رئيس الوزراء يشارك في الجلسة الافتتاحية للدورة ال80 للجمعية العامة للأمم المتحدة    وزيرا الصحة والداخلية يتفقدان المستشفيات التابعة للشرطة بالخرطوم    أردول: المواقف تتغير وفق المعاناة.. ونرفض عودة الإسلاميين إلى الحكم    مباحثات"سودانية_ إيرانية" في نيويورك    بيان رسمي باسم اتحاد أروما الانتقالي وجميع أندية أروما    عثمان ميرغني يكتب: كامل.. ماذا يقول للأمم المتحدة؟    إبراهيم جابر يتعهّد بالتزام الحكومة السودانية    الفريع الأهلي يكسب خدمات مدافع السهم الدامر    إتحاد بربر يجري قرعة الدوري المحلي اليوم    كامل إدريس في الأمم المتحدة    ديمبلي يتوج بالكرة الذهبية لعام 2025    شاهد بالصورة والفيديو.. فتاتنين سودانيتين يثرن ضجة إسفيرية غير مسبوقة ويتبادلن "القبلات" الساخنة بطريقة مثيرة على الهواء والغضب يجتاح مواقع التواصل    شاهد بالفيديو.. الحرب تشتعل مجدداً.. المطربة عشة الجبل تهاجم زميلتها هبة جبرة: (نصف الشعب عرفك بعد شكلتي معاك.. شينة ووسخانة وأحذرك من لبس الباروكة عشان ما تخربي سمعتنا)    شاهد بالفيديو.. الفنانة هبة جبرة ترد على التيكتوكر المثيرة للجدل "جوجو": (شالت الكرش وعملت مؤخرة ورا ورا ويشهد الله بتلبس البناطلين المحذقة بالفازلين)    شاهد بالصور.. الفنانة ندى القلعة تصل القاهرة وتحل ضيفة على أشهر الصحف المصرية "في حضرة الكلمة والصحافة العريقة"    الهلال والجاموس يتعادلان سلبيا والزمالة يخسر من ديكيداها    اللجنة المالية برئاسة د. جبريل إبراهيم تطمئن على سير تمويل مطلوبات العودة لولاية الخرطوم    شاهد بالفيديو.. ظهر وهو يردد معها إحدى أغنياتها عندما كان طفل.. أحد اكتشافات الفنانة هدى عربي يبهر المتابعين بصوته الجميل بعد أن أصبح شاب والسلطانة تعلق    من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



( إم بي سي ) تثبت سودانية حلايب
نشر في حريات يوم 12 - 12 - 2014

شاهدت في أمسية الاثنين، الثامن من ديسمبر/كانون الأول الجاري، حلقة من برنامج "يحدث في مصر"، الذي تقدمه قناة "إم بي سي – مصر2″. جرى بث الحلقة بعنوان: "أول تحقيق تلفزيوني شامل من أقصى جنوب مصر عن أهل حلايب وحياتهم". وكان هذا الجزء من التقرير الثاني والأخير، إذ كانت حلقة أولى عن قرية شلاتين. اللافت أن ما سمته القناة "تحقيقًا شاملاً"، لم يكن أكثر من "دردشات" متفرقة مرتجلة، مدتها أقل من نصف ساعة. أمضى مُعدّ التحقيق ومقدمه قسطًا كبيرًا منها في الثرثرة مع سائق مصري، داخل كابينة قيادة شاحنة متوقفة في حلايب. والسائق، كما ظهر من حديثه، يعمل في نقل البضائع المصرية المتجهة إلى السودان، إلى المعبر الحدودي. عمومًا، لم يكن ما جرى تقديمه تحقيقًا، بأي مقياس من المقاييس، دع عنك أن يكون، كما سمّته القناة: "أول تحقيق تلفزيوني شامل من أقصى جنوب مصر عن أهل حلايب وحياتهم"!
إلى جانب مقابلة السائق، احتوى ما سمّته القناة "تحقيقاً شاملاً"، على مقابلة من بضع دقائق مع شيخ من قبيلة الأمرار البجاوية السودانية، والتي تسكن مثلث حلايب، زعم فيها، بلسانٍ سودانيٍّ مبين، أنه مصري! ويبدو أن ذلك اللقاء كان مرتبًا قبلاً، عرف فيه الضيف مسبقًا ما يتعين عليه قوله. كما كانت هناك دقيقتان، أو نحو ذلك، من الأخذ والرد، مع مسؤول مصري، وعد فيها سكان حلايب وشلاتين ب "المن والسلوى".
عرض التقرير، أيضًا، رقصةً شعبيةً للأهالي، أمسك فيها مُجرِي التحقيق بسيفٍ وترسٍ بجاويين من أحد الراقصين، ليشارك في الرقص، غير أنه عجز أن يضبط حركات رقصه مع إيقاعها السوداني القح، فكان أداؤه نشازًا بيّنًا. وبدا مُجرِي التحقيق بين الأهالي شديدي السمرة، في جلابيبهم وعمائمهم البيضاء و"صديرياتهم"، وهو يرقص في وسطهم بزيه القاهري المديني، وبشرته البيضاء، مثل سائحٍ أوروبيٍّ عابر. ولقد أعادت رقصة صاحب التحقيق إلى ذهني، صورة رقصة الصاغ صلاح سالم عاريًا، إلا من سروالٍ غطى وسطه، مع رجال القبائل في جنوب السودان، في خمسينات القرن الماضي. وكان سالم وزير شؤون السودان، في حكومة جمال عبد الناصر الأولى، قد ذهب، بعد أن اختار السودانيون الاستقلال عن كلٍّ من مصر وبريطانيا، ليدعوا الجنوبيين إلى الانفصال عن السودان والاتحاد مع مصر، (الوثائق الأميركية- رسالة مكتب الاتصال في الخرطوم إلى وزارة الخارجية، واشنطن، في 18/6/1955).
الشاهد، أن ما سُمّيَ "أول تقرير شامل عن حلايب"، أثبت، من حيث لم يُرد معدّوه، أن حلايب سودانية مائة بالمائة. أثبت التقرير ذلك، من الناحية البصرية المحضة، بأكثر مما يمكن أن تفعله كل المرافعات التي يمكن أن يتقدم بها السياسيون والقانونيون السودانيون. ولا أشك أبدًا أن مصريين كثيرين لا تعرف أكثريتهم شيئًا يذكر عن حلايب، ولم يروا سكانها من قبل، ولم يسمعوهم يتحدثون، سوف يتساءلون: "همّ دول مصريين؟ … يا راجل!". فالصور التي هي أصدق المتحدثين، أوضحت بجلاءٍ شديد، أنه لا شيء، على الإطلاق، في تلك البيئة، يمكن أن يوحي بمصريتها. فلا سحن الناس، ولا ألوانهم، ولا ملابسهم، ولا الطريقة التي يتحدثون بها العربية، ولا أسلوب حياتهم تدل، بأي قدر من المقادير، على "مصرية" ذلك المكان. أهملت الحكومات السودانية المتعاقبة تلك البقعة، كدأبها في معاملة أطراف الدولة، فوجدت فيه مصر الآن فرصةً للتملك بوعود التنمية.
هوية أي بقعة من بقاع الأرض وانتماؤها لمحيطها الثقافي والجيوسياسي، يُعرف عن طريق النظر في التاريخ، وفي الجغرافيا، والأنثربولوجيا، والإثنوغرافيا، وفي اللغة، أو اللهجة. فالمناطق التي تقطنها قبائل البجا التي تسكن الساحل الغربي للبحر الأحمر، ابتداءً من مثلث حلايب شمالاً، وحتى شرق وغرب إريتريا جنوبًا، لم تكن في أي يوم جزءًا من الدولة المصرية؛ لا في ماضيها الفرعوني، ولا في ماضيها البطليمي، ولا في أثناء غزوات الهكسوس والآشوريين والفرس لها. لا، ولا حتى في حقب مصر الإسلامية إلى عهد محمد علي باشا ومراحل العصر الحديث. فحلايب لم تكن جزءًا من امبراطورية محمد علي، إلا في السياق الذي كان به السودان، بصورةٍ مؤقتة، جزءًا من تلك الامبراطورية، لا أكثر.
المجموعة البجاوية، التي تقطن مثلث حلايب السوداني، ولا يتعدى تعدادها الثلاثين ألفًا، ليست سوى جزء بالغ الصغر من المجموعة البجاوية الكبيرة التي تمتد من حلايب جنوبًا على طول شرق السودان، لمسافةٍ تبلغ 800 كيلومتر في العمق السوداني. فالذي يقول بمصرية أي فرع من فروع قبائل البجا، وفقًا لأي معيارٍ، إنما يفتري فريةً بلقاء. وليشاهد القراء الحلقة المعنية على موقع قناة (إم بي سي – مصر2)، ليروا بأنفسهم، إن كان ممكناً القول، وفق أي معيارٍ، إن أهل حلايب مصريون.
حاولت مصر الناصرية، احتلال حلايب، عام 1957، عقب استقلال السودان. وكانت المحاولة بغرض الثأر من رفض السودانيين، بالإجماع، فكرة الاتحاد معها. كما كانت، أيضًا، بغرض الضغط على الدولة السودانية المستقلة الوليدة، لتمرير اتفاقية مياه النيل 1959، ومشروع السد العالي. ومنذ معالجة قضية حلايب في نهاية خمسينات القرن الماضي، أجريت في حلايب ست انتخابات سودانية، لم تعترض مصر على أيًّ منها. فسودانية حلايب لم تكن أصلاً محل نزاع من جانب المصريين منذ تعديل الحدود في عام 1902، حيث أقر المصريون بسودانية حلايب وشلاتين.
تجددت مسألة حلايب، مرة أخرى، عقب محاولة اغتيال الرئيس الأسبق، حسني مبارك، في أديس أبابا عام 1995، بعد أن أشارت الأدلة إلى ضلوع مسؤولين حكوميين سودانيين فيها. حينها، زحفت مصر على حلايب، واحتلتها بالقوة العسكرية، وشرعت في تمصيرها. استمرت جهود التمصير طوال التسعة عشر عامًا الفائتة، تمهيدًا لكسب أهاليها، حين تستفتيهم مصر، حول إلى أي قطر من القطريْن الجاريْن يريدون الانضمام. ولقد ظلت مصر ترفض، بشدة، مقترح الحكومة السودانية اللجوء إلى التحكيم، لعلمها أن الوثائق لا تدعم ادعاءها.
أدخلت قناة إم بي سي نفسها في قضية ما كان ينبغي أن تدخل فيها. ويبدو أن عرض مصطفى الآغا، في وقت سابق، خريطة تظهر حلايب جزءًا من السودان، في واحدة من حلقات برنامجه الشهير، قد أثار فكرة زيارة حلايب من الجانب المصري لإثبات مصريتها. ما كان ينبغي أن تسمح "إم بي سي" لنفسها بالدخول في هذا الصراع، وأن تدع ذلك للقنوات المصرية الحكومية، وما أكثرها.
لقد أدت السياسة الخارجية الخاطئة التي ظلت تنتهجها حكومة الرئيس عمر البشير، وتقلبها وفقًا لهبوب الرياح، بين محورٍ وآخر، إلى أن تصبح أضعف الحكومات السودانية، على الإطلاق، في الحفاظ على التراب السوداني. في عهدها، انفصل الجنوب، وجرى احتلال حلايب مصريًا، وخارت المطالبة باسترداد أراضي الفشقة الخصيبة من الإثيوبيين. ولا أدري ما يخبئه لنا القدر، تحت حكمها من قضم المزيد من أراضينا. لقد ظلت مصر، في كل عهودها، تلعب أوراقها السياسية، تجاه السودان، بطمعٍ بيّنٍ، وبتجردٍ تامٍّ من العواطف. أما الحكومة السودانية الحالية، فقد جعلها تخبط سياستها الخارجية بلا أوراق تقريبًا، والأسوأ، بلا عزيمةٍ، بل، وبلا كرامةٍ أيضًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.