عثمان ميرغني يكتب: «منبر جدة» والتوافق السوداني المفقود    مجلس السيادةينفي ما يتم تداوله حول مراجعة الجنسية السودانية    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    إقصاء الزعيم!    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    السيسي: قصة كفاح المصريين من أجل سيناء ملحمة بطولة وفداء وتضحية    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    الجيش يقصف مواقع الدعم في جبرة واللاجئين تدعو إلى وضع حد فوري لأعمال العنف العبثية    تشكيل وزاري جديد في السودان ومشاورات لاختيار رئيس وزراء مدني    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    أحلام تدعو بالشفاء العاجل لخادم الحرمين الشريفين    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اليسار السوداني و) ثورة ( اكتوبر 64 : استكمال المهمة باستكمال المراجعة النقدية للذات ؟
نشر في حريات يوم 21 - 10 - 2014


عبد العزيز حسين الصاوي
بمعني هام وأساسي يمكن القول ان ثورة اكتوبر 64 كان حتميا ان تكون اشتراكية المنبع والمصب تخطيطا وتنفيذا ومسيرة. عالميا،ورغم ماكشف عنه تقرير المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي عام 1956 من التجاوزات الفظة للحقبة الستالينية، بقيت موجة الاشتراكية التي شهدتها حقبة مابعد الحرب العالمية الثانية خاصة، قوية. في بريطانيا كان حزب العمال بجيبه الماركسي الفعال وسياساته الاشتراكية في التأمين الصحي الاجتماعي وتأميم المرافق العامة الخيار المفضل للناخبين في انتخابات عام 45 رغم الشعبية الجارفة لزعيم حزب المحافظين بطل الحرب ونستون تشيرشل، بينما كان للاشتراكيين الاوروبيين وجود ملموس في عدد من حكومات الدول الغربية مثل فرنسا وايطاليا النرويج، بل إن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية شهدت مرشحا اشتراكياحتي عام 1956. علي ان العالم الثالث كان المجال الاوضح لصعود الموجة الاشتراكية فكرا وتطبيقا، حيث شكلت السمة الغالبة لكافة الانظمة الحديثة بمقاييس الستينيات في اقطار افريقية وعربية مثل مصر والجزائر وغانا وغينيا واخري مثل اندونيسيا وكوبا.
من هنا كان طبيعا ان يتشكل الفضاء السوداني العام علي نفس النمط حيث نعثر علي دلالته الاهم في أن قائمة أعضاء الصيغة الاولية للحزب الشيوعي السوداني ، الحركة السودانية للتحرر الوطني ( حستو)، تضم اسماء مثل القياديين الاتحاديين لاحقا احمد زين العابدين وعبد الماجد ابو حسبو والإسلامي يس عمر الامام وبابكر كرار ( مؤسس اول حركة إسلامية في السودان ) والعديد من كبارالمهنيين والسياسيين وقيادات الخدمة المدنية. ونجد في تجاوز ( حستو ) الازمة التي تعرضت لها عام 1950 [1] انتهت بظفر الجناح الداعي الي تأسيس الحزب الشيوعي علي الجناح الداعي للبقاء كجناح تقدمي في الحركة الاتحادية[2]، دلالة أخري علي قوة الموجة وعلي تصدرها من قبل صيغتها الماركسية- الشيوعية تحديدا. بعدها شق الحزب طريقه في الحياة السياسية والثقافية والنقابية بقيادةمجموعة من أميزخريجي التعليم الجامعي والثانوي منتصف الاربعينات اختاروا تحملالمسئولية الجسيمة لبناء حزب ماركسي في مجتمع ماقبل – صناعي،مقاومةً باسلةً لمغريات الحياة الشخصية الرغده بالنظر لمستوي التعليم الذي حازوه. وفي هذا إشارة إلى القوة المماثلة للدافع الذاتي او المحلي في نشوء الحركه تعبيراً عن توق مجموعات المتعلمين من الجيل اللاحق لجيل قيادات حركة الاستقلال الوطني وشعورهم بالواجب الوطني بالمساهمة في بناء دولة مابعد الاستقلال، الذي ساعد عليه ضعف جاذبية الحركة. فبالرغم من كونها شكلت طورا اكثر حداثة من التنظيم السياسي بالمقارنة للاطر التقليدية القبلية- الطائفية، وحاضنة لنوايات العمل النقابي كما اتصلت في بعض اطرافها بالافكار الحديثة، إلا أنها بقيت مخلخلة التكوين حتي إن اندماجها في الحزب الوطني الاتحادي جاء نتيجة وساطات وضغوط مصرية في أطار الصراع مع حزب الامه والاستعمار البريطاني وليس نتيجة تطور ذاتي، بينما تسبب التجاذب بين الشقين المدني والطائفي في الحزب في وسم أدائه البرلماني والحكومي بالضعف.
تولي الحزب الشيوعي عملية تحديث السياسة السودانية علي عدة مستويات محققا حضورا سياسيا فعالا بوأه مركز قيادة القوي الحديثة بجداره لفترة طويله .الرافعة الرئيسية لهذه العملية كان ممارسة العمل السياسي وفق تخطيط استراتيجي للمديين المتوسط والبعيد مستمد من تحليل للواقع الاقتصادي- الاجتماعي إنطلاقا من نظرية فلسفية معينة، وتراتبية حزبية تنظيمية محكمة. هكذا نشأت تحت تأثيره العام، وقيادته المباشرة في معظم الحالات، أول الهياكل النقابية للعمال والمزارعين وأول تنظيمات قومية للشباب و النساء اواخر الاربعينات واوائل خمسينيات القرن الماضي، فضلا عن حضوره الطلابي القوي في المرحلتين الثانوية والجامعية وفي اوساط الادباء والفنانين ورجال الاعمال وايضا وسط شباب العسكريين حتي إن قيادة انقلاب مايو 69 كانت حريصة علي كسب تأييده وعينت إثنين من اعضائه العسكريين في مجلس قيادتها.
انتخابياً، أمارات صعود الحزب الشيوعي وشي بها ان نائبه الوحيد في اول انتخابات خاضها الحزب عام 1953، حسن الطاهر زروق، جاء في المركز الرابع بين 22 مرشحا، ومشتركا مع المع نجوم السياسة السودانية وقتها (المحجوب ومبارك زروق وخضر حمد ) في شريحة الاصوات الاعلي المتجاوزة ل30000 صوت ضمن المقاعد الخمسة المخصصة للخريجين[3]. هذا الصعود كان ينبئ بسرعة تقدم الحزب الشيوعي في اوساط القوي الحديثة وبمحورية الدور الذي لعبته بقيادته في إسقاط نظام نوفمبر1958، كما أثبت صعوده السلم الانتخابي عام 1956 الذي بلغ درجة اكتساح كافة دوائرالخريجين تقريبا ( احد عشر من 15 مقعدا ) بينما أوشك سكرتيره عبد الخالق محجوب علي هزيمة زعيم حركة الاستقلال الوطني اسماعيل الازهري في دائرة امدردمان الجنوبية حيث فاز الاخير بفارق الف صوت فقط، وعاد للفوز فيها في انتخابات تكميلية ضد أحد ابرز قيادات الحزب الوطني الاتحادي، ورغم ان الحزب كان محلولا قانونيا حينها. إلي جانب ذلك هناك ملاحظتان فيما يبدو مناقضا لسياق هذاالتحليل وهو الاختراق الاهم لقائمة الحزب الشيوعي في انتخابات دوائر الخريجين من قبل حسن الترابي محرزا أعلي الاصوات. فمرشحو الحزب الشيوعي اكتسحوا بقية القائمة كلها تقريبا ككتلة واحدة باصوات متقاربة [4] بما يعني ان الاختراق هو من قبيل الاستثناء الذي يثبت صحة قاعدة تصاعد نفوذ الشيوعيين لانه كان خاصا بفرد وليس بالتيار السياسي النقيض لتيار اليسار الذي يمثله. بل يمكن القول ان صعود الترابيفي الحركة الاسلامية وخارجها تم بفضل هذا النفوذ لأن التجاوب مع تحسساته التجديدية ( الفن، المرأه ) التي مهدت طريقه كانت مستحيلة بدون مناخ التجديد العام الذي نتج عن الصعود الاكتوبري للشيوعيين واليسار عموما.
بهذا الحجم الكمي والنوعي كان تميز دور الحزب الشيوعي في ثورة اكتوبر بمراحل عن دور الاطراف السياسية الاخري متمثلا في التوصل إلى صياغة استراتيجية الاضراب السياسي منذ 29اغسطس 61 وتهيئة مستلزمات إنجاحه، أمرا منطقيا. بل إن صحة مايقال عن ارتخاء معارضته للنظام وقبوله بدخول انتخابات المجلس المركزي عام 63 ،والانقسام الذي عاني معه في الصراع مع الجناح اليساري[5]تضفي اهمية اكبر علي هذا الدور لانه تحقق رغم هذه المعوقات.درجة الحضور الشيوعي المباشر وغير المباشر في القيادة الميدانية والسياسية لثورة اكتوبر (جبهة الهيئات) تجلي في حصوله علي ثلاث مقاعد في مجلس الوزراء، إضافة لاثنين علي الاقل من المحسوبين عليه ( عابدين اسماعيل وعبد الكريم ميرغني ) مقابل مقعد واحد للاحزاب الاخري،إلى جانب ما ذكر سابقا من مظاهر اخري مثل نتائج دوائر الخريجين، وذلك حتي إسقاط حكومة اكتوبر الاولي بعد اقل من اربعة اشهر من تكوينها في نوفمبر 64 بالتهديد باستعمال العنف الشارعي الريفي. وهو ماشكل بداية الهجوم المضاد من قبل جبهة تكتل للوسط واليمين التقليديين والاسلاميين علي الحزب الشيوعي في دلالة حاسمة علي مدي تصاعد نفوذه انتهت الي حله قانونيا في إجراءات برلمانية وقانونية بدأت في نوفمبر 1965 واكتملت في ديسمبر من نفس العام.
مرحلة المصاعب
نجاح القوي التقليدية في تعبئة قواها داخل البرلمان وخارجه لالغاء مكاسب الحزب الشيوعي الانتخابية الذي امتد بعد ذلك لالغاء دوائر الخريجين من قانون الانتخابات، كان بداية تصفية المكسب الرئيسي لثورة اكتوبر وهو الحريات العامة. وقد ترتب عليه بمرور الوقت وتمكن الشمولية من سلطة الدولة ثم في المجتمع، بما في ذلك شرائح ومناطق الوعي ، بمعدل وصل اقصي درجاته علي يد الاسلاميين، تصفية بقية المكاسب فتحول حق المرأة في الانتخاب وتخفيض السن الي 18 عاما رصيدا لمصلحة الشق الاسلامي من النخبة السودانية بنسخته التقليدية واستمر تدهور حال الوحدة الوطنية من الفشل في تطبيق مقررات المائدة المستديرة ( مارس 1956 ) الى الانفصال وانتشار الحرب الاهلية في مواقع اخري. وبينما تقع المسئولية الرئيسية في هذا التمكن، المصدر الرئيسي لحالة التدهور الشامل التي تكاد تعصف ببقاء البلاد المجرد الان، علي عاتق الاطراف السياسية الطائفية والاسلامية ( الحديثه ) مع تفاوت في الحجم بينها، إلا ان اليسار، وقيادته الشيوعية بالذات، يتحمل جزء من المسئولية يزداد حجمه كلما طال العهد بمراجعة اسبابه الحقيقية تمهيدا لمعالجتها.
لقد استمر اليسار في تحقيق بعض الانجازات الانتخابية بعد ذلك في الدوائر الجغرافية الحضريه ( احمد سليمان في الخرطوم الشماليه، الحاج عبد الرحمن في عطبره، عبد الخالق محجوب في امدرمان الجنوبيه ) ولكن المقارنة مع نتائج انتخابات عام 1986 توضح مدي تراجع نفوذه حتي في المناطق الحضرية حيث نجح مرشحا الحزب ( محمد ابراهيم نقد وعز الدين علي عامر ) في دائرتين جغرافيتين لهما خصوصية تجعلهما غير تمثيليتين لبقية الدوائرمثل كثافة حضور غير المسلمين، وثالثة من دوائرالخريجين الجنوبية فاز فيها مرشح الحزب ( جوزيف موديستو ) ب 178 صوتا فقط[6] ولم يفز حزب البعث العربي الاشتراكي، الطرف اليساري الاخر بمراحل عن الشيوعي، في اي من الدوائر ال92 التي ترشح فيها، بينما ارتفع تمثيل الاسلاميين البرلماني صاروخيا الى 51 نائبا مكتسحين دوائر الخريجين (23 من 28 ) و28 نائبا من الدوائر الجغرافية ب 726,021 صوت مقابل 67,937 صوتا للشيوعي [7] مؤشرا شديد الوضوح للتوسع الكبير والنخبوي والشعبي لرقعة الشموليه، يسطع باهرا إذا اضيف لذلك ان هزيمة حسن الترابي في دائرة الصحافة شرق كانت انتصارا للاسلاميين في وجهها الاخر لانه خسر بألفي صوت فقط في وجه تحالف ضم كافة الاحزاب الاخري انتخب نائبا وقف ضد إلغاء قوانين الشريعة.
نجح الاسلاميون ، وهي حركة حديثة قياسا بالطبيعة النخبوية لقياداتها وكوادرها الرئيسية ومنابتهم المهنية والطبقية وبنائها علي اساس فكري- تنظيمي ، فيما فشل فيه اليساريون وهو الجمع بين النفوذ في المجالين لان طبيعة ايديولوجيتهم كانت متماهية مع تصاعد قابلية المجتمع السوداني للتجاوب مع الخطاب الديني الماضوي السياسي وغير السياسي. العامل الاهم وراء هذه الظاهرة هو حالة الانهيار الاقتصادي- المعيشي التي دخلت فيها البلاد منذ اواخر السبعينيات بملامحها الاولي في بداية تدهور سعر الجنيه السوداني من ثلاثة ونصف دولار للجنيه الى 12 جنيه للدولار في 1985،وازمات شح المواد التموينية الأساسية التي انحدرت الى حد المجاعة في دار فور عام1983 ثم الي مايقترب من ذلكفي مجموع البلاد.ففي سبتمبر عام 1979 لخص وزير مالية النظام المايوي وضع الاقتصاد الكلي خلال الأعوام العشرة 1969-1979 كالاتي : بلغ العجز فى الميزانية بليون جنيه سوداني فى العام ، وبليون أخرى فى ميزان المدفوعات ، بينما بلغت الديون الخارجية 4 بليون جنيه سوداني ، وانخفض الإنتاج الاقتصادي بنسبة النصف لما كان عليه الحال عام 1969…. وفى نوفمبر 1981 تولى جعفر نميري في خطاب ( برنامج الإنعاش الاقتصادي ) بنفسه تأكيد هذه المعلومات واستكمالها، معترفا بالانهيار الاقتصادي ومورداً بعض حقائقه ، مثل العجز الخطير فى الميزان التجاري وميزان المدفوعات ، بسبب تضاعف الواردات وانخفاض الصادرات نتيجة للانخفاض المريع فى إنتاج القطن وارتفاع الواردات الاستهلاكية ، ثم تضاعف الصرف على الجهاز الحكومي ، وتردى الإنتاج فى المرافق العامة والمصانع … ولخص الرئيس الوضع كله بوجود فجوة متسعة بين الصادرات والواردات ، والإنتاج والاستهلاك ، والمدخرات والاستثمارات.[8]
واكتملت حلقات التدمير الشامل التي تقود اليها سياسة التحرير الاقتصادي المنفلتة عن الرقابات الديموقراطية التشريعية والقضائية وعن الافق الاجتماعي، بموجة تدين تبسيطي خام أطلقتها الضغوط المعيشية الباهظة التي زلزلت الارض تحت اقدام اغلبية الشعب الساحقة فلجأت الى السماء. تلقت مفاعيل هذه الموجة في الانغلاق الذهني والنفسي، حتي وسط النخب، دفعة حاسمة من تراجع نوعية التعليمالناتج عن تسييسه سلطويا بواسطة نظامي مايو 69 ثم يونيو 89 الشموليين من حيث المناهج بصورة خاصة، إضافة إلي الهجرة الواسعة نحو الخليج من قبل الجيل الاقدم الافضل تعليما والاكثر استنارة نتيجة عوامل الطرد الداخلي، وانجذابا نحو فورة البترو دولار التي فتحت الحقل المصرفي والتجاري امام الاسلاميين. كل ذلك في وقت انكشفت فيه العيوب الخطيرة للانظمة اليسارية والعلمانية، وبالذات الناصرية لقوة تأثيرها في السودان وشناعة انكسارها، جيشا وطبقة حاكمة، في حرب 67.
هذا التناسب الطردي بين تدهور الاحوال العامة ونمو الاسلام السياسي ليس من مسئولية اليسار. الحزب الشيوعي بالذات دفع ثمنا غاليا بالاعدامات التي طالت قيادته في مقاومةسياسات النظام المايوي التي تسببت فيها ولكن المؤكد ان فشله، مع الطرف البعثي الذي كان له نصيبه ايضا في المقاومة، في تجاوز معضلة توطين الديموقراطية في الواقع المحلي مثلهما في ذلك مثل الاحزاب التقليدية ولكن لاسباب مختلفه باختلاف طبيعتيهما، ساهم في تسهيل انتشار الاسلام السياسي في الاوساط النخبوية. المعني بذلك تحديدا ان الديموقراطية نتاج لعصر التنوير الاوروبي ( الثورة الصناعية، الاصلاح الديني ونشوء الطبقة الوسطي في خضم الصراع ضد الكنيسة- الاقطاع خلال القرنين السابع والثامن عشر ) الذي حرر عقل الانسان وسلوكه من الارتباطات الموروثة مبرزا فرديته وقدرته علي الاختيار الحر، وكان من المتعين، لذلك، التفكير في كيفية استزراعها في واقع مختلف جذريا تاريخيا ومكانيا[9] . تعذر ذلك لانه لم يكن من هموم الاحزاب التقليدية التي يناسبها الافتقار الي ثقافة الديموقراطية وقواها بينما تضافرت مجموعة من الاسباب لتعطيل تطور اليسار بهذا الاتجاه، يمكن تتبعها بالنسبة للحزب الشيوعي بداية من تحليله لثورة اكتوبر.
اليسار والديموقراطية : مؤشرات الخلل
وفقا لوثيقة الحزب الاساسية حول مرحلة مابعد اكتوبر،هي فترة جديدة وليست مرحلة جديدة في التطور الوطني الديموقراطي " تتميز باتساع الرقعة المتيقظة علي مهام التغيير الاجتماعي وتطلعها الي قيادة جديدة تحقق امانيها، ونزوعها للاستقلال عن القيادات البورجوازية. وهذه الجماهير تشمل اقساما واسعة من العاملين في قطاع الاقتصاد الحديث وتؤثر علي الاقسام الاخري تحت تعبيرات مختلفة تتجمع في رفض السير علي الطريق الذي سلكته الطبقات والفئات الحاكمة بعد الاستقلال. وهذا النزوع للاستقلال بين الجماهير الثورية لن يكون عابرا، ولايعني انتكاس ثورة اكتوبر إبعاده كعامل مبرز من العوامل التي تؤثر في سير الحركة السياسية في بلادنا. "[10]
اهم ملامح هذه الفترة هي السير في طريق التطور غير الراسمالي وقواها الرئيسية هي التنظيمات الديموقراطية للعمال والمزارعين والشباب، والمثقفون الثوريون واقسام من البورجوازية القريبة من المصالح الوطنية، وذات طابع مناهض للاستعمار القديم والحديث، بقيادة الحزب الشيوعي والطبقة العاملة.[11]
سنلاحظ هنا ان مصطلح " ديموقراطية " المتردد بكثرة لايشير للديموقراطية الليبرالية او السياسية وانما هو وصف يطبق علي مرحلة من مراحل تطور المجتمع نحو الاشتراكيه مايعيد للاذهان التصور الماركسي الكلاسيكي لتطور المجتمعات من الشيوعية البدائية الي المجتمع الشيوعي مروروا بالعبودي والاقطاعي والرأسمالي والاشتراكي. كما ان النص علي قيادة الحزب والطبقة العاملة في اطار اقصائي للاخرين قريب من مفهوم دكتاتورية البروليتاريا.اما الحقوق الديموقراطية البورجوازية، حسب الوثيقة، فهي " أداة في يد الحركة الثورية لوضع السلطة في يد القوي الاجتماعية ذات المصلحة في الديموقراطية والتحرر الوطني والتقدم "[12]
مدي تغلغل هذاالنوع من المفاهيم والافكار المجانبة للديموقراطية في عقل الحزب يظهر في بقاء مخلفاته في تفكيره حتي الان رغم الهزات الزالزالية التي ضربت الانظمة الاشتراكية والانتقادات التي تعرضت لها الماركسية أهمها من قبل احد تفرعات مدرسة مابعد الحداثه [13] ومناقشات التجديد الداخلي [14]حيث يمكن تتبع آثارها في الوثيقة الاساسية الصادرة مؤخرا،كما تقول الملاحظات التحليلية للفقرات التاليه :
"الفصل الاول، سابعا، السلطة الوطنية الديموقراطية يسعى الحزب الشيوعي لتأسيس السلطة الوطنية الديمقراطية، بالنضال الجماهيري وبالوسائل الديمقراطية عبر آلياتها المعروفة وتتسم هذه السلطة بالملامح التالية:
1. تعبر تركيبتها السياسية الاجتماعية عن تحالف عريض لكل القوي الاجتماعية المنضوية تحت الجبهة الوطنية الديمقراطية و التي تشمل عمال ، مزارعين، مثقفين وطنيين ، والرأسمالية المستثمرة في دائرة الإنتاج وامتداداتها ممثلين في تنظيماتهم السياسية و اتحاداتهم ونقاباتهم ومنظمات المجتمع المدني الأخرى.
2. يحكم السلطة الوطنية الديمقراطية برنامجها المجاز بواسطة تحالف قواها الاجتماعية ممثلة في تنظيماتهم السياسية واتحاداتهم ونقاباتهم ومنظمات المجتمع المدني الأخرى .
3. ( ….. )
4.الديمقراطية البرلمانية تدعم بالديمقراطية المباشرة التي تمارسها الجماهير عبر تنظيماتها.
5. تبتكر مختلف الآليات والقنوات المحكومة بالقانون واللوائح من اجل تعميق المشاركة الشعبية في العملية الديمقراطية وإتاحة الفرصة إمام أوسع القطاعات للتعبير عن رأيها بحرية ولممارسة حقوقها في المواطنة وصنع القرار."[15]
في نفس الفصلتحت " المشروع الاشتراكي: انجاز المهام الوطنية الديمقراطية يفتح الباب لولوج مرحلة التحول الاشتراكي ( …… ) السمات الاساسية للاشتراكية التي ننشدها هي :-
تحرير الانسان من الاستغلال .
الغاء الامتيازات الطبقية بما ينهي اغتراب الانسان.
الملكية العامة لوسائل الانتاج باشكالها المختلفة والتي تكرس تملك الشعب لهذه الوسائل وعائدها .
مكافاة الانسان حسب عمله .
السياسات والتدابير التي توسع من دائرة الديمقراطية الاقتصادية والاجتماعية .
سلطة سياسية ديمقراطية تعددية لتحالف واسع من الاحزاب والتنظيمات السياسية للطبقة العاملة والمزراعين والمثقفين الثوريين. وتؤسس تلك السلطة من خلال التجارب وزمالة النضال السياسي والاقتصادي والفكري ولا تفرض فرضا او قسرا وهذا ما اكدنا عليه في برامجنا المجازة في المؤتمر الرابع و الخامس (قيادة الحزب الماركسي في ظل النظام الاشتراكي ، لايعني وجوب نظام الحزب الواحد. الديمقراطية الاشتراكية ترتكز علي ما ححقته ( حققته ) الشعوب من حرية للفرد والجماعة في التعبير وحرية الفكر ، وتستكمل هذا البناء بتحرير الانسان من سيطرة راس المال واغترابه من مراكز النفوذ والقرار) . الاشتراكية تدعم الديمقراطية النيابية بالديمقراطية المباشرة"[16].
محمولات استخدام تعبير "مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية ذات الافق الاشتراكي " في البرنامج ليست منقطعة الصلة كلية بالاستخدام في السياق اللاديموقراطي لتحليل عام 67 حول ثورة اكتوبر. يتردد صدي هذا الاستنتاج في الفقرة التالية من مقدمة البرنامج : " نواصل تعاملنا مع منظومة المفاهيم و المصطلحات الواردة فى برامجنا و وثائقنا و التى استقرت دلالاتها المحددة من خلال عشرة الجماهير معها، مثل التغيير الاجتماعى و السلطة الوطنية الديمقراطية و الافق الاشتراكى "[17]، ثم يجد ايضا مايؤكده في صلب البرنامج.
النص الصريح في بداية الفقرة الخاصة بالسلطة الوطنية الديموقراطية حول سعي الحزب لتأسيس هذه السلطة ب " الوسائل الديموقراطية والياتها المعروفة " يغدو اقل صراحة علي ضوء التعريف الوارد فيها لمكونات السلطة الوطنية الديموقراطية إذ تتكرر فيه نفس المصطلحات والمعاني المستخدمة في تحليل عام 67 باستثناء إضافة التنظيمات السياسية لمكونات التحالف حيث كانت تقتصر علي النقابات والحزب الشيوعي وحده. وينزلق البرنامج باتجاه تشويش أكثر علي المعني السليم لمصطلح الديموقراطية عندما نلاحظ التركيز علي مضمونها الاجتماعي والاقتصادي مقابل السياسي بتكرار التعبيرات الدالة علي ذلك، وهو الفهم الذي أفضي عمليا إلى إلغاء الديموقراطية في كافة التجارب الاشتراكية اوروبيا شرقيا وعالمثالثيا، إضافة الى استخدام تعبير " الديموقراطية المباشرة " كداعم للديموقراطية البرلمانية والنيابية دون شرح للمقصود منه بما يبعده عن معني الانتخابات. يوغل البرنامج بنفس الاتجاه في الفقرات التفصيلية ل " المشروع الاشتراكي " حيث يلغي ضمنيا الاستثناء المشار اليه اعلاه حول التنظيمات السياسية عندما يحددها بكونها " الاحزاب والتنظيمات السياسية للطبقة العاملة والمزارعين والمثقفين الثوريين "، وهو مايمكن تفسيره كأعادة انتاج للتقسيم اليساري الكلاسيكي للقوي السياسية الى رجعيين وتقدميين بما يستتبعه ذلك من قصر حرية العمل علي مجموعة دون الاخري، تفسير لايلغيه الاستدراك الوارد بين قوسين بان ( قيادة الحزب الماركسي في ظل النظام الاشتراكي ، لايعني ( لاتعني ) وجوب نظام الحزب الواحد). كما يتمشي مع الجمود الفكري الذي يوحي به النص علي تأميم وسائل الانتاج بأشكالها المختلفة دون تحفظ، من رفض لسياسة التحرير الاقتصادي مع ان الاشتراكيين عموما تجاوزوه الى قبول هذه السياسة مشترطين الحفاظ علي دور للقطاع العام في بعض المجالات وضمان حماية مصالح الطبقات الشعبية ..كذلك الامر فيما يتعلق بأن النص علي الالتزام بمواثيق حقوق الانسان والديموقراطية يأتي في نهاية هذا الجزء من الفصل الاول وكذلك الفقرة التي تحمل نفس المعني في الجزء السابق، إذ يوحي ذلك بتدني اولويته لدي الحزب.[18]
علي ان للحزب الشيوعي شركاء في مسئولية التقصير ديموقراطيا لعل اهم نماذجها هو حزب البعث العربي الاشتراكي لكونه، مع الفارق بكافة المعايير، اهم الاطراف اليسارية بعده ولكونه، من بين الحركات السياسية الكثيرة التي تمخضت عنها ( ثورة ) اكتوبر، الحركة الوحيدة التي بقيت ونمت نموا سريعا ايضا لاسيما خلال الثمانينيات وحتي انفراط عقدها اواخر التسعينيات. وكانت الخلايا البعثية الاولي قد تأسست قبل اكتوبر ولكن نشاطها العملي انحصر في القطاع الطلابي وضمن تصورات وأشكال عمل اولية مهدت للانتقال الي الساحة العامة بصيغة " الاشتراكيون العرب " التي عقدت مؤتمرها الاول عام 1966 بعد ثورة اكتوبر.[19]
رغم التوترات والنقد المتبادل بين الطرفين، في غالب الاحيان بفعل حاجة البعث لاثبات وجوده ولحساسيته الاكثر حدة تجاه الصراعات العنيفة بين البعثيين والشيوعيين في المجال العربي،[20] هناك أثر فكري وسياسي شيوعي واضح علي البعث مما يوحد الاستنتاجات حولهما ويساعد، بذلك، في توضيحها. من نماذج ذلك الفقرات التالية من وثيقته الفكرية- السياسية الحاكمة " إن الحركة الجماهيرية الديموقراطية في قطرنا لم تستطع بعد استكمال إنجاز الثورة الديموقراطية وذلك نتيجة عجز الطبقة البورجوازية، وطريقها الرأسمالي، عن القيام بأنجاز هذه المهة وبناء مجتمع وطني عصري متقدم ومستقل عن السوق الرأسماية العالمية ( ….)إن التجارب النضالية الطويلة التي دخلتها جماهير شعبنا منذ الاستقلال وعجز الطبقة البورجوازية عن قيادة حركة التطور الوطني قد دفعت بالحركة الجماهيرية الديموقراطية الي الفترة العليا من مرحلة الثورة الديموقراطية والمواجهة المباشرة مع مراكز نفوذ الاستعمار الجديد "[21]
التشابهات مع الحزب الشيوعي في المصطلحات والمفاهيم واضحة هنا وكذلك في الفقرات التالية فيما يتعلق بالديموقراطية الليبرالية : " وبالاضافة لذلك كشف الانقلاب ( عبود 58 ) ضعف الاساس الاقتصادي والاجتماعي للنظام البرلماني في بلادنا. ففي ظروف التخلف لايشكل هذه النظام طريقا للتقدم والتطور "[22] . " ضعف الحركة الجماهيرية الديموقراطيه وذلك نتيجة حملة القمع التي واجهتها طيلة سنوات الحكم العسكري ونتيجة لتأثير الشعارات الليبراليه التي كانت سائدة في اوساطها "[23]وفيما يتعلق بتفسير انتكاسة ثورة اكتوبر تقدم الوثيقة ثلاثة أسباب أولها : " تمسك القوي التقليديه بالديموقراطية البرلمانيه باعتبارها النظام الامثل والهدف المباشر لثورة اكتوبر (……) وهذا مايؤكد ان الديموقراطية البرلمانية في بلادنا لاتشكل طريقا للتقدم والتطور "[24] . فضلا عن ذلك هناك علي المستوي التنظيمي -السياسي التشابه بين صيغة " الاشتراكيون العرب " القائمة علي التحالف بين القوميين والبعثيين وصيغتي " الجبهة الديموقراطية " و "الجبهة النقابية " اللتان عمل الحزب الشيوعي من خلالهما في تحالف مع الديموقراطيين.
كما هو الحال مع الحزب الشيوعي تطور موقف البعث إزاء موضوع الديموقراطية[25] باتجاه اكثر اقترابا من معناها السليم ولكن دون انقطاع كامل مع توجهاته السابقة. تمثل هذا في بقاء نظرته الايجابية للنظام العراقي دون تغيير علي الاقل في الظاهر لانه، كما اتضح في منتصف التسعينيات، كانت دواخل البعث تشهد اختمار تيارمختلف لدي بعض شخصياته القيادية تحول تدريجيا الى كتلة نجم عنها عام 1997 انقطاع تنظيمي وسياسي في انشقاق للبعث الي ( سوداني ) و ( أصل ). وبينما بقي الاخير رافضا اي مراجعة نقدية لتجربة البعث سودانيا او عراقيا توقفت عملية النقد الذاتي للتجربة لدي الاول عند السياسي دون الفكري مع استمرار الميل احيانا الي تصوير الخلاف مع الشق الاخر باعتباره إداريا- تنظيميا.[26]
علي هذا يمكن القول ان قطبي اليسار السوداني، علي الاختلاف الكبير في الاوزان بينهما، ظلا يغذيان عقلية القوي الحديثه التي صنعت انتصار اكتوبر 64 الكبير بطرح فكري وسياسي لايقطع بشكل جذري بين التغيير والشمولية، الي جانب الترويج، الصريح من قبل البعث والموارب من قبل الشيوعي، لانظمة سياسية تسلطية، مما أضعف حصانة تلك القوي تجاه شمولية الاسلاميين عندما حان زمانهم. وبالرغم من التطور النسبي في موقفهما من موضوع الديموقراطية لاحقا إلا ان محدوديته تبدو واضحة حتي الان علي ضوء مايمكن استنتاجه من موقفهما حول مسألة إسقاط النظام الراهن. في الحد الاقصي من الاستعداد لمرحلة مابعد نظام الانقاذ تحسبا لعدم دوران الحلقة المفرغة، تتوزع جهود كافة الاطراف المعارضة السلمية والمسلحة، بين صياغة برامج تفصيلية وتوحيد المعارضه وفق اتفاق ملزم. بيد إن هذه الجهود، بما في ذلك ايضا جهود المعارضات الشبابية التي ترفض كافةهذه الاطراف، تغفل حقيقة إن معضلة الديموقراطية في السودان التي تتسبب في انهيار نظامها وعودة نقيضها هي كونها ضحلة الجذور أصلا في العقل النخبوي والشعبي مما يضعف التمسك الشعبي بها عندما لاتتحقق المطالب المباشرة فاتحا بذلك المجال امام التفكير والفعل الانقلابيين. يعود ذلك إلى ان السودان لم يقدر له المرور بعصر تنوير تحريري للعقل، ومنذ سيطرة الاسلام التقليدي علي المجتمع تضاعف تأثير هذه الحقيقة مايفسر ظاهرة تناقص الزخم الانتفاضي بين 64 و85 وازدياد نسبة التسلطية في الشموليات بنفس الدرجة. الشاهد إنه لم يبذل اي جهد لاستكشاف معضلة الديموقراطية في ركنها الاساسي وكيفية تنمية الشرط المفقود.
علي ان مسئولية هذا التقصير ليست وقفا ايضا علي اليساريين المنظمين وحدهم إذ تتقاسمه معهم مجموعات النخبة الاخري غير الاسلامية التي اتخذت عبر السنوات اسماء مختلفة تعكس الملمح الاساسي لديهم وهو عدم توحدهم في كتلة منظمة: الاشتراكيون الديموقراطيون ، المستقلون ، الليبراليون، ومؤخرا حاولت مجموعات منها التكتل في حركات مثل حق ، المؤتمر السوداني ، التحالف الوطني، الحزب الديموقراطي الليبرالي الخ.. هذا الملمح يوجه الانتباه والتفكير ناحية الحزب الشيوعي، وحزب البعث بدرجة اقل، عند الحديث عن القوي السياسية الحديثة مع ان تكوين أعضاء هذه المجموعات التعليمي ومنبتها المهني والطبقي وتوجهاتها ( العلمانية ) لايختلف عن تكوين أعضاء الحزبين المذكورين. وبالرغم من ان عدد منتسبي هذه المجموعات اكبر من الاخرين إلا إن تأثيرها أقل بسبب عدم التكتل، اوعدم نجاحهم المستدام في ذلك[27]، ايضا لافتقادهم الي الرابط الايديولوجي، ولكنهم في الواقع كانوا علي نفس الدرجة من القصور فيما يتعلق بقضية تفكيك أزمة المشروع الديموقراطي السوداني . فهم شاركوا ولازالوا بقية الاطراف في التصور والتصرف الناقصين فيما يتعلق بجوهر معضلة الديموقراطيه بحيث بقي تحررهم من القيود الايديلوجية عديم الجدوي في تحسين فهمهم لها. فهم، ممثلين في عدد رموزهم، كانوا العماد التكنوقراطي، والسياسي ايضا، للدكتاتورية المايوية كما لم يقدموا انتاجا فكريا يذكر مع ان فرصتهم في الحفر الاعمق بموضوع الديموقراطية كانت افضل كثيرا من الشيوعيين والبعثيين لتحررهم من تلك القيود وعدم وقوعهم تحت الاستهداف الامني والسياسي الدكتاتوري إلا قليلا. ومع الاقرار بأن رموزا ( ليبرالية ) اخري لعبت دورا مشهودا في انتفاضة ابريل 85 واخري ساهمت في مقاومة دكتاتورية الاسلاميين إلا ان دورهم في جملته لايبعد بهم كثيرا عن منطقة قصور النخبة المنظمة حزبيا. والحق إن مسيرة الحزب الوطني الاتحادي ثم الاتحادي الديموقراطي ممثل الطبقة الوسطي تاريخيا، والاقرب لهذا السبب الي تلك المجموعات، تؤكد صحة هذا التقييم لدورها إذ يبدو انه استنفد جل طاقته التغييرية في صنع إنجاز الاستقلال الوطني كما توضح أبرز علامات مسيرته بعد ذلك : تصفية الجناح الليبرالي ( صالح محمود اسماعيل، موسي المبارك الخ.. الخ..) بعد اكتوبر والمشاركة النشطة مع حزب الامه والاسلاميين في تصفية اهم مكتسباتها وهو الحريات العامة، معارضة الغاء قوانين الشريعه بعد ابريل 85، التشرذم الاستثنائي، والانزياح نحو هيمنة الجناح الطائفي علي الحزب من موقع ابعد عنه بالمقارنة لحزب الامه بينما يحدث العكس نسبيا لدي الاخير ، مايرشحه، مع تطورات في جوانب اخري بالمقارنة للاتحادي، تجعله بديلا له كممثل للوسط .
اليسار والديموقراطية : الذاتي والموضوعي
بيد ان التقدير الموضوعي السليم لمدي مسئولية الاتحادي الديموقراطي والمجموعات الحديثة غير المنظمة كليا او جزئيا ،وكذلك الطرفين اليساريين، يقتضي النظر اليها في السياق الاوسع حيث يتضح ان قصورها ديموقراطيا بالمعني الذي تتبناه هذه الدراسة، كان شبه حتمي في البداية قبل ان يصبح اقرب للاختيار الذاتي بمرور الوقت.
ثورة اكتوبر ، الانجاز اليساري، والشيوعي خاصة ، في رأي هذه المساهمة، كانت في الوقت نفسه تفجيرا للحد الاقصي من طاقة التغيير والتقدم الكامنة في القوي الحديثه ولكنها لم تكن كافية لتحقيق الديموقراطية. من الناحيتين الكمية والنوعية وبحكم الظروف التاريخية وظروف مرحلة الستينيات او مابعد الاستقلال، كانت هذه الشرائح المدينية وشبه- المدينية لاتتوفر علي التأهيل الكافي لتأسيس الديموقراطية التي تعتبر الاستدامة جزء لايتجزأ من تعريفها. المقصود بمصطلح " القوي الحديثة" مجموع الشرائح التي نبتت في الشقوق التي أحدثها التصدع التدريجي للواقع الاقتصادي- الاجتماعي والثقافي الراكد منذ قرون، بتأثيرات الحقبة البريطانية الاستعمارية. من مخرجات المدرسة والمصنع والزراعة المروية والمرافق العامة وإدارات الدولة العصرية، تشكلت القاعدة الاجتماعية للقوي الحديثة المناط بها إنجاز شرط تحرير العقل السوداني. غير أن الاحصائيات المتوفرة حول حجم هذه القوي تضع أيدينا علي العقبة الاولي في هذا الصدد وهي محدوديتها الكمية. فوفق تحليل علمي لاحصاء عام 55-56 حيث بلغ عدد السكان الكلي ( 10,263,000 )، تجاوزت نسبة السكان العاملين في القطاع الريفي (مزارعو القطاع التقليدي والرعاه/ البدو ) ال 80% من مجموع القوي العاملة ( 59,4 % + 21,23 % ) بينما لم تتجاوز نسبة العاملين في القطاعات التي يمكن وصفها بالحديثة ( مزارعو الجزيره، العمال، الموظفين، التجار ) 4,5% ، وهي القوي المرموز اليها سياسيا عادة باليسار الماركسي وغير الماركسي واليمين الاخواني ومابينهما، مقابل القوي التقليدية مرموزا اليها عادة بحزبي الامه والاتحاديين.[28]
,يؤكد مصدر اخر نفس الحقيقة فيما يتعلق بالنمو النسبي للفئات التجارية والصناعية ابتداء من النصف الاول لعشرينيات القرن الماضي إذ بقي العاملون فى القطاعات التقليدية اغلبية ساحقة بينما وصل تعداد أكبر تركز للقوى الحديثة، وهو السكة حديد، الى حوالي 20.000 عامل فى عام 1946، رغم التوسع الزراعي الكبير فى مشروع الجزيرة ومشاريع الرى بالطلمباتودخول السودانيين مجال تسويق محصول القطن داخلياً وخارجياً بالرغم من سيطرة الشركات الأجنبية على تسويق معظم المحصول ومجال التوسط بين المنتج والمصدر فيما يتعلق بتصدير الصمغ وتجارة الثروة الحيوانية.. وبالإضافة لذلك فان سياسة التصنيع الجزئي، التى سمح بها إبان الحرب العالمية الثانية نتيجة توقف الاستيراد من بريطانيا، فتحت مجالا محدودا للانتقال من الصناعة التقليدية اليدوية (النسيج والاحذيه ..الخ) والبسيطة (معاصر الزيوت والمحالج) الى صناعات استهلاكية، مثل الصابون و المشروبات والحلويات.[29]
مؤدي هذه المعلومات هو هشاشة القوي الحديثة من حيث وزنها العددي بالمقارنة لعدد السكان، والنوعي من حيث أهليتها كرافعة لتحرير العقل والثقافة نظرا لحداثة عهدها بالخروج عن أرضية مجتمع تقليدي بكافة المقاييس وتاليا عدم انقطاعها المعرفي عنه بشكل كامل.إذا استعدنا للاذهان إن تقليدية المجتمع وقتها كانت الصيغة السودانية لحالة ماقبل- الاستنارة الموسومة بمحدودية العقلانية وقوة تأثير القيم والروابط الاولية القبلية- الاثنية والطائفيه، تحسسنا العائق الاهم والمشترك بين كافة الاطراف المعنية وهو غياب الشروط الموضوعية التي توفرت في النموذج الاوروبي لنمو وترسخ الديموقراطية كثقافه في نسيج المجتمع. من هنا، ولانه ليس هناك مجتمع محصن أبديا ضد الديموقراطية، فأن الاعتماد علي الارادة البشرية الذاتية في شق الطريق اليها، لاسيما في عهد توفرت فيه خبرات بشرية غنية وإمكانيات هائلة في هذا المجال، بقي ممكنا. وكما جاء سابقا فأن استجابة مجموعة من شباب الاربعينات لنداء العصر الاشتراكي،ونضيف هنا تأثير مناخ العداء المستحكم ضد الغرب الاستعماري حينذاك،أفضي إلى نشوء الحركة الشيوعية، بمعوقاتها الايديولوجية، كأفضل تجسيد سوداني ممكن لهذه الارادة. بيد إن سقوط البلاد في قبضة الشمولية منذ السبعينيات وماترتب علي ذلك من أوللة الانضباط الايديولوجي والتنظيمي في العمل السري، عطل قدرة الحركة علي تفتيح النصوص الماركسية باتجاه الديموقراطية بعد مرحلة النشوء،بالتفاعل مع ظاهرة " الشيو-اوروبية EURCOMMUNISM" التي طورت خطوطا نظرية وسياسية ماركسية تجديدية بقيادة الشيوعيين الايطاليين والاسبان خلال السبعينيات برز فيها الاسم المعروف " انطونيو قرامشي ". غير ان الحركة الشيوعيىة،والطرف اليساري الاخر، حزب البعث العربي الاشتراكي والمجموعات النخبوية غير المنظمة، بقيت غير منتبهة إلى جذر معضلة الديموقراطية وصياغة إستراتيجية العمل المعارض بما يمليه ذلك، حتي بعد ان خف، أوانتهي في بعض الاحيان، تأثير تلك المعوقات وتراكمت معارف ثرة خاصة من تجارب فشل الانظمة غيرالديموقراطية،بينما ارتفعت ضرورة تفكيك المعضلة الى مستوي حياة او موت البلاد.
هكذا كانت قمة الانجاز في اكتوبر 64 هي البداية الحقيقية لانكسار الموجه. لما تعذر علي الحزب الشيوعي واليسار عموما فتح الطريق نحو السلطة انتخابيا باختراق ريفي، بعد ان وصل نقطة تشبع في نفوذه المديني، كان طبيعيا ان تشتد في اوساطه النزعة الانقلابية وجاء التكوين القيادي اليساري-القومي العربي للمجموعة المايوية تجسيدا لذلك. مع ذلك، والمعاناة القاسية خلال الحقبة المايوية وتفاقم ظاهرة الاسلام السياسي التقليدي بديلا نخبويا لليسار، ظلت معالجات الاخير لمعضلة الوعي الديموقراطي كوعي وثقافه محصورة في هامشها باقتصارها علي السعي لتصميم قانون الانتخابات بما يعطي وزنا اكبر لمناطق الوعي.
الخلاصة : وعود اكتوبر التغييرية استحقاقا لوصف " ثورة "، لاتزال معلقة بانتظار تفكيك العقدة الرئيسية التي منعت تحقيقها، وبقدر ماتتقدم الاطراف الرئيسية التي تولت تفجيرها علي طريق إعادة النظر النقدية الجذرية في تجربتها بقدر ما تستعيد مكانتها في قيادة الثورة بمعناها المقصود هنا : جوهر تعريف مصطلح ثورة المتفق عليه هو انها التغيير الشامل والجذري مايشترط إستمرارية التغيير دون ان يعني ذلك انعدام احتمالات توقف اخفاقي في وقت او اخر أو إزاء قضية أو أخري مع ضمان عدم تحوله إلى تراجع مستدام، خطوة الى الخلف من اجل خطوتين الى الامام. يعني هذا بدوره حضور الديموقراطية جزء لايتجزأ من التعريف لكونها الوسيلة الوحيدة لتجاوز الخلل قبل فوات الاوان بسلامة تشخيصه من خلال الشفافية وتعدد الاراء ولكونها، في الحالة السودانية المختلفة كلية عن الحالة الاوروبية، توفر الامكانية الاهم لأعادة تكوين العقل العام بحيث يكتسب الاستقلالية والنزوع النقدي الضروريين لتحصينه ضد مخارج التغيير المزيفة تطلعا للمستبد العادل. الثورة، إذن، عملية تغيير مستمرة عماداها الديموقراطية وحرية العقل.
[1] محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني( بيروت، دار الفارابي، 1999 )، ص 57 .
[2] عوض عبد الرازق تقرير عن الفترة من يوليو 1947- اكتوبر 1952 المقدم الي مؤتمر الحركة في اكتوبر 52 ‘( الكاتب كان السكرتير التنظيمي للحركة السودانية للتحرر الوطني والمادة نسخة الكترونية بواسطة مهدي إسماعيل، بريتوريا 8/01/2012 .الراكوبه 1/9/12)
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-16161.htm
( تم الاسترجاع بتاريخ 1/9/2012 )
[3]بنك المعلومات تاريخ الانتخابات البرلمانية في السودان (الخرطوم ،بنك المعلومات السوداني،1986 ) ص 35.
[4]مرجع سابق ، ص 157
[5]الحزب الشيوعي السوداني الماركسية وقضايا الثورة السودانية(الخرطوم، دار عزة للنشر والتوزيع،2008 ، الطبعة الثانية) ص 118-123
[6]بنك المعلومات، تاريخ الانتخابات السودانية، ص 143
[7]المرجع نفسه، ص 192
[8](1 ) مجلة الدستور ، لندن،(2 ) تقرير البنك الدولي، واشنطون، اكتوبر 1979 .
[9]عبد العزيز حسين الصاوي الديموقراطية المستحيلة، معا نحو عصر تنوير سوداني ( الخرطوم، دار عزه للطباعة والنشر، 2012 )
[10]الحزب الشيوعي السوداني، الماركسية وقضايا الثورة السودانية، ص 143
[11] المرجع نفسه، ص 155
[12] المرجع نفسه، ص 146-147
[13] هشام عمر النور ‘محاولة تأسيس نظري لحركة القوي الاجتماعية الجديدة ‘ ( الحوار المتمدن، العدد رقم543 )
17/7/2003 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=8680
( تم الاسترجاع بتاريخ ا/6/2014 )
[14] تاج السر عثمان ‘ تجديد الماركسية' ( الحوار المتمدن، العدد رقم 2275 )
5/8/2008 http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=133887
( تم الاسترجاع بتاريخ 1/6/2014 )
[15] الحزب الشيوعي السوداني ‘مسودة برنامج الحزب الشيوعي للمؤتمر السادس ‘،( سودانيزاون لاين )، ص 17
http://www.sudaneseonline.com/board/30/msg/1395165864.html18-3-2014
( تاريخ الاسترجاع 26 /3/2014 )
[16] المرجع نفسه، ص 21
[17] نفس المرجع، ص 8 ( المقدمه )
[18] عاطف عبد الله ، طائر النوء، قطار الشهيدعبد الخالق محجوب، مدخل للتجديد ، نسخة الكترونية بي دي أف من الكتاب ، ص 28-29
27-3-2014http://www.sudaneseonline.com/board/460/msg/1395898631.html
نقد من موقع ماركي كلاسيكي لتطور موقف الحزب الشيوعي من دكتاتورية البروليتاريا نحو الديموقراطية الليبرالية يؤكد ماورد في هذا التحليل.
[19]حول تاريخ البعث
( 1 ) محمد علي جادين، صفحات من تاريخ التيار القومي وحزب البعث في السودان ( الخرطوم، دار عزه للنشر والتوزيع،2011، ص 9-102) ( 2 ) عبد العزيز حسين الصاوي، من القومي الي الديموقراطي، تجربة البعث في السودان ( بيروت، دارالطليعة للطباعة والنشر، 2010، ص 134- 184)
[20] حول العلاقة
( 1 ) الحزب الشيوعي ‘حزب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان، نقد وتقييم‘ دراسة من 13 صفحه غير منشوره مطبوعة علي الالة الكاتبة، ب. ت. (2) حزب البعث العربي الاشتراكي ‘نقد النقد او وثيقة الحزب الشيوعي المعنونة " حزب البعث وقضايا النضال الوطني في السودان ‘دراسة من 40 صفحه غير منشوره مطبوعة علي الالة الكاتبة، 1977( يرجح كاتب هذه المساهمة الذي اطلع علي الوثيقة عام 1976 واعد الرد البعثي عليها انها كتبت عام 1975. الوثيقتان محفوظتان لديه )
[21] حزب البعث العربي الاشتراكي، البعث وقضايا النضال الوطني في السودان،( لندن، دار العروبة للطباعة والنشر، 1973) ص 11-12
[22] نفص المصدر، ص55
[23]نفس المصدر ص 69
[24] نفس المصدر ص 76
[25]محمد علي جادين، صفحات من تاريخ التيار القومي وحزب البعث العربي الاشتراكي في السودان،ص251-253
[26]عرض وتقييم شامل لموضوع الديموقراطية لدي حزبي الشيوعي والبعث
حيدر ابراهيم علي، الديموقراطية السودانية، المفهوم، التاريخ، الممارسة (القاهرة، الحضارة للنشر، 2013) ص 109-148
[27] طلعت الطيب'محطات في مسيرة حركة ‘ " حق " ( الراكوبه )
http://www.alrakoba.net/articles-action-show-id-47375.htm25-3-14
Tim Niblock, Class and Power in Sudan, The Dynamics of Sudanese Politics,1898-1985(London,The Macmillan Press,1987),PP 81-94[28]
[29] (1 )Fatima Babiker Mahmoud, The Sudanese Bougeoisie: Vanguard of Development (London and Khartoum,Zed Books Ltd.and Khartoum University Press),pp34-42
Op.Cit : pp53-54
Niblock,Class and Power in Sudan,p 113(2 )


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.