زين العابدين صالح عبد الرحمن بعد ما كانت المياه راكدة في الحزب الاتحاد الديمقراطي الأصل، قذف السيد الحسن بن محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب، حجرا في بركة الحزب الراكدة، بقراره فصل 17 من قيادات الحزب، و كان قد فصل عددا من القيادات أيضا قبل هذا القرار، الأمر الذي أدي لموجة من الإستنكار وسط اعددا كبيرة من النخبة الاتحادية، و لا أقول وسط جماهير الحزب، التي ظلت بعيدة عن أية حراك سياسي داخل هذه المؤسسة، فقرار الفصل أدي إلي موجة عاتية من الرفض، ليس فقط بسبب القرار، إنما القرار قد فتح أبوابا للعديد من التساؤلات، كانت ذات النخبة المفصولة تغض عنها الطرف، بل كانت تمارس داخل الحزب بحضورها و مباركتها، و لكن الذي جعل القضية تصل سطح الأحدث العدد الكبير الذي فصل، إضافة إلي الإسلوب الذي تم به، فكان في السابق لا يفصل الذي يبدي الرأي، و لكن يعزل دون قرار من القيادة، بأن لا يدعي إلي الاجتماعات، و لا يكلف بشئ، فيجد نفسه قد عزل تماما دون ضجيج، هذا السلوك كان يمارس بصورة مستمرة ضد المغضوب عليهم تحت سمع و بصر الجميع، دون أن يجاهر أي منهم بالنقد علي تلك القرارات، أو يقف ضدها. كان الخلاف قد بدأ مركزا علي قضية التفوض، التي منحت إلي نجل الميرغني الحسن، و الذي يشغل أمين التنظيم، و بموجب هذا التفويض أرسل السيد الحسن خطابا لمفوضة الانتخابات علن فيه أسماء مرشحي الحزب لعدد من الدوائر، تعتقد النخبة التي فصلت ليس هناك تفويضا من قبل الحزب للسيد الحسن، مما أدي لتصاعد الجدل بين الفرقاء، حتى وصل إلي المحكمة، ثم جاء قرار الفصل كرد فعل لهذه الخطوة غير المتوقعة من البيت الميرغني، باعتبار إن أهل البيت الميرغني لم يتعودوا إصدار مثل هذه القرارات التي تؤدي لمواجهة كبيرة، لعدة أسباب تنحصر في الأتي:- أولا – رغم إن النخبة الاتحادية تناضل من أجل الديمقراطية، و لكنها كانت بعيدة في سلوكها عن الممارسة الديمقراطية، و كانت تقول إن السيد الميرغني سيظل الرئيس الأوحد للحزب لأنه شخص متفق عليه، و تعتقد إن الميرغني يجب أن لا يدخل في أي منافسة يستخدم فيها الاقتراع، و بالتالي أصبح لسيادته قدسية تبعده عن النقد و عن التسأل، فكان الميرغني يقول أمام كل هذه القيادات إن رئيس الحزب لا يسأل و لا تتم محاكمته، و كانت النخبة الاتحادية لا تقدم إعتراضا أو تبدي رائيا آخر، الأمر الذي جعل السيد الميرغني يقبض علي كل مفاصل الحزب، و يديره بالطريقة التي يريدها، دون أن يجد اعتراض من النخب التي حوله. ثانيا – كانت تعلم النخبة إن السيد الحسن لم يمارس العمل السياسي داخل الحزب، و أول ما بدأ ممارسته صعد كعضو في المكتب السياسي و أمينا للتنظيم، و لم تعترض هذه النخبة أو تقدم نقدا لهذه الممارسة التي تعارض كل اللوائح. و مادام قبلت بالرجل يصعد مباشرة للمكتب السياسي، و يتولي حقيبة أمانة التنظيم، فيجب عليها أن تقبل بقضية التفويض لأنها اعتمدت علي ذات السلوك، فلا يمكن أن تقبل طول الوقت بسلوك غير ديمقراطي و فجأة تتحدث عن لوائح و ضوابط و هي مفقودة تماما، إلا إذا كانت المسألة مرتبة بمصالح ذاتية. ثالثا – دائما يردد السيد الميرغني إن الحزب الاتحادي الديمقراطي حزب رئاسي، أي إن الرئيس فوق اللوائح و وفوق قرارات المؤتمر، بل ذهب المؤتمران الإستثنائيان اللذان عقدا في القاهرة الموافقة علي إن السيد الميرغني وحده هو الذي يحدد انعقاد المؤتمرات، و إن قرارات المؤتمرات و توصياتها لا يسري مفعولها إلا إذا وافق عليها رئيس الحزب " السيد الميرغني" و رضيت النخبة بذلك، و كانت منتشية و فرحه و قد حضر المؤتمر أعضاء إختارهم السيد نفسه، و جميع هؤلاء الذين في هيئة القيادة لم يختارهم مؤتمر، بل جاءوا للقيادة بأمر السيد الميرغني. رابعا – ظل الحزب قرابة السنتين منذ سبتمبر2013م، و السيد رئيس الحزب غائبا عن البلاد، و يدير الحزب من خارج الحدود، دون أية إنعقاد للهيئة القيادة، و لم نسمع إن هذه الهيئة الموقرة قد احتجت علي هذا السلوك السياسي، أو طالبته بالحضور لإدارة الحزب من الداخل، كانت راضية و موافقة لأنها لا ترغب في شئ غير ديباجات أمام أسمائها إنها قيادات في الحزب الاتحادي الأصل، و قد قبلت النخبة كل هذه الممارسات دون أن تنطق ببنت شفا، أو تسأل رئيس الحزب عن سبب غيابه، و رضيت أن يدار الحزب بالرمود كنترول، فهل مثل هذه القيادة قادرة علي صناعة التاريخ، أو القدرة علي التحدي لمثل ها القرار؟ خامسا – أثناء تكوين الحكومة ذات القاعدة العريضة كما كان يطلق عليها الحزب الحاكم، كانت قد رفضت جماهير الحزب المشاركة، و إجتمعت الهيئة القيادية للحزب و ساندت مطالب الجماهير الاتحادية و لكن ماذا حدث؟ قد تجاوز السيد الميرغني هيئة حزبه القيادية، و وافق علي المشاركة في الحكومة، و لم نجد إحتجاجات أو مواقف صلبة من هذه النخبة ضد ذلك القرار، بل ظلت تحلم أن تكون بديلا في المراحل الاحقة، و لكن في عرف السيد الميرغني قد خف بريق عناصر هيئته القيادية و استنفدت طاقتها و عليها أن تترجل. سادسا – عندما أعلن السيد الحسن رفضه للمشاركة في تلك الحكومة، إصطفت خلفه هيئة القيادة و ساندته، و بشرت بأنه سوف يصنع التغيير في الحزب، و ظلت تتبع خطواته و تطالب الناس بالوقوف خلفه، و عندما جاء موافقا علي المشاركة في الانتخابات دون علمها و مشورتها بدأ صراخها يظهر و يعلو. في عام 1986 عقب الانتفاضة، عندما اشتد الصراع داخل الحزب الاتحادي الديمقراطي، بين الذين كانوا يخوضون النضال ضد نظام جعفر نميري الحاج مضوي محمد و علي محمود حسنين و طيفور الشايب و التوم محمد التوم و محي الدين عثمان و صالح عبد الرحمن و حسن مصطفي و بين أخرين علي رأسهم الشريف زين العابدين الهندي و محمد الحسن عبدالله يسن، ذهب الآخيران إلي السيد محمد عثمان الميرغني، و دعياه لكي يكون راعيا للحزب، و كان الهدف أن يأتي السيد مع حاشيته و ينتصر لخطهما السياسي، و استطاع السيد أن يقبض علي مفاصل الحزب، و منذ ذلك التاريخ هو الذي يعين القيادة في الحزب، و يبعد الذين يعارضون خطه، و استطاع أن يصفي القيادات الاتحادية و يبقي علي الذين لا يعرفون قولة لا، كان كل هؤلاء علي دراية كاملة بهذه السياسة و قبلوها و أحنوا رؤسهم لها، و اشتد عود السيد و اصبح هو الذي يقرر وحده. فهل تستطيع هذه القيادة المفصولة أن تقبل التحدي، و تستمر في الصراع بهدف إرجاع المؤسسة، أم قد حصرت قضيتها فقط في مسألة التفويض و عدم المشاركة في الانتخابات؟ المراقب للشأن الاتحادي الذي يتشظي بصورة أميبية، لا يستطيع أن يتنبأ أن تصبح القيادة الاتحادية كتلة موحدة بهدف رد غربة المؤسسية، لأنها هي نفسها لم تكون جزءا من حالة مؤسسية، و لا تملك هذه الثقافة، فاغلبيتهم جاءوا بالتعين و ليس بالانتخاب، فالهيئة القيادية هي نفسها لا تملك شرعية لكي تحاسب الآخرين، لآن شرعيتها مرتبطة فقط بموافقة السيد الميرغني، هؤلاء ليس أمامهم غير يعتصروا الألم و يواصلوا ممارسة الشكية دون ردة فعل. و لكن السؤال المهم: هل السيد الحسن الميرغني لديه الرغبة في صناعة المؤسسة، أم يريد السير في خطي والده؟ كثير من المحللين السياسيين أشاروا إلي إن صرعات الحزب الاتحادي لم تصل إلي حد الفصل، و هؤلاء لم يقرأوا تاريخ الحزب جيدا، لقد فصل السيد أسماعيل الأزهري مجموعة من الشباب تحت المسمي المعروف " إلي من يهمه الأمر سلام" و كان من بين هؤلاء الدكتور محي الدين صابر و الدكتور موسي المبارك اللذان ذهبا في التخطيط مع التيار القومي لانقلاب مايو، إذاً قد حدث الفصل تاريخيا في الحزب الوطني الاتحادي، لمجموعة البعض غادر العمل السياسي دون تشويش و البعض الأخر اشترك في التخطيط لانقلاب 1969 كرد فعل لهذا الفصل، و لكن هل هه القيادة تملك القدرة علي أن يكون لها رد فعل، المتابع يعرف إنها تبحث عن تسوية دون المواجهة لحفظ ماء الوجه. و السيد الحسن الميرغني ربما يكون لديه مخطط من أجل بناء الحزب علي أسس جديدة، و يعتقد إن القيادات التاريخية في الحزب تمثل عقبة في طريق هذا البناء، و إن المشاركة في الانتخابات تعد مرحلة لإرضاء والده حتى تستقيم له الأمور، و عندما يصبح القرار في يده، يبدأ يؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ الحزب الاتحادي، و الملفت للنظر في سياسته، إنه إختار الطريق الصعب طريق المواجهة و الحسم، الذي لم يتعوده الاتحاديون، و هو يعرف إن هذه القيادات لن تذهب بعيدا في مشوار المواجهة، و سوف تبحث عن تسوية سياسية تحفظ لها ماء الوجه، لذلك لم يتردد في فصل كل معارض ليجعل الكرة في ملعبهم، و هو متأكد إنهم سوف يركلونها دون تصويب. فإذا كانت القضية محدودة بعملية المشاركة فقط في الإنتخابات، كان يمكن لملمتها قبل أن تذهب إلي دائرة المحاكم و المواجهة العنيفة، و لكن لآن العملية سوف تترتب عليها إجراءات أخري، فضل أن تكون الخبطة عنيفة جدا، لكي تحدث رجة قوية في كل الكيان، و يقول علماء الاجتماع كل ماكان التحدي كبيرا و التغيير فجائيا، سوف يحدث تغييرا جذريا و شاملا في كل المؤسسة، و إذا كان يريد تغييرا محدودا و سطحيا، لم يجرؤ لمثل هذه القرارات، التي توسع دائرة الصراع. و بالفعل استطاع السيد الحسن أن يحدث هزة عنيفة وقوية في الوسط الاتحادي، و لكن السيد الحسن حتى الآن لم يكشف عن خططه كاملة، و العناصر التي سوف تنفذ معه هذه الإستراتجية، و الواضح من هذه القرارات، إنهم لن يكونوا من العناصر المتداولة و المعروفة، لأنهم غير مفيدين في أية عملية تغيير، تتطلب قدرات عالية إن كانت فكرية أو تنظيمية، لآن هناك البعض الذين استنفدت مقدراتهم الإبداعية، و نضب خيالهم، و بالتالي سوف يكونون معيقين و ليس منفذين. أما إذا كان السيد الحسن يريد من هذه العملية فقط أن يفرض وجوده علي الساحة السياسية، و يرغب السير في ذات الطريق الذي كان يسير عليه والده في إدارة المؤسسة، فإن المستقبل سوف يخذله، و لا يجد حتى في "الطريقة الختمية" من يرغب أن يكون حوارا في السياسة، و هو يعلم إن الحزب الاتحادي الديمقراطي إصبح دوره هامشيا في الحقل السياسي و لا يصنع الأحداث، أنما فقط يتفاعل معها في نطاق محدود و ضيق، فاصبح هامش المناورة ضعيفا لا يقبل التكتيك المزدوج الذي كان يمارسه الحزب سابقا، لذلك أصبحت الخيارات محدودة، و علي السيد الحسن أما أن يقف في مكانه، و حتما سوف يفقد المستقبل، أو يحدث تغييرا جذريا يعيد للحزب دوره في الساحة و بريقه عند الجماهير. و نسال الله التوفيق. نشر في جريدة أول النهار نات