يبدو المشهد شديد الالتباس بالنسبة لغالبية محللي الشأن السوداني، بعد الانتخابات "الصورية" التي أتت بالجنرال البشير رئيساً لخمس سنوات أخرى، بعد 25 سنة قضاها على سدة الحكم في هذا البلد، دون إنجازات تذكر. البشير، عمد إلى تغييرات واسعة في صفوف النخبة الحاكمة، ظاهريا، لكن، ترى، هل هي تغييرات حقيقية في بنية الحزب "الإخواني" الحاكم ودوره السياسي واشتباكه مع الدولة في هياكلها كافة؟ النظرة الأصوب – في تقديري – ينبغي ألا تغفل عاملا مهما للغاية، هو العامل الإقليمي، فيما يجري في السودان، مضافا إليه عوامل داخلية وأخرى دولية. نقطة الأساس في فهم هذا المشهد الملتبس، هو ما حدث في مصر، بدعم إقليمي، في 30 يونية، وتحوّل جماعة الإخوان، هناك، من جماعة حاكمة، إلى جماعة ملاحقة، ثم التقارب الذي جرى بين البشير والترابي، وبين الأخير، وقادة في نظام البشير، أهمهم، تلميذه المنقلب عليه، علي عثمان طه، الذي أبعد، هو ومساعد الرئيس، سابقا، نافع علي نافع، صوريا، عن المشهد الرسمي. هذا التقارب، عبر نافذة الحوار الوطني المزعوم، مثّل مخاوف إسلاميي السودان الكامنة من الضرر الذي سيجنيه نظامهم، حال استمرار خلافاتهم، في بيئة إقليمية معادية. الأمر الآخر المهم، هو انخراط البشير في "عاصفة الحزم" التي أطلقتها الرياض ضد الحوثيين وأنصار الرئيس السابق، علي عبدالله صالح في اليمن، وما بدا أنه تقارب سوداني – سعودي، قائم على سقف واطىء للثقة من جانب الطرفين، وخاصة الطرف السعودي، نتيجة تاريخ البشير مع الرياض، وعلاقته الوطيدة مع طهران، وهي العلاقة التي سمحت باتفاق بين البشير وملالي إيران، مؤداه مشاركة السودان ضد حلفاء طهران في اليمن، بغية التكسب المادي من دول الخليج، على أن تستمر علاقات التعاون العسكري والاستخباراتي كما هي، في طي الكتمان ! هذه التناقضات هي السياسة التي يتبعها البشير في شأن عدد من الملفات، فهو يرتبط بعلاقات استخباراتية مع الأميركيين في مكافحة الإرهاب، ومع جماعات متشددة داخل السودان وخارجه وصولا إلى الصومال، ومع مصر في عودة الاستقرار إلى ليبيا، ومع جماعة فجر ليبيا في الوقت ذاته، ومع الرياض، ومع طهران وإريتريا في الوقت نفسه ! إذن، ووسط كل هذه التناقضات، والرمال المتحركة التي يقف عليها البشير، هل من المأمول أن يتخلص من رفاقه في الحركة الإسلامية السودانية، وما هي الجهة التي تمثل بديلا لهم، وكيف؟ وهل التغييرات على مستوى وزراء وولاة (حكام أقاليم) ستغني عن الإسلاميين المتغلغلين في كل مفاصل الدولة وأهم أجهزتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية، بل هم آثروا أن يدفعوا إلى ساحات القتال، مرتزقة "مليشيات الدعم السريع = الجنجويد" حفاظا على الكادر البشري "الإخواني" في الأجهزة العسكرية والأمنية والميليشيات الخاصة، لطوارئ أكثر خطورة ! إن لعبة تبادل الأدوار و"التمويه" قائمة منذ 25 سنة، ولن يغير إخوان السودان قواعد هذه اللعبة، التي يرون أنها كانت فعالة في الحفاظ على حكمهم، وتقتضيها أكثر فأكثر، المتغيرات الإقليمية الحالية، وهي متغيرات متسارعة، ربما تحوّل الصديق عدوا في غمضة عين ! ولا أدل على ذلك من صمت الخرطوم الرسمية على محاكمات إخوان مصر، وهياج الحركة الإسلامية السودانية ضد القاهرة، بل وتهديد بعض متنطعيها بحمل السلاح ضد السيسي !