كامل إدريس يقف على مجمل الأوضاع بمطارات السودان    معارك ضارية ب (بابنوسة) والدعم السريع تقترب من تحرير الفرقة 22    "وثائقي" صادم يكشف تورط الجيش في استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين (فيديو)    السودان.. وفد يصل استاد الهلال في أمدرمان    مسؤول بهيئة النظافة يصدم مواطني الخرطوم    اللواء الركن (م) أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: التقديم الالكتروني (الموحّد) للتشكيل الوزاري    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    إيران تغرق إسرائيل بالصواريخ من الشمال إلى الجنوب    كامل إدريس وبيع "الحبال بلا بقر"    إنريكي: بوتافوجو يستحق الفوز بسبب ما فعله    "كاف" يعلن عن موعد جديد لانطلاق بطولتي دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي    عندَما جَعلنَا الحَضَرِي (في عَدّاد المَجغُومِين)    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    السفير عدوي يشيد بدراسة إنشاء منطقة لوجستية على الحدود السودانية    الاهلي المصري نمر من ورق    الجمعية العمومية الانتخابية لنادي الرابطة كوستي    السجن والغرامة على متعاون مع القوات المتمردة بالأبيض    ميسي يقود إنتر ميامي لقلب الطاولة على بورتو والفوز بهدفين لهدف    فقدان عشرات المهاجرين السودانيين في عرض البحر الأبيض المتوسط    عودة الخبراء الأتراك إلى بورتسودان لتشغيل طائرات "أنقرة" المسيّرة    6 دول في الجنوب الأفريقي تخرج من قائمة بؤر الجوع العالمية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من ضبط منزل لتزييف العملات ومخازن لتخزين منهوبات المواطنين    بين 9 دول نووية.. من يملك السلاح الأقوى في العالم؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا قالت الصحف العالمية عن تعادل الهلال مع ريال مدريد؟    نظرية "بيتزا البنتاغون" تفضح الضربة الإسرائيلية لإيران    السودان والحرب    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء سودانية فائقة الجمال تبهر المتابعين وتخطف الأنظار بتفاعلها مع "عابرة" ملك الطمبور ود النصري    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل زفاف بالقاهرة.. العازف عوض أحمودي يدخل في وصلة رقص هستيرية مع الفنانة هدى عربي على أنغام (ضرب السلاح)    شاهد بالصورة والفيديو.. مطربة أثيوبية تشعل حفل غنائي في أديس أبابا بأغنية الفنانة السودانية منال البدري (راجل التهريب) والجمهور يتساءل: (ليه أغانينا لمن يغنوها الحبش بتطلع رائعة كدة؟)    هل هناك احتمال لحدوث تسرب إشعاع نووي في مصر حال قصف ديمونة؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    الإدارة العامة للمباحث الجنائية المركزية تتمكن من الإيقاع بشبكة إجرامية تخصصت فى نهب مصانع العطور بمعاونة المليشيا المتمردة    الصحفية والشاعرة داليا الياس: (عندي حاجز نفسي مع صبغة الشعر عند الرجال!! ولو بقيت منقطها وأرهب من الرهابة ذاتا مابتخش راسي ده!!)    كيم كارداشيان تنتقد "قسوة" إدارة الهجرة الأمريكية    "دم على نهد".. مسلسل جريء يواجه شبح المنع قبل عرضه    التهديد بإغلاق مضيق هرمز يضع الاقتصاد العالمي على "حافة الهاوية"    السلطات السودانية تضع النهاية لمسلسل منزل الكمير    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    مباحث شرطة الولاية الشمالية تتمكن من إماطة اللثام عن جريمة قتل غامضة وتوقف المتورطين    المملكة تستعرض إستراتيجية الأمن الغذائي لدول مجلس التعاون الخليجي    خسائر ضخمة ل"غانا"..تقرير خطير يكشف المثير    والي الخرطوم يصدر عدداً من الموجهات التنظيمية والادارية لمحاربة السكن العشوائي    أدوية يجب تجنب تناولها مع القهوة    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باراديغم المحاكاة بين الواقعي والتراجيدي
نشر في حريات يوم 03 - 08 - 2015


" الفن يتصف بنفس صفات الأشياء التي يحاكيها"1[1]
ترتكز النظرية الميتافيزيقية للفن عند أفلاطون على اعتبار أن الجمال هو أحد المثل العليا الى جانب الحق والخير. ويكون الجمال في ذاته في عالم المثل بينما الجمال الذي نراه في الأشياء الطبيعية هو ناقص ونسبي ويحدث أنه كلما ابتعد الشيء عن مثاله يزداد بشاعة وقبحا ويفقد قيمته الفنية وكلما اقترب يزداد حظه من الجمال والحسن والبهاء. ربما الجمال هو أكثر المثل سحرا وتجليا ولكن يصعب على الإنسان بلوغه وقلما يدرك الجمال المطلق وذلك للنسيان وعدم تذكره مثال الجمال بصورة واضحة.
" لا أحد يبلغ حد المعرفة التامة في كنه الجميل والعادل ما لم يعرف كنه الخير"2[2]، وبالتالي يقوم أفلاطون بالتمييز بين الأشياء الجميلة والجمال المطلق وبعبارة أخرى يفرق بين الجوهر والأوساط التي يتجلى فيها.
"أعني أن محبي النظر والسمع يعجبون بالجميل من الأصوات والأشكال والألوان والصور وكل ما دخلت في تركيبه هذه الاشياء من منتوجات الفن ولكن فهمهم يقصر عن إدراك كنه الجمال واعتناقه"3[3]
هكذا تتفاوت نصيب الناس من رؤية الجمال ويتبوأ الفيلسوف أسمى الدرجات لكونه قادر على بلوغ الجمال المطلق ولذلك تثور في داخله انفعالات تحمله على تقدير ذلك الشيء الجميل. ودرجات الجمال تتفاوت حسب درجة القرب من عالم المثل. فالبداية تكون بالجمال المطلق ثم جمال العقل وبعد ذلك جمال النفس بالأخلاق ثم جمال الجسم وهو في مرتبة دنيا لما يصيبه من فناء ولما يحدث للشهوة من ارتواء.
تبعا لذلك يرتبط الجمال بالتذكر والمعرفة وبالحب والرغبة في الأشياء الحسنة والأفعال الصالحة والصدق في الأقوال ويحدث في النفس العور بالسعادة والفرح ويزيد من رغبة الإنسان في الخلود. لقد تحدث أفلاطون عن الفن بوصفه ولد الموهبة الطبيعية وتضاف إليه الثقافة والتهذيب والرياضة لتأتي نتائجه كاملة وتكلم عن أنواع الفن مثل الخطابة والحديث والأمثال الخرافية والشعر المحمي والتمثيلي والموسيقى. لقد رفض أفلاطون شعر المحاكاة mimèsis لأن الشاعر يحاكي الأشياء المحسوسة وهذه الأخيرة تحاكي المثل ويبتعد عمله عن الحق ثلاثة درجات وبالتالي يسقط في محاكاة المحاكاة ولا يكون له علم ولا رأي سديد بالأشياء التي يصفها. والحق أن الجمال الموجود في الأجسام الحسية والأعيان والأشخاص والأشياء المادية ليس مصدره العرف واللذة والمادة والمنفعة بل هو مجرد انعكاس لذلك الجمال الحقيقي والمطلق والأبدي والرحب الذي يدركه الإنسان بالعقل والحكمة والتأمل ويتلاءم مع الخير والأخلاق والعدالة ويرتبط بالحقيقة والماهية. لقد وقف أفلاطون موقفين متعارضين من الفن. ففي محاورة فدرس( 245 أ) يقر بأن الفن سحر يحرر من كل سطحية ولكنه جنون وهذيان ينقلنا إلى عالم آخر وهو ميدان الصور والماهيات. وبالتالي لا يقوم الفن في ميدان المواضيع والجزئيات على الرغم من كونه الشرط في بهاء المرئيات الحسية. ثم يعتبره المثل الأعلى الذي ينبغي أن تقترب منه الموجودات، ومن هنا جاءت نظرية المحاكاة mimesis، لكنه ينتقل وفق الجدل الصاعد من جمال الأجسام إلى جمال النفوس ثم إلى جمال الصور العقلية إلى الجمال في ذاته. بيد أن أفلاطون يجعل من الفن في مرتبة ثانية بالنسبة إلى الحقيقة والى الخير بل يؤكد أن الجمال لا يتفق مع الخير والحق لأنه يتجلى في المحسوسات التي تعتبر أقل قيمة بالمقارنة مع المعقولات في نظرية المثل. لقد بقي أفلاطون مترددا في آرائه حول الفن بماهو محاكاة وتراوح بين التساهل والتشدد وبين الإباحة والمنع وقد وصل موقفه إلى درجة الإدانة في محاورة النواميس لأنه "لهو غير مؤذ". لقد حث أفلاطون على ضرورة محاكاة الفن للمثال فحسب واشترط حصول الفنان على معرفة حقيقية بماهيات الأشياء ودعا إلى ضرورة إخضاع الفنانين لأعمالهم للنظام السليم ومراعاة القيمة الأخلاقية وأن تقوم الفنون بدور خاص في النظام الاجتماعي العادل وأن يتم محاكاة أفعال الفاضلة وحرص على إخضاع النشء للمؤثرات لفنية الصالحة ومنع محاكاة الأفعال الرذيلة التي تؤدي إلى الخشونة والوضاعة والتهور. لكن " الفن القائم على المحاكاة بعيد كل البعد عن الحقيقة لأنه لا يمس إلا جزءا صغيرا من كل شيء وهذا الجزء ليس إلا شبحا"4[4]. لقد اصطدمت نظرية المثل بعدة اعتراضات من طرف أرسطو وأفلوطين وسائر الفلاسفة العرب. فماهي الدواعي التي دفعت المعلم الأول إلى مراجعة نظرية المحاكاة؟
لقد رفض أرسطو الاعتقاد بوجود مثال للجمال قائم الذات في عالم المثل وأقر بالجمال في الطبيعة واعتمد نظرية المحاكاة وحدد الفن بأنه محاكاة تختلف حسب الوسيلة والموضوع والأسلوب ولذلك جعل الفنون الجميلة أنواعا من المحاكاة تعتمد وسائل الوزن اللغة والإيقاع في المفرد والجمع والسرد والعرض. لقد طبق المحاكاة على الموسيقى والتصوير والرقص والشعر الملحمي والتمثيلي والغنائي والمأساة والملهاة.
يختلف الإنسان عن سائر الكائنات بغريزة المحاكاة التي كان أكثر استعدادا لها واعتمد عليها في اكتساب المعارف الأولية بالتعلم وولادة الأشياء التي يجد فيها لذته والمواضيع السارة وارتجال الشعر والخطابة5[5].
عند أرسطو "الطبيعة والفنان متشابهين لأنهما يقومان بصناعة شيء ما وان كانت الطبيعة تنتجه مما لديها من مادة فإن الإنسان يصنعه من مادة تخرج عن ذاته"6[6]، وبالتالي كان الفن عند أرسطو محاكاة أو إكمالا لما لم تنتجه الطبيعة بل " إن المحاكاة هي السبب الأول في وجود الشعر"7[7]. لقد " كان بوليغنوطس يصور الناس أفضل مما هم في الواقع، بينما صورهم فوسون أقل فضيلة ، في حين أن ديونيزوس صورهم كماهم في الحياة، وكل نوع من المحاكاة سوف يكون مميزا بواسطة تلك الفروق"8[8].
من هذا المنطلق ليست المحاكاة عند أرسطو بالضرورة تقليدا أعمى للأشخاص ولا نقلا أمينا للواقع او نسخا له وإنما يقوم عمل الفنان على تمثيل الواقع وتصويره ونقله وفق طرق ثلاث:
- كماهي في الواقع
- كما قال عنها أو يظن
- كما ينبغي أن تكون.
" تعني المحاكاة تصوير الأشياء في مادة خلاف مادتها، وبعلل غير عللها الطبيعية"9[9] وبالتالي تنتمي صورة المحاكاة وطريقتها إلى الطبيعة بينما المواد والعناصر التي تستعمل في التركيب تنتمي إلى الفن.
اضافة إلى ذلك إن " المحاكاة هي محاكاة لفعل وهذا الفعل يفترض أناسا يقومون به وهؤلاء الناس لهم أخلاق وأفكار معينة ونحن نميز الأفعال نفسها بواسطة الأفكار والأخلاق."وبالتالي نجد في المحاكاة ماهو أفضل أو أسوأ مما في الحياة. " في هذا المقام يشير أرسطو إلى أن مصدر الخلق الفني هو الرغبة في التقليد التي فطر عليها الإنسان والشعور باللذة عند النظر التي الأشياء التي تمت محاكاتها. كما انطلق أرسطو من الآثار الفنية المبدعة ومن الكائنات الطبيعية لكي يحدد مفهوم الجمال على أنه الوحدة مع التناسق ويؤكد عل الترتيب والنظام.
على هذا الأساس يكون الفن محاكاة الفعل الإنساني ويتطور العمل من مقدمة إلى عقدة تمتد من البدء الى الجزء الذي يقع فيه التحول فيكون الحل من التحول إلى النهاية وحصول السعادة أو الشقاء لدى المتلقي. هكذا تمضي المحاكاة في الشعر في اتجاهين: "يحاكي أصحاب الأرواح الطيبة الأفعال النبيلة وأفعال الفضلاء من الناس أما أصحاب النفوس التافهة فإنهم يحاكون أفعال الأدنياء ويصوغون القصائد الساخرة"10[10]، وبالتالي يشترط في العمل أن يكون تاما أي له بداية ووسط ونهاية. وتعني البداية أنه لم يسبقه شيء آخر. ويعني الوسط ما يتبع شيئا آخر ويسبقه شيء آخر. أما النهاية فهي ما يسبقه شيء ولا يعقبه شيء آخر…ويشترط في العمل أيضا أن يكون واحدا ، ووحدة العمل تقو بالفعل الواحد لا بالشخص الواحد11.[11]
البطل التراجيدي هو إنسان خير، بينما الكوميديا تحاكي الأدنياء من الناس والتأثير الأخلاقي للملحمة أقل.زد على ذلك تؤدي المحاكاة وظيفة التطهر بإثارة انفعالات الخوف والشفقة والتخلص من سلبياتها. واستخدمت المحاكاة من أجل الحث على الفضيلة والعمل على تجنب الرذيلة والبحث على تأثير الايقاعات والمقامات والأوزان والصور الفنية على النفس.
مجمل القول أن أرسطو يقرر على خلاف أفلاطون بأن الفن يحاكي الطبيعة كما تتجلى وتظهر ولكن وفقا لمعيار كلي عقلي وهو يرى في التراجيديا وسيلة للتطهر من الانفعالات الضارة ونوعا من الدواء النفسي.لكن لماذا تعرض باراديغم المحاكاة إلى مراجعات نقدية مستمرة من طرف الفلاسفة اللاحقين على الإغريق؟
لقد انقسمت نظرية المحاكاة إلى عدة اتجاهات:
- محاكاة المثال ، محاكاة بالجوهر، محاكاة المثل الأعلى
- محاكاة الطبيعة ، محاكاة بالمظهر، محاكاة ساذجة
- محاكاة الأفعال الإنسانية محاكاة الخير والفضيلة.
والحق أن باراديغم المحاكاة عانى من عدة مزالق ووقع في مجموعة من الإحراجات يمكن أن نذكر منها ما يلي:
- الوقوع في مأزق التماثل المستحيل والتباعد بين النسخة والأصل لأن المحاكاة مهما حاولت بلوغ التطابق وبلورة التعبير الصادق عن المشهد الطبيعي فإنها تتعثر وتنتهي إلى فشل ذريع وذلك لتمنع الطبيعة وتجعل الفنان يقع في الإسقاط وبالتالي إن الأشياء لا تتشابه مهما تشابهت طالما أنه في البدء كان الاختلاف.
- الوقوع في الانتقائية والتبسيط والاختزال وذلك بالتركيز على بعض الخاصيات وإهمال خاصيات أخرى ربما تكون مصدر الإمتاع دون وجود معيار للتمييز بين الهام والمهم والعادي.
- الآثار الفنية تفوق في عظمتها الطبيعة وما يوجد فيها من قيمة جمالية يتخطى أكثر المشاهد الطبيعية روعة وذلك للمسحة الجمالية التي وضعها فيها الإنسان ولما تخللها من مهارة وعبقرية وصنعة تتعمد التحريف والتشويه واللعب الحر بالكلمات والأصوات والألحان والمواد.
- المحاكاة لدى الفنان ليس للطبيعة بل للآثار الفنية ذاتها وبالتالي هناك عدة فنون ساهمت في ميلاد وتشكل فنون أخرى من رحمها نتيجة محاكاتها والعمل على تطوير لغتها وتقنياتها وأساليبها مثلما ولد المسرح من التراجيديا وظهر السينما من رحم المسرح وبرز الغناء من الإنشاد الديني والشعر القصصي. في هذا الإطار " لقد كان الفنانون يحاكون بعضهم باستمرار من عصر إلى آخر مما جعل فنهم ينحدر باستمرار"12[12].
اللافت للنظر أن الفنان الحقيقي في نظر ليونارد دي فنشي ليس المقلد للماضي ولا المطبق لنظرية المحاكاة على المشاهد الطبيعية وإنما هو الذي يقدر على تمثل الجمال الطبيعي انطلاقا من ذاته والذي يتسلل إلى الطبيعة ويتمكن من تحويل ماهو مبتذل وعادي إلى منظر رائع وبالتالي يصبح سيد خلقه ويعبر عن اللاّمرئي بالمرئي. والآية على ذلك" أن مكانة المبدع من أثره الفني كمكانة الإله من خلقه". على هذا يجب على الفنان أن يهجر أعمال أسلافه ويبتعد عن إنتاج الأعمال قليلة الفضل ويوقف انحدار الفن وأن يلتفت صوب الطبيعة ويذهب إلى العالم الخارجي ويتجول في الحياة وأن يفرط في إعمال الخيال ويمتلك القدرة الكلية على تمثل كل أشكال التنوع ويحتفظ به في فكره وينتقي الأقل حسنا من الأشياء ويجعله بفنه أكثر الأشياء حسنا.
من هذا المنطلق عاد أفلوطين في كتابه التساعيات ( التساع السادس فصل بند22) إلى أفلاطون وبين أن الجمال هو الصورة العقلية وأن الجميل هو المعقول المدرك في علاقته بالخير واشترط إصابة الحد الأوسط بالانتقال من الواحد إلى الآخر والتعرف على الخير في الصورة العقلية وعلى الحب في الفكر ( الجمال العقلي)13[13].
لقد انصبت نظرية المحاكاة على جوانب من الطبيعة ومن الشأن الإنساني وهو اللائق وما يستحق المدح والاستحسان والجدير بالثناء ومهدت الطريق أمام نشأة نظرية الانعكاس التي تحاول التعبير عن الواقع الاجتماعي في تفاعلاته الجدلية وحولت الآثار الفنية إلى مرآة عاكسة للأحداث والتغيرات التاريخية.
في جوابه على سؤال هل الفن محاكاة الطبيعة؟ يرى هيجل أن هذه الدعوى هي الرأي الأكثر شيوعا وأن تفسير المحاكاة بكونها المهارة في تصوير الموضوعات الطبيعية بأكثر أمانة تامة كما تتجلى لنا وحينما ينجح هذا التصوير الأمين فإنه يبعث فينا الرضا. لكن هذا التعريف لا يعطي للفن سوى الغرض الشكلي لإعادة ماهو موجود في العالم الخارجي وبقدر ما تسمح به وسائل التصوير وبالتالي يكون الفن محدودا في وسائل التعبير ولذلك يعلن هيجل أن إعادة التصوير هذه هي عمل لا جدوى منه ويعد لعبة مدعية تظل في مستوى أدنى من الطبيعة بكثير وبالتالي لا يعطينا الفن إذا اقتصر على الهدف الشكلي من المحاكاة الدقيقة بدلا من الواقع وماهو حي سوى صورة هزلية من الحياة ولا ينتج إلا أوهاما جزئية لا تخدع إلا حسا واحدا. والآية على ذلك أن " الفن حين يقتصر على المحاكاة فانه لا يستطيع منافسة الطبيعة بل يشبه الدودة التي تحاول بالزحف محاكاة فيلا." مبدأ المحاكاة هي مبدأ شكلي خالص يثير الملل والغثيان بسبب تكرار النماذج وغياب الاختلاف وإنتاج الأعمال المصطنعة ويخفي الجمال الموضوعي ويلجئ إلى الذوق الذاتي والخاص14[14].ويدعم هيجل موقفه بقوله :"حين لا يتخطى الفن المحاكاة الخالصة يعجز عن الإيحاء لنا بواقع حي أو بحياة واقعية فكل ما في وسعه أن يعرضه علينا لا يعدو أن يكون صورة كاريكاتورية للحياة"15[15] لكن ألا يساهم باراديغم المحاكاة في قيام الاتجاه التخييلي والنزعة التشكيلية في الفن من حيث لا يدري وعلى الرغم من تشبثه بإعادة إنتاج الواقع الطبيعي في مستوى القيمة الجمالية؟
الهوامش والإحالات:
[1] أفلاطون، الجمهورية، ترجمة حنا خباز، دار التراث ، بيروت، 1969،ص.133.
[2] أفلاطون، الجمهورية ، مرجع مذكور ،ص195.
[3] أفلاطون، الجمهورية، مرجع مذكور، ص172.
[4] أفلاطون، الجمهورية، مرجع مذكور، ص 330،.
[5] أرسطو، فن الشعر، ترجمة عبد الرحمان بدوي ، طبعة دار الثقافة، بيروت، صص.03-13
[6] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[7] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[8] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[9] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[10] أرسطو، فن الشعر، ،المرجع نفسه.
[11] أرسطو، فن الشعر،مرجع مذكور. ص48.
[12] Leonard de Vinci, carnets , percepts du peinture, Tome2, traduction servicen, édition Gallimard, Paris, 1942, ,p197.
[13] أنظر كتاب أفلوطين ، التاسوعات، جمعه فرفوريوس الصوري ويتكون من تسعة أقسام وقد نسبه العرب الى أرسطو وظنوا أنه كتاب الربوبية.
[14] هيجل، المدخل إلى علم الجمال، فكرة الجمال، ، ترجمة جورج طرابيشي دار الطليعة بيروت، 1978،ص37.
[15] هيجل، المدخل إلى علم الجمال، فكرة الجمال، مرجع مذكور، ص.36.
المصادر والمراجع:
Leonard de Vinci, carnets , percepts du peinture, Tome2, traduction servicen, édition Gallimard, Paris, 1942,
أفلاطون، الجمهورية، ترجمة حنا خباز، دار التراث ، بيروت، الطبعة الأولى، 1969،
أرسطو، فن الشعر، ترجمة عبد الرحمان بدوي ، طبعة دار الثقافة، بيروت، الطبعة الأولى، 1973.
هيجل، المدخل إلى علم الجمال، فكرة الجمال، ، ترجمة جورج طرابيشي دار الطليعة بيروت، 1978،
كاتب فلسفي
[1] أفلاطون، الجمهورية، ترجمة حنا خباز، دار التراث ، بيروت، 1969،ص.133.
[2] أفلاطون، الجمهورية ، مرجع مذكور ،ص195.
[3] أفلاطون، الجمهورية، مرجع مذكور، ص172.
[4] أفلاطون، الجمهورية، مرجع مذكور، ص 330،.
[5] أرسطو، فن الشعر، ترجمة عبد الرحمان بدوي ، طبعة دار الثقافة، بيروت، صص.03-13
[6] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[7] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[8] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[9] أرسطو، فن الشعر، المرجع نفسه.
[10] أرسطو، فن الشعر، ،المرجع نفسه.
[11] أرسطو، فن الشعر،مرجع مذكور. ص48.
[12] Leonard de Vinci, carnets , percepts du peinture, Tome2, traduction Servicen, édition Gallimard, Paris, 1942, ,p197.
[13] أنظر كتاب أفلوطين ، التاسوعات، جمعه فرفوريوس الصوري ويتكون من تسعة أقسام وقد نسبه العرب الى أرسطو وظنوا أنه كتاب الربوبية.
[14] هيجل، المدخل إلى علم الجمال، فكرة الجمال، ترجمة جورج طرابيشي دار الطليعة بيروت، 1978،ص37.
[15] هيجل، المدخل إلى علم الجمال، فكرة الجمال، مرجع مذكور ص.36.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.