(حريات) التقت (حريات) البطل / محمد صلاح فى حوار بالقاهرة حيث قدم للعلاج من آثار التعذيب . ومحمد صلاح عبد الرحمن من النشطاء الشباب ، تخرج فى كلية العلوم بجامعة الخرطوم 2011 ، إبن الناشط النقابي صلاح عبد الرحمن والمدافعة عن حقوق المرأة زينب بدرالدين ، اعتقل وعذب عدة مرات بواسطة جهاز الأمن كان اخرها 12 مايو 2014 ، وفى كل هذه المرات ظل نموذجاً لثبات وصمود الاجيال الجديدة . (حريات) التقته ليروى تجربته عن الاعتقال والتعذيب ، فالى نص الحوار . تم إعتقالي يوم الاثنين 12 مايو من أمام وزارة الشؤون الإنسانيه بشارع الجمهوريه بواسطة عربه (بوكس) بها عدد كبير من أفراد جهاز الامن ، وبدأت بالإعتداء المباشر من أفراد الامن ، ومن ثم تحويلي إلى مباني جهاز الأمن السياسي بمنطقة بحري القريب من موقف مواصلات شندي ، حيث بدأت هناك عملية التعذيب والتحقيق . بعدها تم تحويلنا إلي مباني الأمن السياسى – إدارة المعتقلات في القسم المسمى ب (الثلاجات) ، وهذا القسم يقع في الإتجاه الشمالي لموقف شندي . هناك بدأت عملية التحقيق والتعذيب من اليوم الاول ، والملاحظة ان أفراد جهاز الامن كانوا في حالة من الخوف والذعر لم أكن أتوقعها ابداً ، حيث كانوا يتفوهون بألفاظ بذيئة ويطلقون أوصاف عنصرية قبيحة مثل كيف تتضامنون مع طلاب دارفور وألفاظ أخري يعف لسانى عن ذكرها هنا! وكانوا يتساءلون كيف تتضامن الجامعة كلها مع هؤلاء ! حيث وبعكس ما عملوا وتوقعوا فقد ثبّت الطلاب رسالة أساسيه وقوية ألا وهي قومية القضايا السودانيه ، رسالة مفادها ان أي طالب يقتل يعتبر قتلاً لمواطن سوداني بغض النظر عن إتجاهه السياسي أو منطقته أو أي تصنيف آخر ، كما ان رفض طلاب الجامعات لممارسات الأمن العنصرية كان الأمر الحاسم في هزيمة الأجهزه الأمنيه للنظام ، وهزيمة كل أجهزة السلطة ، وهذا كان واضحأً في تحقيقاتهم معي .. حيث كانوا يريدون من الطلاب في حال صدف انهم من الولاية الشماليه مثلاً ، ان يعترضوا على ما يخص منطقتهم ، ولو كانوا من غرب البلاد ان يدلوا بدلوهم حول ما يخص غرب السودان ، أو من شرق السودان أو من الجنوب وهكذا . كان التحقيق يستمر لفتره طويلة ، من حوالي الساعة التاسعة والنصف صباحاً إلى موعد صلاة الصبح في اليوم التالي ، أي تحقيق لأكثر من (18) ساعة متواصلة ، وبالطبع لم يكن كل هذا الوقت للتحقيق فقط ، بل كانت تتخلله عمليات تعذيب من ضرب بالأيدي والأرجل وبالخراطيش وبالحذاء – البوت – وبالسوط إلى آخر أساليب التعذيب. كانت الأسئلة كلها تقريباً تدور حول النشاط الطلابي ، وتم إتهامنا بأننا السبب فى حالة التعبئة والتظاهرات الطلابية التي خرجت ، وكنت أرد عليهم باننا ضحايا وان المجرمين الحقيقيين الذي يجب البحث عنهم والتحقيق معهم هم أولئك الأشخاص الذين يقومون بإغتيال الطلاب ، وقلت لهم لماذا تتقاعس الأجهزة الأمنية والعدلية دائماً عن القبض على قتلة الطلاب؟ أليس من صميم واجبها البحث عن مرتكبي الجرائم بدلاً من البحث عن الذين يرفضون قتل الطلاب . كما انني سمعت من ضباط التحقيق عدة مرات قولهم ان الوحدات (الجهادية) فشلت في القيام بالدور المنوط بها وان الأمر سيحول لقوات الدعم السريع كي تقضي علي العمل السياسى داخل الجامعات . عموماً رأيي الشخصي ان الغرض من التحقيق كان الإستفزاز والتعذيب بقصد التأديب ، وهو ما فشلوا فيه ، وقد وضح لي بانه ليس هنالك ثمة ما يبحثون عنه سوى رغبتهم في تخويفنا وإذلالنا ولكن هيهات . بعدها بحوالي شهر تم تحويلنا من الزنازين الإنفراديه إلى زنازين مشتركه مع آخرين حوالي (2 إلى3) أفراد في الزنزانة الواحدة ، ولكن وبرغم المشاركة في الزنزانة مع آخرين إلا ان الزنزانة كانت شديدة البرودة ، ويمكن فهم ذلك من الإسم الذي يطلقونه عليها : ( مباني الثلاجات) ، وهي مشيدة لإستمرار تعذيب المعتقل حتى عند أخذه إلى الزنزانة ، لأن البروده المستمرة تسبب آلام لا يمكن تخيلها للمعتقلين . وكنا طيلة تلك الفتره نطالب بحضور طبيب للعلاج ، وبالطبع لم يستجب لطلبنا ، أحيانا يحضر الينا طبيب عمومي حكومي ويصرف أدويه معينه كالمضادات الحيوية وخلافها من الأدوية البسيطة . وأذكر ان التعذيب طال عيني اليمنى وفقدت الرؤيه بها تماماً لفتره أسبوع ، وبالطبع كانت النظارة الطبية قد تهشمت على أياديهم أثناء التعذيب ، وقد قلت لهم بانني لا أستطيع الرؤية ويمكنهم الإتصال بأسرتي التي ستتكفل بقيمة علاجى لأنني لا أستطيع الرؤية ولكنهم رفضوا كما لم يأتي الطبيب لمعاينتي. عموماً يمكن تخيل شكل السجن وطريقة التعامل : منع ، تحقيق ، تعذيب ..الخ إلى ان تم إطلاق سراحنا يوم الجمعة 14 رمضان بصورة فجائية قبل الإفطار بقليل ، فقد أفرج عنا تماماً كما تم إعتقالنا دون إخطار أو إنذار ، حيث جاء أحدهم منادياً علينا قائلاً : ( لموا عفشكم ) ، وتم أخذنا بعدها في عربه (بوكس) من السجن ، وهنا كانت لحظه فارقة تذوقنا فيها طعم الإنتصار فعندما كانوا يسألوننا في الطريق : ماذا ستفعلون بعد خروجكم من هنا ؟ قلنا لهم سنفعل كل جهدنا من أجل إسقاط النظام .. وقلنا لهم باننا دخلنا المعتقل بسبب مطالبتنا بحياة كريمة لشعب السودان ، وبما ان هذا هو سبب الإعتقال لا غيره فاننا لن نتخلى عن مطالبنا ، وسنسير في خطى الثورة . المعتقلات والسجون برغم قساوتها إلا انها تتحول إلى تجربة عظيمة يمكن ان يستفيد منها الشخص المُعتقل بصورة كبيرة ، فهي تزيد التحمل وتعلم الصبر ، وترتفع قيمة الحرية في نفس المسجون بخلاف ما يريد السجان ، حيث الرغبة في الحرية وتذوق طعمها تتضاعف ، ويتضاعف الإحساس بالظلم والقهر والكبت ، وأتذكر اننا كنا نهتف ونغني ونحن في زنازيننا للحرية ، وكنا ننشد أشعار محجوب شريف وحميد وغيرهم من الشعراء الثوريين ، الذين صاغوا الحرية لحناً . كما أن تكرار الإعتقال بكل مراراته يكسب خبرة فى مواجهة التحقيق وتحمل التعذيب ويعطى مناعة وقوة . واستطيع القول باننا قد خرجنا ونحن أكثر قوة وسنواجه النظام في الشوارع وفي كل الجبهات ، وأمام المحاكم ضد قوانين جهاز الأمن القمعية وضد كل القوانين المقيدة للحريات والمنتهكة للكرامة الانسانية . وها قد خرجت من المعتقل فقد تقدمت بدعوى في المحكمة الدستورية تم قبولها ، وهي معركة أخرى لإثبات الجرائم والتوثيق لمرتكبيها فساعة الحساب آتية . أقول لهم باننا نمتلك الغد ، وإن تزايد حملات الإعتقالات والتعذيب من قبل السلطة تجاه المواطنين لا يعني انها قوية بل يعني انها تترنح وفي طريقها إلى السقوط ، وهي تترنح بالفعل الآن كما ترون بطرحها للحوارات الكاذبة ومحاولتها إضفاء شرعية لنفسها وتوسيع قاعدتها الاجتماعية بعد أن أصبحت معزوله لاتملك سوى أجهزتها القمعية . وأقول اننا خرجنا من المعتقل ومازالت أبوابه مفتوحة تستقبل الثوار يوما بعد يوم ، وواجبنا الآن ترتيب الصفوف ومحاربة النظام وأفكاره (التفرقه العنصريه ، وتمزيق النسيج الإجتماعي وإحتقار الإنسانيه وإضطهاد المرأه ، وإستغلال خيرات السودان وشعبه لصالح قله منزوعة القيم …الخ) ، واجبنا مواصلة المشوار في كل الجبهات إلى ان يسقط هذا النبت الشيطاني وبسقوطه نكون قد إخترقنا الجدار الفاصل بين شعبنا والمستقبل . وكلي ثقة ان الوضع الهش والضعيف الذي يعيشه النظام هو ثمرة تضحيات كبيرة قدمت ، وتراكم لنضالات كل الشهداء الذين سقطوا من أجل أن ينعم وطننا بالحرية والسلام والعداله الاجتماعيه والديمقراطية الحقيقية وأول خطوات هذا الطريق سقوط هذا النظام . وأقول ان الزنازين والموت والسير في درب الشهداء الكرام أشرف لنا من أن نحني هاماتنا لهذه السلطة المغتصبة. شكراً لك البطل محمد صلاح . الشكر لحريات .