البرهان    استهداف طائرات مسيرة قاعدة "فلامنغو" البحرية في مدينة بورتسودان فجر اليوم    "آمل أن يتوقف القتال سريعا جدا" أول تعليق من ترامب على ضربات الهند على باكستان    شاهد بالفيديو.. قائد كتائب البراء بن مالك في تصريحات جديدة: (مافي راجل عنده علينا كلمة وأرجل مننا ما شايفين)    بالفيديو.. "جرتق" إبنة الفنان كمال ترباس بالقاهرة يتصدر "الترند".. شاهد تفاعل ورقصات العروس مع فنانة الحفل هدى عربي    شاهد بالصورة.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل تسابيح خاطر تنشر صورة حديثة وتسير على درب زوجها وتغلق باب التعليقات: (لا أرىَ كأسك إلا مِن نصيبي)    شاهد بالفيديو.. الفنان الدولي يدخل في وصلة رقص مثيرة مع الممثلة هديل تحت أنظار زوجها "كابوكي"    شاهد بالفيديو.. الفنانة مروة الدولية تعود لإثارة الجدل..تحضن زوجها وتدخل معه في وصلة رقص رومانسية وهي تغني: (حقي براي وملكي براي بقتل فيه وبضارب فيه)    إنتر ميلان يطيح ببرشلونة ويصل نهائي دوري أبطال أوروبا    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    برئاسة الفريق أول الركن البرهان – مجلس الأمن والدفاع يعقد اجتماعا طارئاً    والي الخرطوم يقف على على أعمال تأهيل محطتي مياه بحري و المقرن    ترمب: الحوثيون «استسلموا» والضربات الأميركية على اليمن ستتوقف    اعلان دولة الامارات العربية المتحدة دولة عدوان    عادل الباز يكتب: المسيّرات… حرب السعودية ومصر!!    الأهلي كوستي يعلن دعمه الكامل لمريخ كوستي ممثل المدينة في التأهيلي    نائب رئيس نادي الهلال كوستي يفند الادعاءات الطيب حسن: نعمل بمؤسسية.. وقراراتنا جماعية    مجلس الإتحاد يناقش مشروع تجديد أرضية ملعب استاد حلفا    من هم هدافو دوري أبطال أوروبا في كل موسم منذ 1992-1993؟    "أبل" تستأنف على قرار يلزمها بتغييرات جذرية في متجرها للتطبيقات    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    أموال طائلة تحفز إنتر ميلان لإقصاء برشلونة    قرار حاسم بشأن شكوى السودان ضد الإمارات    بعقد قصير.. رونالدو قد ينتقل إلى تشيلسي الإنجليزي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    شاهد بالصورة والفيديو.. بالزي القومي السوداني ومن فوقه "تشيرت" النادي.. مواطن سوداني يرقص فرحاً بفوز الأهلي السعودي بأبطال آسيا من المدرجات ويخطف الأضواء من المشجعين    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشهيد الدكتور جون قرن .. سيرة عطرة ومسيرة لم تكتمل !!
نشر في حريات يوم 07 - 08 - 2015

هو الزعيم السوداني الشهيد الدكتور جون قرنق ديمبيور أتيم . العلامة المجتهد والمفكر الكبير والثوري التاريخي ومعبود المهمشين ومؤسس مشروع السودان للجميع . حيث يبقي الحديث عنه دربا من دروب المستحيل وخاصة لرجل إستطاع إقناع عدد كبير من السودانيين بمشروعه الثوري بمختلف ثقافاتهم وأعراقهم ولغاتهم وسحناتهم ودياناتهم وإنتماءتم الأيديولوجية والفكرية
الرجل الذي جسد المقاومة الحقيقية للظلم وأصبح ملهما لعدد مقدر من الشباب الذي كان تائها ما بين العبودية الطوعية للأحزاب السياسية الريدكالية وقياداتها الكهنوتية وما بين قهر الأنظمة العسكرية الاستبدادية التي أتخذت من الدين والعرق سلما لتحقيق برامجها وأفكارها البالية المتشربة بالجهل والتخلف . والتي عفا عليها التاريخ والجغرافيا والتي من خلالها يتم ممارسة كل أشكال الإستبداد والقهر والاضطهاد الإجتماعي التي أنتجت الفقر والتشرد وانتهاكات جسيمة بحق فئات معينة من شعوب السودان في بلد يفترض أن تكون من البلدان المتقدمة ولكنه لا .
في هذه المساحة نحاول تذكار الشهيد الدكتور جون قرنق بكلمات قليلة للتعبير عن عظيم تجبيلنا له كقامة فقده السودان قبل الحركة الشعبية لتحرير السودان التي هو مؤسسها وقائدها ونستعيد كتابة شيئاً من سيرته العطرة ليكون نبراسا للأجيال التالية علي الرغم من أن السودان قد تشرزم بعد رحيله وقسم لدولتين فاشلتين وماتزال الحبل علي الجرار للوصول إلى محطة الصوملة الحقيقية حيث لم يبقي من صوملته سوي العاصمة الخرطوم التي أيضاً لا مفر من " المقديشوتها " الحتمية وهناك أيضاً بعض العتب قد إعتري جسد الحركة الشعبية لتحرير السودان بفعل تدخل نظام الإبادة الجماعية في الخرطوم في الشؤون الداخلية لدولة جنوب السودان وكذلك الصراعات الداخلية والفساد من قبل الكثير من قيادات الحركة الشعبية في جنوب السودان بعد رحيله المر بمؤامرة دولية لم ولن ينطلي علي كل صاحب عقل . وهي مؤامرة تمت من قبل أجهزة مخابرات دولية لا تريد للسودان التقدم والتي تمت بمباركة من نظام الإبادة الجماعية بقيادة المطلوب الدولي والهارب عمر البشير وأركان حربه من العصابة النازية الجديدة
في سيرته العطرة ومسيرته الحافلة بالكثير من النبل . نجده
ولد الشهيد الدكتور جون قرنق في ولاية جونقلي وسط غابات الإستوائية في "قرية التويك" بجنوب السودان في يونيو من العام 1945م لأسرة ميسورة الحال وقد تربي يتيما بعد رحيل أحد والديه ولكن نسبة للحرب والإبادة الجماعية هجر قسرياً برفقه أسرته إلي شرق أفريقيا وأستقر في دولة تنزانيا والتي أكمل فيه دراسته الثانوية في عاصمتها " دار السلام " ومن ثم نال منحه دراسية لدراسة الإقتصاد الزراعي في الولايات المتحدة الأمريكية في كلية "غرينيل كولنج" وعاد مرة أخري إلي تنزانيا ومنها إنتقل إلي السودان والتي كانت الحرب فيه ماتزال مشتعلة و أنضم إلي صفوف الحركة الثورية التي عرفت ب"أنانيا تو " ولكن لصغر سنه رفضه القادة في الحركة وطالبوه بالعودة لمواصلة دراسته وبحلول العام 1972م وضعت نهاية مؤقتة للحرب باتفاقية السلام التي عرفت باتفاقية "أديس أبابا" بين النظام في السودان بقيادة الجنرال الراحل جعفر نميري والثوار في حركة "أنانيا تو" وتم إستيعابه برتبه نقيب "captain" في جيش النظام مع عدد من رفاقه وكان من بينهم الرئيس الحالي لدولة الجنوب السيد سلفاكير وعمل لفترة قصيرة وتم إبتعاثه إلي الولايات المتحدة الأمريكية لنيل درجتي الماجستير والدكتوراة في الإقتصاد الزراعي في جامعة "ولاية ايوا الأمريكية" وقد تأكد له بأن هذا كان برنامجاً مدروسا لإبعاده عن الجيش والوطن لشعور النظام بخطورته وتحركاته الغير مرغوبة ولكن الإتفاقية التي وقعت لم تصمد سوي العقد وسرعان ما انهارت و عاد الثوار إلي الغابات في جنوب السودان لمقاومة النظام وفي العام 1983م جاءت نهاية إتفاقية السلام بإعلان قوانين الإبادة الجماعية التي سميت بقوانين سبتمبر والتي قطعت فيه أوصال العديد من الأبرياء الجنوبيين بأحكام جزافية وجافية وظالمة بتهمة صناعة و شراب المريسة وكان وقتها الشهيد الدكتور جون قرنق رقي إلي رتبة العقيد " colonel " وعندما كان رفاقه السابقين يرتبون بشكل سري للثورة . في ذاك الوقت كان يتابع معهم من الخرطوم . وعندما طلب منه التحرك إلي جنوب السودان إلي حيث " مدينة بور " بعدما رفضت "الكيبة 105″ المكونة من أبناء الجنوب وجبال النوبة وبعض أبناء دارفور التحرك إلي الشمال رافضاً تنفيذ أوامر القيادة المركزية في الخرطوم وبوصول الشهيد الدكتور جون قرنق إلي المدينة وجد الأمور مرتبة لإعلان الثورة الثانية وما كان منه إلا الإلتحاق بها وكانت لحظة فارقة في التاريخ حيث أعلن عن ميلاد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان في 16 مايو من العام 1983م وهو اليوم الذي يتغني به الثوار في أبجديات النضال الطويل " في يوم 16 مايو ميلاد العهد الذهبي ولجيش الشعبي برافو "
وبعد سقوط نظام الرئيس جعفر نميري بانتفاضة شعبية في أبريل من العام 1985م كان المتوقع توقف المراوغة والاستهبال السياسي المعهود من قبل نخبة الخرطوم الاسلاموعروبية ولكن لم يحدث هذا فاضطر الشهيد الدكتور جون قرنق لاستمرار في المقاومة ضد المجلس العسكري الإنتقالي في السلطة الإنتقالية التي افرزتها الإنتفاضة ابتداءاً من العام 1985م إلي العام 1986م والتي تلتها حكومة ديمقراطية منتخبة في العام 1986م بقيادة الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وعدد من الأحزاب التي هي جزء أساسي من الكارثة المطولة لأن هذه الأحزاب في مظهرها تدعي الوطنية والديمقراطية والحداثة ولكن في جوفها تحمل نفس الفكرة النازية الراسخة منذ الإستقلال الكذوب حيث لا فرق بينها وبين الحكومات العسكرية لأنها تري في السودان ملكا خاص لبعض القوميات المستعربة وما الآخرون إلا عبيد وخدم منازل وحراس ثقافة وسلطة وقد أتفق معهم الشهيد الدكتور جون قرنق في عدد من الإتفاقيات والمواثيق كانت كفيلة بوضع حدا للحرب كاتفاقية القضايا المصيرية ولكن لم يحدث شيئاً حيث لاحظ الجميع لقد أستمرت الحكومة الديمقراطية في مقاتلة الثوار بعد تسلمها للسلطة . وظلت تقاتل حتي جاءت الطامة الكبري ورجت الأرض والتف السيقان بالسيقان في السجون وبيوت الأشباح حيث الاغتصاب للرجال والنساء بعد أربع سنوات فقط من إسقاط النظام العسكري السابق الذي نقص من عمر الدولة السودانية نحو ستة عشرة عاماً
وجاء الإنقلاب العسكري في 30 من يونيو من العام 1989م بقيادة زعيم الإبادة الجماعية الحالي الرئيس البشير وشلته من نفس الوجوه التي ظلت تكرس للظلم والاستعلاء العرقي منذ الإستقلال الكذوب حيث إستولت مجموعة من العسكريين الفاشلين الفاشيين بتحالفهم مع عدد من الاسلاموعروبيين من العنصريين الذين هدفوا للسيطرة علي جنوب السودان عبر الجهاد في سبيل أهدافهم النازية بإشعال الحرب الدينية الجهادية المقدسة وكانت المسمار الأخير الذي دق في نعش الحل السلمي للقضية السودانية التي نتجت عن المظالم المستفحلة وهذه الحرب العنصرية التي سيق إليها الآلاف من الجهلة وتمت احراقهم هناك لم تنقص شيئاً من المقاومة سوي المزيد من المقاومة بالتحاق الآلاف من الشباب إلي الثوار وكذلك نبه الآخرين في الأقاليم المتململة لاستعداد للثوران لاحقاً في شرق السودان وغربه والوسط وقويت شوكة الحركة الشعبية لتحرير السودان لتكون الجراب الفكري لثوار الأصقاع المهملة تاريخياً ولم تجد الحكومة الانقلابية الإجرامية مناصا من التفاوض مع الحركة الشعبية وجرت جولات مفاوضات مكوكية عديدة في هذا الشأن وكانت الجولة الأولي في العاصمة النيجرية أبوجا في العام 1991م بين نظام البشير وثوار الحركة الشعبية وقبلها كانت هناك جولات أخري غير ذات جدوي في العام 1993م في جيبوتي وكذلك في العام 1989م بعد شهرين من إنقلاب عصابة البشير في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا وفي نهاية العام 1989م في العاصمة الكينية نيروبي برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق " جيمي كارتر " وجميعها باءت بالفشل الزريع لكون أن النظرة الأحادية أي نظرة نحن الملوك وأنتم الرعية الاستعمارية لم تتغير في مخيلة النازيين في الخرطوم
حيث جاء الوفد المفاوض و الممثل لنظام الإنقلاب باجندة مضحكة إلي حد ما . حيث عرض الوفد التابع للنظام " العفو العام لثوار الحركة الشعبية مقابل عودتهم إلي الخرطوم " وما كان من الشهيد الدكتور جون قرنق إلا الضحك و الرد الساخر حيث قال لهم : " ما الفرق بين نظام البشير ونحن ؟! ألسنا كلنا متمردين وخرجنا عن نسق سياسة الدولة بحيث انتم انقلابيين ونحن متمردين ؟! فمن الذي يملك حق العفو علي الآخر؟! وأضاف الشهيد الدكتور جون قرنق قائلا: " الأمر لا يتعلق بالعفو عن ثوار الجنوب ولا يتعلق بالجنوب وحده بل يجب النظر إلي الأمر كقضية السودان الكبير ومخاطبة جذور المشكلة وإنهاء كل ما تم من مظالم سابقة بحق السودانيين جميعاً وإعادة قراءة آفاق المستقبل المرسومة في الدولة . في ذاك الوقت يمكننا الحديث عن العفو والعافية بين الجميع لنعيد بناء هذا الوطن الجميل " فجاء هذا الرد كالصائقة حيث فر وفد الحكومة الانقلابية الي حيث أتي ومن هناك شددت في مشروعها الجهادي الوهمي بجر المزيد من الشباب إلي القتال عبر الخدمة العسكرية الإلزامية ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل الزريع وفي العام 1998م جاء النظام صاغرا لمفاوضة الحركة الشعبية في مفاوضات السلام التي رعتها منظمة الإيقاد في العاصمة الكينية نيروبي ولكنها كالعادة انتهت في محطة الفشل. لأن الهروب من مخاطبة جذور المشكلة مازلت قائمة بحيث جاء وفد النظام باجندة أكثر اضحاكا من سابقتها حيث قال رئيس الوفد النظامي المفاوض " نحن نسمح للجنوبيين بصناعة المريسة وشربها ولن يعترضهم أحد " وكأن المشكلة كلها في شراب " المريسة " والمريسة هذه لا ننكر بأنها وجبة كاملة الدسم لدي العديد من الشعوب السودانية لكونها مجرد مشروب مصنوع من غلال الذرة . ويشربها الناس نسبة لأنها الوجبة المتوفرة وساهلة التصنيع . واستمرت الحرب و لم يتوقف إلا في بداية جولات التفاوض الجادة برفع العصا الدولية في العام 2002م والتي تلتها وضع لبنة أولي لإتفاقية نيفاشا للسلام الشامل في المنتجع الكيني الشهير في " نيفاشا " بحضور شهود دوليين ومنظمات عالمية ولكن الكارثة قد حلت في جميع أركان السودان بانفجار الوضع في إقليم دارفور وما افرزته من جرائم إبادة جماعية وتطهير عرقي وجرائم مهولة ضد الإنسانية وتهجير قسري ارتكبت هناك من قبل النظام العنصري وما كان من الشهيد الدكتور جون قرنق إلا وضع بند تقرير المصير والمشورة الشعبية كضمان لعدم المراوغة أو خرق الإتفاقية وفي العام 2005م وقعت إتفاقية نيفاشا للسلام الشامل وبذلك اسدلت الستار على الحرب الجائرة التي ظلت مشتعلة في جنوب السودان منذ الإستقلال وكان في مخيلة الشهيد الدكتور جون قرنق هو إنهاء الحرب المطولة في الجنوب ومن ثم وضع النهاية لها في بقية الأجزاء وجاء الشهيد الدكتور جون قرنق إلي الخرطوم في 9 يوليو من العام 2005م واستقبله الملايين من الشعب في الساحة الخضراء الكائن في شرق مطار الخرطوم وكانت لحظة تاريخية لم تسبق لها مثيل حيث تزاحمت وتراصت كتل بشرية صماء ترفع رايات الحركة الشعبية وعلم السودان واطلقت حمائم السلام البيضاء الغير مزيفة لأول مرة في سماء السودان وابتهج الجميع بنهاية كابوس الحرب في الجنوب مع الإيمان القاطع بنهايته في الأقاليم الأخري وتم الإتفاق على المبادي التي يجب ان تتم بها عملية التحول الكامل للدولة السودانية من دولة فصل عنصري إلي دولة مواطنة حقيقية
ودخل الشهيد الدكتور جون قرنق إلي القصر الجمهوري في الخرطوم كنائب أول للرئيس البشير وعندما جلس الشهيد الدكتور جون قرنق مع الرئيس البشير قال له البشير " يا دكتور شغل القصر أصعب من شغل الغابة عشان كده خليك قوي " فما كان من الشهيد الدكتور قرنق إلا الرد للبشير ضحكاً قائلا " طيب انتو امشو الغابة وخلوني انا هنا " وكانت لحظات لا تنسي وبعدها بأيام غادر إلي العاصمة اليوغندية كمبالا بدعوة من الرئيس يوري موسفيني والذي وصلها وعندما كان عائداً إلي الخرطوم لمباشرة مهامه . تحطمت طائرته التي اقلته من كمبالا من مطار عنتيبي الدولي في 30 من يوليو من العام 2005م حيث تحطمت الطائرة في جنوب السودان في غابات منطقة " نيو سايد " بعد ارتطامها بجبل وأستشهد في لحظته وكانت حادثة مدبرة بعناية فائقة من قبل بعض المخابرات العالمية واجريت العديد من التحقيقات والتي اثبت الحادثة كجريمة إغتيال منظمة ومدبرة وأكده وزير الدولة بالداخلية السوداني يومئذٍ " السيد اليو " الذي اقيل من منصبه فوراً بعد تاكيده لهذه الجريمة وهو من أجري التحقيق برفقة فريق أمني كبير من مختلف الدول من بينهم ثلاثة من كبار ضباط شرطة التحقيقات الجنائية الروسية والأمريكية والبريطانية
ووقعت أحداث عنف عرقية دامية في الخرطوم يوم إعلان إستشهاد الدكتور جون قرنق لأن النظام في الخرطوم لم تعير الأمر اهتماما كبيرا حيث أستمرت الحياة كما العادة وواصلت إدارات ومؤسسات الدولة عملها وكأن لم يحدث شيئاً ككارثة رحيل أحد أهم الشخصيات في إفريقيا وعندما اشتدت أعمال العنف خرج النظام لاستجداء مشايخ وزعماء الإدارات الأهلية من الجنوب للتدخل للحد من العنف التي فقدت الشرطة السيطرة عليه وقد كشفت هذه الأحداث وجه الدولة التي ظل يقاتلها الشهيد الدكتور جون قرنق ومن سبقه من الثوار ومن يقاتلها طوال نصف قرن من الزمان وحتي لحظة كتابة هذه المادة بحيث المجتمع مقسم وفقاً لعرقيات مستعربة محمية بالالة الدولة وجيشها العنصري وافريقية مظلومة وممحوقة بآلة الدولة والأنظمة المتعاقبة علي سدة الحكم في السودان التي جميعها كرست لهذه الفوضى الخلاقة وبعد رحيله وقعت مناوشات عديدة بين طرفي إتفاق السلام الشامل لمحاولة النظام في المراوغة عن تنفيذ بنودها وكانت 9 يوليو من العام 2011م يوم الحداد والنعي الأليم لأرض المليون ميل بتغيير الجغرافيا والديمغرافيا والعملة والعلم والنشيد الوطني وذهب منقو بروحه الطيب وزكرياته الجميلة وأعلنت عن إستقلال دولة جنوب السودان وطويت الصفحة الدموية بإجراء هذه العملية الجراحية بقص الأجزاء وماتزال الحرب مشتعلة في بقية الأجزاء من السودان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق بأشد وقعا واقوامو قيلا . والدكتور جون قرنق كان صاحب عقلية كبيرة ودائماً ردوده لمن يسأله مقنعة وأتذكر حواره الجميل في العام 2002م مع الصحفي المصري الأستاذ محمد محفوظ والذي كان عبارة عن إستجواب ولكن ردود الشهيد الدكتور جون قرنق جعله ينبهر به لدرجة سرحه
وسأله قائلاً : هل صحيح أنت مخلب قط أمريكي إسرائيلي لتدمير السودان ؟!
فرد له قائلاً : مشكلة الحرب في السودان لم اخلقه أنا لأن الحرب مشتعل في السودان منذ العام 1955م وفي ذلك الوقت عمري لم يتعدي ال9 سنوات ولم يتوقف الحرب نتيجة للظلم فمن الأفضل البحث عن حل لمشاكل السودانية التي اختلقتها الأنظمة المتعاقبة وإذا لم يكن هناك خلل في الداخل سوف لن يأتي أحد من الخارج للتدخل في شؤوننا الداخلية .
ومن أشهر مقولات الشهيد الدكتور جون قرنق التي ظلت راسخة والتي تبين شخصيته الثورية المخلصة
حيث قال : ضعونا أولاً نتقبل أنفسنا كسودانين قبل كل شي
العروبة المضادة للافريقانية لن توحدنا
الافريقانية المضادة للعروبة لن توحدنا
الإسلام لن يوحدنا
المسيحية لن توحدنا
ولكن السودانوية ستوحدنا وقال أيضاً :
قانون العين بالعين سوف يجعل جميعنا عمياء
وقال كذلك : السودان مثل صحن السلطة بحيث تجده متنوع بكل أنواع وأشكال البشر وهذه من أجمل الأشياء التي نجدها في الحياة
وقال أيضاً : السودان دولة متعدد الثقافات
العرب لديهم ثقافة ولكنها لا تمثل ثقافة الدولة والفور لديهم ثقافة والبجا لديهم ثقافة والشلك لديهم ثقافة
وكل هذه الثقافات تشكل الدولة السودانية
والكتابة ستطول إذا ما حاولنا المواصلة
فبالتالي نكتفي بهذا القدر من المقال ونترك البقية في إطار التعليقات للقراء الكرام ورحيل هذا الزعيم كانت كارثة حقيقية ولكنها لن تزيدنا إلا المزيد من الإصرار والعزيمة لتحقيق مشروع السودان للجميع ونعيد إصلاح ما تم إفساده من قبل الرفاق في الجنوب ونحلم بتأسيس الإتحاد المتين مستقبلاً لكل أقاليم السودان علي أساس طوعي بعيداً عن النظرة النازية العنصرية البغيضة وسوف نحلم بوطن كبير مواطنيه كرماء وعزاز وشرفاء وأجيال تعتز بوطنه لا تهرب منه ولن تقتلهم بالانتنوف والابابيلً والسيخوي ونحلم برؤية كل هذا علي الأرض وهو حلم مشروع وليس مستحيلاً إذا احسنا قراءة تاريخ الأمم والشعوب التي مرت بتجارب مماثلة
وسنغافورة جوهرة الشرق الأقصى ليست ببعيدة عنا
والسلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.