الذين يجهلون مدى سوء النظام يستعصي عليهم تصديق الأدلًة الماثلة أمام أعينهم التي تثبت بأنًه يحارب بكل ما أوتى من قوًة لمنع الذين يساعدون المرضى في العلاج و يطعمون الجوعى ، و الخيرين و المنظمات التي تأتي لمساعدة المنكوبين و المتضررين من سياساته و حروباته… رغم البطش و التنكيل الذي يتعرض له من ضحوا بكل شئ في سبيل الانسانيًة …، فمن يستعصي عليه اكتشاف مدى سوء النظام و هو صادق مع نفسه يحتاج أن يجرب بنفسه حتًى يتأكًد، و لا برهان أدلً من التجربة، و من يقول كيف سأجرٍب سنريه الطريقة التي تثبت له لأي درجة أنً هذا النظام يفوق سوء الظن بمراحل لن تخطر على مخيٍلته. في الجزئية الأخيرة من المقال السابق بعنوان "يا شعباً مسالم في ايديك الخلاص" قلنا بأنً تقييم ما حدث في هبًة سبتمبر العام 2013 هو البداية الصحيحة لوضع خطًة ناجحة لاسقاط النظام و إزاحة العقبة التي تقف أمام التغيير، أجبت على سؤال لماذا فشلت الهبًة في خمس نقاط، كل واحدة منها تمثل نواة لدراسة متسلسلة حول استراتيجية اسقاط النظام و وضع البديل المناسب في مكانه ، والحديث هنا من وجهة نظر شخصيًة تخضع للتطوير و الاضافة و التعديل عليها، لنبدأ من النقطة الأولى و للتذكير كانت: "سبتمبر كانت مظاهرات تلقائية لم يكن مخططاً لها و لذلك لم تكن هنالك قيادة مدربة تستطيع أن تقود الجماهير نحو أهداف بعينها لبلوغ غايات محددة تضغط على النظام و توجه له ضربات موجعة تؤدي لانهياره ، ثم أنً التنظيمات الكبيرة و منظمات المجتمع المدني لم تكن تخطط لسبتمبر" القاعدة الذهبيًة ما إذا كان هنالك دليل استرشادي محدد لعمليًة التغيير هى أنًه لا توجد قاعدة محددة ، يتحقًق التغيير على أكمل وجه عندما نكيٍف أنفسنا مع أفضل الحلول الممكنة التي تتوافق مع طبيعة مجتمعنا و موروثاته الثقافية و الاجتماعيًة و الدينيًة، و مخاطبة القضايا التي تمس عامًة النًاس مباشرةً..و ما نتطلع إلى تحقيقه و مدى خبرة من يعملون عليه و يقومون بدور قيادي مؤثٍر من خلال مجموعات محيطهم الاجتماعي داخل الأسرة أو الحي أو المجتمع ككل. الحقيقة تقول بأنً احزابنا الوطنيًة مخترقة بدرجة كبيرة ، يوجد بداخلها غواصات "باعتراف القائمين على أمرها" لذلك قعدت عن القيام بدورها و لا يمكن لكوادرها اصلاحها في ظل وجود النظام الحالي، لذلك دورها في التخطيط لعمل يستهدف النظام سيظل عديم الفعاليًة تماماً، ثم أنًه لا يوجد اليوم حزب سوداني واحد يسلم من الاختراق لذلك مساعي التغيير التي يبذلها كوادر الأحزاب السياسية المهمومون بالقضيًة عادةً ما تتحطًم أمام تعنت القيادات التي يتقاطع التغيير مع مصالحها الأنانيًة الضيقة مما جعل بعض الكوادر يشمئزون من الانتماء لاحزاب ضحوا بالكثير من أجلها، النتيجة ..المزيد من الاحباط و الضغط النفسي الذي يصيب هؤلاء الكوادر لأنهم واقعون بين شرًين ، النظام و قيادة أحزابهم، لذلك و لأنًهم أهل قضيًة فهم لا يمانعون من خلع عباءة تلك الأحزاب المتهالكة التي استعصى عليهم تغييرها في عهد الظلام ، ثمً أنً الشارع السوداني يشمئز من الأحزاب الموجودة بنفس قدر اشمئزازه من النظام لأنًه يحمٍلها المسؤوليًة عن النظام الحالي و الفشل الذي أدًى لانقلابه على السلطة – و هو محق بدرحة مطلقة – بالتالي الأحزاب غير مرحب بها بشكلها المعهود ، كذلك توجد مشكلة أخرى و هى أنً كوادر الأحزاب السياسيًة المخلصون الذين يسعون للتغيير لا يجدون جسماً منظماً فاعلاً يستوعب امكاناتهم و يستفيد من خبراتهم ، النتيجة الحتميًة المزيد من احباطهم و بالتالي عجز القادرين عن دورهم ، ليس لعيب فيهم و إنًما لأنً الواقع المفروض عليهم يصعب تغييره. الخلاصة إنً الأحزاب السياسيًة لا يمكن اصلاحها و النظام موجود، و لا يمكن أن تساهم بشكلها الحالي كتنظيمات في زواله. يجب أن ينتبه كوادر الأحزاب السياسيًة لهذه الجزئيًة. غني عن القول بأنً الغالبيًة العظمى من الشباب الثوري المصادم لا ينتمون لأحزاب سياسيًة ، معظم شباب الداخل المكتوون بالجمرة نشؤوا و ترعرعوا في ظلمة النظام لذلك أصبحوا فئران مختبر لسياساته التجهيلية و التدميرية فهم بوضعهم الحالي يحتاجون لتأهيل و تدريب و قيادة على عملية التغيير بدءاً من طريقة تفكيرهم و نظرتهم لمفهوم التغيير ككل مروراً باحترام الوقت و تغيير الصورة النمطيًة و تحسين الصورة الذهنيًة للعامًة و معرفة دورهم الذي يمكنهم أن يؤدونه و منحهم الثقة في قدراتهم ، و رفعها …حتًى معرفة استخدام آليات التغيير و استراتيجياته ، المسألة تحتاج كل هذا و هو ليس بالأمر الصعب إن توفرت الإرادة ، الشباب يحتاجون للرعاية و التوجيه و معرفة التكتيكات المطلوبة عند المواجهة حتى لا تنكسر عزيمتهم أو يفقدوا أرواحهم و يظل الحال كما هو عليه رغم التضحيات ،إذاً التدريب على صناعة التغيير أمر مهم و ضروري و لا يمكن حدوث تغيير بدونه، و لا بد من الجهات الحريصة على ذهاب هذا النظام أن ترعى هذه المسألة، هذه الجهات يمكن أن تكون خارجيًة أو داخليًة ، عاديًة كانت أو اعتباريًة، و في جميع الأحوال هذه مقدور عليها، يوجد الكثير من القيادات السياسيًة بالداخل و الخارج المهمومون بالقضيًة و الخبراء الذين يعملون في المنظمات الدوليًة من ذوو النفوذ بإمكانهم القيام بهذا الدور بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني في الداخل و الأفراد ذوو الخبرة. عندما يأتي الحديث عن منظمات المجتمع المدني بالداخل المفهوم الانظباعي لمنظمات المجتمع المدني هو التنظيمات الكبيرة سواء كان سياسية أم اجتماعيًة، و هذا المفهوم خاطئ و يجب التبصير بالمعنى الصحيح لمنظمات المجتمع المدني و هو أنً منظمات المجتمع المدني عبارة عن جمعيات بسيطة ينشؤها أشخاص و تعمل لنصرة قضية مشتركة ، و بهذا المفهوم فإنً منظمات المجتمع المدني يمكن أن تكون أي جمعيًة في أحد الأحياء لا تتجاوز عضويًتها العشرة أفراد الذين يجمعهم هدف مشترك يسعون لتحقيقه، مثلاً مكافحة البعوض و الذباب أو تشجير شوارع الحي أو الحارة ، و يمكن أيضاً أن تكون كيانات متوسطة أو كبيرة أو منشآت عملاقة. هنالك حقيقة قد لا يدركها من بدأنا بهم المقال، تتمثل في العداء الكبير الذي تكنه الأنظمة الشمولية لمنظمات المجتمع المدني مهما كان حجمها صغيراً ، الحقيقة تقول بأنً الأنظمة الديكتاتوريًة تخشى منظمات المجتمع المدني أكثر من خشيتها للذين يحملون السلاح في مواجهتها ، و السبب بسيط و هو أنً منظمات المجتمع المدني تضع قصور السلطات أمام الجميع ، و يدعمها كل أصحاب المصلحة لأنًها تتبنًى الحلول للمشاكل التي تمس حياة الناس بصورة مباشرة و لأنًها تتشكل من أهل المشكلة أنفسهم، لذلك لن يسمح النظام لها بالعمل و يسعى جاهدا لاعتقال قياداتها و التنكيل بهم و محاولة اغتيال شخصيًاتهم ، علماً بأنًهم يقومون بأعمال من صميم واجباته و يخرجونه من المآزق، لكنه لا يلقي بالاً لهذا ، الانظمة الديكتاتورية تفكيرها دائماً منصب حول المحافظة على الكرسي مهما كان الثمن و تزوير إرادة الجماهير و خداع العالم بأنًها مدعومة من الشعوب. قد يتساءل أحد، ما الضرر الذي يصيب الحكومة إن عمل شباب الحي على مكافحة البعوض في حيهم؟ الاجابة هى أنً أي عمل اجتماعي يبدأ صغيراً ثم يتطور…فمثلاً مكافحة البعوض ربما استغرقت شهر، بعد الفراغ منها لن تحل هذه الجمعية نفسها لأنً لديها مشاكل أخرى بخلاف البعوض، لنقل أنً مجموعة من شباب حى الحلفايا قررت مكافحة البعوض، أول المعوقات التي تحول دون ذلك هى البركة الضخمة جداً للصرف الصحي التي أنشأتها الحكومة قرب الحلفايا فهى بخلاف أنها مستودع بعوض أيضاً مصدراً للأمراض بدءا من الربو و الحساسيًة و الاختناق و حتًى الأمراض القاتلة، ستجد هذه المجموعة من الشباب الذين لا يتجاوز عددهم العشرة أفراد نفسها في مواجهة مباشرة مع السلطة التي لن تستجيب لمطالبها التي تمس حياة سكان بحري كلها و ليس الحلفايا وحدها ، فحتًى القاطنون في حلة كوكو يتأذون من هذه البركة التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات ، و طالما أن المسألة تمس حياة الناس بصورة مباشرة من الطبيعي جداً أنًهم سيجدون أنفسهم في خضم معركة سياسيًة مع السلطات التي ستلجأ لاعتقالهم و التنكيل بهم فما حدث لدكتور ياسر و نسرين في الفترة الماضية دليل على ذلك فكلاهما يعملون من منطلق العمل المدني و هذا جواب على فرية أنً الصراع قائم بين حكومة و معارضة، لا زالت أكرر ..الصراع معركة بين الحق المتمثل في أهل القضيًة و الباطل المتمثل في السلطة الفاسدة و مأجوريها..هذا مجرد مثال..أمًا المنظمات الأكبر حجماً تعامل السلطة معها يكون أكثر انحطاطاً بخلاف الاعتقال و التنكيل الذي يطال قياداتها تحريض العامًة باستخدام الآلة الاعلاميًة المأجورة و الأرزقيًة ضدهم و رميهم بصفات قبيحة هى في الأساس من صميم طباع السلطة و منسوبيها، و الأمثلة كثيرة منها ما حدث لناشطي مبادرة نفير خلال العام 2013.و مبادرة شباب شارع الحوادث قبل أيًام. الأفراد الذين يعملون ضمن منظمات المجتمع المدني يدركون بالتجربة أنً السلطة عدو الانسانيًة الأوًل لذلك هم أحرص الناس على ذهابها، و هنا العلاقة بين الفقرة الثانية و هذه النقطة، و الوضع كذلك لا يوجد حي في السودان لا يعاني مشاكل فشلت السلطة في حلها . نحتاج لمنظمات مجتمع مدني فاعلة و يمكن أن تكون منظمة المجتمع المدني مجموعة مكونة من عشرة افراد يسكنون في شارع واحد في أحد الأحياء يعملون على مكافحة البعوض في حيهم، إن نجحنا في ذلك و عممنا التجربة فنحن ماضون في اسقاط النظام وفقاً لخطة مدروسة.. و طالما أنً النظام صمم سياساته حتًى يضمن عناصر البقاء ، مثل هذه الجمعيًات الصغيرة لن تحدث من تلقاء نفسها بالطريقة التي نتحدث عنها، يجب على كوادر التنظيمات السياسية بالتعاون مع الناشطين من الشباب و شرائح الشارع المختلفة العمل على ذلك حتى يخرج للعلن بصورة منظمة و يكون حلقات متماسكة ،..إنً أقوى سلسلة تقاس على أضعف حلقاتها لذلك لا بد من الانتباه لمأجوري النظام و معرفتهم حتى لا يجدوا ثغرة يدخلون من خلالها و يخترقون مثل هذه الجمعيًات الصغيرة. السبب الثاني الذي أدى لفشل هبًة س بتمبر هو أنًها كانت حركة احتجاج و ليست مقاومة، كيف نستطيع وضع استراتيجية للمقاومة و آليًات للتصعيد في مواجهة النظام الذي يريد لنا الخنوع و الانكسار، هذا سيكون حديثنا في المقال التالي بمشيئة الله. [email protected]