ثلاث أعوام مرت على إغلاق عدد من المراكز الثقافية في السودان، في حملة حكومية شعواء، استهدفت هذه المراكز؛ منابر الثقافة والفنون والاستنارة، دون وجه حق وبلا مبررات قانونية واضحة ومثبتة، بما يتعارض مع مبادئ حرية التعبير، ويتعارض مع الاتفاقات والمواثيق الدولية التي تضمن حرية النشاط الثقافي والفني والفكري،وأيضا نكوصا واضحا عن وثيقة الحقوق المضمّنة في الدستور الانتقالي للعام 2005م (الدستور الساري حالياً)، كما أن استمرار الإغلاق لا يتوافق مع القوانين التي تنظّم العمل الثقافي في السودان، على الرغم من السلبيات المعروفة بتلك القوانين. وتعود الحيثيات إلى النصف الثاني من العام 2012م، حيث تعرّضت المراكز الثقافية، إلى هجمة منظمة، شرسة ومتتابعة، من قبل السلطات الحكومية، بأجهزتها المختلفة، عملت على التضييق من عمل ونشاط تلك المراكز، بعرقلة وتعطيل وتوقيف أنشطتها؛ من ذلك المطالبة بتصاديق أمنية إضافية لقيام الفعاليات، تتم المماطلة فيها أو عدم منحها، ثم في شهر ديسمبر من العام 2012م، أغلقت عدد من المراكز وتم التجميد الكامل لمراكز أخرى، متبوعا ذلك بحملة إعلامية من جهات مختلفة لتشويه صورة عمل المراكز، زورا وبهتانا، ثم الممانعة لعودة المراكز بعد انتهاء فترة "التجميد" والممانعة من تجديد الترخيص السنوي للبعض منها. مما يعني استمرار النهج المعادي للثقافة والفنون والاستنارة. هذا إلى جانب إغلاق وتجميد مؤسسات ثقافية أخرى، أبرزها مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية، ومنتدى السرد والنقد، واتحاد الكتاب السودانيين، مع استمرار التضييق بمختلف أنواعه على المؤسسات الأخرى مما أدى إلى توقف بعضها. إن المراكز الثقافية منارات لنشر المعرفة والثقافة والفنون والإبداع، وترياق مضاد للانغلاق الفكري والتطرف، وغيابها يزيد من رقعة الظلام والجهل، ويفتح الباب على مصراعيه لثقافة الاستلاب التي لا تجابه بما يعبر عن الخصوصية الثقافية، والتراث، والتاريخ الوطني، وقد ادت المراكز الثقافية دوراً مشهوداً وبارزاً في تقديم الخدمات الثقافية والفكرية والفنية والتوعوية والاجتماعية، فالمراكز الثلاث لوحدها وعلى اختلاف نشاطاتها قدمت – خلال سنوات عملها – آلاف الفاليات الثقافية والفكرية، ودرّبت آلاف الشباب والمثقفين على مهارات ومعارف مختلفة، إلى جانب مئات الإصدارات الفنية والمطبوعة، وغيرها من الأنشطة التي أضاءت سماوات الخرطوم وعدد من ولايات السودان، واستفاد منها حتى من هم خارج الوطن. إن إغلاق مراكز الثقافة والفنون والاستنارة، يعد تراجعاً مريعاً في مسيرة الوعي المجتمعي، وبذلك يخسر الوطن والمواطن الهوية الثقافية والفنية، وهذه جريمة لا تغتفر وإجحاف في حق الشعب، يدوّنه التاريخ، خاصة وأننا نشهد كيف يحتفي العالم، كل يوم، ويمضي بخطوات ثابتة، في دعم الثقافة والفنون وتدعيمها بالقوانين والتشريعات التي تعزز من حريتها ومن قابلية النمو والتطور، لتساهم الشعوب بالعطاء في رفع الوعي والتقدم الإنساني. لقد كان قرار إغلاق وتحجيم تلك المراكز، قراراً غير موفقا، يحمل الكثير من الجور، اختلطت فيه السياسة بالغرض، فأدى إلى تعطيل العمل الثقافي في البلاد، وحرمان قطاعات كبيرة من فئات المجتمع من الاستفادة من الخدمات المتميزة والمتعددة التي تقدمها تلك المراكز. إننا نحن الموقعون أدناه، أصحاب المظلمة التاريخية، في إغلاق مراكز الثقافة والفنون والاستنارة بالبلاد، ومع اكتمال السنة الثالثة، وبما يتزامن مع ارتفاع الأصوات المنادية بالحوار والذي لا يمكن تصوّر قيامه وفعاليته بمعزل عن الحريات العامة، نطالب السلطات المختصة بالآتي: ختاماً، نجزل عظيم الشكر والامتنان، لكل فئات الشعب السوداني، خاصة المثقفين والإعلاميين والحقوقيين، والعاملين في حقول الثقافة والفنون والصحافة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني، وغيرهم من النساء والطلاب والعمال والمهمشين، على وقفتهم المشرفة معنا، وعلى دعمهم المتواصل وإيمانهم القاطع بعدالة قضيتنا، ونطمئنهم بأننا نسلك جادة الطريق ولا نتنكبه حتى نسترجع حقوقنا السليبة، من أجل أن ترى مراكزنا النور من جديد، وتعود لممارسة دورها الثقافي والفني والتنويري في خدمة إنسان السودان والإنسان أينما وجد. ومعاً من أجل وطن أكثر تسامحاً. مركز الدراسات السودانية بيت الفنون مركز علي الزين الثقافي.