سيف الحق حسن إذا أردت أن تكون حرا أو تدعو للحرية فهناك ثمن لابد أن تدفعه. فالفكر الحر الداعي لحرية الإنسان ربما يؤدي بصاحبه إلى الإضطهاد والتعذيب، وقد يلاقي حتفه في نهاية المطاف. فالثبوت على مبدأ الفكرة من أهم ما يميز الأحرار. التاريخ يروي لنا عن ابن المقفع كيف كانت نهايته. والأرجح أن سبب مقتله يعود إلى المبالغة في صيغة كتاب الأمان الذي وضعه ابن المقفع ليوقّع عليه أبو جعفر المنصور إتفاق أمان بينه وبين عمه عبد الله بن علي في الحكم. فقد صاغه حتى لا يجد المنصور منفذاً للإخلال بعهده. ومما جاء في كتاب الأمان: "إذا أخلّ المنصور بشرط من شروط الأمان كانت "نساؤه طوالق، وكان الناس في حلّ من بيعته"، مما أغاظ المنصور فقال: "أما من أحد يكفينيه"؟. وكان سفيان بن معاوية – والي البصرة من قبل المنصور- يبيّت لابن المقفع الحقد، فطلبه، ولما حضر فيّده وأخذ يقطعه عضواً عضواً ويرمي به في التنور، ثم يكرهه على أكل جسده مشويًا حتى مات. وقد مات هذا المفكر وعمره لم يتجاوز السادسة والثلاثين. ويحكي التاريخ عن شهاب الدين السهروردي الذي كان يدعو إلى تحرر العقول و الوصول للمعرفة عن طريق الذوق والكشف الروحاني، ويعتبر أبو الفلسفة الإشراقية، ولكن الملك الناصر صلاح الدين بعث إلى إبنه الملك الظاهر بحلب كتابا يقول فيه إن هذا الشاب السهروردي لا بد من قتله. فترك في مكان منع منه الطعام والشراب إلى أن مات. وقيل إنه قتل بالسيف، وقيل إنه أحرق أيضا. ولكن اجتمعوا على أنه حكم علية بالإعدام بتهمة الإلحاد والزندقة. وبعد ذلك بعدة سنوات كان ابن رشد في قرطبة يعاني من نفس المصير. وغيرهم الكثير كالحلاج الذي مات بعد تقطيع أطرافه مصلوبا على يد المقتدر بالله. ومنهم غيلان الدمشقي والتوحيدي وغيرهم. فنادرا ما تجد مفكرا ينادي بالحرية في تاريخ المسلمين لم يلاقي مصيرا مأساويا. والمؤسف إن التاريخ يحكي أمجاد السلاطين ولا يلتفت إلى ما كانت تعانيه الشعوب من ظلم وإرهاب وقمع وإستبداد. فماذا إذا لم يعاني هؤلاء المفكرون من الإرهاب والاضطهاد والرعب والقتل؟، فالربما لأختلف واقع الشعوب ولكنا أكثر تفتحا وإنفتاحا وفائدة للإنسانية والعالم. ربما العالم القديم كان ينظر للمسلمين كعدو للصراع بين الأمم في لك الحين، ولكنه الآن ينظر لنا كحالة عقلية ينبغي مكافحتها أو علاجها. ولا إنفكاك من هذه الحالة إلا بالحرية الكامنة. ويعجز قلمي في التعبير عن البطولات التضحيات التي يقوم بها المناضلون بحق عن هذا المبدأ. إنهم ليسوا قادة أحزاب ولا سادة ولا أأمة ولا من أوجه المعارضة البارزين، ولا من الصحفيين المخضرمين والذين إذا أعتقلوهم لم يمسوهم بسوء بل أنزلوهم في معتقلات خمس نجوم. إنهم حاليا من البسطاء والفقراء الذين يكافحون الظلم ويقولون كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، ولكنهم في المستقبل سيمجدهم التاريخ بأنهم كانوا هم الشرفاء. إن الكثير من الناس لا يعرفهم لأنهم ليسوا كالنجوم التي تلمع في سماء الوطن وتوهمك ببريقها ولمعانها وهي أساسا ماتت قبل ألالاف أو ملايين السنين وتحولت لثقوب سوداء. ولكنهم شموع تحترق في جوف ظلام دامس إذا أخرج الحر يده لم يكد يراها. إنهم يعيشون الخذلان ويشعرون بمرارة الخيانة من الناس الذين لا يلتفتون إلى نضالهم وكفاحهم من أجلهم وبرغم ذلك ما يزالوا صامدين من أجل نشر ولو قليل من الوعي، والإسهام في إحداث التغيير الذي يأتي بالفجر. إنهم ضحوا براحة بالهم ووقتهم ومستقبلهم وأنفسهم وأهليهم من أجل أن يكون هناك غد مشرق. إنهم مستعدون أن يموتوا شهداء في سبيل ذلك. وتتوقف كلماتي مجددا عاجزة عن الدفاع عن من يحميني بدمه ونفسه ويلاقى الويلات من العذاب. فلا أملك إلا أن أدعو و أكرر النداء الذي أرسلته حريات: بدعوة جميع الناشطين، وجماعات حقوق الإنسان الدولية وجميع الجهات الفاعلة للضغط على الحكومة السودانية إلى الإفراج فورا عن محمد صلاح وكافة المعتقليين السياسيين الاخرين وعلى رأسهم طلاب جامعة الخرطوم، وتمكينه الحصول على العلاج البدني والنفسي بالصورة الآمنة والمهنية. (للتوقيع الرابط ادناه): https://secure.avaaz.org/en/petition/Government_of_Sudan_Stop_torturing_and_free_Student_activists/?kAWEJfb وأختم بعبارة دانتي التي إشتهرت على لسان مارتن لوثر كنج "أسوأ مكان فى الجحيم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد فى المعارك الأخلاقية العظيمة".