ضحايا سد مروي.. (الحلقة الأولى) تسع أعوام من العزلة قضاها أهالي منطقة أمري الواقعة بالولاية الشمالية محلية مروي ، بعد تهجيرهم من منطقتهم (أمري القديمة) بأمر الغرق، وذلك عقب إغلاق معابر المياه بالسد الأمر الذي جعل مياه النيل تطفو علي منازلهم ومزارعهم النيلية وهو ما جعل الكثير منهم يفقد كل ما لديه من قوت وممتلكات، ليبدأ رحلة جديدة بموقع جديد مجرد وخالِ من الخدمات الأساسية التي تعين الإنسان علي الحياة الكريمة، ورغم الوعود الزائفة التي تلقاها المواطنين إلا إنها لم تجد الالتزام لا من الحكومة الاتحادية متمثلة في إدارة السدود، ولا الولاية الشمالية التي رفضت استلام واستكمال المشروعات بحجة عدم مقدرتها على إدارتها نسبة لضخامة التكاليف المالية بحسب المواطنين المحليين، وما بين تقاعس إدارة السدود والولاية ضاع أهالي المنطقة وأغرقهم الظلم والأمراض الفتاكة الناتجة عن تلوث المياه المخلوطة بجثث الحيوانات المتعفنة، مع انعدام الخدمة الصحية حيث إن أربعة قري تضم آلاف الأسر لا تملك إلا مركز صحي واحد فقط يديره طبيب بمفرده، أما التعليم فحدث ولا حرج.. وكذا الحال في المشروع الزراعي الفاشل وكل الملفات التي تلمسناها وجدنا إن المواطنين يعيشون في أوضاعا أشبه بأوضاع اللاجئين الغرباء عن أوطانهم فلا احد هنا يحمل هم المواطن غير المواطن نفسه .. وعبر هذا التحقيق الصادم سوف نحاول عكس جزء من الوقائع والكوارث بمنطقة أمري وأحداث ما بعد الغرق والتهجير والغرق من جديد بفعل الظلم والتهميش. شقاء بعد الراحة اخرج مواطني المنطقة هواءا ملتهبا عبر الزيارة التي أجريت من قبل ثلاثة من الصحف السياسية وقناة فضائية عالمية، ومن واقع الحزن والغضب العميق الذي ارتسم علي أوجه المواطنين بإمكانك استشعار حجم المعاناة والواقع الأليم خاصة مع أتساع دائرة الخوف من المستقبل للأجيال والشباب الذين لم يجدوا بدا من الانخراط في عالم البحث عن الذهب بعد أن جفت الحقول الخضراء التي كانت تعول الإنسان والحيوان ومنها تسير الحياة باستقرار وهدوء. قال المواطنين إن إدارة السدود لم تنفذ الوعود التي قطعتها مع المواطنين، وألقي المواطنين اللوم على رئيس الجمهورية إلي لم يزور المنطقة منذ تنفيذ قرار التهجير الذي وصفوه بالظالم والمجحف في حقهم وحق أبناءهم. مياه ملوثة أزمة مياه أمري تنطلق من أن الإمداد المائي الذي يستقي منه السكان والمواشي هو عبارة عن ترعة مكشوفة ومعرضة للتلوث من كل الملوثات بدءا من الأتربة والغبار مرورا بالطمي والإعشاب المتنامية علي أطراف وعمق الترعة ولا تنحصر الكارثة عند هذا الحد فحسب، بل أصبح مورد المياه الخاص بأهل القرى عبارة عن مستنقع قذر غير صالح للاستخدام الآدمي والحيواني لجهة إنه يمثل مرمي للحيوانات الميتة والمتعفنة، وذلك حسب المعلومات التي أثبتتها وأكدتها الدراسة التي أجريت للمياه بالمنطقة ، حيث تبين إنها غير صالحة للاستخدام البشري ولا الحيواني علي الإطلاق بعد أن تم إخضاع عينة من المياه التي يشرب منها المواطنين للفحص. ويقول السكان المحليين المغلوبين على أمرهم، إن منطقة أمري أصبحت ضحية لمافيا سياسية ووجهوا نداءات الإغاثة عبر الصحيفة قائلين "دايرين نأكل" علما بأن المنطقة التي كانت من أكثر المناطق الزراعية إنتاجا على مستوي الولاية الشمالية أصبحت تستورد الخضروات من الخرطوم، وهذا ما سنتعرض له تفصيلا في الحلقة الخاصة بالزراعة وفشل المشروع الزراعي طوال فترة ما بعد التهجير ألقسري. تجربة فاشلة حينما وصلنا إلي ترعة "الشيخ الهدي" مورد المياه الوحيد بالمنطقة، ما كنا نظن إن الماء الذي شربناه من هذا الخور المكشوف الذي تشرب منه الحيوانات والكلاب بالطرف الآخر، فالمشهد هنا ينذر بكارثة صحية عظيمة وهو ما كشفه المواطنين في حديثهم للصحيفة إذ أوضحوا أن العديد من حالات مرض التهاب الكبد الوبائي الفتاك قد بدأت تظهر وسط سكان منطقة أمري. وبينوا إن ذلك يعزي في الأساس إلي التلوث الكبير في مياه الشرب، ويبدو إن الصورة التي ظلت تعكس بوسائل الإعلام الحكومية أثناء وبعد الهجرة قد جانبها الصواب وصاحبها الكذب والتزييف والتضليل، بجانب الترويج لنجاح عملية التهجير، ولكن واقع الحال يخالف ذلك جملة وتفصيلا، حيث يواجه المواطنين أوضاعا أكثر من مأساوية، وأكدوا إن تجربة الهجرة فاشلة بكل ما تحمله العبارة من دلالات ومعان. وفندوا أقوالهم بناءا على عدم إيفاء إدارة السدود بالتزاماتها والاتفاقات التي تليها تجاه المواطنين، بجانب إقصاء عدد كبير من السكان وعدم تمليكهم لمنازل في القرى الجديدة، ما أدي لخلق فروقا ضخمة في إسكان الأهالي المهجرين. تداخل اختصاصات ومن الطرائف المضحكة المبكية في الوقت نفسه إن المواطن المزارع محمد عبد الرحمن من منطقة أمري لم يجد بدا من معالجة مسألة الحصول على المياه بعد أن أعياه الذهاب إلي المحلية وإدارة السدود حيث يقوم كل منهما بتوجيهه إلي الآخر دون التوصل إلي حل للمشكلة الأولى بالمنطقة فقد أضطر في آخر المطاف إلي الاتصال بشرطة النجد (999) بالخرطوم وذلك للتبليغ بانقطاع التيار المائي، وقال أنهم قدموا له وعودا بالتواصل مع الولاية وتوصيل البلاغ ولكن دون أي جدوى في العملية بمجملها، ومن هنا يظهر الوجه السالب للازدواجية في إدارة المنطقة وعدم وضوح الجهة المعنية بحل قضايا ومشكلات السكان، بالإضافة لتداخل الاختصاصات ما بين السلطات الاتحادية والولاية والمحلية وضياع حقوق المواطنين ما بين هذا وذاك. وعود مع وقف التنفيذ ومن الملاحظات التي سجلناها من خلال تواجدنا وتجوالنا بالمنطقة وقراها المختلفة هو تصدع الغالبية العظمي من المباني التي تم تسليمها للمواطنين نسبة لعدم تجويد عمليات تشييدها بجانب عدم مطابقتها للمواصفات التي تم الاتفاق عليها ما بين السلطات والمواطنين، وتمثل منطقة أمري اكبر تجمع سكاني بمحلية مروي ومع ذلك فإنها، لا تمتلك أي سوق، ويقع اقرب سوق من المنطقة بمدينة مروي، أما اقرب وحدة علاجية فتقع بمدينة كريمة، وهو ما يزيد من حالات الخطر عند حدوث حالات لدغ من الحشرات وبخاصة العقارب المنتشرة بالمنطقة. وتحتوي القرية (2) علي عدد (2) صهريج للمياه، ولكن المشكلة تكمن في إن هذه المشروعات الخدمية المهمة ظلت خارج نطاق الخدمة منذ عملية التهجير التي تمت بالعام 2006م، ويبدو إنها أشبه بالخدعة التي نصبت لإكمال عمليات الرحيل، ولكن سرعان ما انكشف الأمر، ويقول الأهالي إن هذه الصهاريج إذا تمت معالجتها وإدخالها في دورة الإنتاج سوف تسهم بشكل كبير إن لم يكن جذري في حل قضية المياه ولكن لا حياة لمن تنادي. فقد ظلت كما هي لمدة قاربت العقد من عمر الزمان ولا جديد. أمري تستغيث، فهل من مغيث؟ وقال احد المزارعين: إننا نعاني من الجوع والمرض الشديدين ونحتاج إلي إغاثة، متسائلاً كيف يعيش المواطن في أمري؟ ودعا المواطنين الدولة للالتفات نحو قضاياهم، ووصف إدارة السد بأنها نبت شيطاني يحتمي بالسلطة، وتستصدر اللوائح والقوانين التي تحمي عملها، بجانب كونها جهة مستفيدة من خراب المشروع الزراعي بمنطقة أمري. مطالبين بإدارة مسائلة قانونية في مواجهتها لإهدارها أموال الدولة، وحذر الأهالي من وقوع كارثة إنسانية بمنطقة أمري الجديدة نسبة لتدني الصحة الوقائية وتلوث المياه، كاشفين عن تدوينهم لبلاغ بالرقم (12) بتاريخ 17/5/2015م بمركز شرطة أمري، وأكدوا إن البلاغ تحت التحري بنيابة مروي، وذلك بناءا على نتيجة معمل الكشف الصحي الذي اجري الفحوصات على مياه الشرب بواسطة وزارة الصحة وعبر ضابط الصحة حيث تبين إن المياه تحتوي علي البكتريا بكل أنواعها حسبما ذكر الضابط في الاجتماع الذي عقد بمكاتب وحدة أمري الإدارية. معايير ضبابية وكشف الأستاذ أبو القاسم عبد الرحمن من القرية (4) عن عدم تسليم المواطنين ولا متر واحد من الأراضي بالنسبة لقضية المنح والحقوق والمعالجات التي تم الاتفاق عليها قبل التهجير، وذلك بحجة مفادها عدم وجود أراضي كافية، مبينا إن المنح التي وزعت تمت على غير معيار محدد، الأمر الذي حرم الكثيرين من حقوقهم نتيجة اللائحة الخاصة بإعادة التوطين، وقال إن اللجنة الخاصة بذلك اعتمدت إحصائية العام 1999 ورفضت تبني النتائج التي أظهرها التعداد السكاني بالعام 2008م ما أدي لإقصاء مجموعة كبيرة من الناس خاصة الذين تزوجوا بعد العام 99. في انتظار الحلول ومن جهته أقر مدير الوحدة الإدارية لمنطقة أمري محمد الرشيد بأن المياه التي يستخدمها المواطنين بالمنطقة المكونة من (4) قري غير صالحة للاستخدام الآدمي، مع وجود مشكلة عامة بمياه الشرب، وقال إن الوحدة عقدت اجتماعات مع كل من القرى (2،5،3) لتحديد أبعاد المشكلة، تمخض عنها قيام وفدين جلس احدهما مع معتمد محلية مروي، وقال إن ابرز القضايا التي تواجههم في معالجة المشكلة إن المشروع حتى الآن يدار بواسطة إدارة السدود وليس من الولاية أم المواطنين. منوها إلي أن الوضعية المزدوجة خلقت الأزمة، وقال إن وفدا سيزور العاصمة الاتحادية لمناقشة القضية بصورة جادة. ولكن المواطنين أكدوا إن مثل هذه الزيارات والتحركات ليست هي الأولى من نوعها وأبدوا تشاؤمهم من أن يسهم الوفد المتحرك إلي الخرطوم في حل مشكلات المنطقة. (منقول).