في صحيفة السوداني وموقع سودانايل الالكتروني بدأت خلال الايام القليلة الماضية مناقشة واعدة بين الاستاذين خالد موسي دفع الله وعطا البطحاني حول موضوع الطبقة الوسطي. هذا دلو صغير بين الدلوين الكبيرين. محاولاتصاحب هذه الخواطر لتصويباستراتيجية المعارضة تدور حول إهمالها لضرورة تنميةالمقومات الموضوعية للديموقراطية بما يتضمن، مع أخريات، إعادة النظر في رؤيتها للعلاقة بين سياسات نظام الانقاذ والطبقة الوسطي. التركيز المجرد علي إسقاط النظام يظل قائما رغم كل الجهد المعارضلاعداد خطط مابعد- الانقاذ، لان المفقود حقا وفي كافة تجاربنا ضد أنظمة الانقلابات، هو تذليل عقبة عدم وجود قوي ومناخات ثقافية ديموقراطية تؤمن استمرار نظامها السياسي بما يسمح بتنفيذ تلك الخطط، وهو امر وثيق الصلة بطبيعة احتياجات وتطلعات شرائح الطبقة الوسطي. من هنا اهتمامي بالمناقشة المشار اليها عبر هذه الملاحظاتالسريعةالمبتورة بضيق الوقت السوداني المزدحم استثناء لمن تتحدد فترة بقائه في الوطن بارتباطات بقائه الاطول خارجه. المتابع لخطاب المعارضة السودانية يخرج بأنطباع ان حقبة الدكتاتورية الانقاذية الراهنة لم تترتب عليها اي تغييرات في تركيبة الرأسمالية السودانية، علي الاقل بالمقارنة للحقبة الدكتاتورية المايوية، تبعد عنها مصطلح الطفيلية السائد في هذا الخطاب. بالاضافة لمقتضيات الموضوعية في الاعتراف بعدم صحة هذاالتقدير إزاء حقائق معينة مثل توسع القطاع المصرفي ونشوء قطاعيالاتصالات والصناعاتالبترولية خلال هذه الحقبة، فأن في تلمس حدود ومواقع الطبقة الوسطي فائدة مباشرة للمعارضة لان هذه المواقع هي نفس مصادرتمتين قوامها النوعيوتأهيلها لتأسيس ديموقراطية تدوم. النظام الحالي يتقاسم مع سلفه وحليفه المايوي الخاصية الرئيسية، الشمولية التي تنعكس اقتصاديا فيتخصيص معظم الدخل القوميللقطاعين العسكري والامني وفي سوء توزيع ماينتج عن النشاط الاقتصادي في القطاعات الاخري. ولكنه يختلف عن المايوي في انه نظام نخب إسلامية التوجه نمت وتوسعت كما ونوعا متغذية من غنائم فترة التحالف مع المايوية ومن العلاقات الخليجية بحيث تراكم لديها رأسمال بالبعدين الاقتصادي والتعليمي يتجاوز بمراحل ماتوفر للاخرين، وأضحت بذلك مؤهلة للقيام بعملية تغيير لكنها لاتتعدي البني المادية الى مجال التغيير الحقيقي في البني الثقافية والعقلية( تحديث وليس حدثنة MODERNIZATION AND NOT MODERNITY ). مع الاطروحة الرئيسية في مقال الاستاذ دفع الله، المتميزة كعادتها بالغني المعرفي والثقافي،والخاصة بتطورات التركيبةالطبقية السودانية خلال الحقبة الانقاذية، اتفق بهذا المعنيوفي هذه الحدود. فيما يتعلق بتعليق الاستاذ البطحاني، الذي لايقل ثراء وتحريضا علي التفكير، اتفاقي معه يكاد يكون كاملا، اي مع إضافة نقطة جانبية خاصة بعوامل نمو الطبقة الوسطي في جنوب افريقيا بما في ذلك اتساعها للهامش الاسود. في ظني إن هذا النمو يعودايضا الى ان نظام التفرقة العنصرية كان نظام تفرقة في الديموقراطية أيضا بما يعني انها كانت موجودة رغم انحصارها في البيض مما ساهم في خلخلته داخليا بظهور قيادات مثل دو كليركعبرت عن التصاعد المطردلنفوذ الطبقة الوسطي، متناغما مع ضغوط نضالات الاغلبية الافريقية والدعم العالمي. هذا السياق الديموقراطي غير قائم لدينا كمتن قوي في المجتمع وبالتالي كقوة ضغط سلمي متصاعد، ما يسمح للسلطة بتلاعبات انفتاحية مسيطر عليها سلطويا. ومايعني، من جهة أخري، أن نمو الطبقة الوسطي سيبقي محدودا ومشوها ولكن تبقي له إفرازات مفيدة للعمل المعارضومنافذ لتعظيمها ، إذأ أدرك جوهر المعضلة التي تواجهه،عن طريق تعظيم الضغط في مجال إصلاح النظام التعليمي بصورة خاصة. في استطراد من هذه النقطة سنلاحظ ان الدكتاتوريات العالم ثالثية التي كانت مسنودة من الغرب، والاخري التيتقع في نطاق ثقافته الدينية وحضارته عموما، مثل اوروبا الشرقيه، جري تحولهاالديموقراطي بقدر كبير من السلاسة ( اندونيسيا ، كورياالجنوبيه، تركيا الخ .. الخ.. الخ). هناك فيما يبدو مايشبه القانون فيالعلاقة بين الديموقراطية والرأسمالية يمكن قبوله رغم ضد الانتقادات المشروعة الذائعة ضد الاخيرة بتعديل مقولة تشيرشل الشهيرة حول الديموقراطية لتصبح: الرأسمالية هي أسوأ الانظمة باستثناء كافة الانظمة الاخري. والشاهد إن هذا الشرط المزدوج أيضا مفقود لدينا، فلا دكتاتوريتنا مسنودة من الغرب ولانقع ثقافيا ودينيا في المجال الاوروبي.