تحت هذا العنوان، كتبت بدرية البشر تقول: "لم أستطع كبح نفسي من الشعور بالشفقة وأنا أسمع طالبة في الصف الثاني المتوسط لم تتجاوز (12) من عمرها، تستظهر ما حفظته مع والدتها وهي تذاكر في مادة الفقة درس (البغض في الله) يقول الدرس: إن علينا أن نبغض غير المسلمين، فالبغض فعل نابع من القلب وتتبعه أعمال ظاهرة". ثم يعود الخطاب إلى القول: إن هذا البغض لا يمنعنا من أن نقسط إليهم، مفسراً الآية التي تقول "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" بأنها تفيد البغض في الله مع حسن التعامل معهم وتأليف قلوبهم والعدل معهم وعدم ظلمهم . عندما فتشت عن معنى البر وجدت الله وصف نفسه بالبر، ووصى الإنسان ببر والديه والإحسان إليهما، اللذين أوصى بهما لغير المسلمين الذين لم يقاتلونا… فكيف يجتمع البر وهو (كثير الإحسان) وقيل (واسع الخير)، مع الكراهية والبغض؟ أنا شخصياً وقفت في حالة عجز كامل عن فهم: كيف يجتمع متناقضان في قلب وفعل؟ لا تسافر إلى بلاد الكفار! وتحت هذا العنوان، كتبت، تقول: إن أحد الخطباء بالرياض، حذر في خطبته، من السفر إلى بلاد الكفار، لأنه حرام، وأن من يموت فيها سيدخل النار، فإلاسلام يدعو إلى الهجرة منها، فكيف نسافر إليها؟! الإجابة، تجدونها في مقالة للدكتور علي سعد الموسى، نشرتها صحيفة (الوطن) السعودية، بعنوان (وثيقة سياسة التعليم: جاهلية القرن العشرين) يذكر فيها أنه راجع وثيقة التعليم فوجدها تتماثل، لغة ووصفاً وهدفاً، مع لغة ومتن الكتاب الشهير(جاهلية القرن العشرين) لمحمد قطب، ثم يقول بعد أن قرأ الكتاب: إننا سحبنا الكتاب من الأرفف، ولكننا نطبق توصياته بحذافيرها المكتملة، أيضاً، في الوثيقة. الرسم حرام والنار مصيرك كانت (هيا) الطالبة في الصف الثالث المتوسط ترسم قبل أن تتعلم الكتابة، والتدثر ب(مريول) المدرسة، واستجابت أسرتها لموهبتها ببناء تراكمي لمرسم بات محراباً ومتنفساً أعوام الطفولة والصبا، وجزءاً من اعتدادها بقدراتها الفردية في مدرستها، وأمام أسرتها المؤمنة بأن في بيتهم (فنانة). ثم فجأة تحولت الصغيرة إلى متطرفة ضد الرسم، بمعنى أكثر اختزالاً (متطرفة ضد ذاتها) تقصت الأسرة –بهدوء- أسباب (الانقلاب الفكري) لدى صغيرتهم، فوجدوه يبدأ وينتهي بإحدى معلماتها المنهمكة في إقناع الصغيرات بأن (الرسم حرام والنار مصير الرسام). تصوير (ذوات الأرواح) في (التوحيد) محرم وفي (العلوم) مباح! نشرت صحيفة الحياة –مارس (آذار) 2015- تقريراً عن محتويات المناهج الدراسية لمدارس التعليم العام في المملكة العربية السعودية، لا سيما في كتاب (التوحيد) للصف الثالث الثانوي، الذي تضمن درساً عن (التصوير) يحرم تصوير (ذوات الأرواح)، وكذلك الفنون التشكيلية كافة، كالنقش على الأحجار والرسم والنحت، واصفا إياها بأنها من كبائر الذنوب، في الوقت الذي تضمن فيه كتاب (العلوم) صوراً لذوات الأرواح، أخذت فيه حيزاً كبيرا من محتويات الكتاب! 7- المناهج الدينية، ومعلموها، محكومون بالماضي، مستغرقون فيه، يتغنون بأمجاده ومآثره وفتوحاته، عبر منهج تاريخي اختزالي، انتقائي، يختار من التاريخ الإسلامي، لحظاته المضيئة القصيرة، ويتجاهل ألف عام من صراعات دموية وظلمات بعضها فوق بعض، فيعيش الطالب في (حلم) طوباوي، ينشد عودة (الخلافة) ليكون جندياً في جيش الخلافة، وراء (الخليفة) الذي سيعيد أمجاد الإسلام وفتوحات المسلمين. يتسم المنهج الديني بالتعلق بالماضي والغفلة عن الحاضر والخوف من المستقبل، ويجتهد معلمو الدين في حشو ذهن الطفل بأمجاد الماضي وتعظيم شخصياته التاريخية، مع تغييب ألف عام من الصراعات الدموية على السلطة وقمع المعارضين ومظالم عامة وانقسامات طائفية عنيفة وأحداث كبرى منوعة، يبرز التاريخ الملقن لأبنائنا، مقولة المرأة التي استغاثت (وامعتصماه) ولا يقول شيئاً عن إذلال كرامة المسلم المطحون والمهمش الذي كان يجلد ويؤخذ منه الجباية لينعم الخليفة في قصره، ندرس طلابنا مقولة الرشيد الشهيرة للغمامة: "أمطري حيث شئت فسيأتيني خراجك" فخراً بتوسع الإمبراطورية، ولكن طلابنا لا يعرفون كم الدماء التي أسيلت في حروب دموية مع الشعوب الأخرى حتى يأتي هذا الخراج. يمر التاريخ المدرسي على مذبحة آلِ الرسول مرور الكرام ولا يقول شيئاً عن إذلالهم والتمثيل بجثثهم ولا عن ضرب الكعبة بالمنجنيق وصلب الزبير واستباحة المدينة… إلخ. حشونا أذهان الناشئة بأمجادنا العظيمة. 8- المناهج الدينية التعليمية، مبنية على معاداة (الحداثة) وكراهية (التغيير والتجديد) باعتباره (مبتدعات ضالة) ترى في التطوير والتغيير خطراً محدقاً وأمراً مخوفاً، لأن شر الأمور محدثاتها، وأن كل جديد طارئ هو أسوأ من سابقه. كما تضيق بأجواء الفرح والبهجة والتيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، وتتجه دائماً نحو التشدد، وسوء الظن وتشرعن (الشرطة الدينية) بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لذلك؛ نجد أن خريجي هذا التعليم، يعادون جوَّ الحريات ويساندون مصادرة الإبداع ومطاردة أصحاب الفكر الحر، ويسارعون إلى اتهام الآخرين من المخالفين لمنهجهم بشتى التهم، فيشيعون جواً بائساً كئيبا في المجتمع، يزيد الناس بؤساً وشقاء. وأذكر منذ عدة سنوات، أن إحدى الجامعات الإسلامية، منحت درجة الدكتوراه، بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى، لباحث عن رسالة (الانحراف العقدي في أدب الحداثة وفكرها) كفّر فيها الباحث مائتي مثقف عربي، هم رموز ومفكرو الحداثة والعقلانية والتنوير، العرب. ضحايا عقيدة (الفرقة الناجية) هذا الحديث الضعيف -سنداً ومتناً– الذي اعتمده جمهور الفقهاء، وروجوه في كتبهم الفقهية والعقدية، وعكسته المناهج الدينية في مقرراتها التعليمية، كامتداد للتراث الفقهي، هو الذي أنتج (ذهنية إقصائية) بائسة، ومزق الأمة إلى فرق متناحرة، تدعي كل فرقة، أنها (الفرقة الناجية) دون الفرق الأخرى، كما زرع الكراهية والعداء والتعصب في نفوس ناشئتنا تجاه الآخر، ليتحول في النهاية إلى (قنابل) موقوتة تدمر نفسها وتدمر مجتمعاتها وأوطانها، فالحرب العدوانية إنما تنشأ في (العقول) أولا، عن طريق التعليم الخاطئ، وتغرس في (النفوس) ثانياً عن طريق التربية غير السوية، حين نجرعهم ثقافة العداء والكراهية، لمن لا يتفق معنا في عقيدتنا، متجاهلين حكمة الخالق (عز وجل) في خلق الناس مختلفين: عقائد ومذهبا وأدياناً وثقافات "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك، ولذلك خلقهم" أي خلقهم ليختلفوا ويتنافسوا ويعمروا ويثروا الحياة. لنعلم أولادنا، أن يدعوا الحكم على الناس في مصائرهم إلى الله تعالى، فهذا بيد الله (تعالى) وحده، هو الذي يفصل بينهم يوم القيامة "إلى الله مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". أين هذه المناهج من إعلان قادة العالم الإسلامي الذين اجتمعوا في مكة ديسمبر (كانون الأول) 2005 تأكيد عزمهم على مواجهة الفكر التكفيري، مطالبين بترسيخ قيم الوسطية والاعتدال والتسامح وثقافة الحوار بين المذاهب الإسلامية المختلفة؟ لقد حرص قادة العالم الإسلامي في تضمين بيانهم الختاميعلى: تأكيد المؤتمر (صحة إسلام) المذاهب الإسلامية كافة المؤمنة بأركان الإسلام، وذلك لقطع الطريق على دعاة الإرهاب الذين يكفرون (الشيعة) تبريراً لعملياتهم الإرهابية، وبخاصة في العراق، وقد اهتمت (قمة مكة) بمسألة الفتاوى الدينية المحرضة على الكراهية وتحقير المخالفين مذهبياً أو دينيا، وطالبت ب(مرجعية فقهية) موحدة للحد من الفتاوى العشوائية التي فرقت المسلمين ودفعت بآلاف الشباب إلى محاضن التطرف وسفك الدماء والهلاك تحت مسمى (الجهاد). لقد صرح الدكتور خالد الدريس (المشرف على كرسي الأمير نايف للأمن الفكري في جامعة الملك سعود) بأن النسبة العظمى من الشباب السعودي، لديهم قابلية (الانقياد والانصياع) للفكر المتطرف وتصديق دعاته. التعليم وآفاق المستقبل إننا –اليوم- بحاجة ماسة إلى (أنسنة) التعليم الديني، ليصبح تعليماً يحتضن الإنسان الذي كرمه الله لكونه إنساناً، قبل أن يكون مسلماً أو غير مسلم، رجلاً أو امرأة، نريد تعليماً دينياً يحبب شبابنا في الحياة ويرغبهم في العمل والإنتاج ويحفز طاقاتهم على البناء والإبداع والتعمير لا الكراهية والهدم والتدمير وإزهاق الأرواح، نريد تعليماً متسامحاً يغرس في نفوس أبنائنا محبة الإنسان وحب الخير ومساعدة الآخرين وإشاعة البهجة والسرور والفرح في الحياة وبث التفاؤل في النفوس. نريد تعليماً يزيل توجس العالم من شبابنا، كما يزيل عن نفوس أبنائنا الهواجس التآمرية الساكنة فيها، لقد خسرنا كثيراً برفضنا للعالم أكثر من رفض العالم لنا، فما السبيل لانفتاح هذا التعليم على آفاق المستقبل؟ خلاصة من بحث عبد الحميد الأنصاري ‘التعليم الديني وعلاقته بثقافة الكراهية'، ضمن الكتاب 103 (تموز 2015) ‘جدل التعليم الديني: التاريخ النماذج الإصلاح' الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.