بينما المفوضية في غمرة انشغالها بإخراج العملية الانتخابية دون إراقة ماء وجهها، كانت الأحزاب التي وُزعت لها رقاع الدعوة مهمومة بعدد المقاعد البرلمانية التي سيمنحها لها الحزب الحاكم بعد إخلاء عدد من الدوائر الجغرافية.. ساقني الخبر إلى داخل مفوضية ولاية الخرطوم للقاء أحد أعضاء الحزب الكبير الذي شارك في الانتخابات، وريثما يُكمل إجراءاته بالداخل ويأتيني، وقفت أتامل رموز المرشحين.. جلت بنظري على رموز فارغة المضمون وبائسة الشكل، كانت جميعها كافية كي تجيب على سؤال : أين الفكرة في كل هذا؟ فما بين رموز مثل اللوري والتفاحة والماسورة، شاهدت نقاشا حول دائرة جغرافية يصلح أن يكون أفضل مقطع لكوميديا سوداء قاتمة، أحدهم وهو من ذات الحزب الكبير خرج من مكاتب المفوضية وهو في حالة من الغضب، يلاحقه شاب يترجاه أن يكمل إجراءات تسجيله حيث إن الرجل الغاضب هو مرشح للحزب في إحدى الدوائر، لكنه تفاجأ أن الحزب منح الدائرة لشخص آخر.. الرجل يسأل مندوب الحزب بغضب "هذه دائرتي فكيف لكم أن تمنحوها للاعب كرة أو فنان" يرد عليه الشاب والذي اتضح فيما بعد أنه أحد مهندسي انتخابات الحزب الكبير، يرد بطريقة تجار السوق الذين يلاحقون الزبائن لإقناعهم بشراء بضاعة مزجاة: "ياخي صلِّ على النبي، والله هذا ليس كلامي، هذا كلام مولانا، هو خاتي ليك حاجة كويسة" ويأبى الرجل أن يتراجع ويكثر ذلك الشاب من ترجيه أن يصلي على النبي و"يمشِّي الحال"، المهم في الأمر أن الرجل في نهاية المشهد استجاب، لكني لم أتأكد إن كان استجاب للصلاة على النبي أم لمولانا. هذه الكوميديا التي شاهدتها بتفاصيلها المضحكة المبكية وفي أقل من 14 دقيقة كانت كافية وبزيادة أن تلخص الأجواء التي تجري فيها انتخابات 2015م وفهم بعض الأحزاب الكبيرة لفكرة انتخابات 2015م. أمس تابعت شعوب العالم الثالث، ونحن على رأسهم، كوننا فرغنا للتو من عملية انتخابية، وبإعجاب يشوبه الأسى تابع الكثيرون انتخابات بريطانيا التي فاز فيها حزب المحافظين برئاسة ديفيد كاميرون بولاية جديدة، وبكل هدوء انتهت الانتخابات، حيث لا أصم يغالط الواقع ولا واقع يغالطه. . المشهد الذي أسر المتابعين ليس المثالية التي اكتستبها أجواء العملية الانتخابية، وليس درجة الإقبال المعقولة والبالغة نحو 66% لكن زلزال الاستقالات وسط الأحزاب الخاسرة كان مشهداً يستحق الإعجاب لدرجة الافتتان.. استقال إد ميليباند من زعامة حزب العمال الذي حل في المرتبة الثانية، واستقال نك كليغ رئيس حزب الديمقراطيين الليبراليين الذي هُزم بشكل ساحق وفقد 48 مقعداً برلمانيا من المقاعد التي حصل عليها عام 2010م، استقال نايجل فاراج زعيم حزب استقلال المملكة المتحدة.. هؤلاء استقالوا ليس لأنهم رفضوا نتائج الانتخابات، بل لأنهم تحملوا المسؤولية ولم يستطيعوا أن يحافظوا على مقاعد أحزابهم في انتخابات ماضية. لهم الفوز ولنا متعة المتابعة. [email protected]