الفنان المبدع لا يحاكي ولا ينقل يجيء في كتاب فلسفة الجمال للدكتورة أميرة حلمي مطر - «انه يمكن القول بإنه لو لم يتغن شعراؤنا بالحب أو بالوطنية ما انتهينا لحقيقة مشاعرنا بهذه الانفعالات. ولربما تجري في باطن شعورنا انفعالات اخرى لا نعي طبيعتها ولا نعرف حقيقتها، لكن حين يجسدها الفن عندئذ فقط نتعرف على طبيعة انفسنا». ومن هنا نقول إن الاحساس بالحياة والكشف عن طبيعة الانسان من ثمرات ابداع عظماء الشعراء وكبار الفنانين. ومن هنا يظهر لنا ذلك الارتباط الوثيق بين الفن والحياة الانسانية. لعله من الطبيعي ان نقول إننا لا نوجه نقداً فنياً للموجودات الطبيعية لانها ليست ناتج الابتكار والابداع الانساني، وهي وان كانت تهز مشاعر الانسان وتحرك عاطفته - لا تخضع لمعايير الجمال الفني إلاّ من خلال التعبير الانساني في الفنون. أقول: لقد شغل الفلاسفة والنقاد بتفسير علاقة الفن بالطبيعة وتساءلوا هل يعكس الفن الطبيعة فيكون كالمرآة بالنسبة للواقع المحسوس كما قال افلاطون منذ القرن الرابع قبل الميلاد؟ الحق ان المحاكاة الحرفية للطبيعة لا تخلق فناً، ذلك لأن الفن عالم قائم بذاته له قوانينه الخاصة، انه عالم بديل لعالم الواقع ينشئه الفنان المبدع بعد ان يكتسب القدرة والوسيلة التي تعينه على ابداع هذا العالم ولو كان الفنان مجرد ناقل أو محاكٍ لكان الواقع افضل، لأن الاصل دائماً افضل من الصورة. نعم قد توجد المحاكاة في الفن ولكن هذه المحاكاة وحدها لا تكون فناً وإنما لكي تحقق اغراضاً اخرى ذات نفع معين للانسان. عندما صور الانسان البدائي الحيوانات على جدران الكهوف لم تكن عنايته بالمحاكاة الحرفية لمشاهد العبيد بدافع الاحساس بالجمال فقط ولكن بدافع عملي مصدره ايمان هذا الانسان بطقوس السحر التي كانت تفرض عليه امتلاك صورة مطابقة للحيوان الذي يطارده. المفكر الفرنسي اندرية مالرو - يقول في كتابه عن الفن «أصوات الصمت» لا يشغف الفنان بغناء الطيور قدر شغفه بالموسيقى ولا يعجب الشاعر بغروب الشمس قدر اعجابه بقصائد الشعراء عن هذا الغروب.. «أي لا يكون الفنان فناناً لاعجابه بمناظر الطبيعة بل بزيارته للمتاحف والمعارض الفنية واطلاعه الدائم على اساليب السابقين عليه حتى يكتمل اسلوبه وطريقته في التعبير والفنان المبدع لا يحاكي ولا ينقل ولكنه يملك القدرة على اضافة الجديد.