مركز الخرطوم الان الواقع بين النهر و خط سكك حديد السودان يعتبر (دوان تاون) وهو يضم معالم كثيرة بما فيها جامعة الخرطوم تعتبر من مباني التراث العمراني. مع ان جامعة الخرطوم تتبع لوزارة التربية والتعليم كان يجب ان تكون مبانيها تحت حماية وزارة السياحة باعتبارها احد معالم التراث العمراني اضافة الى رمزيتها المعرفية والثقافية ووضع مبانيها تحت الحماية لا يتعارض مع اداء دورها كمؤسسة تربوية رائدة ذات اهمية مركزية في وجدان الشعب السودانيمع امكانية تهيئة مبانيها اي ترميمها و المحافظة على عناصرها المعمارية لاستقبال الزوار طوال العام وهو امر لا يؤدي فقط الى رفع الوعى باهميتها التاريخية و المعرفية بل يساهم فى رفدها بمصدر دخل اضافي وهو أدعى بان تقوم الحكومة بواجبها تجاه منع ازالتها او التعدي على مبانيها و سن التشريعات التى تحافظ عليها و تحميها. تتمدد المدينة ديمغرافيا و عمرانيا خارج مركزها القديم بسبب قصور البنية التحتية و ضيق المساحات و لكن يظل مركز المدينة فى اي مدينة هو ذاكرة المدينة و متحف مفتوح يحكي تاريخ و ماثر الامة . قدم المباني لا يستدعى بالضرورة ازالتهافى كل الحالات فى أمريكا مثلا جامعة اييل وهي من اعرق الجامعات فى العالم اضافة الى جامعة هارفارد تعتبرمن الوجهات السياحية فى امريكا و جامعة اكسفور فى بريطانيا من اقدم المؤسسات العلمية و التى يصل عمرها الى اكثر من 800 عام و يزورها سنويا اكثر من مليون شخص رغم ذلك لم ينادي احد فى بريطاينا بتحويلها الى مول حديث بسسب قدم مبانيها. البيت الابيض الامريكي ( عمرة 220عام) من اهم الوجهات السياحية التى يقصدها زوار العاصمة واشنطن اضافة الى مبنى الكابيتول (عمرة 165 عام) و فى بريطانيا يعتبر بيت البرلمان من ابرز المعالم السياحية فى العاصمة لندن ولم ينادي احد بتحطيم باب10 شارع دونينغ (من ضلفتين) فى بريطانيا حتى اثناء وهجها الامبراطوى بغرض توسعته لانه لا يعبر عن عظمة بريطانيا وهو مقر و مسكن رئيس وزراء بريطانيا , مع ذلك هذه الصروح لازالت تقوم بدورها الوظيفي الاساسي سواء كانت مؤسسات تنفيذية او تشريعية او تربوية. لا يقتصر دور هذه الصروح على الجانب الوظيفي بل يتجاوزه الى اهميتها كمآثر وطنية تساهم فى تعزيز ثقة المواطنين بذاتهم و احترامهم لماضيهم و فى تشكيل وجدان مشترك الى جانب انها تمثل مصدر دائم للفخر والاعتزازبالوطن وهو امر من الصعب ان تعيه حكومة الانقاذ وهى تعتمد اسلوب الرعى الجائر فى ممتلكات و مقدرات الشعب السوداني يستوى عندها الفعل ان تزيل مباني جامعة قومية او مباني مراحيض عامة. الحكومة ليس لديها مقدرة لادراك البعد الثقافي و التربوى والوطني لجامعة الخرطوم لانها تعاني قصور فى ادراك الابعاد الثقافية والوطنيةلمثل هذه المؤسساتو لا يمكن النظر الى حالة الجدب الثقافي التى نعيشه فى السودان اليوم بمعزل عن التردي الذى يطال كل مناحي الحياة وهو ما يستدعي للذاكرة قول احدنطاسي دولة الانقاذ فى تسعينيات القرن الماضى وهو غازي صلاح الدين, وزير الثقافة والاعلام حينها عندما نعت الثقافة ب "السخافة" فى مقال له فى احد الصحف السيارةوهو امر يدل على مقدار الاهتمامالذى تحظي به الثقافة فى عقولحكامنا. "هندسة الخراب" استراتيجية اختطتها الانقاذ لنفسهاحيث شرعت منذ يومها الاول فى تخريب المؤسسات الوطنية الواحدة تلو الاخرى بشكل مدروس و ممنهج و لم تتوقف عن كونها حالة متعاظمة من البرهنة المستمرة على الاستبداد والبطش و ازدراء المواطنين رغم ان مقولة نابليون فى ان "الحكومة يجب ان تكون برهنة مستمرة" تقف عاجزة عن تبرير خطل الانقاذ و خسرانها فى ذلك حيث ان تاكيد سيادة و هيبة الدولة و والتى تعنى فى محصلتها النهائية هيبة وسيادة الشعب "كرامة الامة" لا تعني ابدا البرهنة المستمرة على تاكيد جبروت و طغيان و بطش الدولة على شعبها بدلا من ان تعني البرهنة المستمرة على حضور الدولة فى حياة الناس عبرتلبية حاجات و تحقيقآمال و تطلعات مواطنيها. الواجهة النيلية تعتبر فريسة وغنيمة الغنائم لضوارى الانقاذ و طيورها القمامة لان نظرائهم التتار عندما رصفوا نهر دجلة بالكتب ليصنعوا جسرا لم يكونوا يدركون الفرق بين غائية الكتاب و آنية الجسر. انشاء مباني براقة على ضفاف النيل قد تسر الناظرين ولكنها ستظل خاوية و بارده و بدون ذاكرة تحكي عن سحر المكان و عظمة انسانه.