[email protected] * حكى مرة صديقنا الساخر عبدالماجد عبد القادر فى مقال قديم بطيّبة الذكر صحيفة (الرأى الآخر) التى كان لها شنة ورنة فى النصف الثانى من تسعينيات القرن الماضى، قصة الرباطابى الذى ركب قطار حلفاالخرطوم ليلا وكان يحمل شنطة حديد والدنيا ظلام فوضع الشنطة بدون ان يرى فوق مواطن جنوبى كان راقدا فوق أرضية القطر، فصاح الجنوبى غاضبا، فحمل الرباطابى الشنطة ووضعها فى مكان آخر، ومرة أخرى صاح الجنوبى غاضبا لأن الرباطابى وضع الشنطة فوقه بدون أن يراه، وتكرر نفس الموقف مرة ثالثة، وهنا صاح فيه الرباطابى:"يا زول أنت شتتوك؟" * وربط عبدالماجد القصة الطريفة ببعض المتنفذين فى الدولة الذين (يتشتتون) بين عدة مؤسسات وإدارات ولا يكتفون بإدارة مؤسساتهم أو إداراتهم أو وزاراتهم فقط، وكأن البلد لم تنجب غيرهم، وهى ظاهرة منتشرة بشكل كثيف فى أروقة الدولة، وارتبطت بشكل خاص بنظام الانقاذ، فتجد الكثير من الاشخاص المتنفذين يجمعون بين عضوية المنصب الحكومى الرسمى والعديد من مجالس الادارات بالاضافة الى المنصب الحزبى وعدة مناصب فى اندية الكرة ومنظمات المجتمع المدنى والمنظمات الشعبية الأخرى، ولا أدرى والله من أين يأتون بكل هذا الوقت وهذه الطاقة ؟! * وبعض هؤلاء يظن ان الله قد وضع فيه الحكمة وحده دون غيره من خلق الله، ويتصرف على هذا الأساس، يدير مؤسسته او وزاراته كأنها مملكة خاصة له، هو من يأمر وينهى، ومن يقترح ويوصى، ومن يفتى ويقطع، ويسأل ويجيب .. إلخ، ولا يسمح لاحد سواه ان يشاركه السلطة والنفوذ بل والحديث أو حتى مص اللقيمات المغموسة فى الشاى باللبن بعد صلاة المغرب !! * والبعض لا يشبع بمنصب الوزير فقط، بل يهيمن على مناصب الوزارة بالكامل، فتجده يشغل منصب وزير الدولة والوكيل ونائب الوكيل والمدراء ورؤساء الأقسام .. الى آخر قائمة الوظائف !! * وعندما يكون هذا الوزير السيوبرمان موجودا بالوزارة فهو وحده الذى يقرر ويمضى ويختم .. ويمنح ويمنع، وبسبب هذه السوبرمانية العجيبة يتعطل دولاب العمل عدة ايام أو اسابيع وأحيانا شهور، لأنه ليس بمقدور شخص واحد أن يفعل كل شئ، فما بالك إذا كان عضوا فى عدة مجالس إدارات بالاضافة الى منصبه الحزبى والمناصب الأخرى التى يتشرف بتحمل أعبائها، أما إذا غاب هذا السيوبرمان، فالعمل يتوقف بالكامل لانه لا يسمح لأحد بأن يفعل شيئا فى غيابه !! * هذه الحكمة الربانية الحصرية ليست وقفا على الوزراء فقط، فالكثير من المدراء ورؤساء الأقسام والباشكتبة وحتى السكرتيرات وموظفى الإستقبال يعتقدون أن الحكمة ملك حر لهم وحدهم فقط ويتصرفون على هذا الأساس !! * بعض السكرتيرات عندما يغبن او يتغيبن عن العمل لأى سبب من الأسباب، يأخذن مفاتيح الأدراج معهن، ولأن البيه المدير الولهان لا يثق فى سكرتيرة غير سكرتيرته المخلصة، فهو لا يشغل نفسه كثيرا بهذه الأدراج المغلقة وتعطل دولاب العمل، بل وفى كثير من الأحيان يتضامن مع سكرتيرته ويشاطرها الغياب حتى يقيض الله لسيادتها العودة ظافرة مظفرة، فيظهر المدير أخيرا وهو يكابد الشوق وآلام الفراق !! * أنظر حولك، ستجد الكثير جدا من هذه الشخصيات (المشتتة)، غفير مركب مكنة مدير، ومدير مركب مكنة وزير، ووزير مركب مكنة والى، ووالى مركب مكنة رئيس جمهورية، وربما تكون أنت نفسك مركب مكنة 12 بستم وحارق جاز وحارق دمك ودم خلق الله، ونصيحتى لك .. حاول تتلمَ شوية، وأراهن أنك لن تنجح لانك تعودت على التشتت فى وطن المتشتتين ولا تستطيع العيش بدون أن تتشتت..!! * ولكن لا بد ان تعلم أنه سيأتى يوم بالتأكيد، وتفاجأ بأن مكنتك سيَحت، ولا يمكن تعميرها، فتتحول انت وهى الى حديد خردة .. مجرد حديد خردة، وهو يوم تظنه بعيدا بينما هو أقرب إليك من حبل الوريد !!