رأى خبراء اقتصاديون في ميزانية السودان للعام 2015 أنها تعمق ازمة البلاد حيث تحمل في طياتها مزيداً من التدهور الاقتصادي مستبعدين أن تسهم في وقف حالة اللا توازن التي يعيشها.. حيث إنها لم تتضمن مؤشرات حقيقية للاهتمام بالإنتاج. ووجهت معظم الميزانية البالغة نحو 10 مليارات دولار بالسعر الرسمي وأقل من 7 مليارات بسعر السوق الموازي إلى بنود سيادية وأمنية في ظل تدهور الأوضاع الأمنية في دارفور والنيل الأزرق وجبال النوبة وسط تقارير تتحدث عن انتهاكات إنسانية خطيرة من قبل الميليشيات التابعة للنظام والتي تعرف باسم قوات الدعم السريع (الجنجاويد سابقاً). ووفقاً لرصد أجراه «البيان الاقتصادي» لميزانيات الدول العربية غير النفطية فإن نصيب الفرد في السودان من مجمل الميزانية يعتبر الأدنى عربياً، حيث يبلغ 256 دولاراً مقابل 455 دولاراً للفرد في موريتانيا و1474 دولاراً للفرد في مصر و1312 دولاراً للفرد في المغرب و4 آلاف دولار للفرد في تونس و1600 دولار للفرد في الأردن. واحتل السودان المرتبة الثانية في قائمة الدول الأكثر فساداً التي تضم 175 دولة والصادرة عن منظمة الشفافية الدولية للعام 2014 محرزاً 11 نقطة فقط من نقاط المؤشر البالغة 100 نقطة والتي تستند على مدركات محددة مثل إساءة استخدام السلطة والتعاملات السرية والرشوة. وقال البروفيسور عصام عبدالوهاب بوب أستاذ الاقتصاد بجامعة النيلين إن ميزانية العام 2015 تأتي كما يتوافق مع المناخ السياسي السائد في البلاد. وهي تعبير عن حالة الحرب التي تسود السودان في كل أطرافه وتتطلب الكثير من الإنفاق العسكري والأمني. وأشار بوب إلى تجاهل مجالات الخدمات الضرورية.. مشيراً إلى أنه وفقاً للمؤشرات الأولية فإن حجم العجز في الميزانية يقدر بنحو 6.434 مليارات جنيه، فيما قدرت إجمالي ميزانية الأمن والدفاع والداخلية بنحو 13.7 مليار جنيه وهذا يظهر أن الإنفاق الأكبر هو على الاحتياجات الأمنية مع تجاهل احتياجات خدمات قطاع الصحة والتي حددت ميزانيتها ب 779 مليون. وقال بوب إن تقديرات الضرائب البالغة 39 مليار جنيه تنافي عمليات التحصيل الكبيرة التي تتم في كل أقاليم السودان ولا تحكمها لوائح أو قوانين فيدرالية. وأضاف بوب: بصورة عامة لا أرجح أن يكون هناك التزام بهذه الأرقام عند طرحها على الواقع وأن تفرض ضرائب إضافية لتغطية العجز. وفي السياق ذاته قال الخبير الاقتصادي الدكتور عمر القراي إن ميزانية 2015 سارت على منوال الميزانيات التي سبقتها نفسه، في عهد حكومة الإنقاذ، إذ غلب عليها الطابع العسكري والأمني، لا الطابع المعيشي، الذي يهدف إلى رفع المعاناة عن كاهل الشعب. وأضاف: لم يظهر في مقترح الميزانية، أي بوادر لمشاريع تنموية جديدة، أو إحياء للمشاريع الزراعية، والصناعية، والرعوية، التي أهدرت وبيعت ودمرت بسبب سوء الإدارة السياسية والاقتصادية، وتفشي ظاهرة الفساد، وضلوع كبار النافذين في الحزب الحاكم فيه. وأشار القراي إلى تحول البنوك والمؤسسات المالية التنموية إلى مؤسسات تجارية ولم تتضمن الميزانية خطة، لإعادة توجيهها لدعم صغار المنتجين. ورأى القراي أن الميزانية جاءت لتكريس بقاء حكومة الإخوان المسلمين وأهملت المطالب الملحة للشعب. وتساءل القراي عن سبب إنفاق الحكومة هذه المبالغ الطائلة على الأمن والشعب يشكو من البطالة والمشكلات الاقتصادية؟! وقال إن السبب هو أن الحكومة أشعلت الحروب في دارفور، وفي جبال النوبة، وفي النيل الأزرق، ورفضت مبادرات السلام، ظناً منها، أنها تستطيع القضاء التام، على من رفعوا السلاح في وجهها في هذه المناطق. واستبعد القراي أن تفي الميزانية الجديدة بوعدها بخفض التضخم ليصبح 25.9% بنهاية العام الجديد. وتوقع القراي أن يشهد العام المقبل عجزاً اقتصادياً عاماً مع تعثر عملية السلام وانتشار رقعة الحرب. حددت الميزانية مخصصات الدفاع والشرطة والأمن بمبلغ 13.7 مليار جنيه سوداني، من بينها 2.7 مليار جنيه لجهاز الأمن.. بينما خصصت الميزانية للصحة، بكل مستشفياتها، ومستلزماتها، مبلغ 779.4 مليون جنيه سوداني. وقدر لجملة المرتبات والأجور لكل العمال والموظفين، في الدولة مبلغ 18.7 مليار جنيه سوداني بينما تبلغ أجور ضباط الأمن، والدفاع، وموظفي الأجهزة السيادية، مبلغ 11.6 مليار جنيه سوداني أي حوالي 60% من جملة أجور القطاع العام.