائد المقاومة السلمية في العصرالحديث لقد شاهد مافعلت الآلة العسكرية بالأنصارالبواسل المخلصين، وشهد مظاهرالكراهية التي تستبطنها شرائح كبيرة من المجتمع وأدرك بطش العهد الجديد. استوعب هذا الواقع بكل مستجداته وحدد هدفه وقاد أحبابه بوعي وهمة حتي تحققت أهدافه:
- حول الطاقة الأنصارية الجهادية إلي أعمال مدنية واقتصادية
- لم يقطع صلته بالسلطة الحاكمة واستفاد من أي فرصة توفرت له ولم يلتفت لانتقاد الآخرين
- استقطب النخب الوطنية الواعية لدعم موقفه الوطني
- مد جسورالتواصل مع كل شرائح المجتمع التقليدية والحديثة وأغدق عليهم من معروفه
- صنع صداقات إقليمية وعالمية ووظفها لقضيته
- ابتعد عن العنف بالرغم من حماس أنصاره وتشوقهم للاستشهاد
- حقق أهدافه وصنع للسودان اسما وللأنصارعمراجديدا[19]
- قال: كرف يوم وفاته:
- هبوابنعشك مسرعين كأنما فصموا عرى التاريخ ثم تفرقوا[20]
2- فتح الله كولن :بعد انهيارالسطنة العثمانية قام علي أشلائها نظام علماني أوروبي الوجه واليد واللسان ، حاول هذا النظام سلخ تركيا من جلدتها الاسلامية وإلحاقها بالغرب ، وأنشئت نظم الحكم والادارة والثقافة معبرة عن هذا المعني، وأسس جيش قوي لحماية هذه المفاهيم والتصدي لأي محاولة للإنحراف عنها، لقد استمرهذا النظام قرابة السبعين عاما وفجأة اكتشف النظام العلماني عودة الشعب التركي إلي جذوره الاسلامية وبروز نشاط سياسي مدني عم كل أنحاء الدولة وحاول الجيش إيقاف هذا المد بشتى الأساليب فتغلب عليها الشعب وحقق انتصارا عظيما دون سفك دماء، واليوم فإن مفاصل الدولة كلها بيد دعاة العودة إلي الجذور الإسلامية . فماهو سرهذا النجاح؟ وماهي الارادة التي تقف وراء هذا العمل؟ يوجد شخص غيرمعروف لدي كثيرمن الشعوب العربية والاسلامية يسمي :” فتح الله كولن” هذا الرجل تجاوز السبعين من عمره وهو يلزم فراش المرض الآن شفاه الله ، يعتبرهذا الرجل هو الملهم للشعب التركي في ثورته الحديثة الناعمة ، لقد انتهج اسلوب الوعظ الصادق وتغلغل في وجدان الأمة فخاطب همتها وحرك أشجانها فتفجرت طاقاتها وأثمرنشاطها مؤسسات تعليمية رائدة، ومؤسسات صحية متقدمة،ونشاط اقتصادي معافي من أمراض التنافس والربحية غيرالأخلاقية . لقد عاش الرجل الاسلام روحا وسلوكا وحضارة وهوالفقيرالأعزب الذي لايملك إلا قلبا مليئا بالإيمان بالقضية ولسانا فصيحا يترجم ما يجيش في الوجدان، ومن كلماته “الدنيا تدور وتدور وكلما دارت فإنها تؤوب إلي فلكها الأصلي، فيا تري هل ورثة الأرض الحقيقيون جاهزون لاسترداد ميراثهم الذي أضاعوه، وسلبه الآخرون؟ إن الحق الموهوب ابتداء شيئ، والحق الموهوب بسبب التمثل العملي شيئ آخر. فالحق إن لم يمثل حسب مقاييس قيمه الذاتية ، فإنه يمكن أن يسلب من أصحابه في أي لحظة ويسلم إلي قوم آخرين يكونون أجدر ولو نسبيا بتمثيل الخير وهكذا إلي أن ينشأ الممثلون الحقيقيون للحق”[21] لقد اتبع الرجل نهجا جدير بنا أن نقف عنده، فتجارب الأمم تدرس ويستصحب منها ما يتلاءم مع الظروف والبيئات ، إن نهجه يقوم علي الآتي:
أولا: التشبع بالفكرة : وهي أن الاسلام دين يحمل في طياته كل معاني الخير والعدل والجمال لكل الانسانية ، وأنه ليس فلسفة تجريدية ولكنه واقع عملي يتمثله الناس في حياتهم وسلوكهم ومفاهيمهم. إنه بهذا المعني الواسع قادر علي استنهاض الشعوب وتفجير طاقاتها خيرا وعسلا ولبنا. غير أن ذلك لايتحقق بالأماني وإنما بالبذل والتضحية.
ثانيا: ابتعد هذا النهج عن المصادمة مع السلطة بل تواصل معها واستفاد من الحرية المتاحة للتواصل مع الجماهيروغرس معاني الخيروالمحبة والتجرد في قلوبهم . وهي تجربة تذكرنا بنهج الامام عبدالرحمن المهدي طيب الله ثراه الذي استطاع أن يحقق استقلال بلاده ويعيد تنظيم الأنصار ويجمع شتاتهم ويضع اللبنات الأساسية لتنمية اقتصادية غيرمسبوقة ولاملحوقة في السودان.
ثالثا: لم يجعل النشاط السياسي هدفا وإنما ركز علي النشاط التعليمي والإقتصادي والاجتماعي والعمل الطوعي في كافة مجالات النشاط الانساني. هذا الابتعاد عن العمل السياسى المباشر حقق نجاحا سياسيا في مرحلة لاحقه واليوم فإن الذين يمسكون بالسلطة في تركيا هم من تلاميذه أمثال أردوغان رئيس الوزراء وعبدالله غول رئيس الجمهورية.
رابعا: لم ينشئ تنظيما ولاجماعة وإنما طرح فكرة وترك للناس حرية الاختيار في تطبيقها فتعلق الناس بالفكرة وتمثلوها في حياتهم وترجموها لأعمال، فمثلا يتبني عدد من التجارإنشاء مدرسة نموذجية مبنية علي أجمل طراز ومجهزة بأحدث المعدات، وتتوفرفيها البيئة التعليمية بكل متطلباتها، وتتولى الإشراف عليها إدارة عالية الكفاءة ويتقدم فيها للتدريس معلمون لايحركهم دافع المرتب العالي وإنما ينذرون أنفسهم كأصحاب رسالة تعليمية ، وهكذا في كافة المؤسسات الصحية ومنظمات المجتمع المدني ، والذين يتصدون لهذا العمل يسمون أصحاب الخدمة إشارة إلي تجردهم وتواضعهم.[22]
3- محمد بوعزيزي الشاب التونسي الذي أقدم على حرق نفسه وأشعل الثورة التي أطاحت بالنظام التونسي أظهرموقفه هذا جدلافقهيا . فالانتحارمرفوض اسلاميا وبعض الناس يكفرون المنتحر، ولكن موقف بوعزيزي جاءت ثمرته خيرا لتونس كلها بل ربما لكل العالم العربي فإذا طبقنا مقولة المسيح عليه السلام ” بثمارها تعرفونها ” ومقولة الفقهاء الأمور بمآلاتها فربما نجد له مخرجا وهنالك حديث نبوي يسعفنا بالموقف الصحيح مع هذه الظاهرة. روى مسلم في صحيحه أنه لما هاجرالنبي صلى الله عليه وسلم للمدينة هاجرمعه الطفيل بن عمرو وهاجرمعه رجل من قومه فاجتووا المدينة . فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات . فرآه الطفيل بن عمروفي منامه . فرآه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له : ماصنع بك ربك ؟ فقال : غفر لي بهجرتي إلي نبيه صلى الله عليه وسلم فقال مالي أراك مغطيا يديك ؟ قال قيل لي : لن نصلح منك ما أفسدت . فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم”اللهم وليديه فاغفر”[23] رواه مسلم في صحيحه في باب: الدليل على أن قاتل نفسه لايكفر
هذه النماذج الثلاثة تعطينا صورة عملية لنجاح الجهاد المدني وفاعليته مع أن نموذج بوعزيزي كان نموذجا عنيفا ولكنه عنف موجه لنفسه وليس ضد الآخرين ونموذج وائل غنيم أيضا جدير بالدراسة .
والله ولي التوفيق
[1] قدمت هذه المحاضرة في المركزالعام لهيئة شؤون الأنصار بأم درمان يوم السبت:12فبراير2011م
[2] معلقة عمروبن كلثوم
[3] معلقة زهيربن أبي سلمى
[4 ديوان أبي الطيب الجزء الثاني صفحة 452دار الأرقم : بيروت
[5] ديوان أبي الطيب المتبئ الجزء الثاني صفحة 461 دار الأرقم : بيروت
[6] الفتاوي لابن تيمية 63/28
[7] المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم وضعه: محمد فؤاد عبدالباقي دار إحياء الثراث العربي :بيروت
[8] متفق عليه
[9] رواه البخاري
[10] صحيح مسلم صفحة 48-49 مكتبة الايمان – المنصورة – مصر
[11] صحيح مسلم مرجع سابق
[12] طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد للكواكبي
[13] المرجع السابق
[14] الحوارفي الاسلام حقائق ونتائج بقلم عبدالمحمود أبو كتاب تحت الطبع
[15] ديوان الشريف الرضى المجلد الأول ص(107) شرح د. يوسف شكرى فرحات : دار الجيل بيروت الطبعة الأولى 1995
[16] رواه أحمد والترمذي
[17] ديوان أبي الطيب الجزء الثاني صفحة 451 مرجع سابق
[18] من شعرالنابغة الجعدي
[19] راجع جهاد في سبيل الاستقلال وعبدالرحمن الصادق إمام الدين للامام الصادق المهدي
[20] ديوان محمد عبدالقادركرف
[21] عودة الفرسان تأليف فريد الأنصار دارالنيل للطباعة والنشر القاهرة
[22] صحيفة التيار20 يناير2010 مقال للكاتب
[23] صحيح مسلم صفحة72-73 مرجع سابق: اجتووا لم يستلطفوا مناخ المدينة. مشاقص: جمع مشقص وهو نصل السهم. البراجم: مفاصل الأصابع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.