يوسف الجلال يبدو أن السودان في طريقه لعقد زواج كاثوليكي مع الفساد، وانعدام الشفافية. فقد ظل السودان يقبع – لسنوات متصلة – في المراكز المتأخرة لتقارير منظمة الشفافية الدولية المعنية بقياس ودراسة درجة الشفافية في الدول، وأيضا بمعايرة جهود تلك الدول في مكافحة الفساد. للوهلة الأولى، سينبري من تتلبسهم عقلية أركان النقاش، إلى استتفاه مثل هذه التقارير، بحجة انها تفتقر إلى العدالة في التقييم، وأنها تأتي وفقاً لتقديرات سياسية أكثر منها اقتصادية..! لكن ما إن يسرج هؤلاء المأخوذون من الوطن إلى الحزب وأجهزته.. ما إن يسرجوا خيل الهجوم على منظمة الشفافية، حتى يتكشّف لهم خطل مزاعمهم..! لأن المنظمة درجت على التحرر من قيود السياسة، في تقييمها لواقع الفساد بالدول. بل انها تستند في كتابة تقريرها على آراء وشهادات صادرة عن مؤسسات دولية ذات مصداقية عالية ومرتفعة. ولهذا يبقى من العبث – وربما العبط – التشكيك في مصداقية مثل هذه التقارير، خصوصًا إذا علمنا أن تقرير منظمة الشفافية العالمية لهذا العام، استثنى فلسطين على اعتبار أنها "تخلو من وجود مؤسسات معتبرة يمكن الاعتماد على تقديراتها". وهذا يبرهن على أن التقرير يأتي مستندًا على معايير اقتصادية دولية، بعيدًا عن أي توجهات سياسية. وبالنظر الى تقرير المنظمة للعام 2014م والذي شمل (175) دولة، نجد أن السودان جاء في المركز الثاني بعد أن حصل على (11) نقطة، بعد الصومال التي تقاسمت مع كوريا الشمالية المرتبة الأخيرة كأكثر دول العالم فسادًا، وانعدامًا للشفافية، بواقع (8) درجات لكل منهما. وهذا يعني أن السودان تراجع درجة للوراء، بعد أن كان في المركز الثالث في العام السابق. وإذا كنا نتحدث عن منافسة كروية لقلنا إن السودان أبقى على حظوظه في الصدارة. لكن لأن تلك الصدارة مُفجعة، فلن نستطيع أن نقول ذلك، بل سنقول ما هو أسوأ، على اعتبار أن السودان ظل يتراجع بصورة مُفزعة ناحية المراتب المتأخرة في تقرير منظمة الشفافية الدولية. ومعلوم ان ترتيب السودان في تقرير هذا العام جاء أكثر كارثية من سابقه، والذي بدوره جاء كارثياً أكثر من سابقه، وهكذا، إلى أن تربع السودان على مقعد "تاني الطيش" بامتياز. بعد أن كان يتربع على المركز الثالث قبل الأخير في تقرير العام 2013م أمام الصومالوكوريا الشمالية، وبعد أن كان يقبع في المركز الرابع قبل الأخير في تقرير العام 2012م، متقدمًا على افغانستانوكوريا الشماليةوالصومال. طبعًا لأن الخيارات تبدو واضحة، فلست بحاجة للتنبؤ بالمرتبة التي سيجلس عليها السودان في تقرير العام المقبل إذا مضت هذه المتوالية بهذا المنوال التراجعي المخيف، إذ أنه لم يتبق أمام السودان سوى الجلوس على صدارة الدول منفردًا، وبفارق مريح عن أقرب المنافسين، كما يقول أهل كرة القدم..! لكن قبل الخروج لابد من الاشارة الى أن منظمة الشفافية الدولية درجت على قياس درجة الفساد وانعدام الشفافية سنوياً، من منطلقات مهنية واقتصادية. ولكن أهم من ذلك لابد من القول بأن المنظمة تُعرّف الفساد بأنه "إساءة استغلال السلطة المؤتمنة". فهل بعد هذا من عجب أن تصدرنا المشهد التراجعي..!