عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزاز الشامى : ميكافيلية يصنعها الرجال ويتحمل وزر اوصافها النساء
نشر في حريات يوم 07 - 01 - 2016

النظرة الدونية للمرأة في الخطاب السياسي الشعبوي السوداني
ميكافيلية يصنعها الرجال ويتحمل وزر اوصافها النساء
عزاز شامى
تبّنت السياسة الخارجية للسودان في الفترة الأخيرة تحولات راديكالية وانتقال من ضفة لأخرى – من مُناصرة مُعلنة ومُسسترة لإيران إلى عداء سافر يتتبع خطى دول الخليج أينما ولّت وجهها في سعيّها لتصعيد الصراع مع الكتلة الشيعية. وما هو معلوم للكثير أن السودان كانت محطة تمرير للأسلحة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي لطالما أثار حفيظة دول الجوار وعلى وجه الخصوص السعودية، ناهيك عن استعداء اسرائيل التي اتهمتها السودان بقصف مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م. [1] وردت إيران بارسال فرطاقتين إلى السواحل الشرقية للسودان خلال أقل من اسبوع للتدليل على عمق العلاقة بين البلدين واستعداد إيران للزود عن السودان،[2] وخصوصاً بعد تدخل الأولى في الحروب الداخلية للأخيرة.
تعمقت العلاقة السودانية الإيرانية عندما شاركت إيران بقدراتها العسكرية في الحرب الأهلية في السودان في مايو 2013م،[3] وردّت الدبلوماسية السعودية في اغسطس 2013م بمنع طائرة الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني.[4] وعبرت السعودية صراحة عن اسفها للتقارب السوداني الإيراني على إثر الضربة التي قامت بها اسرائيل ضد السودان عبر مقالة الرأي للصحيفة السعودية "الرياض"، والتي تُعبر عن رأي القيادة السعودية، حيث قال يوسف الكويليت في كلمته: "السودان يمر بحالة فقدان التوازن عندما فقد صداقته العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعرف دقائق تحالفه مع إيران عسكرياً وسياسياً." [5] إلا أن عُرى العلاقة بين السودان وإيران انفصمت لأسباب يطول ذكرها، وولت الخرطوم وجهها للخليج وخصوصاً أن الظروف الإقليمية كانت مواتية لقبول العائدين من "الغي".[6]
إلا أنّ الخرطوم لا تنأي عن بيع أي شيء في سبيل الحصول على تمويل وسيولة لتسيير شؤون الدولة المُتهالكة والمُنهكة. فالرئيس السوداني الذي وصفته مذيعة سكاي نيوز العربية [7]- المموّلة إمارتياً – بأنه ابن الحركة الإسلامية الذي جاء إلى الحكم، إلا أن ذات البشير تنصل من تاريخ انتماءه للحركة الاسلامية وبرر لدول الجوار ادراج التنظيم في قائمة الإرهاب،[8] وهي من ضمن محاولات مُهطِعة للتطبيع مع الخليج والتطهر من وُزِرَها بالتقارب مع إيران. [9] وفي ذات اللقاء، برر اقفال الحُسينات وقلل من اهمية التبادل التجاري الإيراني-السوداني والذي يُقدر ب 150 مليون دولار للعام 2014م فقط. والآن الخرطوم تُشارك بعتادها – وجُله من تمويل وقدرات إيرانية – في حرب بالوكالة في اليمن، وطردت السفير الإيراني على إثر التصعيد الدبلوماسي بين إيران والسعودية،[10] [11]وخصوصاً أن السعودية الآن الانت جانبها[12] للسودان لمشاركة الأخير بلواء مشاة في حرب اليمن.[13]وما تزال الساحة حُبلى بتنازلات أكثر لها تداعاياتها سنشهدها على مدار العام الحالي.
تبّنت السياسة الخارجية للسودان في الفترة الأخيرة تحولات راديكالية وانتقال من ضفة لأخرى – من مُناصرة مُعلنة ومُسسترة لإيران إلى عداء سافر يتتبع خطى دول الخليج أينما ولّت وجهها في سعيّها لتصعيد الصراع مع الكتلة الشيعية. وما هو معلوم للكثير أن السودان كانت محطة تمرير للأسلحة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي لطالما أثار حفيظة دول الجوار وعلى وجه الخصوص السعودية، ناهيك عن استعداء اسرائيل التي اتهمتها السودان بقصف مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م. [1] وردت إيران بارسال فرطاقتين إلى السواحل الشرقية للسودان خلال أقل من اسبوع للتدليل على عمق العلاقة بين البلدين واستعداد إيران للزود عن السودان،[2] وخصوصاً بعد تدخل الأولى في الحروب الداخلية للأخيرة.
تعمقت العلاقة السودانية الإيرانية عندما شاركت إيران بقدراتها العسكرية في الحرب الأهلية في السودان في مايو 2013م،[3] وردّت الدبلوماسية السعودية في اغسطس 2013م بمنع طائرة الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني.[4] وعبرت السعودية صراحة عن اسفها للتقارب السوداني الإيراني على إثر الضربة التي قامت بها اسرائيل ضد السودان عبر مقالة الرأي للصحيفة السعودية "الرياض"، والتي تُعبر عن رأي القيادة السعودية، حيث قال يوسف الكويليت في كلمته: "السودان يمر بحالة فقدان التوازن عندما فقد صداقته العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعرف دقائق تحالفه مع إيران عسكرياً وسياسياً." [5] إلا أن عُرى العلاقة بين السودان وإيران انفصمت لأسباب يطول ذكرها، وولت الخرطوم وجهها للخليج وخصوصاً أن الظروف الإقليمية كانت مواتية لقبول العائدين من "الغي".[6]
ماهي اشكالية وصف السياسة التي غالباً ما تكون صنيعة رجالية بالعُهر؟
إن الحديث عن بهلوانيات السياسة الخارجية السودانية – او الداخلية – حديثٌ ذو دهشة لا تنقطع، إلا أن الغرض من المدخل الأول اعلاه هو لطرح سؤال يتعلق بوصف سلوك السودان ب "العُهر" وهو ما يعني ضمناً ان السودان "عاهرة" تذهب لمن يدفع أكتر.
النمط السياسي أعلاه والعلاقة المتداخلة love triangle بين السعودية وإيران والسودان هي أمر سياسي (رجالي) بحت. فالطريف في الأمر أن الدول الثلاث هذه تحديداً لا وجود للمرأة كصانع قرار في الشؤون المتعلقة بالسياسة الخارجية أو الأمن الوطني، والوجه النسائي الوحيد في الثلاث دول المملوكة بالكلية للرجال هي رضية أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية في دولة الرئيس حسن روحاني، وهي أول إمرأة تشغل هذا المنصب في جمهورية إيران، إلا أنها ليست في موقع صنع للقرار وإن كانت ناقلة له. وعليه، لما تصف تبعات سياسات خططها ونفذها (الرجال) بوصف العهر المُقتصر ضمناً على المرأة؟ هل لأن مواعين اللغة عقرت عن إيجاد مُرادف للكلمة للرجل؟ أم لأننا مؤمنون تماماً بأن ادنى مرحلة يصلها الرجل هي وصفه بصفات النساء، وفي النساء العاهرات. الأمر بالنسبة لي متعلق بثقافة حقوق الإنسان ومدة اقتناعنا حقيقة بحقوق من يتعرضون للاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وتعريفنا لماهية الاستغلال. فالمراة العاملة في مجال تجارة الجنس لا تملك بالضرورة قرارها بالانفلات منه، فهذه الصناعة يحرسها مُستثمرون يجعلون امر الفكاك من المواخير أمراً بالغ الصعوبة. أما السودان على الجانب الآخر، فمهما أهان نفسه بحسب الآراء، فلديه ما يعطيه ويمنعه، بعكس حال العاهرة التي لا تملك رفاهية المنع في أغلب الأحيان.
لنفكك الأمر سوية لنصل لكهن الأمر. من هي العاهرة من الأساس؟ ولتفسير المفردة من الضروري تحديد السياق المُجتمعي لها، فنحن هنا نتحدث عن المجتمع الشرق أوسطي لا غيره، حيث حديث الجنسانية او المدارس الفكرية التي تؤيد حق المرأة في جسدها لا تُسهم بشكل مُباشر أو غير مُباشر في الوعي الجمعي. إذن من هي العاهرة التي نصف بها سلوك التأرجح السياسي للخرطوم، وهو التأرجح المعلوم للسياسة بشكل عام حيث تتبع الدول مصالحها أينما كانت ومع أي كانت، ولكن نظل هنا نصفها بالعهر، وبتعمد أو بغير تعمد، نقصد المحمول السالب الانثوي إن صح التعبير. سبق لي وان قمت ببحث مع عاملات في مجال الجنس، ولم يسبق أن اخبرتني احداهن بأنها كانت تحلم في صغرها بأن تكبر وتكون عاهرة تبيع في المتعة لمن يُريد. جُلهن قادتهن ظروف مُتباينة في ظاهرها وتتفق في جورها لتجارة الجنس؛ الفقر والنزوح والإجبار ظروف تتكرر وتربط بينهم بخيط لا مرئي. عقد مُقارنة بين التأرجح في المواقف السياسية، والتي كما سبق وذكرت أساس السياسة وتحكمها الضرورات السياسية دائمة التغيير، بسلوك العاهر التي هي في الأساس بائع (مجبور) لبضاعة من الطبيعي أن يذهب لمن يدفع أكثر، أمر بالغ الغرابة، إلا أن التفسير الوحيد لذلك هو رغبة من يستخدم الوصف في اسباغ الصفة الدونية على الموصوف وبالتحديد وصفه بالأثنوية الخنوع التي تؤخذ بقوة الرجل المالك لمبلغ الشراء. بالتالي المُشتري – الرجل عادة – هو الاقوى. ومن الجلي أن صفات الفجر الرجالية لا تروي غل الثائرين على تقلبات السياسات الخارجية فالوصف بالفجور للرجل هو وصف للفعل، أما وصف احدهم بانه عاهرة فهو وصف دوني مُركب، انت امرأة يبيعها رجل ويشتريها – أدنى مكانة مُتخيلة في الوعي الجمعي الذكوري.[14]
أميل للرأي الذي يرى الدعارة كاتجار بالبشر واستغلال جنسي، ولا أرى العاهرة او المُتاجرة بالجنس سوى ضحية من نوع ما، وظروف عملها غير عادلة، وتقتطع من انسانيتها ما لا تُغطية كُلفة الليلة الواحدة مهما ارتفعت التكلفة. إن انحينا التعاطف مع عاملات الجنس جانباً، لم يُستثنى الرجل المتمتع بخدمات عاملات الجنس من الوصف وساء اللغة عليه بمفردة جديرة بالتداول؟ لما تحمل "العاهرة" وزر اختيارها واختيار طالب المُتعة؟ الاجابة ببساطة هي أن المقصود من الوصف هو التقليل المُرتبط بوضع المراة في الوعي الجمعي، وهو أمر لا يتقصر على ثقافتنا بالطبع بل سلوك مُتّبع في ثقافات العالم أجمع ترتبط جميعها بالمرجعية الفكرية التي ترى المرأة العنصر الأضعف المُهان ويسهل شراءه.
ليست هذه المرة الأولى التي توصف فيها سياسات الخرطوم بالعهر، أو تُستخدم فيها صفات مُقللة للمرأة في سياق سياسي. فحسن اسماعيل، الكادر الخطابي المفوّه لحزب الأمة الذي انتقل حديثاً لكتلة الحزب الحاكم أجج مشاعر المُحتشدين في محفل معارض منتقداً فساد وزير المالية بقوله" ياهو يقعد واحنا نقعد في بيتونا نلبس طرح"[15] أو الخيار الآخر الرجالي الضمني الذي لم يقله فانطلقت الهتافات جُؤارُ رجالية ب "حرية" "حرية"! دون أن يطرف لأحد منهم جفن. والهتاف المؤيد يستجمع كل التقليد الشعبي الذي يرى قمة الذل والهوان للرجل أن يكون امرأة – وان لبست طرحة – فناهيك إن كانت عاهرة! ولتكتمل الصورة، لابد أن ننظر لفكرة تناول المراة للسياسة التي تُرى بانها حكر على الرجل. وتتنازل المرأة العاملة في مجال السياسة عن حقها في التنافس على مواقع تنفيذية كمقعد رئاسة الجمهورية خشية استفزاز المُجتمع "التقليدي"،[16] وهو أمرٌ يُقرأ مع فتوى علماء السودان التي حرّمت ترشح المراة للرئاسة [17]- وانكرت صلتها بالبيان فيما بعد. وذات المرأة المُستخدمة كرمزية للتحقير هي ذاتها المرأة المُستخدمة لتحفيز الرجولة في الرجل والتفاخر بتقدير المهيرات والكنداكات، وهو احتفاء في نظري غير راسخ او مُستقر في الثقافة الشعبية بل احتفاء عابر ومرحلي كمدخل لرفع همم "الرجل"، بينما النظرة الدونية للمرأة وكل ما هو مُرتبط بها من تُقي (لبس الطرحة) أو فجور (العهر) مُتعمقة ومُتجذرة.
الثقافة الراسخة هذه ليست وليدة اللحظة وتتبعها ليس بالأمر السهل، فهي تراكمات التعاملات اليومية، وما تحوية من محمول ثقافي متوارث منطوق أو ملموس، يكرس لتفوق الرجل على المراة وبالتالي اعتبار وصف خصم بما بتتصف به المرأة انتقاصاً يليق بحجم الخطأ (الكبير عادة). هي ثقافة ممزوجة في الأغاني، والطقوس، وتوزيع السُلطة في اي حيز حتى لو كان مكان عام. أذكر أن صديقاً نشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك عن تصرف سائق لحافلة في الخرطوم كال فيها السباب لفتاة على تمشي في الشارع المُقابل للحافلة لأن طرحتها سقطت عن رأسها – بعمد أو بدون قصد، ووصفها بأقذع صفة تُلطلق على امرأة في مُجتمع مُحافظ. والمؤلم أكثر أن الفتاة رفعت طرحتها ولم يُبد أي شاهد على الموقف تذمره من الفعل، فالسائق هنا وكّل نفسه بأن يكون وصياً على قيمة العفة المُجتمعية، وهي سُلطة لا يملكها إلا الرجل على المرأة، فلن تسمع عن أمرأة قوّمت سلوكاً لرجل على الملاء ونجت بفلعها من المُخطئ أو الحضور.
وعليه، فهذه المنظومة السياسية المرهونة للثقافة المتوارثة عن النوع، تطل برأسها من حين إلى آخر في خطاب الرجل المُثقف، فوعيّه القريب والعميق نتاج لكل ما يراه ويُشاهده ويسمعه في مُحيطه القريب.
وختاماً، سلوك السودان مع دول الجوار مُتفق مع الأعراف الدولية في السياسة الخارجية، وهي ذاتية وميكافيلية ولا تخضع للحسابات الأخلاقية الطوباوية، ومن ظنها كذلك يحتاج أن يتلمس ثقافته السياسية. إن المأخذ الحقيقي على السودان في تلوّنه السياسي والتحالفي هو تبعات هذه التلوّنات على المدى البعيد والقريب كذلك، وهي حكمة تفتقرها حكومة الخرطوم فهي تسيّر أمورها بمنطق "رزق اليوم باليوم".
——————————
الهوامش
[1] "الخرطوم: 4 طائرات إسرائيلية قصفت مجمعاً عسكرياً" العربية نت، 24 أكتوبر 2012م http://goo.gl/7zQJgC
[2] "الخرطوم تعلن وصول فرقاطتين إيرانيتين.. وتجدد النيران في مصنع اليرموك الحربي،" الرياض، 31 اكتوبر 2015م http://goo.gl/2227Oc
[3] "إيران تدخل رسميا فى حرب الخرطوم ضد متمرديها،" الوطن العربي، 11 مايو 2013م http://goo.gl/Bm6ufe
[4] "السعودية تمنع مرور طائرة البشير وإيران تأسف،" الجزيرة، 4 اغسطس 2013م http://goo.gl/n15lU9
[5] "كلمة الرياض : سقوط الأقنعة بين السودان.. وإيران.." الرياض، 1 نوفمبر 2012م http://goo.gl/OfZVQH
[6] "3أسباب دفعت السودان لتفضيل السعودية على إيران،" الخبر، 2 مايو 2015م http://goo.gl/jpx2pn
[7] فيديو| بصراحة.. مع الرئيس السوداني عمر البشير، قناة سكاي نيوز عربية، 2 ديسمبر 2015مhttps://goo.gl/3yN5xC
[8] "الرئيس السوداني عمر البشير ل «الاتحاد»: علاقاتنا مع الإمارات متينة ومتواصلة منذ عهد زايد،" الاتحاد، 23 فبراير 2015م http://goo.gl/O8RA1H
[9] للمزيد عن تاريخ النظام الحاكم مع التنظيم الدولي للإخوان المُسلمين "البشير نحو صفقة جديدة: ترك الإسلاميين مقابل دعم اقتصادي،" العربي الجديد، 28 فبراير 2015م http://goo.gl/9Whgwq
[10] السودان ينضم للبحرين ويقطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران،" Deutsche Welle، 4 يناير 2016 http://goo.gl/yas6Jm
[11] "السودان يؤكد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع السعودية ضد "المخططات الإيرانية"، سي. إن. إن، 4 يناير 2015م http://goo.gl/gt7TZ9
[12] "الاتفاقيات السعودية السودانية.. هل تنعش اقتصاد السودان؟"، الجزيرة، 6 نوفمبر 2015م http://goo.gl/kLhjmB
[13] "قوات سودانية تنتشر في (عدن) اليمنية مدعومة بالأسلحة والمدرعات لتعزيز قوات التحالف،" سودان تريبيون، 17 اكتوبر 2015م http://goo.gl/s7lNxT
[14] فيلم وثقائقي "في الليل يرقصن" يُسلط الضوء على تجارة الجنس في مصرhttps://goo.gl/ZUXHlV
[15] فيديو يوتيوب لحديث حسن اسماعيل| https://goo.gl/gJstMt
[16] "المرأة تتخوف من الترشح لرئاسة السودان" الشروق 29 اغسطس 2014م http://goo.gl/pC4Pr0
[17] "بعد ترشح سيدتين: هيئة علماء السودان: لا يجوز تولي المرأة لرئاسة الجمهورية،" مُحيط، 15 يناير 2015م http://goo.gl/V2u7Px
** الشكر العميق لمحمد عثمان لاقتراحه عنوانا مُلائما واقصر للموضوع.
عُزاز شامي
Azaz Elshmai
Independent Consultant


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.