مجلس الأمن يعبر عن قلقله إزاء هجوم وشيك في شمال دارفور    أهلي القرون مالوش حل    مالك عقار – نائب رئيس مجلس السيادة الإنتقالي يلتقي السيدة هزار عبدالرسول وزير الشباب والرياض المكلف    وفاة وزير الدفاع السوداني الأسبق    بعد رسالة أبوظبي.. السودان يتوجه إلى مجلس الأمن بسبب "عدوان الإمارات"    السودان..البرهان يصدر قراراً    محمد صلاح تشاجر مع كلوب .. ليفربول يتعادل مع وست هام    أزمة لبنان.. و«فائض» ميزان المدفوعات    قوة المرور السريع بقطاع دورديب بالتعاون مع أهالي المنطقة ترقع الحفرة بالطريق الرئيسي والتي تعتبر مهدداً للسلامة المرورية    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا "أدروب" يوجه رسالة للسودانيين "الجنقو" الذين دخلوا مصر عن طريق التهريب (يا جماعة ما تعملوا العمائل البطالة دي وان شاء الله ترجعوا السودان)    شاهد بالفيديو.. خلال إحتفالية بمناسبة زواجها.. الفنانة مروة الدولية تغني وسط صديقاتها وتتفاعل بشكل هستيري رداً على تعليقات الجمهور بأن زوجها يصغرها سناً (ناس الفيس مالهم ديل حرقهم)    اجتماع بين وزير الصحة الاتحادي وممثل اليونسيف بالسودان    شاهد بالفيديو.. قائد الدعم السريع بولاية الجزيرة أبو عاقلة كيكل يكشف تفاصيل مقتل شقيقه على يد صديقه المقرب ويؤكد: (نعلن عفونا عن القاتل لوجه الله تعالى)    محمد الطيب كبور يكتب: السيد المريخ سلام !!    حملات شعبية لمقاطعة السلع الغذائية في مصر.. هل تنجح في خفض الأسعار؟    لماذا لم تعلق بكين على حظر تيك توك؟    السينما السودانية تسعى إلى لفت الأنظار للحرب المنسية    ب 4 نقاط.. ريال مدريد يلامس اللقب 36    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    الدكتور حسن الترابي .. زوايا وأبعاد    أحمد السقا ينفي انفصاله عن زوجته مها الصغير: حياتنا مستقرة ولا يمكن ننفصل    بايدن يؤكد استعداده لمناظرة ترامب    الأهلي يعود من الموت ليسحق مازيمبي ويصعد لنهائي الأبطال    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    سوق العبيد الرقمية!    أمس حبيت راسك!    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتفيقهون فقهاءٌ بلا فقه ! مقال سابق للحاج وراق يتناول الفتوى بزندقة الترابى
نشر في حريات يوم 09 - 03 - 2016


المتفيقهون فقهاءٌ بلا فقه !
الحاج وراق سيدأحمد
* رد أحد وزراء مالية الإنقاذ السابقين على نواب في المجلس الوطني طالبوه بزيادة ميزانية الثقافة، بأنه لن يصرف على الغناء والرقص في وقت يحتاج فيه الجنود إلى المال! وغض النظر عن الرأى في حرب الإنقاذ، ففي عقلية الوزير أحد أسباب أن الانقاذ لم تكسب حربها! فالحرب لا تنفصل عن العقلية السائدة في المجالات كافة، فإذا كانت عقلية ترفض الإبداع والحرية، فإنها تخوض الحرب على ذات النمط مما يفضي إلى الانتكاسات والخيبات!.
*ومن نفس العقلية التي يصدر عنها وزير الإنقاذ السابق، علق بعض الكتاب على حملة الدفاع عن حرية الفكر والضمير بأنها معركة في غير معترك، وان أولويات البلاد الضاغطة كأنفلونزا الطيور والكوليرا وغيرها لأجدر بالاهتمام ! وعلى عكس ما يبدو من وجاهة ظاهرية في مثل هذا الرأى، فإنه لا يعدو كونه مزايدة خاطئة. فالحقيقة ان الحرية، وعلى رأسها حرية الفكر والضمير، تشكل العلامة الفارقة بين الأزمنة القديمة وأزمنة الحداثة، وتنبع أهمية الحداثة في أنها أعطت الإنسانية التقدم العلمي، وبالتالي التراكتور – الذي أمنها من المجاعات، والمضاد الحيوي – الذي أمنها من الأوبئة الواسعة، اضافة إلى آليات الديمقراطية، خصوصاً المساءلة والمحاسبة ،التي أوقفت هدر الموارد في تبذير القصور والفساد، وبالتالي أعطتها الأساس السياسي اللازم للتنمية.
*ولم تعد مثل هذه التعميمات مجرد تكهنات، وإنما استنتاجات علمية مفحوصة ومختبرة، تؤكدها دراسات تجريبية، أبرزها دراسة عالم الاقتصاد (أمارتيا سن) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، في مؤلفه (التنمية كحرية)، والذي يؤكد عبر دراسة موثقة، بأنه ما من بلاد حرة عانت من المجاعة ! والمثال الأنموذجي على ذلك المجاعة التي ضربت غرب السودان، سواء في عام 1984، أو في أوائل التسعينات، فلولا غياب حرية التعبير، وحرية المناقشة، بسبب التعتيم الذي فرضه النظامان الاستبداديان، لما تحولت الأزمة إلى كارثة، ولأمكن تعبئة الموارد المحلية والعالمية لتلافي الكارثة وإغاثة الضحايا في الوقت المناسب !.
* بل وان القضايا الحالية التي تواجهها بلادنا، كاشتداد الأزمة الاجتماعية، وتفشي الفقر وسوء التغذية والأوبئة، لا يمكن عزلها عن غياب الحريات، فما من مسؤول – وزير مالية أو صحة أو والي ولاية – في بلاد حرة، يعرف بأنه مساءل أمام مواطنيه، يستطيع ان يتعامل باللامبالاة الإجرامية التي تعاملت بها الأجهزة الحكومية تجاه الأوبئة الأخيرة!.
وأهم مصداق لارتباط قضية الحرية بقضايا الجماهير الحياتية، ان الذين تصدوا للدفاع عن حرية الفكر والضمير، هم أنفسهم، الأكثر تصدياً لقضايا التنمية والفقر والبطالة والخدمات الصحية والتعليمية، وأذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: علي محمود حسنين، الطيب زين العابدين، مرتضى الغالي، فيصل محمد صالح، زهير السراج، صلاح عووضة، كمال الجزولي، آمال عباس، رباح الصادق المهدي، حيدر المكاشفي، فيصل الباقر، خالد فضل، مكي بلايل…إلخ.
* وهكذا فلا يمكن الفصل بين الحرية والتنمية إلاَّ اعتسافاً، بل ان التنمية في جوهرها حرية، فتوفير فرص العمل والسلع والخدمات الصحية والتعليمية يكتسب أهميته الإنسانية من كونه يوسع مدى الحريات والخيارات المتاحة للجماهير، ولذا فالمعركة واحدة لا تتجزأ، فمناخ الاستبداد، والعقلية التقليدية الراكدة والجامدة التي تؤسسه وتتأسس عليه، إنما يشكلان الأساس الموضوعي للقهر وإراقة الدماء، من جانب، ومن الجانب الثاني، يشكلان الأساس لتفشي الفقر والبطالة وسوء التغذية والأوبئة، ومن الجانب الثالث، يشكلان البيئة المناسبة لتوالد الظلامية والهوس الديني، ولصعود خفاف العقول والأحلام يتصدرون مجالس العلم والفتيا ويصدرون بيانات التكفير والزندقة !!.
* هذا عن ارتباط الحرية بالاحتياجات الحياتية المباشرة، ولكن الامر لا يتوقف عند ذلك، بل أخطر بكثير، انها ترتبط بالحياة نفسها، حيث ضمان حرية الفكر والضمير يشكل ضماناً لاستقرار البلاد ولسلامها الاجتماعي، وبالتالي ضماناً لا غنى عنه للحفاظ على أرواح السودانيين. ومن يحاجج في سلامة مثل هذا الاستنتاج فيكفيه تذكر الخليفي وعباس الباقر، اللذين فتحا النار بدم بارد على المصلين في مسجدي الثورة والجرافة، ولم يوفرا لا بريئاً ولا شيخاً ولا إمرأة، بل وسفكا دماء الاطفال استناداً على فقهما الظلامي الموتور بأن الكافر لا يلد إلا كافراً!!.
ولكن الخليفي وعباس الباقر ليسا ظاهرة استثنائية، انهما تعبير عن وباء عام يجتاح كامل المنطقة العربية والإسلامية، ويتمظهر يومياً في مرأى التفجيرات وفي تلال الجثث وأشلاء الضحايا في بغداد والرياض وشرم الشيخ والجزائر والدار البيضاء وغيرها من المدن والضواحي الإسلامية ! ثم انهما تعبير عن ذات وباء انفلونزا التكفير واراقة الدماء التي تبدو اعراضها مكتملة في الجماعات التي تنشط هذه الايام تحت لافتات الرابطة الشرعية وتنسيق الجماعات الإسلامية ومجمع الفقه الاسلامي !.
والمعركة مع هذه الجماعات الظلامية التكفيرية معركة لا محيص عنها ولا مهرب منها، وعلى نتائج هذه المعركة ستتحدد مصائر البلاد – مصائر حريتها ووحدتها واستقرارها وسلامها الاجتماعي.
* وهكذا فالمعركة تتعدى الموقف من الترابي، ولسنا أغراراً، اننا على قناعة بأن الترابي اول من شحذ سلاح التكفير، وقد ظللنا نحذره تكراراً بأنه سلاح صدئ ومن اسلحة الارتداد الذاتي، ما ان تشهره تجاه الخصم، فإنه عاجلاً أو آجلاً يرتد تجاه النحر! ثم انه من قنن المادة (126) من القانون الجنائي التي تتيح سفك دماء المخالفين في الرأي ! لسنا أغراراً، ولكنا ندافع عن مبدأ حرية الفكر والضمير.
ولذا فإن معركتنا تتعدى الموقف من شخص الترابي، ومن آرائه التي صدع بها مؤخراً، وهي آراء قابلة للنقاش، قد نتفق أو نختلف معها، وسأتناولها لاحقاً، ولكننا مع حقه في حرية التفكير والتعبير، واذا كان الترابي كشخص قد انتهك هذا المبدأ مراراً وتكراراً فما يؤكد اهميته كمبدأ احتياجه نفسه إليه حالياً ! وبالنسبة لأي ديمقراطي متسق فإن الدفاع عن مبدأ الحرية لا يتجلى في الدفاع عن حق أولئك الذين يتفق معهم في الرأي، وإنما كذلك في الدفاع عن حرية الذين يختلف معهم !.
* وأياً ما يكن سوء الترابي، فإن سوءه لا يمكن مقارنته بعباس الباقر والخليفي وورثتهما من أئمة الظلامية كعبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم ومن لف لفهما ! وعليه فإن المعركة ليست معركة للدفاع عن الترابي في شخصه، وان تمظهرت كذلك، انها معركة لأجل الحرية والاستنارة، ومعركة حول مصائر البلاد، حول استقرارها ووحدتها، وعلى حرية وسلامة أهلها.
(2)
افتى فقهاء مجمع الفقه الاسلامي بكفر الترابي، ودعوا الى استتابته، فإن لم يفعل، فلا بد من احقاق الحق (!) في اشارة كودية الى الدعوة الى قتله، حيث لم يتصفوا بسعة الافق التي تجعلهم يحتملون المغايرة، ولا بالسماحة التي تعصمهم من الدعوة الى سفك دمه، ولكن، ومع ذلك لم يمتلكوا الشجاعة للجهر بدعواهم ! ولكن فقهاء الرابطة الشرعية، الذين لا تربطهم علاقة «تلمذة» سابقة بالترابي، والذين اقل تعرضا للشك بحكم انهم اقل معرفة، حتى مقارنة برصفائهم في المجمع، لم يستشعروا حرجا، فصرحوا بما لمح به اولئك، واضافوا له فتوى الزندقة، وهي بحسب زعمهم فتوى تجعل الترابي مستحقا للقتل، حتى وان تاب وأناب، واعلن رجوعه الكامل عن آرائه !.
والفقيه الحق، اضافة الى اهمية امتلاكه عقلا، حيث لا دين لمن لا عقل له (!)، ومعرفته بمعايير الفتوى، اي معرفته العميقة بالمصادر الشرعية كالقرآن والسنة وعمل الصحابة واجماع العلماء وغيرها، ومعرفته بلغة هذه المصادر اللغة العربية، لا بد له كذلك من معرفة الواقع الذي تتنزل عليه هذه المعايير العامة، ومثل هذه المواصفات تكاد تدخل في حكم البداهات، ولكننا في زمن صارت فيه البداهات نفسها مما يحتاج الى تأكيد !. تحتاج الى تأكيد لأن المتفيقهين يزعمون بأنهم فقهاء! فأما ذهولهم عن واقع البلاد وواقع العالم المعاصر فيصل حدا يجعل السؤال عن حقيقة امتلاكهم عقولا سؤالا مشروعا ! وابلغ دليل على مثل هذا الذهول المرضي ان مجمع الفقه الذي يكفر (اهل الكتاب)، ويدعو بالتالي الى تطبيق حرفي لظاهر النصوص في استباحة دمائهم او دفعهم الجزية عن يد وهم صاغرون، هذا المجمع نفسه كأحد اجهزة رئاسة الجمهورية يتبع لها ومساءل امامها ويعلوه فيها (كتابي)، هو النائب الاول سلفاكير!! وقطعا ان الموظف (التابع) لا يملك ان يستبيح دم مخدمه ! وقطعا ان تناقضات كهذه لا تتعايش بمثل هذه الفجاجة الا في عقل فقد قدرته على (عقال) الواقع من حوله ! واما ذهولهم عن حقائق العالم المعاصر فيتبدى في عدم معرفتهم بأننا في العصر النووي، وان الكفار والصليبيين اذا طبقوا معايير مجمع الفقه والرابطة الشرعية على المخالفين في العقيدة، اي على المسلمين، فإن ما لا يزيد عن عشرين قنبلة نووية تاكتيكية كافية لمسح العالم الاسلامي من الخريطة ! صحيح ان هذا مستحيل، ليس بسبب عدم توفر القدرة العسكرية او التقنية، وانما بسبب القيم التي يسميها الظلاميون قيما «كفرية»، اي بسبب قيم حقوق الانسان،وهي قيم استولت على الرأي العام العالمي، وصارت ضابطا، وان لم يكن حاسما، للضواري الاستعمارية من ان تطيح في العالم على هواها ! ولكن، ومع ذلك، فإن في هذا دليل كافي على بؤس الظلامية، فأيما مبدأ اخلاقي لا يكتسب اخلاقيته الا حين يكون من الممكن التزامه في جميع الحالات الشبيهة، فهل يصلح مبدأ استباحة دم المخالف في العقيدة، مبدأ حاكما في العصر النووي؟! واذاطبق فمن يكسب ومن يخسر؟! ان مثل هذه الاسئلة البديهية التي يذهل عنها العقل الظلامي، انما تجيب عن مقدار غيبوبته، وتقدم تفسيرا لتوتره المرضي تجاه محاولات افاقته على هذه الحقائق، و تفسيرا لضجيجه الصخّاب للتغطية عليها بالصياح بتهم التكفير والزندقة !!.
اذن فذهولهم عن العالم المعاصر، وعن واقع البلاد، مما لا يحتاج إلى بيان، ولكن الأنكى أنهم قاصرون حتى عن معرفة المعايير الشرعية نفسها، فهذه المعايير، تتعامل مع قضية التكفير بحرص بالغ وتدقيق شديد، ولفائدتهم فإننا نحيلهم إلى المصادر الشرعية وإلى الارث السلفي الذي يزعمون انطلاقهم منه !.
روى أسامة بن زيد رضى الله عنه، قال: (بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحرقة من جهينة، فصبحنا القوم فهزمناهم، ولحقت أنا ورجل من الانصار رجلاً منهم، فلما غشيناهم قال: لا إله إلا الله، فكف عنه الانصاري، وطعنته برمحي حتى قتلته، قال، فلما قدمنا بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا أسامة، أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، قال: قلت: يا رسول الله إنما كان متعوذاً. قال: أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله، فمازال يكررها حتى تمنيت اني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم) «البخاري 4269، مسلم 96».
وحدث المقداد بن الأسود رضى الله عنه، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرأيت ان لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا فضرب احدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله أأقتله يا رسول الله بعد ان قالها؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وانك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال.) «البخاري 6865، مسلم 95».
و ما رواه عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الاسلام، فلم يحسنوا ان يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا. فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا كان يوم أمر خالد ان يقتل كل رجل منا أسيره، فقلت: والله لا اقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم فذكرناه، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد.) البخاري في المغازى 4339.
(3)
* تحرِّم النصوص الدينية تكفير المسلم، لقوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلم لست مؤمناً» «النساء 94»، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا واكل ذبيحتنا فهو المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا» «رواه البخاري بنحوه 384».} واستشعارا لخطورة الفتوى بالتكفير، وانطلاقا من الورع الديني اللازم في قضية بهذه الخطورة، فإن علماء السلف المرموقين قد شددوا على ضرورة الاحتياط والتدقيق في مثل هذه الفتاوى، وهذا قبل الازمنة الحديثة، التي تأسست فيها ثقافة حقوق الانسان بشكل ناجز، والتي تشمل ضمن ما تشمل كفالة حرية الاعتقاد، فصارت عرفا معروفا، يتعين على المسلم اخذه ما دام مطالبا بالاخذ بالمعروف، ولكن قبل هذه الازمنة الحديثة فإن فقهاء السلف يبدون حرصا يختلف جذريا عن خفة ومسارعة المتفيقهين في توزيع صكوك التكفير والزندقة، وأدناه انشر بعض اقوال ائمة السلف لتأكيد ما ذهبنا اليه بأن المتفيقهين فقهاء بلا فقه:
قال ابن تيميه: «ليس لاحد ان يكفر احدا من المسلمين وان اخطأ حتى تقام عليه الحجة وتبين له الحجة، ومن ثبت اسلامه بيقين لم يزل عنه بالشك، بل لا يزول الا بعد اقامة الحجة وازالة الشبهة».وقال ايضا معلقا على حديث: «ان الله تجاوز لي عن امتي الخطأ والنسيان»: وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية، وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل، ولم يشهد احد منهم على احد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية».
* وقال حجة الاسلام الغزالي: «… ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد اليه سبيلا، فإن استباحة الدماء والاموال من المصلين الى القبلة المصرحين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك الف كافر في الحياة اهون من الخطأ في سفك دم مسلم.».
* وقال الزنجاني: «التكفير والتضليل والتبديع خطر، والواجب الاحتياط، وعلى المكلف الاحتراز عن مواضع الشبهة ومظان الزلق ومواضع الخلاف».
* ويقول شيخ الاسلام تقي الدين السبكي: «كل من خاف الله عز وجل، استعظم القول بالتكفير لمن يقول: لا اله الا الله محمد رسول الله، اذ التكفير هائل عظيم الخطر، لأن من كفّر شخصا بعينه فكأنما اخبر ان مصيره في الآخرة جهنم خالدا فيها ابد الآبدين، وانه في الدنيا مباح الدم والمال، لا يمكّن من نكاح مسلمة ولا يجري عليه احكام المسلمين لا في حياته ولا بعد مماته، والخطأ في ترك الف كافر اهون من الخطر في سفك محجمة من دم امريء مسلم، وفي الحديث: «ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الامام ان يخطيء في العفو خير من ان يخطيء في العقوبة».ثم ان تلك المسائل التي يفتي فيها بتكفير هؤلاء القوم في غاية الدقة والغموض، لكثرة شبهها واختلاف قرائنها وتفاوت دواعي اهلها.ويحتاج من يحيط بالحق فيها الى الاستقصاء في معرفة الخطأ من سائر صنوف وجوهه، والاطلاع على دقائق التأويل وشرائطه، ومعرفة للالفاظ المحتملة للتأويل وغير المحتملة، وذلك يستدعي معرفة جميع طرق اهل اللسان من سائر قبائل العرب في حقائقها ومجازاتها واستعاراتها ومعرفة دقائق التوحيد وغوامضه، الى غير ذلك مما يتعذر جدا على اكابر علماء عصرنا فضلا عن غيرهم.وان كان الانسان يعجز عن تحرير معتقده في عبارة فكيف يحرر اعتقاد غيره من عبارته؟فما بقي الحكم بالتكفير الا لمن صرح بالكفر واختاره دينا وجحد الشهادتين وخرج عن دين الاسلام، وهذا نادر وقوعه.».
* وقال خاتمة متأخري الشافعية العلامة ابن حجر الهيثمي: «ينبغي للمفتي ان يحتاط في التكفير ما امكنه، لعظيم خطره وغلبة عدم قصده، سيما من العوام وما زال ائمتنا على ذلك قديما وحديثا.».
* وقال العلامة ابن الهمام من الحنفية: «ولا شك انه يجب ان يحتاط في عدم تكفير المسلم حتى قالوا: اذا كان في المسألة وجوه كثيرة توجب التكفير، ووجه واحد يمنعه على المفتي ان يميل اليه ويبني عليه.».
* وجاء في البحر الرائق: «وفي جامع الفضوليين روى الطحاوي عن اصحابنا لا يخرج الرجل من الايمان الا جحود ما ادخله فيه…»وفي الخلاصة: «اذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير، ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتي ان يميل الى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم… وفي التتارخانية: لا يكفر بالمحتمل، لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية، ومع الاحتمال لا نهاية».
* وقال الشوكاني: « اعلم أن الحكم على رجل مسلم بخروجه عن دين الاسلام ودخوله في الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ان يقدم عليه الا ببرهان اوضح من شمس النهار.».راجع «د. عمر عبد الله كامل مبدآن هامان ) .
(4)
سألت امرأة، عبر الموقع الالكتروني، أحد أبرز التكفيريين في البلاد، عن جواز ايجار منزلها للأمم المتحدة، فأفتاها بحرمة ذلك مدعياً بأنه يدخل في موالاة الكافرين ! ويجد مثل هذا الظلامي التكفيري الجرأة ليستل فتاويه المدججة في وجه امرأة مسكينة، فيحرمها تنطعاً من كسب ضروري ومشروع، ولكنه في المقابل، لا يجد الآن الجرأة الكافية ليسأل نفسه: فما حكم حكومة السودان التي ادخلت الأمم المتحدة ابتداء ؟! لو أنه متسق ونزيه في احكامه التكفيرية لأفتى بكفرية حكومة السودان وبالتالي لأفتى باستباحة دماء قادتها ! ولكنه الآن في مرحلة (التمسكن) وهي مرحلة تستدعى مداراة الحاكمين والاستقواء بظل سلطتهم وتفيؤ ظلال موارد الجامعات الحكومية، هذا بالطبع الى حين (التمكن)، ومن بعد ذلك التفرعن ، ولكنه على كل، إذ يبالي بمصالح (تمكنه) لا يبالي بعدم اتساقه مع منطقه ومع نفسه .
هكذا دوماً فإذا كان مطلوباً من الفقيه الحق استيعاب الفقه السابق ومن ثم تجديده وتجاوزه للاستجابة للتحديات المعاصرة، فإن المتفيقهين لا يقصرون عن الايفاء بمثل هذه المتطلبات وحسب، وانما يقصرون عن مجرد استيعاب الفقه السابق، والأنكى، انهم في ذلك يتناقضون والنصوص الدينية المحكمة، ومع المنطق، بل ومع أنفسهم.
خذ قضية تكفير الترابي أنموذجاً، وقبل ان نناقش آراء الترابي في ذاتها ، فمن حيث المبدأ، فانهم يكفرون الترابي بدعوى خروجه على نصوص قطعية الثبوت والدلالة ! ورغم ان هذا قد لا يصدق في توصيف الحالة، فلنذهب معهم الى نهاية منطقهم، ولنسلم بذلك.فالمضحك المبكي ان جعفر شيخ ادريس، الذي استقدمه الظلاميون من الخارج لتصورهم بأنه يخدم قضيتهم افضل، حيث أنه مثل الترابي يجمع بين الاطلاع التقليدي والدراسة الحديثة، ودارس للفلسفة، ولكنه جرياً وراء اهوائه، نسى أول درس في دروس الفلسفة، وهو مبدأ الاتساق المنطقي! فأفتى في ندوتهم بجامعة الخرطوم بردة الترابي ، ولكنه رأى عدم قتله حتى لا تثور ثائرة منظمات حقوق الانسان!! وليته برر رأيه بأن طواحين سفك الدماء هذه إذا دارت فإنها ستدور بلا نهاية، إذن لارتفع اخلاقياً، ولكن ثقالة الاهواء والانغلاق تشد دوماً إلى الاسفل ! الأهم ان جعفر شيخ ادريس قد كفر الترابي بزعم خروجه على نصوص قطعية، ولكنه هو نفسه، يجحد نصاً دينياً: (من بدل دينه فاقتلوه)، وهو كغيره من السلفيين والتكفيريين يراه نصاً قطعياً، مع ان الفكر الاسلامي المعاصر، إما ان يضعفه أو يراه مرحلياً أو متشابهاً أو محكوماً بسياقه التاريخي، فإذ يُبطل جعفر شيخ ادريس ما يراه نصاً قطعياً فانه وبحسب المنطق التكفيري الذي يتبناه، فإنه هو نفسه يكفر، ويصير بالتالي مستحقاً للقتل !!.
وبعيداً عن تهافت المنطق التكفيري، ومتجاوزين الطابع الانتهازي لفتوى جعفر شيخ ادريس بعدم قتل الترابي، فإن ممارسته الفقهية القاضية بابطال اعمال نص ما بسبب موازنات معينة أو لمستجدات طارئة يراها الفقيه أو المجتهد، مثل هذه الممارسة ممكنة ومعترف بها، حتى لدى السلفيين، وبالتالي فانها لا تشكل خروجاً على ما في الدين بالضرورة، ولا تصلح كحيثية دامغة للتكفير! وكأسوأ الاحتمالات فإن الترابي، في آرائه التي كفر بسببها، كإمامة المرأة، وزواج المسلمة بالكتابي، ومساواة شهادة المرأة والرجل، وغيرها ، وغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه، يمارس ذات الممارسة التي اجازها جعفر شيخ ادريس لنفسه، حين أفتى بعدم قتل الترابي (المرتد!)، ولذا فإن الاتساق المنطقي دع عنك العدالة يقتضي إما تكفيرهما معاً (!) أو الاقرار بجواز ذات الممارسة الفقهية لكليهما !.
ولندع جعفر شيخ ادريس وحسن الترابي، اللذين قد يتبادلان الاتهامات حول ايمانهما، ولنأخذ أنموذجاً آخر، سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه، والذي لا يشك عاقل في ايمانه، ولكنه ومع ذلك:- كان هناك جماعة من العرب، و«كانوا سادة في قومهم، فجعل الله لهم سهماً في الصدقات، وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يعطيهم هذه السهم تألفاً لقلوبهم، كما في قوله تعالى: «انما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم.) (60 التوبة).
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ومن بعده أبو بكر قد أعطوهم من الفيء ومن الزكاة، فلما استخلف عمر قال لهم: (ان الله أعز الاسلام وأغنى عنكم). ثم منع هذه الطائفة كلها ما كان لها من نصيب في الزكاة وجعلها لغيرها من المسلمين.وهكذا تجاوز سيدنا عمر حكماً قطعي الدلالة والثبوت .
– كذلك كانت السنة النبوية تقضي بتوزيع اربعة أخماس الارض المفتوحة على مقاتلة جيش الفتح، عملاً بقوله تعالى: (واعلموا انما غنمتم من شيء فإن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (41 الأنفال)، وكان هذا قانوناً متبعاً منذ فتح خيبر وتوزيع غنائمها (سنة 7 هجرية). غير ان سيدنا عمر بن الخطاب رأى ان علة الحكم قد تغيرت بعد الفتوحات الجديدة وانضمام البلدان الجديدة لديار الاسلام، بكل ما يتطلبه ذلك من حسن ادارة مواردها الاقتصادية لمصلحة أهلها المقيمين عليها، ولمصلحة المسلمين المستقبلية، على تعاقب أجيالهم. لذلك رفض توزيع الفيء على المقاتلة وترك الارض لأهلها واستبدل الفيء بالخراج والجزية.- أيضاً كانت الجزية قانوناً قائماً وحكماً ثابتاً على أهل الكتاب الذين يطيقون حمل السلاح لقوله تعالى (… حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (29 التوبة)، ولكن عندما اراد سيدنا عمر أخذ الجزية من نصارى بني تغلب، قيل له: (انهم عرب وقد اعلنوا نفورهم عن دفع الجزية والمحوا الى ان فرضها عليهم سيغير من ولائهم الذي محضوه للدولة) فقبل سيدنا عمر الحجة واسقط عنهم الجزية.(وردت عند شمس الدين ضو البيت 2004).
والخلاصة من اجتهادات سيدنا عمر رضى الله عنه ان الكثير من الاحكام الدينية لها علل ومقاصد، فإذا ما تغير السياق التاريخي، بصورة انتفت معها علة الحكم، أو صار تطبيقه حرفياً قد يجهض المقصد من ورائه، فالأحكم السعي الى تحقيق المقصد بدلاً عن الجمود عند حرفية النصوص. وقد أسس فقهاء السلف مبدأ أصولياً من هذه الاجتهادات، وهو ان ان الاحكام تدور مع عللها.
وهي قاعدة تجد اتفاقاً واسعاً عليها، وهي بالطبع تثير العديد من القضايا الاشكالية، كضرورة تحديد الثابت والمتحرك، وحدود هذا التحرك، وضوابطه، بحيث يظل في اطار الدين وليس خارجاً عنه، وهي قضايا وبرغم اشكاليتها، إلا ان مواجهتها، واقتراح حلولها، هو وحده الكفيل بتجديد وتطوير الفقه والفكر الاسلاميين، ومهما يكن، فإن مبدأ دوران الاحكام مع عللها مما يجد قبولاً واسعاً لدى السلف، وحتى وان توصل التكفيريون إلى خطئه ، وبالتالي الى تخطئة سيدنا عمر رضى الله عنه، وهذا من حقهم، فلا اعتقد بأن هناك مسلماً يرى ان من حقهم كذلك تكفير سيدنا عمر، وهو من الصحابة، ومن المبشرين بالجنة .
ومادام التكفيريون والظلاميون يسارعون الى تصدير فتاوى التكفير واستباحة الأرواح، فالأجدر بهم ان يعلموا انهم لن يكونوا في منجاة من مثل هذا الاستخفاف ! كيف بهم إذا اعتمد شباب المؤتمر الشعبي ، تضامناً مع شيخهم، أو غيرهم، فتوى تقتيل الغلاة والخوارج، وطبقوها عليهم، خصوصاً وانها تقضي بقتلهم كقتل عاد، ثم ان الكثير من حيثياتها تنطبق عليهم: كسمة الغلو ، في كل الاعمال ، بما في ذلك العبادات ، كما يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم :(تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم وأعمالكم مع أعمالهم)، ولكنهم مع ذلك (يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية)، وذلك لأنهم (أحداث الأسنان – أي صغار السن – سفهاء الأحلام يقولون من خير البرية أي يستشهدون بالقرآن لا يجاوز ايمانهم حناجرهم )، فيقضي الحديث النبوي (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فان في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة). (البخاري 3414، و6531).
(5)
* ركزتُ في الحلقات السابقة على الدفاع عن مبدأ حرية الفكر والضمير، للجميع، بمن فيهم د. الترابي، ودافعت عن حقه في قول ما قال به، خصوصاً في مواجهة التكفيريين والظلاميين، الذين يشكلون خطراً ماثلاً وعظيماً على البلاد – على وحدتها الوطنية وسلامها الاجتماعي وعلى ديمقراطيتها واستقرارها السياسي، اللاحقين، ولذا فقد تجاوزت في السابق مناقشة آراء الترابي في ذاتها، فالمناقشة لا تتم إلا بعد اقرارها ابتداء كمبدأ، وبالطبع فان الداعين إلى سفك الدماء لا يعتمدونها كآلية لفض المنازعات الفكرية والفقهية ! والآن إذ دافعنا وأرسينا مبدأ المناقشة، فأود ابداء بعض الملاحظات على آراء د. الترابي.
* والملاحظة المنهاجية الاساسية، غض النظر عن تفاصيل الآراء، تتعلق بأن هذه الآراء، ورغم طابعها الاجتهادي، إلا انها بلا منهج تجديد معلن، آراء مرسلة هكذا، بلا تأسيس فكري وفقهي كافيين، وبلا منهجية محددة في التعامل مع النصوص الدينية، بل وبلا حجج ولا اثباتات، كأنما صدورها عن الترابي شخصياً كاف في حد ذاته لاثباتها، أو ان عبء اثباتها يقع على المريدين، الاقل شأناً وعلماً !!.
* والترابي ليس أول من مارس الاجتهاد في التاريخ الاسلامي، ولا أول من قارب موضوعات كوضعية النساء والعلاقة بالآخر (أهل الكتاب)، ولكن الاجتهادات التي أثمرت وساهمت في التراكم الفكري والفقهي في التاريخ الاسلامي انما هي الاجتهادات التي توفرت على موضوعها، فحاججت وقارنت وفندت ودحضت، وبالنتيجة خلفت منهجاً محدداً في التجديد الديني، ذلك ان هذا المنهج المحدد إذ يتعرض للنقد النظري والعملي، يكشف عن جوانبه المثمرة، والتي يتم تبنيها في أية اجتهادات لاحقة، وكذلك عن جوانب قصوره التي يتم طرحها وتجاوزها لاحقاً، وهذا ما يعطي مثل هذه الاجتهادات، ورغم ما فيها من اخطاء، طابعاً ايجابياً، لأنها تمثل لبنات في بناء معرفي نامٍ ومتصاعد.
* وفي هذا الاطار يمكن الاشارة إلى العديد من الاجتهادات ، بدءاً من المعتزلة، الذين طرحوا منهجاً للتفريق بين مُحكم ومتشابه القرآن، وصاغوا مقولة المجاز لفض التعارض الظاهري بين المحكم والمتشابه، وبرغم تقادم السنين، وغض النظر عن تفاصيل آراء المعتزلة، فان تمييزهم ذاك ، لا يزال، وحتى الآن، يتسم بثراء فكري وفقهي.وكذلك منهج المتصوفة في التمييز بين المعنى الظاهر والباطن للنصوص الدينية، ومن ثم استخدام التأويل كآلية منهاجية في مقاربة النصوص، وفي فك تعارض متشابهها، وفي توليد المعاني الجديدة، هذا المنهج، حتى ولو لم يصل استخدامه الى المدى الواسع في الاستخدام الصوفي، فإنه منهج لا غنى عنه في مقاربة النصوص الدينية، بل وأية نصوص اخرى.أو منهج الفلاسفة المسلمين، كابن رشد، والذين حاولوا التوفيق بين (الشريعة والحكمة)، على قاعدة وحدة الحقيقة وتعدد وسائلها، وأما اذا «خالف صحيح المنقول صحيح المعقول فيأول صحيح المنقول ليوافق صحيح المعقول»، كما يقول ابن رشد، ولايزال العالم الاسلامي، وحتى الآن، يواجه قضية المواءمة بين النقل والعقل، أو بين الاصل والعصر، ويستطيع ان يتعلم الكثير من الأولوية التي اعطاها الفلاسفة للعقل في مقاربة المشكلات، وفي فهم النصوص، وفي تأويلها، وفي مواءمتها مع الأوضاع الجديدة.وكذلك منهجية (مقاصد الشريعة)، كأساس منهجي لتنزيل النصوص على الواقع، والتي صاغها في صورتها الجنينية الامام الغزالي، ثم اكتسبت طابعها المؤسس والمنهاجي لدى الامام الشاطبي.
* وفي الازمنة المعاصرة، يمكن تعداد الكثير من المقاربات المنهاجية للتجديد الديني، ويشغل فيها الاسهام السوداني مكاناً متقدماً، قياساً بالعالم الاسلامي، واذكر منها على سبيل المثال، منهجية الاستاذ/ محمود محمد طه القائمة على التمييز بين الاصول والفروع، ومنهجية الامام الصادق المهدي (التي تضع كآلية للاجتهاد النص الديني القطعي زائداً المقاصد والحكمة والمصلحة والعقل والعدل والسياسة الشرعية والمعرفة الانسانية)، وكذلك منهجية د. نصر حامد أبو زيد – المفكر المصري – والقائمة على (التاريخية) أي على ضرورة فهم النص في سياقه التاريخي، ومنهجية جمال البنا – مفكر مصري أيضاً – القائمة على (الكتاب والحكمة)، ومنهجية طه ابراهيم (المحامي السوداني) والتي يمكن وصفها بمنهجية (الاستطاعة) – أي رفع الحرج عن المسلمين بتجاوز ما لا يدخل في استطاعتهم بتغير الظروف التاريخية، ومنهجية شمس الدين ضو البيت التي تجمع ما بين (الكتاب والحكمة) و(التاريخية) وتذهب بهما إلى مداهما….. وغيرها من الاجتهادات.
* ولكن، في المقابل، فإن د. الترابي، وبدلاً عن ارساء منهج محدد للتجديد، فانه يكتفي باقتراحات ذات طابع عام عن أهمية (تجديد) الفكر الديني و(تجديد) أصول الفقه الاسلامي، دون ان يحدد ماهية هذا التجديد، وقواعده، وضوابطه ! ورغم استنارة عديد من آراء د. الترابي، كآرائه عن الردة وعن المرأة والفنون، إلا ان تسيبه المنهجي، خلاف خطئه نظرياً، فان له مخاطر بالغة، وهي ليست مجرد مخاطر نظرية، وانما مخاطر عملية وملموسة، تؤكدها تجربة الترابي السياسية، حيث يتيح هذا التسيب المنهجي الدفاع عن الفكرة ونقيضها، عن الحرية وعن القمع، وعن العمل السياسي المدني وعن الارهاب، وأيما مراقب لمسيرة د.الترابي يستطيع ان يلحظ هذا (التسوق) بين النقائض المختلفة، على مر الازمان، وباختلاف مصالحه الحزبية والشخصية !.
* وأما الخطورة الثانية، ومرتبطة بالأولى، ولا تقل عنها اهمية، فان التسيب المنهجي، يجعل التجديد ليس قائماً على معايير محددة ومعلنة، يستطيع أياً من كان استخدامها، وانما ممارسة مزاجية تعسفية، وبالتالي تتحدد المرجعية النهائية، لا بالمعايير الموضوعية، وانما بمزاجية المجتهد، أي بحسب ما يراه (المجتهد الاوثق)، في مصطلح د.الترابي، وبالطبع فان (المجتهد الاوثق) المعني انما هو الترابي نفسه !! واذا كان أحد الباحثين السودانيين د.عبد السلام سيد أحمد قد لخص تجربة الترابي السياسية في مقولة نظرية بأن الدولة الاسلامية عند الترابي، ليست الدولة التي تحكمها قيم معينة وانما تلك التي يحكمها الاسلاميون، واضاف اليه باحث غربي وال بان الدولة الاسلامية عند الترابي انما هي الدولة التي يحكمها الترابي نفسه (!)، اذا كان ذلك في السياسة، ففي الفكر فان التسيب المنهجي للترابي انما يؤدي الى ان الفكرة المعنية اسلامية لانها قد نطق بها الترابي !!.
* وقد لاحظ د.عبد الوهاب الافندي، بأن تلامذة د.الترابي، خصوصاً الحاكمين، يضمرون احتقارا بالغا للشعب السوداني، ولكن الافندي لم يصل بملاحظته الصحيحة الى أساسها الفكري لدى الترابي، ذلك ان التسيب المنهجي، الذي ذكرناه ، ليس مجرد هفوة فكرية، وانما اختيار ايديولوجي ، يهدف الى تحطيم المرجعيات الموضوعية، سواء نصا او عقلا، واحلال (القائد) مكانها ! وهذه ذات الفكرة التي تأسست عليها الفاشية، والتي تقود حتماً الى احتقار الشعوب، والى المذابح والكوارث الانسانية، ولسبب واضح، لان معيار الصحة لا يعد حينها خير الانسان، ولا مصالح الشعب، ولا الواقع، وانما الاختيارات المزاجية والتحكمية للجماعة المعينة ولقائدها (السوبر) او (الاوثق)! وبالطبع فان الجماعة، وكذلك القائد، اللذين لا يستشعران اية رقابة عليهما من خارج معاييرهما الذاتية، يكونان على استعداد لفعل كل شيء، بما في ذلك افظع الجرائم ، لانه بغياب مرجعية الانسان والعقل والواقع يتساوي كل شيء بأي شيء، بما في ذلك الجرائم والمآثر، والضحايا والجلادين.
(6)
تستند الاحزاب العقائدية على نواة صلبة من المقولات والمفاهيم، تشكل الدوغما أو (المعتقد الوثوقي) ، وهي التي تتم على أساسها التعبئة والتجييش، ولتلعب هذا الدور فلابد أن تتسم بثبات نسبي لا يتغير بتغير الواقع من حولها ، ولكن ولأن التغيير غلاب، فإن الوقائع الجديدة تضغط على المعتقد الوثوقي بما يفرض عليه تعديلات معينة، ومن هنا يرتسم دور القيادة الكاريزمية في الحزب العقائدي، فهي التي تحافظ على المعتقد الوثوقي وفي ذات الوقت تجري عليه التعديلات المناسبة بحيث لا يتعرض للفوات التاريخي، وهكذا فإن احد سمات الحزب العقائدي الاساسية السلطة المعنوية الهائلة التي يمنحها لقيادته، بحيث يمكن القول إن مرجعية الحزب العقائدي في النهاية إنما هي القيادة الكاريزمية والمحولة الى صنم يتمركز ويطوف حوله كامل الحزب.
وتلعب هذه القيادة دور السادن الاعظم، فهي التي تحافظ على (صفاء) المعتقد الوثوقي، وتختص بتفسيره، وكأى عملية تفسير، فإنها ليست ممارسة بريئة وانما ممارسة آيديولوجية، تتضمن التأويل ورسم الحدود، أى أن القيادة هي التي تحدد ما هو داخل المعتقد وما هو خارجه، وهي التي تحدد (التجديد) المسموح به والذي يحافظ على الوثوقية، وفي ذات الوقت تحدد (التحريف) الموصوم بالردة والخيانة !!.
وآراء د . الترابي الأخيرة، ورغم طابعها المستنير، إلا أنها بتسيبها المنهجي، توطد الطابع الوثوقي للحزب العقائدي، حيث إنها بدلا من المرجعيات المعروفة كالنص الديني، أو العقل أو المصلحة، أو المنهج المحدد للتجديد، تستعيض عن ذلك بمرجعية سلطة القائد المعنوية، وبالتالي، فإن هذه الآراء، ورغم المناقشات الخصبة التي استثارتها، والحراك الفكري الفقهي الذي احدثته، وكل هذا ايجابي وضروري لتحريك ركود العقل المسلم ، إلا أنها ومع ذلك ، لا تزال تدور في إطار المحافظة على الدوغما، ولا تشكل مسعى جاداً للقطيعة معها.
خذ مثلا وضعية النساء، فقد تأسست حركة الاخوان المسلمين على اطروحات حسن البنا القائمة على دونية المرأة، الى الدرجة التي يدعو فيها ليس فقط الى حرمانها من حقوقها السياسية وحقها في العمل، وانما كذلك الى حرمانها من حق التعليم، فيقول بأن المرأة يجب الا تُعلم شيئا سوى سورتي الحجرات والنور!!.
والترابي، بدهائه السياسي، انتبه باكرا الى ان مثل هذه الاطروحات لا تستطيع مخاطبة المجتمع الحديث، وما فرضه من خروج واسع للنساء، ومن ثم دخولهن الكثيف الى مؤسسات العمل والتعليم وإلى الحياة العامة، واحساسهن بالاستقلالية، وبحثهن عن المساواة والكرامة، فسعى الى تعديل المعتقد الوثوقي بما يستجيب للوقائع الجديدة.ولكن الترابي، في سبيل ذلك، لا يعيد النظر في المنطلقات الابتدائية والاصلية لحركته المعادية للمرأة، بل يتعامل معها وكأنها غير موجودة!
ثم لا يناقش النصوص الكثيرة، سواء في القرآن اوالحديث، التي تحتاج الى اعادة مخاطبة، كمثل نصوص الميراث، والضرب، وما افلح قوم، و قطع الصلاة بالكلب العقور والمرأة«!»، وغيرها، وانما يقفز مباشرة الى نتائجه المستهدفة ابتداء، فإذا ووجه بالنصوص غير المرغوب فيها، فإنه اما يسخر من القائلين بها وهم جديرون بالسخرية، ولكن السخرية وحدها غير كافية في حل المعضلات الفكرية والفقهية ، او يستخدم «الحيل» اللغوية للتملص من تلك النصوص المعارضة، او يستشهد بنصوص اخرى مؤيدة وتعامل معها وكأنها الوحيدة التي تتناول الموضوع !. بما يعني التهرب من مجرد محاولة التوفيق بين النصوص المتعارضة او المتشابهة ! وبالطبع، فإن آليات كهذه قد تخرج الحزب العقائدي من ازمة فواته التاريخي، فالحزب العقائدي لا يعنى بالحجج والاثباتات، وانما يعنى بقول قائده الموثوق! ومجرد مثل هذا القول كاف لحزب مرجعيته النهائية هي القائد نفسه، ولكن مثل هذه الآليات غير كافية وغير صالحة لتخطي الازمة الفكرية والاخلاقية التي يواجهها المسلم المعاصر!.
ولكن الازمة ليست ازمة الترابي وحده، وانما عامة المسلمين، ومن بينهم المتفيقهين انفسهم، وخذ مثلا، قضية شهادة المرأة، والتي يصر المتفيقهون في مجمع الفقه الاسلامي على كونها نصف شهادة الرجل، فإذا كان الامر كذلك، فكيف يسمح للمرأة في الدولة «الاسلامية» السودانية بتولي القضاء ؟!. والقضاء كما لا يخفى اعظم واجل من مجرد الشهادة !! إنها معضلة حقيقية ولا يستطيع الفقه السلفي التقليدي حلها والابقاء على ذات منطلقاته السلفية، ولهذا فإن المتفيقهين اذ يكفرون الترابي على قوله بمساواة المرأة في الشهادة، فإنهم يصمتون صمت القبور عن القضية الجوهرية والقائمة عمليا وحاليا في السودان، أى قضية تولي المرأة للقضاء ، بما في ذلك قضاء المحكمة العليا !!.
وكذلك قضية إمامة المرأة للصلاة ، وهي ليست امراً تعبدياً محضاً ، وإنما تتصل بالاجتماع والسياسة ، فإذا لم يكن مباحاً للمرأة إمامة بعض الرجال في الصلاة، فكيف يباح لها إمامتهم جميعاً في الإمامة الكبرى، أي امامتهم في السياسة والمجتمع ؟! والمضحك المبكي أن متفيقهي مجمع الفقه الذي يتبع لرئاسة الجمهورية، يكتسبون سلطاتهم ووضعهم الدستوري والقانوني، من الدستور (سواء دستور 98 ، او الدستور الحالي) ، وكلاهما ينص على دولة المواطنة ، وعلى أن مواصفات رئيس الجمهورية لا يدخل من ضمنها شرط الذكورة ، بما يعنى أن للمرأة حق تولى رئاسة الجمهورية، فهل يشكل كفراً القول بإمامتها لبعض الرجال في الصلاة ، ولا يشكل كفراً القبول العملى لإمامتها لملايين المسلمين كرئيس للجمهورية ؟! مرة اخرى ، ان مثل هذه التناقضات لا تتعايش بسلام إلا في عقل فقد عقاله المنطقي !!.
ويستطيع التكفيريون والظلاميون في الرابطة الشرعية ان يجيبوا على مثل هذه التناقضات بإتخاذ موقف متسق قائم على دونية المرأة، فيرفضون مساواتها في الشهادة وتوليها القضاء، ويرفضون حقها في الانتخابات ودخولها البرلمان ورئاستها للجمهورية، ولكنهم اذ يفعلون ذلك، فينسجمون مع اطروحتهم الظلامية، فإنهم يفقدون في ذات الوقت أية وشيجة بينهم وبين المرأة المعاصرة ، فمثل هذه المرأة تبحث عن المساواة والكرامة ، فإذا لم تجدهما في اطار الإسلام فستبحث عنهما خارجه وخارج الأديان ! وهذه هي النتيجة الحتمية لسيادة الفكر الظلامي ، الفتنة عن الإسلام ، ومن ثم بحث المجتمعات المعاصرة عن اجابات لأسئلتها الحيوية خارجه !!.
ومما يثير الأسى ، ويعطي دلالة بالغة لمقدار انحطاط الفقه والفكر في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ، أن رأياً مثل إمامة المرأة للصلاة ، والذي أثار حالياً هذه الموجة من الاحتجاجات وهذه الهوجة من دعاوى التكفير واستباحة الدم ، في داخل وخارج السودان ، هذا الرأى ، سبق وطرحه فقهاء مسلمون عديدون قبل مئات السنين، من بينهم الشيخ الأكبر الامام محي الدين بن عربي ، ولم يثر وقتها ما يثيره الآن !.
يقول الإمام محي الدين بن عربي في الفتوحات المكية:( … فمن الناس من أجاز إمامة المرأة على الإطلاق بالرجال والنساء، وبه أقول ، ومنهم من منع إمامتها على الإطلاق ومنهم من أجاز امامتها بالنساء دون الرجال.الإعتبار في ذلك: شهد رسول الله صلي الله عليه وسلم لبعض النساء بالكمال كما شهد لبعض الرجال وان كانوا اكثر من النساء في الكمال وهو النبوة ، والنبوة إمامة فصحت إمامة المرأة ، والأصل إجازة إمامتها ، فمن ادعى منع ذلك من غير دليل فلا يسمع له ، ولا نص للمانع في ذلك وحجته في منع ذلك يدخل معه فيها ويشرك فتسقط الحجة فيبقى الأصل بإجازة إمامتها…) (الفتوحات ج/1/ 548).
لاحظ ان الشيخ ابن عربي ولد في 560 ه، وتوفى في 638 ه، وألف كتابه الفتوحات المكية في ثلاثين عاماً انتهت في حوالي 630 ه ،أي قبل حوالى 800 عام من الآن !!.
فياله من ظلام يلفنا حالياً ، وياله من إنحطاط.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.