يوم الأربعاء الماضي شغل تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2014 العالم بنتائجه التي تحدد أكثر الدول فسادا في العام، وكان أكثر الناس انشغالا به مواطني بعض الدول العربية والإفريقية التي ملأت تعليقاتهم الأسافير يتحسرون ويتباكون على ما فعلت بهم حكوماتهم الفاسدة، وأكثر الناس حسرة وأسفاً حتى على تلك الأسافير هم السودانيون، الذين أحرزت دولتهم (نايب الطيش)، وحسب المؤشر أحرز السودان اسم الله عليه 11 نقطة شفافية من إجمالي 100 نقطة ليحل في المركز 173 من 174، وهو يحرز تقدما ملحوظا في الفساد، ووفقا للمؤشر الذي يعتمد على معايير اقتصادية معترف بها دوليا، دون أي توجهات سياسية، فإن السودان جاء في المركز الثالث قبل الأخير، فيما حلت الصومال وكوريا الشمالية في المركز 174، بينما جاءت الدول الأكثر نزاهة الدنمارك (92 نقطة) ونيوزيلندا (91 نقطة). وأوضح التقرير أن السودان الذي لم يتغير موقعه بين الدول الأكثر فسادا، تدهور أكثر في العام الحالي 2014، مقارنة بتقرير عام 2013. وجاءت بعض الدول العربية متقدمة على السودان، رغم أعمال العنف التي تجري فيها، مثل العراق الذي حل في المركز 170، وليبيا في المركز 166، واليمن في المركز 161، وسوريا في المركز 159، إلا أن هذه الدول أيضا دخلت جميعها بين الدول العشر الأكثر فسادا في العالم. ومنظمة الشفافية لمن لا يعرفها هي منظمة دولية غير حكومية تهتم بدراسة الفساد في العالم ويتضمن الفساد السياسي والاقتصادي وغيره من أنواع الفساد التي تؤثر على سير تقدم الدولة ورفاهية مواطنيها. وتشتهر عالمياً بتقريرها السنوي (مؤشر الفساد) وهو قائمة مقارنة للدول حسب ما تتحصل عليه من درجات تضعها في المرتبة التي تستحقها، وتستخدم المنظمة الكثير من المؤشرات التي تبنى عليها تقريرها السنوي منها مؤشر البنك الدولي وهو الأكثر دقة بين المقاييس، وتقوم بعدد من المسوحات تسأل فيها رجال الأعمال داخل وخارج الدولة المعنية وكذلك المحللين وأصحاب الاختصاص، وعليه لا أظن أن الحكومة يمكنها أن تغالط في نزاهة هذه النتيجة لأن المنظمة شملت كل دول العالم، ولا يمكن أن يقال عليها إنها مؤامرة ضد السودان. الآن ما هو رأي الحكومة في هذه النتيجة العالمية المرموقة في الفساد؟؟، لا أظن أنها يمكن أن تشكك فيها لسبب واحد فقط لأن هناك 35 مليون مواطن سوداني يشهدون عليها. ورغم ذلك ما قامت به منظمة الشفافية بالنسبة لنا مجرد إعلان عن فضيحة للعالم فالواقع أسوأ، ولم تكن تحتاج إلى أدلة ولا مؤشرات لتمنح السودان هذه الدرجة المرموقة في الفساد، لو اطلعت على الصحف اليومية فقط وما يسكب فيها من مداد يحكي للحكومة عن حال البلد ويصف لها مواجعه ويقدم لها النصح والإرشاد ويحذر من المآلات التي يتوجه إليها الوطن دون استجابة منها وكأنها لا تسمع ولا ترى، ولتحصلت على ما يفيدها في كتابة تقرير تاريخي وافظع من الذي أعدته ولعرفت أن سوء الحال الذي وصل إليه السودان جراء هذه المصيبة الفساد لا يوصف ولا يقاس بمجرد منحه درجة الدولة الثانية في العالم لا يأتي خلفها إلا الصومال الذي تبقى للسودان درجة واحدة ليصبح مثله دولة فاشلة. نرجو من الحكومة أن تقدر هول ما أوقعت فيه السودان إذ إنه لا يمكن أن تنكر أنها السبب وأن تتعاون مع نفسها ومع المواطن لتزيل هذا العار الذي يهدد وحدتنا وكياننا وهويتنا وإنسانيتنا ويمسح بكرامتنا الأرض وما تحتها وأن تقوم بمجهودات جادة وملموسة تحسن بها وجه السودان وتجعله يتقدم خلال العام القادم وهناك إجراءات كثيرة يمكنها أن تبدأ بها الآن مثل إعادة الأموال المعتدى عليها واتخاذ إجراءات تنعش الاقتصاد والاستثمار والتعليم والصحة وخلق فرص عمل للعاطلين وإجراء إصلاح إداري شامل في مؤسسات الدولة وضبطها وتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية في كافة مناحي الحياة وجعل الدولة دولة قانون، وأن تتقي الله فيما تفعل فهناك ما هو أعظم من تقرير منظمة الشفافية الدولية في انتظارها ولابد منه حتى وإن طال الزمن.. لقد تفوق السودان في عهدها مرة واحدة فقط ولكن في اسوأ شيء وهو الفساد. رقم أنه قادر على التفوق في الشفافية. (من الاخر) اسماء جمعة – صحيفة التيار .