إكتمال الترتيبات اللوجستية لتأهيل استاد حلفا الجديدة وسط ترقب كبير من الوسط الرياضي    تواصل دورة شهداء معركة الكرامة بمدينة رفاعة    كساب والنيل حبايب في التأهيلي    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    كأس العالم.. أسعار "ركن السيارات" تصدم عشاق الكرة    تقارير تكشف ملاحظات مثيرة لحكومة السودان حول هدنة مع الميليشيا    شاهد بالفيديو.. على طريقة "الهوبا".. لاعب سوداني بالدوري المؤهل للممتاز يسجل أغرب هدف في تاريخ كرة القدم والحكم يصدمه    شاهد.. المذيعة تسابيح خاطر تعود بمقطع فيديو تعلن فيه إكتمال الصلح مع صديقها "السوري"    شاهد بالفيديو.. البرهان يوجه رسائل نارية لحميدتي ويصفه بالخائن والمتمرد: (ذكرنا قصة الإبتدائي بتاعت برز الثعلب يوماً.. أقول له سلم نفسك ولن أقتلك وسأترك الأمر للسودانيين وما عندنا تفاوض وسنقاتل 100 سنة)    رئيس تحرير صحيفة الوطن السعودية يهاجم تسابيح خاطر: (صورة عبثية لفتاة مترفة ترقص في مسرح الدم بالفاشر والغموض الحقيقي ليس في المذيعة البلهاء!!)    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    شاهد الفيديو الذي هز مواقع التواصل السودانية.. معلم بولاية الجزيرة يتحرش بتلميذة عمرها 13 عام وأسرة الطالبة تضبط الواقعة بنصب كمين له بوضع كاميرا تراقب ما يحدث    شاهد بالصورة والفيديو.. القائد الميداني بالدعم السريع "يأجوج ومأجوج" يسخر من زميله بالمليشيا ويتهمه بحمل "القمل" على رأسه (انت جاموس قمل ياخ)    انتو ما بتعرفوا لتسابيح مبارك    شرطة ولاية الخرطوم : الشرطة ستضرب أوكار الجريمة بيد من حديد    البرهان يؤكد حرص السودان على الاحتفاظ بعلاقات وثيقة مع برنامج الغذاء العالمي    عطل في الخط الناقل مروي عطبرة تسبب بانقطاع التيار الكهربائي بولايتين    رونالدو: أنا سعودي وأحب وجودي هنا    رئيس مجلس السيادة يؤكد عمق العلاقات السودانية المصرية    مسؤول مصري يحط رحاله في بورتسودان    "فينيسيوس جونيور خط أحمر".. ريال مدريد يُحذر تشابي ألونسو    كُتّاب في "الشارقة للكتاب": الطيب صالح يحتاج إلى قراءة جديدة    مستشار رئيس الوزراء السوداني يفجّر المفاجأة الكبرى    لقاء بين البرهان والمراجع العام والكشف عن مراجعة 18 بنكا    السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عزاز الشامى : ميكافيلية يصنعها الرجال ويتحمل وزر اوصافها النساء
نشر في حريات يوم 07 - 01 - 2016

النظرة الدونية للمرأة في الخطاب السياسي الشعبوي السوداني
ميكافيلية يصنعها الرجال ويتحمل وزر اوصافها النساء
عزاز شامى
تبّنت السياسة الخارجية للسودان في الفترة الأخيرة تحولات راديكالية وانتقال من ضفة لأخرى – من مُناصرة مُعلنة ومُسسترة لإيران إلى عداء سافر يتتبع خطى دول الخليج أينما ولّت وجهها في سعيّها لتصعيد الصراع مع الكتلة الشيعية. وما هو معلوم للكثير أن السودان كانت محطة تمرير للأسلحة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي لطالما أثار حفيظة دول الجوار وعلى وجه الخصوص السعودية، ناهيك عن استعداء اسرائيل التي اتهمتها السودان بقصف مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م. [1] وردت إيران بارسال فرطاقتين إلى السواحل الشرقية للسودان خلال أقل من اسبوع للتدليل على عمق العلاقة بين البلدين واستعداد إيران للزود عن السودان،[2] وخصوصاً بعد تدخل الأولى في الحروب الداخلية للأخيرة.
تعمقت العلاقة السودانية الإيرانية عندما شاركت إيران بقدراتها العسكرية في الحرب الأهلية في السودان في مايو 2013م،[3] وردّت الدبلوماسية السعودية في اغسطس 2013م بمنع طائرة الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني.[4] وعبرت السعودية صراحة عن اسفها للتقارب السوداني الإيراني على إثر الضربة التي قامت بها اسرائيل ضد السودان عبر مقالة الرأي للصحيفة السعودية "الرياض"، والتي تُعبر عن رأي القيادة السعودية، حيث قال يوسف الكويليت في كلمته: "السودان يمر بحالة فقدان التوازن عندما فقد صداقته العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعرف دقائق تحالفه مع إيران عسكرياً وسياسياً." [5] إلا أن عُرى العلاقة بين السودان وإيران انفصمت لأسباب يطول ذكرها، وولت الخرطوم وجهها للخليج وخصوصاً أن الظروف الإقليمية كانت مواتية لقبول العائدين من "الغي".[6]
إلا أنّ الخرطوم لا تنأي عن بيع أي شيء في سبيل الحصول على تمويل وسيولة لتسيير شؤون الدولة المُتهالكة والمُنهكة. فالرئيس السوداني الذي وصفته مذيعة سكاي نيوز العربية [7]- المموّلة إمارتياً – بأنه ابن الحركة الإسلامية الذي جاء إلى الحكم، إلا أن ذات البشير تنصل من تاريخ انتماءه للحركة الاسلامية وبرر لدول الجوار ادراج التنظيم في قائمة الإرهاب،[8] وهي من ضمن محاولات مُهطِعة للتطبيع مع الخليج والتطهر من وُزِرَها بالتقارب مع إيران. [9] وفي ذات اللقاء، برر اقفال الحُسينات وقلل من اهمية التبادل التجاري الإيراني-السوداني والذي يُقدر ب 150 مليون دولار للعام 2014م فقط. والآن الخرطوم تُشارك بعتادها – وجُله من تمويل وقدرات إيرانية – في حرب بالوكالة في اليمن، وطردت السفير الإيراني على إثر التصعيد الدبلوماسي بين إيران والسعودية،[10] [11]وخصوصاً أن السعودية الآن الانت جانبها[12] للسودان لمشاركة الأخير بلواء مشاة في حرب اليمن.[13]وما تزال الساحة حُبلى بتنازلات أكثر لها تداعاياتها سنشهدها على مدار العام الحالي.
تبّنت السياسة الخارجية للسودان في الفترة الأخيرة تحولات راديكالية وانتقال من ضفة لأخرى – من مُناصرة مُعلنة ومُسسترة لإيران إلى عداء سافر يتتبع خطى دول الخليج أينما ولّت وجهها في سعيّها لتصعيد الصراع مع الكتلة الشيعية. وما هو معلوم للكثير أن السودان كانت محطة تمرير للأسلحة الإيرانية للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وهو الأمر الذي لطالما أثار حفيظة دول الجوار وعلى وجه الخصوص السعودية، ناهيك عن استعداء اسرائيل التي اتهمتها السودان بقصف مصنع اليرموك في أكتوبر 2012م. [1] وردت إيران بارسال فرطاقتين إلى السواحل الشرقية للسودان خلال أقل من اسبوع للتدليل على عمق العلاقة بين البلدين واستعداد إيران للزود عن السودان،[2] وخصوصاً بعد تدخل الأولى في الحروب الداخلية للأخيرة.
تعمقت العلاقة السودانية الإيرانية عندما شاركت إيران بقدراتها العسكرية في الحرب الأهلية في السودان في مايو 2013م،[3] وردّت الدبلوماسية السعودية في اغسطس 2013م بمنع طائرة الرئيس السوداني من عبور الأجواء السعودية في طريقها إلى إيران لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد حسن روحاني.[4] وعبرت السعودية صراحة عن اسفها للتقارب السوداني الإيراني على إثر الضربة التي قامت بها اسرائيل ضد السودان عبر مقالة الرأي للصحيفة السعودية "الرياض"، والتي تُعبر عن رأي القيادة السعودية، حيث قال يوسف الكويليت في كلمته: "السودان يمر بحالة فقدان التوازن عندما فقد صداقته العربية وخاصة دول الخليج العربي التي تعرف دقائق تحالفه مع إيران عسكرياً وسياسياً." [5] إلا أن عُرى العلاقة بين السودان وإيران انفصمت لأسباب يطول ذكرها، وولت الخرطوم وجهها للخليج وخصوصاً أن الظروف الإقليمية كانت مواتية لقبول العائدين من "الغي".[6]
ماهي اشكالية وصف السياسة التي غالباً ما تكون صنيعة رجالية بالعُهر؟
إن الحديث عن بهلوانيات السياسة الخارجية السودانية – او الداخلية – حديثٌ ذو دهشة لا تنقطع، إلا أن الغرض من المدخل الأول اعلاه هو لطرح سؤال يتعلق بوصف سلوك السودان ب "العُهر" وهو ما يعني ضمناً ان السودان "عاهرة" تذهب لمن يدفع أكتر.
النمط السياسي أعلاه والعلاقة المتداخلة love triangle بين السعودية وإيران والسودان هي أمر سياسي (رجالي) بحت. فالطريف في الأمر أن الدول الثلاث هذه تحديداً لا وجود للمرأة كصانع قرار في الشؤون المتعلقة بالسياسة الخارجية أو الأمن الوطني، والوجه النسائي الوحيد في الثلاث دول المملوكة بالكلية للرجال هي رضية أفخم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الإيرانية في دولة الرئيس حسن روحاني، وهي أول إمرأة تشغل هذا المنصب في جمهورية إيران، إلا أنها ليست في موقع صنع للقرار وإن كانت ناقلة له. وعليه، لما تصف تبعات سياسات خططها ونفذها (الرجال) بوصف العهر المُقتصر ضمناً على المرأة؟ هل لأن مواعين اللغة عقرت عن إيجاد مُرادف للكلمة للرجل؟ أم لأننا مؤمنون تماماً بأن ادنى مرحلة يصلها الرجل هي وصفه بصفات النساء، وفي النساء العاهرات. الأمر بالنسبة لي متعلق بثقافة حقوق الإنسان ومدة اقتناعنا حقيقة بحقوق من يتعرضون للاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر، وتعريفنا لماهية الاستغلال. فالمراة العاملة في مجال تجارة الجنس لا تملك بالضرورة قرارها بالانفلات منه، فهذه الصناعة يحرسها مُستثمرون يجعلون امر الفكاك من المواخير أمراً بالغ الصعوبة. أما السودان على الجانب الآخر، فمهما أهان نفسه بحسب الآراء، فلديه ما يعطيه ويمنعه، بعكس حال العاهرة التي لا تملك رفاهية المنع في أغلب الأحيان.
لنفكك الأمر سوية لنصل لكهن الأمر. من هي العاهرة من الأساس؟ ولتفسير المفردة من الضروري تحديد السياق المُجتمعي لها، فنحن هنا نتحدث عن المجتمع الشرق أوسطي لا غيره، حيث حديث الجنسانية او المدارس الفكرية التي تؤيد حق المرأة في جسدها لا تُسهم بشكل مُباشر أو غير مُباشر في الوعي الجمعي. إذن من هي العاهرة التي نصف بها سلوك التأرجح السياسي للخرطوم، وهو التأرجح المعلوم للسياسة بشكل عام حيث تتبع الدول مصالحها أينما كانت ومع أي كانت، ولكن نظل هنا نصفها بالعهر، وبتعمد أو بغير تعمد، نقصد المحمول السالب الانثوي إن صح التعبير. سبق لي وان قمت ببحث مع عاملات في مجال الجنس، ولم يسبق أن اخبرتني احداهن بأنها كانت تحلم في صغرها بأن تكبر وتكون عاهرة تبيع في المتعة لمن يُريد. جُلهن قادتهن ظروف مُتباينة في ظاهرها وتتفق في جورها لتجارة الجنس؛ الفقر والنزوح والإجبار ظروف تتكرر وتربط بينهم بخيط لا مرئي. عقد مُقارنة بين التأرجح في المواقف السياسية، والتي كما سبق وذكرت أساس السياسة وتحكمها الضرورات السياسية دائمة التغيير، بسلوك العاهر التي هي في الأساس بائع (مجبور) لبضاعة من الطبيعي أن يذهب لمن يدفع أكثر، أمر بالغ الغرابة، إلا أن التفسير الوحيد لذلك هو رغبة من يستخدم الوصف في اسباغ الصفة الدونية على الموصوف وبالتحديد وصفه بالأثنوية الخنوع التي تؤخذ بقوة الرجل المالك لمبلغ الشراء. بالتالي المُشتري – الرجل عادة – هو الاقوى. ومن الجلي أن صفات الفجر الرجالية لا تروي غل الثائرين على تقلبات السياسات الخارجية فالوصف بالفجور للرجل هو وصف للفعل، أما وصف احدهم بانه عاهرة فهو وصف دوني مُركب، انت امرأة يبيعها رجل ويشتريها – أدنى مكانة مُتخيلة في الوعي الجمعي الذكوري.[14]
أميل للرأي الذي يرى الدعارة كاتجار بالبشر واستغلال جنسي، ولا أرى العاهرة او المُتاجرة بالجنس سوى ضحية من نوع ما، وظروف عملها غير عادلة، وتقتطع من انسانيتها ما لا تُغطية كُلفة الليلة الواحدة مهما ارتفعت التكلفة. إن انحينا التعاطف مع عاملات الجنس جانباً، لم يُستثنى الرجل المتمتع بخدمات عاملات الجنس من الوصف وساء اللغة عليه بمفردة جديرة بالتداول؟ لما تحمل "العاهرة" وزر اختيارها واختيار طالب المُتعة؟ الاجابة ببساطة هي أن المقصود من الوصف هو التقليل المُرتبط بوضع المراة في الوعي الجمعي، وهو أمر لا يتقصر على ثقافتنا بالطبع بل سلوك مُتّبع في ثقافات العالم أجمع ترتبط جميعها بالمرجعية الفكرية التي ترى المرأة العنصر الأضعف المُهان ويسهل شراءه.
ليست هذه المرة الأولى التي توصف فيها سياسات الخرطوم بالعهر، أو تُستخدم فيها صفات مُقللة للمرأة في سياق سياسي. فحسن اسماعيل، الكادر الخطابي المفوّه لحزب الأمة الذي انتقل حديثاً لكتلة الحزب الحاكم أجج مشاعر المُحتشدين في محفل معارض منتقداً فساد وزير المالية بقوله" ياهو يقعد واحنا نقعد في بيتونا نلبس طرح"[15] أو الخيار الآخر الرجالي الضمني الذي لم يقله فانطلقت الهتافات جُؤارُ رجالية ب "حرية" "حرية"! دون أن يطرف لأحد منهم جفن. والهتاف المؤيد يستجمع كل التقليد الشعبي الذي يرى قمة الذل والهوان للرجل أن يكون امرأة – وان لبست طرحة – فناهيك إن كانت عاهرة! ولتكتمل الصورة، لابد أن ننظر لفكرة تناول المراة للسياسة التي تُرى بانها حكر على الرجل. وتتنازل المرأة العاملة في مجال السياسة عن حقها في التنافس على مواقع تنفيذية كمقعد رئاسة الجمهورية خشية استفزاز المُجتمع "التقليدي"،[16] وهو أمرٌ يُقرأ مع فتوى علماء السودان التي حرّمت ترشح المراة للرئاسة [17]- وانكرت صلتها بالبيان فيما بعد. وذات المرأة المُستخدمة كرمزية للتحقير هي ذاتها المرأة المُستخدمة لتحفيز الرجولة في الرجل والتفاخر بتقدير المهيرات والكنداكات، وهو احتفاء في نظري غير راسخ او مُستقر في الثقافة الشعبية بل احتفاء عابر ومرحلي كمدخل لرفع همم "الرجل"، بينما النظرة الدونية للمرأة وكل ما هو مُرتبط بها من تُقي (لبس الطرحة) أو فجور (العهر) مُتعمقة ومُتجذرة.
الثقافة الراسخة هذه ليست وليدة اللحظة وتتبعها ليس بالأمر السهل، فهي تراكمات التعاملات اليومية، وما تحوية من محمول ثقافي متوارث منطوق أو ملموس، يكرس لتفوق الرجل على المراة وبالتالي اعتبار وصف خصم بما بتتصف به المرأة انتقاصاً يليق بحجم الخطأ (الكبير عادة). هي ثقافة ممزوجة في الأغاني، والطقوس، وتوزيع السُلطة في اي حيز حتى لو كان مكان عام. أذكر أن صديقاً نشر على صفحته الشخصية على الفيسبوك عن تصرف سائق لحافلة في الخرطوم كال فيها السباب لفتاة على تمشي في الشارع المُقابل للحافلة لأن طرحتها سقطت عن رأسها – بعمد أو بدون قصد، ووصفها بأقذع صفة تُلطلق على امرأة في مُجتمع مُحافظ. والمؤلم أكثر أن الفتاة رفعت طرحتها ولم يُبد أي شاهد على الموقف تذمره من الفعل، فالسائق هنا وكّل نفسه بأن يكون وصياً على قيمة العفة المُجتمعية، وهي سُلطة لا يملكها إلا الرجل على المرأة، فلن تسمع عن أمرأة قوّمت سلوكاً لرجل على الملاء ونجت بفلعها من المُخطئ أو الحضور.
وعليه، فهذه المنظومة السياسية المرهونة للثقافة المتوارثة عن النوع، تطل برأسها من حين إلى آخر في خطاب الرجل المُثقف، فوعيّه القريب والعميق نتاج لكل ما يراه ويُشاهده ويسمعه في مُحيطه القريب.
وختاماً، سلوك السودان مع دول الجوار مُتفق مع الأعراف الدولية في السياسة الخارجية، وهي ذاتية وميكافيلية ولا تخضع للحسابات الأخلاقية الطوباوية، ومن ظنها كذلك يحتاج أن يتلمس ثقافته السياسية. إن المأخذ الحقيقي على السودان في تلوّنه السياسي والتحالفي هو تبعات هذه التلوّنات على المدى البعيد والقريب كذلك، وهي حكمة تفتقرها حكومة الخرطوم فهي تسيّر أمورها بمنطق "رزق اليوم باليوم".
——————————
الهوامش
[1] "الخرطوم: 4 طائرات إسرائيلية قصفت مجمعاً عسكرياً" العربية نت، 24 أكتوبر 2012م http://goo.gl/7zQJgC
[2] "الخرطوم تعلن وصول فرقاطتين إيرانيتين.. وتجدد النيران في مصنع اليرموك الحربي،" الرياض، 31 اكتوبر 2015م http://goo.gl/2227Oc
[3] "إيران تدخل رسميا فى حرب الخرطوم ضد متمرديها،" الوطن العربي، 11 مايو 2013م http://goo.gl/Bm6ufe
[4] "السعودية تمنع مرور طائرة البشير وإيران تأسف،" الجزيرة، 4 اغسطس 2013م http://goo.gl/n15lU9
[5] "كلمة الرياض : سقوط الأقنعة بين السودان.. وإيران.." الرياض، 1 نوفمبر 2012م http://goo.gl/OfZVQH
[6] "3أسباب دفعت السودان لتفضيل السعودية على إيران،" الخبر، 2 مايو 2015م http://goo.gl/jpx2pn
[7] فيديو| بصراحة.. مع الرئيس السوداني عمر البشير، قناة سكاي نيوز عربية، 2 ديسمبر 2015مhttps://goo.gl/3yN5xC
[8] "الرئيس السوداني عمر البشير ل «الاتحاد»: علاقاتنا مع الإمارات متينة ومتواصلة منذ عهد زايد،" الاتحاد، 23 فبراير 2015م http://goo.gl/O8RA1H
[9] للمزيد عن تاريخ النظام الحاكم مع التنظيم الدولي للإخوان المُسلمين "البشير نحو صفقة جديدة: ترك الإسلاميين مقابل دعم اقتصادي،" العربي الجديد، 28 فبراير 2015م http://goo.gl/9Whgwq
[10] السودان ينضم للبحرين ويقطع علاقاته الديبلوماسية مع إيران،" Deutsche Welle، 4 يناير 2016 http://goo.gl/yas6Jm
[11] "السودان يؤكد قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران تضامنا مع السعودية ضد "المخططات الإيرانية"، سي. إن. إن، 4 يناير 2015م http://goo.gl/gt7TZ9
[12] "الاتفاقيات السعودية السودانية.. هل تنعش اقتصاد السودان؟"، الجزيرة، 6 نوفمبر 2015م http://goo.gl/kLhjmB
[13] "قوات سودانية تنتشر في (عدن) اليمنية مدعومة بالأسلحة والمدرعات لتعزيز قوات التحالف،" سودان تريبيون، 17 اكتوبر 2015م http://goo.gl/s7lNxT
[14] فيلم وثقائقي "في الليل يرقصن" يُسلط الضوء على تجارة الجنس في مصرhttps://goo.gl/ZUXHlV
[15] فيديو يوتيوب لحديث حسن اسماعيل| https://goo.gl/gJstMt
[16] "المرأة تتخوف من الترشح لرئاسة السودان" الشروق 29 اغسطس 2014م http://goo.gl/pC4Pr0
[17] "بعد ترشح سيدتين: هيئة علماء السودان: لا يجوز تولي المرأة لرئاسة الجمهورية،" مُحيط، 15 يناير 2015م http://goo.gl/V2u7Px
** الشكر العميق لمحمد عثمان لاقتراحه عنوانا مُلائما واقصر للموضوع.
عُزاز شامي
Azaz Elshmai
Independent Consultant


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.