لحظة تاريخية "ياخ سندوتش العدس بالليمون والشطة دة عجيب خلاص..أديني قرمة تاني" مد له السندوتش بأريحية وضحك حتى كاد يستلقى على ظهره وصديقه يسعل بشدة من أثر الشطة التنقابة. توقفت الحافلة أمام المدرسة نزلا مع الاخرين. جرى بسرعة نحو الباب….هيييه المدرسة قافلة.. كانت الحافلة حينها قد رجعت وفتح الشارع العريض يديه ليحتضن جموعهم…جرى هو وصديقه بفرحة كبيرة بسبب التخلص من اليوم الدراسي والاختبار…خلاص نمشي المظاهرات..قالها ولمعت عيناه بروح المغامرة..ووسط الجموع الهادرة جرى صديقه بسرعة وكان هو خلفه يسارع لكي يلحق به… رفع صديقه قبضة يده وجسمه يعلو كأنه يريد أن يقفز أو يطير…كان هو في تلك اللحظة خلفه تماما….وبأعلى صوت خرجت من حنجرته…يسقط……وتجمد الكون. شعر بنفسه منفصلا عن كل ما حوله..وأصبح المشهد يحدث أمامه بالحركة البطيئة…لم يكمل صديقه الكلمة..رآه يرتفع عن الارض..وجسمه ينتفض بشدة..رأسه يرجع للوراء بقوة ثم يندفع من جديد للأمام وكأن قوة ما تريد أن تنزعه من مكانه.. يداه انبسطتا وتحركتا في كل اتجاه كرعشة من مسته كهرباء…جسمه يتكور في نصف دائرة الى الخلف ويدور في الهواء قليلا قبل أن يرتطم بالأرض…جنبه أولا…ثم رأسه يضرب الحصا…الحجارة الصغيرة تتناثر من حوله…الأرض نفسها رآها تهتز…ثواني ثم يختلج الجسم…ثم نظر الى عيني صديقه..واسعتان تحدقان برعب في الفراغ..اخترقته العينان كسكين حاد…سمعهما تصرخان بضجيج هامس…لماذا؟ ماذا؟ …جسمه ينتفض ..وينتفض..والعينان تصمتان… لم يكن يسمع حينها الا أنفاس صديقه اللاهثة…دقات قلبه هو الضاجة القوية ترسم ايقاع الحركة في الحيز الذي اختفت منه معالم الكون ولم يبق فيه الا سواهما رغم زحمة المكان بمن حولهم من الطلاب والمواطنين. رأى نفسه ورجلاه تنثيان ويقع على ركبتيه بجانب صديقه الذي انفجرت من شلالات الدم من رأسه وأنفه ومكان آخر في بطنه. ملأت رائحة الدم خياشيمه في ما استحال المنظر كله الى لون أحمر قان. اصطكت ركبتاه بالارض فيما صديقه يحاول للمرة الاخيرة ان يحكي له بعينيه كل ما اختزنه عمرهما الغض من حكايات ويوصيه بأمه بائعة الشاي. مد يديه بلهفة نحو صديقه وكأنه يريد أن يشده من داخل هذا الحيز ويعود به الى الوراء ويكسر بوابة المدرسة ويجلسه على الكرسي ليؤدي الاختبار. عندما أمسكه بيديه كان صديقه قد سكن تماما وصمتت عيناه عن كل كلام. أمسكه وشعر بضجة المكان قبل أن تضج حنجرته بالصراخ.