مرتزقة أجانب يرجح أنهم من دولة كولومبيا يقاتلون إلى جانب المليشيا المملوكة لأسرة دقلو الإرهابية    بعثة منتخبنا تشيد بالأشقاء الجزائرين    منتخبنا المدرسي في مواجهة نظيره اليوغندي من أجل البرونزية    إتحاد الكرة يحتفل بختام الموسم الرياضي بالقضارف    دقلو أبو بريص    هل محمد خير جدل التعين واحقاد الطامعين!!    كامل إدريس يلتقي الناظر ترك ويدعو القيادات الأهلية بشرق السودان للمساهمة في الاستشفاء الوطني    أكثر من 80 "مرتزقا" كولومبيا قاتلوا مع مليشيا الدعم السريع خلال هجومها على الفاشر    شاهد بالفيديو.. بلة جابر: (ضحيتي بنفسي في ود مدني وتعرضت للإنذار من أجل المحترف الضجة وارغو والرئيس جمال الوالي)    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثم ماذا بعد فشل الرهان على (الحوار الوطنيّ)؟
نشر في حريات يوم 05 - 04 - 2015


[email protected]
إن كانت هناك ثمّة فائدة واحدة للفشل الذريع الذي مُني به المُلتقى التحضيري ل"مُؤتمر الحوار الوطنيّ" الذي دعت له الوساطة الإفريقية في أديس أبابا مطلع الأسبوع الجاري فهو نجاحه المُنقطع النظير في نزع ورقة التوت الأخيرة عن عملية التسوية المتعثّرة للأزمة السودانيّة لتكشف عن عمق "متلازمة العوز السياسي" التي تعاني منها الأطراف جميعًا المنخرطة في العمليّة الحكوميّة السودانيّة، ومُعارضتها بأجنحتها كافّة المُسلّحة والمدنية، وسطاء الاتحاد الإفريقي، والمُجتمع الدولي، ولتفتح الباب للتساؤل حول مُستقبل السودان جراء فشل مُحاولة الإنقاذ الأخيرة لجهود التسوية السلميّة.
وإن كانت ثمة مُفارقة في هذا المشهد الملتبس، الذي تتضاءل معه عبقرية صموئيل بكيت في مسرحيته العبثية الأشهر "في انتظار غودو"، أن الذي أسدل الستار على مشهد النهاية في الفصل الأخير لمبادرة الحوار، التي لم تأتِ أبدًا على الرغم من أنها أصبحت مركز الحراك السياسي طوال الخمسة عشر شهرًا الماضية، لم يكن سوى حزب المؤتمر الوطني الحاكم نفسه، صاحب المبادرة، حين أطلق رصاصة الرحمة على آخر فرصة لإحيائها، برفضه قبول الدعوة التي تلقاها من كبير مُوظفي الآلية الإفريقية عبدول محمد للمشاركة في هذا المُلتقى الذي كان بمثابة عملية إنقاذ للمبادرة الغرقى.
وكانت قد أفلحت جهود ألمانية لبرهة في مدّ بعض أسباب الحياة لجهود التسوية السلمية بنجاحها في جمع أطراف المعارضة في برلين أواخر فبراير الماضي وخرجت بتعهدها للعودة إلى مائدة التفاوض بدون شروط، لبحث الإجراءات الضرورية للتمهيد لانطلاق مؤتمر الحوار في الداخل بمشاركة الجميع.
لم تكن هناك أية مفاجأة لأي مراقب متابع أن هذه الدعوة للملتقى التحضيري كانت ستُمنى بفشل ذريع، ويصدق هنا على وسطاء الآلية الإفريقية المثل "على نفسها جنت براقش"، فقد بدت الدعوة لهذه الجولة فعلًا يائسًا، حتى أن الرئيس إمبيكي لم يكلف نفسه عناء توجيهها باسمه، وترك المهمة لمساعده عبدول الذي ارتكب أخطاء، صحيح قد تبدو شكلية، لكنها كانت كافية لتمنح "المؤتمر الوطني" الذخيرة الكافية للتذرع بها في تبرير رفضه الذهاب إلى أديس أبابا، وهو قصور ينمّ أما عن جهل بالإحاطة بتعقيدات هذا الملف، وهو أمر غير وارد في ظلّ الخبرة العملية لإمبيكي وفريقه، أو تكشف عن محاولة فطيرة لاغتنام هذه الفرصة بمحاولة حشد الملتقى التحضيري بكل أطراف الأزمة الأزمة السودانية دون اعتبار لتبعات ذلك حتى كاد يصبح منبرًا بديلًا.
ذلك أنه حسب المرجعيات التي أشار إليها بنفسه في خطابات الدعوة، وهي خريطة الطريق الموقعة من الأحزاب المشاركة في الحوار، ووثيقتا أديس أبابا الموقعة بين ممثلي آلية الحوار وكلٍّ من الجبهة الثورية وحزب الأمة، وبيان مجلس السلم والأمن الإفريقي في اجتماعه رقم 456، المفترض أن الأطراف المعنية باللقاء التحضيري، هي ممثلو آلية 7+7 "التي تضم الأحزاب المشاركة في الحوار من الحكومة وبعض أحزاب المعارضة، إضافة إلى الجبهة الثورية بزعامة مالك عقار، وحزب الأمة القومي بزعامة السيد الإمام الصادق المهدي، والأخيران جرى تفويضهما في "إعلان برلين" لتمثيل المعارضة.
صحيح أن المؤتمر الوطني تصرف بانتهازية مع هذا القصور في فريق الوساطة لحاجة في نفس يعقوب، ولكن ذلك لا يبرئ الآلية الإفريقية من أن تجاهلها لآلية 7+7، على الرغم من كل الملابسات المحيطة بها وانقسامها إلا أن ما تبقى منها يمثل رمزية "الحوار الوطني" بكل عثراته، فكيف تجري مفاضات يُفترض أن هدفها النهائي الوصول إلى انعقاد مؤتمر الحوار الوطني بمشاركة الأطراف كافة ثم تستثني منه هذا الطرف، اللهم إلا إذا كان الغرض فتح مسار جديد للتسوية.
من الواضح أن الآلية الإفريقية حاولت من خلال توسيع دائرة المدعوين إلى أديس أبابا خارج سياق المرجعيات المعلومة التي تستند إليها، رمي الكرت الأخير بيدها على الطاولة في مغامرة غير محسوبة لتلافي عجزها عن إحداث أية اختراقات حقيقية في ملف الحوار الوطني منذ أن وضعت كل بيضها في سلته حين فشلت على مدار سنوات في تحقيق تقدم ذي بال في شأن أزمة المنطقتين، جبال النوبة وجبال الأنقسنا، غير أنها من المؤكد أخطأت الحساب في قراءة ردة فعل المؤتمر الوطني على خطوتها على الرغم من كل ما أذاقه لها من عراقيل ووضعه العصي في دواليب خريطة الطريق التي رسمها وتبناها مجلس السلم والأمن الإفريقي في البيان 456، وباركها مجلس الأمن الدولي.
ليس سرًا أن الآلية الإفريقية ظلت تتعرض لانتقادات حادة من معارضي النظام، وحتى من شخصيات وطنية مستقلة، بسبب ممالأتها للحكومة السودانية أو بالأحرى عجزها عن فرض ضغوط حقيقية عليها لتجبرها على تغيير طريقة تعاطيها اللامبالية في كثير من الأحيان مع استحقاقات التسوية السلمية للأزمة السودانية، ربما كان عذرها حاجتها للاحتفاظ بشعرة معاوية مع الخرطوم لإبقاء مهمتها حية، ولكن عجزها ظل يستبين باستمرار.
في آخر خطابات الرئيس إمبيكي لإبراهيم غندور وياسر عرمان في 7 يناير الماضي حول ما سماه "بعض الاعتبارات الإستراتيجية المتصلة بمستقبل المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية/ شمال حول المنطقتين" بدا إمبيكي مستسلمًا لفكرة أن جهوده أصبحت تتبدد سُدى، حيث أشار إلى أن الجولة الأخيرة في أوائل ديسمبر الماضي انفضت " دون أن نحدد تاريخًا بعينه أو جدولًا زمنيًا محددًا لمواصلة التفاوض"، وعزا الوسيط الإفريقي المنهك مرد ذلك إلى "أنه لا الطرفان ولا آلية الاتحاد الإفريقي رفيعة المستوى على بينة ماذا تريدان، وأنتما الطرفان المعنيان، بمساعدة الآلية، والتفاعل مع بعضكما البعض بغية تحقيق تقدم ذي قيمة" لينتهي إلى وصف جهود الوساطة بأنها "أصبحت عملية لا نهاية لها، وبالتالي عملية غرضها استدامة نفسها فقط".
وخلص إمبيكي في نهاية خطابه الذي لم يجد الاستجابة التي ينتظرها من الطرفين لوضع أسس ترسي القواعد للتوصل إلى اتفاق ينهي النزاع محذرًا من أن "ردودكما على هذه الوثيقة تحدد ما إذا كان من الممكن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق". ولفت إلى أنه في حالة حملت ردود الطرفين رسالة سالبة "فمن البدهي أن الآلية لن تعقد أي جولة أخرى من المفاوضات". وأضاف "سيكون من الصعب علينا في الآلية رفيعة المستوى أن نعقد جولة أخرى من المفاوضات بين الطرفين حول المنطقتين دون أن يكون لدينا تأكيد، يستند على رديكما على هذه الوثيقة، واتصالاتنا اللاحقة في هذا الصدد، بأنكما، وأنتما الطرفان المعنيان، قد وجدتما أنه من الممكن الاتفاق حول حقيقة وتبعات الخلاف الإستراتيجي الذي أبرزناه في هذه الوثيقة وسبل تسوية هذه التناقضات وديًا".
وفي إشارة ذات مغزى، غمز فيها من قناة الحكومة، قال إمبيكي "لا بد لنا سويًا أن نواصل الإصرار على أن التحديات التي تواجه السودان لا يمكن التصدي لها "بالتقسيط"، وأنه يتعين علينا جميعًا، بما في ذلك حكومة السودان، التزام قاطع بالقيام بكل "ما يلزم ويمكن للتأكد من عقد الحوار الوطني الجامع بما تيسر وفق ما اقترحه الرئيس البشير"، وختم مذكرته بتذكير الحكومة بالتزاماتها "وفيما يختص بتهيئة الناخ الملائم كما جاء في المادة الثانية من مواد خريطة الطريق، على حكومة السودان التزام عاجل وقاطع بضمان تحقيق الأهداف الواردة في المادة الثانية والمواد الأخرى في خريطة الطريق".
تجاهل الطرفان, الحكومة والحركة الشعبية, لمذكرة إمبيكي واقتراحاته في هذه الوثيقة بعد مضي ثلاثة أشهر عليها, ثم فشل محاولته الأخيرة للعودة إلى نقطة البداية في خريطة طريقه المدعومة إفريقياً ودولياً بعقد الملتقى التحضيري, يثبتان فعلياً أن الآلية الإفريقية وصلت نهاية الطريق وقد دخلت بالفعل مرحلة "الموت السريري" وأنه لم يعد بيدها شئ تفعله سوى الرحيل, ذلك أنها لم تعد بأي معطى تملك نصيباً من الحظ يؤهلها للعب دور من أي نوعفي حلحلة الأزمة السودانية, وقد سقطت عنها آخر ورقة توت تدثرت بها متمسكة بحبال "الحوار الوطني الواهية" فانكشف عجزها التام.
أما موقف الحكومة في رفضها قبول دعوة الآلية لحضور الملتقى التحضيري فلم يكن إلا تأكيداً لما ظلننا نؤكده من أول يوم جرى فيه إطلاق مبادرة الحوار الوطني من أنها لا تعدو أن تكون مناورة لشراء الوقت لشغل الساحة السياسية ريثما يحل موعد الانتخابات لتضمن حظوظ الحزب الحاكم لتمديد سلطته بغير منافس, ما حدث هو أن ما كان محل تحليلات سياسة للوقائع أصبح أمراً واقعاً, فالذرائع التي ساقها المؤتمر الوطني ليرفض بها المشاركة في ملتقى أديس أبابا ليست مبررة على الإطلاق, خاصة وأنه صاحب المبادرة ويُفترض أن يكون الطرف الأكثر حرصاً على توفير أسباب نجاحها, لا سيما وأن القوى السياسية التي كانت ترفض هذه العملية إلا بتحقيق شروط لازمة عادت لتقبل بالجلوس للتفاوض حول الإجراءات التمهيدية اللازمة, صحيح أنها تحدثت عن مسألة تأجيل الانتخابات, غير أن أي تقييم موضوعي لمجريات الأحداث يدرك أن ذلك لم يعد وارداً.
ولم يكن هناك ما يمنع المؤتمر الوطني من الذهاب لتأكيد جديته في الحوار, وتأكيد مضيه قدماً في الانتخابات, ذلك ان السبب الذي تعذر به هو أن الدعوة وجهت إليه, ولم توجه لآلية 7+7, مع العلم أن الدعوة وجهت أيضاً لأغلب القوى الرئيسية في هذه الآلية, مع الإشارة إلى حقيقة الانقسام الذي حدث وسط مجموعة المعارضة في هذه الآلية على خلفية اتهامها للمؤتمر الوطني بالمماطلة في الوفاء باستحقاقات خريطة الطريق التي كان طرفاً فيها. وقد عاد المؤتمر الوطني ليناقض نفسه حين أعلن رئيس القطاع السياسي في المؤتمر الصحافي الذي عقده ليعلن مقاطعة ملتقى أديس أبابا أن السبب في ذلك انشغاله بالعملية الانتخابية الوشيكة.
والسبب الحقيقي يكشف أن المؤتمر الوطني نفسه لا يملك من أمره شيئاً, فقد سبق أن اصدر بياناً أعلن فيه تثمينه للجهود الألمانية وتأكيده على أنها جرت بعلمه وتشجيعه وموافقته على مخرجات ملتقى برلين الذي مهّد لعقد الملتقى التحضيري, ولكن لم تمض إلا أيام قليلاً على ذلك الإعلان حتى نسفه الرئيس عمر البشير بتصريح اعتبر فيه أن ملتقى برلين كان لقاءاً فاشلاً "وأن نتائجه كأن لم تكن", معتبراً أنه لم يحقق الأهداف التي سعت ألمانيا صاحبة الدعوة لتحقيقها, ولخصها في ثلاثة أهداف "اعتراف المعارضة بشرعية الحكومة, وقبول الحوار الوطني بلا شروط, وعدم تأجيل الانتخابات".وهو تقييم يناقض ما ذهب إليه وزير الخارجية الألماني شتاينمير الذي أصدر بياناً غداة إصدار "إعلان برلين" أعرب فيه عن سعادته بالمشاورات التي جرت في الملتقى وترحيبه بمخرجات الإعلان باعتباره خطوة مهمة نحو المصالحة في السودان, واعتبر أن هناك آمالاً عريضة باتت ممكنة لدخول الحكومة والمعارضة في مفاوضات جادة لحل مشاكل السودان عبر "الحوار الوطني".
كان تصريح الرئيس البشير مؤشراً واضحاً على أن الملتقى التحضيري الذي سعت الآلية الإفريقية لإحيائه عبر الجهود الألمانية, لن ينعقد على الرغم من محاولة المعارضة تكثيف الضغوط لضمان قيامه, وبدا لافتاً أن الوسطاء الأفارقة تجاهلوا هذا التصريح ومدلوله, الذي صدر قبل أسبوع من مضيهم قدماً في اتجاه عقد الملتقى وتوجيه الدعوات للمشاركين فيه, فهل كان يتوقعون أن يغير البشير رأيه, أم أرادوا إقامة الحجة عليه؟ أم كانت مغامرة غير محسوبة العواقب؟.
ما من شك أن رفض المؤتمر الوطني المشاركة في ملتقى أديس أبابا كان السبب الرئيس في إفشاله, ولكنه أيضاً كان موقفاً مهماً لتأكيد أن مبادرته ل"الحوار الوطني" لم تكن إلا موقفاً تكتيكياً, فما ترك سانحة على مدار أكثر من عام إلا واغتنمها للتهرب من دفع استحقاقات دعوته للحوار الوطني بذرائع شتى كشف تهافتها إقدامه في الوقت نفسه بخطوات حاسمة على إجراء تعديلات دستورية تمس جوهر القضايا المفترض أن تكون محل الحوار, وتعبيده الطريق أمام إجراء الانتخابات بأي ثمن دون اعتبار لكلفتها السياسية التي اجهضت فرصة التسوية السلمية, وهو ما يجعل أية دعوة لاستمرار الحوار بعد الانتخابات بلا معنى, لقد أسقط فشل ملتقى أديس أبابا آخر ورقة توت كانت تتدثر بها مبادرة الحوار الوطني التي انتهت عملياً ولم يعد لها وجود ولا جدوى.
ومفارقات ملتقى أديس أبابا المجهض لا تنتهي, فالمعارضة التي كانت تناور هي الأخرى برفض مبادرة الحوار, او تقبله به وفق شروط تعرف أن الحكومة لم تكن لتقبل بها, عادت في الساعة الخامسة والعشرين لتقبل بالعودة إلى مائدة التفاوض للتشاور حول الإجراءات المطلوبة للتمهيد لمشاركتها في الحوار, وهي خطوة تأخرت كثيراً بعد أن أبحرت سفينة الانتخابات, صحيح أنها تحصيل حاصل لن تغير من توازنات القوة الراهنة, إلا أن يمكن القول أن تكتيكات المعارضة في غياب قدرتها على تحريك الشارع لتفرض عوامل ضغط على المؤتمر الوطني تجبره على تغيير مسلكه أسهمت بغير وعي منها في تمكينه من تمرير مخططه بكل سهولة, كما أن مراهنة المعارضة على الضغوط الإقليمية والدولية على الحزب الحاكم لفرض شروط أفضل للتفاوض حول عملية التسوية السلمية ثبت أنها تقديرات خاطئة تماماً, ولربما كان بوسعها أن تضيق مجال المناورة أمام المؤتمر الوطني إذا قبلت تحدي الحوار في وقت مبكر, ذلك أنها لن تخسر شيئاً إن لم تكسب أرضية جديدة للحراك المعارض, فالاكتفاء بالمعارضة من الخارج ترك مجالاً واسعاً للحزب الحاكم للانفراد بالساحة, كما أن العمل المسلح في الأطراف لم يكن مجدياً في تغيير معادلات المركز, ولذلك فإن المعارضة راهنت في الوقت الخطأ على إمكانية تغيير مسار الأحداث عبر العودة للتفاوض في الملتقى التحضيري.
وجاء فشل الملتقى التحضيري أيضاً ليوجه ضربة قاضية لرهان المجتمع الدولي على عملية الحوار الوطني ودعمه لها, ففي بيان قبل أيام من موعده المقرر جددت مجموعة الترويكا (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة و النرويج) رهانها على أن "الحوار الوطني الشامل والجامع هو أفضل فرصة لتحقيق نظام سياسي تمثيلي، ومواجهة القضايا الأساسية للحكم، والشمولية السياسية، وتقاسم الموارد والهوية والمساواة الاجتماعية. كما يظل الحوار الحقيقي هو العملية السياسية التي يتم من خلالها التفاوض الذي يضمن قيام انتخابات قومية ذات مصداقية ومشاركة واسعة". وأعلنت ترحيبها "بالتعهدات الأخيرة من قبل حكومة السودان والمعارضة ومجموعات المجتمع المدني السودانية للمشاركة في الاجتماع التحضيري للحوار دون اي شروط". ,اعربت عن اعتقادها "أن هذا التفاهم المشترك للعملية سيحقق الأهداف المرجوة ويدعو لمشاركة واسعة تأتي بفرص أفضل للنجاح".لقد تبخر كل ذلك التعويل الدولي على ملتقى أديس أبابا لتسقط آخر ورقة توت كاشفة عجز المجتمع الدولي في مواجهة الحالة السودانية.
صحيفة إيلاف


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.