الهجمة والنجمة أجراس تقرع على مسامع الذاكرة لإنسان جنوب كردفان كل عام منذ أن دارت الحرب الأخير عقب الاستحقاق الانتخابي بعد توقيع أتفاقية السلام الشامل في نيفاشا 2005م والتي إنتهت مخرجاتها بحرب مستعرة تدور رحاها الي اليوم ،لتلج عامها السادس على التوالي ،حرب بدأت بلا رحمة قضت على الأخضر واليابس اشتعلت كالهشيم تضرر منها كل جوانب الحياة، ضاعفت أعداد اليتامى والثكالى والأرامل والمشردين الذين خلفتهم الحروب الماضية قبل دخول جبال النوبة في تسوية سلمية بنيفاشا ،بل دكت كل ما شيدته سنين السلام من بنيات تحتية وعلاقات أجتماعية وتعايش سلمي ، ولو قدر للأطراف يومها أن يحكموا صوت العقل على البندقية لصارت الان جنوب كردفان جنة ترفل في نعيم خير من نظيراتها، لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، ووسط المدنية في امسية شابها الحذر من جراء توترات صاحبة الحملة الانتخابية للأنتخابات التكميلية في جنوب كردفان التي كانت مخصصة لمنصب الوالي والمجلس التشريعي للولاية،وإثر مغالطات كثيرة بين شريكي نيفاشا أدت في النهاية الي تمرد الحركة الشعبية بجنوب كردفان واندلعت الحرب، وظلت مستمرة كقصة تتجدد كل عام ولا جديد في نهايتها، رقم الجولات والصولات في التفاوض الرسمي بين الحركة الشعبية شمال والحكومة السودانية في منبر أديس ابابا للسلام وعدد من المؤتمرات والورش واللقاءات وتعاقب الحكام علي الولاية،وجهود كثيرة رسمية وشعبية هدفت التوسط لأحلال السلام إلا انها بأت بالفشل ،وفي المقابل حتي الذين خرجوا بالأمس للقتال قد خارت قواهم وتشتت بهم السبل فعاد من عاد الي حضن الوطن متفقين او مسلمين او مستسلمين، ورقم الجهود المبذولة حرباً وسلماً كان الزمن أسرع من أرادة الجميع وهو لن يتوقف حتماً بل يعد العدة مع عقارب الساعة في دوران جديد يأذن بدخول عام لا يأبه بالمصير ولن يلتفت لإرادة لا تقوى على نفساها لتتحدى المستحيل. الحرب اولها كلام : دشنت الحركة الشعبية حملتها الإنتخابية فى الخامس من أبريل بقوة كبيرة من قواتها وكان حضوراً فيها جيمس وانى إيقا وربيكا قرنق وأكول تونج وآخرون من الجنوب، وجاءت تابيتا بطرس ومحمد المصطفى من قياداتها بالمركز وعبدالله إبراهيم عباس من النيل الأزرق،وإنطلقت حملة إعلامية ضخمة للحركة الشعبية غطت ملصقاتهما أى مكان فى مدينة كادقلى في وقت قاطعت فيه قوى سياسية الانتخابات والحملات الدعائية لانها إستدركت أن الذي سيبدأ أخره حروب لا نهاية لها خاصة وأن الجو المشحون بالتوترات يومها ينبء بذلك،ورغماً عن ذلك لم يترك الحزبان جدران اومكان بلا شارة او علامة من ملصقات المرشحين،وافلحت الحركة الشعبية في تغطية المبانى وقمم الجبال وأعالى الأشجار والملبوسات والسيارات وحتى (الكوارو والمواتر والركشات وجنبات الأشجار) ، عند شارع كادوقلى الي مدخل المدينة حيث مقر الحركة الشعبية،وأنطلقت من تلك الدار الفخيمة الجديدة التي لا تخطئها انظار الزائرين لكادوقلى كل البدايات التي كانت ترسم في صمت طريقها الي الحرب،بينما المؤتمر الوطني من جانبه اطلق حملة قوية لحزبه فى الثانى من أبريل 2011م توالت قياداته تباعاً مشاركة فى عدد من اللقاءات الجماهيرية وأخرى خاصة توجيهاً من رئيس الجمهورية ،ولم تخلو من الإنسلاخات والبيعات من بينهم قيادات فاعلة سياسياً بالحركة الشعبية وآخرون بالجيش الشعبى بقطاعات الولاية الثلاثة المنطقة الغربية والوسط والشرقية، وفى المقابل توالت قيادات الحركة الشعبية فى مشاركة الحلوكذلك المخاطبات الجماهيرية من قبل بعض المسؤولين فى المؤتمرالوطنى والحركة الشعبية وما تخللتها من عبارات ) صبت الزيت على النار) وكانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ولم يراع فيها خصوصية جنوب كردفان وحساسية الأوضاع، فكان الإستقطاب الحاد من قبل الطرفين ،طال حتى الأسرة الواحدة فكانت نتيجتها ما آلت إليه الأوضاع فى الولاية،ودخلت الحركة الشعبية الحملة الانتخابية بطموح عال راهن بعض قياداتها على إنها ستضمن فوزاً مبكراً لمرشحها الحلو بمقعد الوالى فى جنوب كردفان و(25) مقعداً علي الاقل فى الدوائر الحزبية والفعاليات التنظيمية وتنافس على (7) مقاعد بدعم الأحزاب والقوى السياسية ،ولكنها كانت لا تعلم ما تخبئه لها المفاجآت من قبل خصمها المؤتمر الوطنى ، فكانت أولى هذه المفاجآت أن أصبح تلفون كوكو مرشحاً مستقلا لمنصب الوالى خصما من رصيد الحركة الشعبية ، ولم تنته الصدمة عند هذا الحد بل إنطلق المؤتمر الوطنى فى حملات إستقطاب واسعة أدت لإنسلاخات كبرى وسط عضوية الحركة الشعبية،ورقم ذلك رصدت بعض وسائل الإعلام إتفاقاً غير مكتوب بين هارون والحلو قبيل بداية الحملة الإنتخابية وفى آخر لقاء جمع بينهما ، فقد أمنا على أهمية الحوار السياسى وأهمية الأمن والإستقرار والتعايش السلمى الذى بنياه طيلة فترة الشراكة بينهما إلإ ان انتخابات مايو 2011م التكميلية وما صاحبها من إرهاصات ادت لإنفجارالأوضاع الأمنية فى السادس من يونيو من ذات العام اي ما عرف ب(الكتمة) حيث أصبحت من بعد نغمة مشهورة يتداولونها عبر الموبايلات بصوت أحمد هارون (يوم 6/6 الساعة ستة كتمت كتمت .. كتمت!!.) مشروع السودان الجديد: للحركة الشعبية مشروع يحمل في طياته التماهي مع الافريقانية منها ما هو متصل بطمس ملامح الهوية العربية واعلاء صوت الافريقانية، حيث بدأ المشروع بتغيير الاسماء العربية المعروفة ومنها (أرنو نقوتيلو لودى (كما يعرف سابقاً ب(محمد عمر) وهوأحد قيادات الحركة الشعبية فى جنوب كردفان ومن الذين غيروا أسماءهم وحتى أسماء آبائهم للتماهى مع الشعارات الأفريقانية ولحق به أخرين بعد الكتمة من ضمنهم قمر دلمان الذي عرف (بجاتيكا أمونيا دلمان) وكانت هذه التغيرات بداية لثورة افريقانية تشمل ولاية جنوب كردفان وبوابتها السعى للفوز بمنصب الوالى فى جنوب كردفان وأكبر عدد ممكن من عضوية المجلس التشريعى لتصل إلى ما تصبو إليه،حيث توجد في الدستوربنود تتيح لوالي الولاية ولمجلس الولاية التشريعى بقرار من ثلثى أعضائه أن يحيل اي أمر إلى الإستفتاء يعبرعن القيم العليا أو الإرادة الوطنية أو المصالح العامة فى الولاية ، وقد جاءت بعض المواد بأن نتيجة إستفتاء مواطني الولاية سلطة عليا من أى تشريع ولا يجوز إلغائه إلا بإستفتاء آخر، وكان ذلك واضحاً جداً بأن الحركة الشعبية فى جنوب كردفان إكتشفت مبكراً أن المشورة الشعبية لا تحقق لها ماتصبو إليه، وتقول قيادات سياسية إن الحركة الشعبية لجأت إلى إختلاق الأزمات وإعاقة تطبيق بنود إتفاقية السلام الشامل سيما بروتوكول جبال النوبة (الترتيبات الأمنية والمشورة الشعبية) ،وقد ساعدها المؤتمر الوطنى فى ذلك لتسمى مناطق بعينها (مختارة) وقد كان القصد من ذلك أن تظل تحت سيطرتها المطلقة وهي حتى الآن تحتفظ بجزء منها. الشراكة المتشاكسة : منطق الامور في جنوب كردفان بين الشريكين سيطرت عليه لغة )المكايدة) وكانت الظواهر تشير الى تفاهمات بين الحلو وهارون حيث وصلت مرحلة التفاهم بينهما أن يكون لهارون مكتب في دار الحركة الشعبية وللحلو مكتب في امانة المؤتمر الوطني وتفاهمات غيرها كثيرة لكنها جميعها كانت مساحيق لم تجدي في تجميل وجهة الحرب الكالح ، فكان القرار في كثير من الأحيان يطغى فيه التفكير العسكري الأمني على القرار السياسي بالذات من جانب الحركة الشعبية ليصبح المؤتمر الوطني مضطرأن يسير في ذات المنوال مكرهاً عندما عجزت قياداته ان تحقق اي تقدم ملحوظ. النجمة والهجمة مقابل هارون ولا القيامة تقوم : شعارات انطلقت متزامنة مع وصول وفد الحركة الشعبية لجنوب السودان كادوقلى لتدشين حملة الحلو الإنتخابية (إس بى إل إيه حكومة بتاعنا ،يالنجمة يا الهجمة ، الشجرة السوسة لازم ندوسها) فأستنكر الحلو الشعارات وقال ساعتها فى رده على وسائل الإعلام أدى النجمة صاح خلى الشعب يرتاح وفي ظل هذه التوترات رفض وفد الحركة الشعبية الزائر دعوة عشاء لهارون تزامناً مع رفض الحلول (نجمة الإنجاز السياسى)التى منحتها رئاسة الجمهورية له بالشراكة مع هارون لدورهما فى التنمية والإستقرار السياسي فى جنوب كردفان،فالسياسات والأوامر والتعليمات فى داخل الحركة الشعبية كانت محصورة فى قيادات محددة داخل الحركة ويرى مراقبون أن مخطط 6/6 ليس مخطط الحركة الشعبية فى جنوب كردفان بل كان مخططاً أكبر من الثلاثى الذي كان يمثل هرم الشعبية شمال بعد ذهاب الجنوب (الحلو عقار وعرمان) ربما كانوا مجرد أدوات لتنفيذ قرارات لصالح جوبا ، خاصة بعد وعد سلفاكير للحركة الشعبية شمال في ذكرى استقلال الجنوب واعلانه دولة ذاكراً لاصدقاء الامس لن نترككم لوحدكم فالمنطقة كانت تتجازبها القرارات حيث انها تتبع إدارياً للخرطوم وسياسياً لجوبا ،وأن الحرب أصلا كان مخططا لها أن تندلع فى جنوب كردفان ، وإن يتم تنفيذ الإنتخابات وإن فاز الحلو أو خسر لتصفية حسابات بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ولحسابات خاصة بأستخبارات الجيش الشعبى وليست بمعزل عن التدخلات الخارجية،وكان قرار عملية جمع السلاح خلال (6) أيام الصادر من القيادة العامة هو بمثابة (القشة التى قصمت ظهر البعير ) لتعجل بالحرب كمخطط تكتيكي لدولة الجنوب بسبب اعتمادها علي أبناء النوبة فى جيشها علاوة على مشكلتى الحدود والبترول حقق تفاهم يخرج الامور الى بر الامان. دور القوى السياسية : القوى السياسية في جنوب كردفان ممثلة في الشعبي والامة والبعث والعدالة وغيرها من الاحزاب اصدرت بياناً مستشعرة الخطر القادم من افرازات الانتخابات التكميلية واطلقت مبادرة يومها عرفت بمبادرة روساء القوى السياسية لاحتواء أازمة جنوب كردفان وجرت عدة مفاوضات بينها وطرفي النزاع احمد هارون وعبد العزيز الحلو ،ولكن ما كان مبيت من نوايا عند بعض الاطراف نسف جهودها من تحقيق اي تقدم يذكر فكان التعنت واضح من جانب الحركة الشعبية بل كانت تعتبر ان بعض الاحزاب لها ود مع الوطني وهي ليست محل ثقة لتتوسط بين الاطراف المتنازعة ثم التقت اللجنة العليا للأنتخابات وتفاكرت معها حول اعلان النتيجة في بنود تمنع مظاهر الانتصار والتي تثير حفيظة الاخرين ،وهذه الجهود جميعها لم تفلح في تهدئة الاوضاع لأن معظم القرارات كانت عند الطرفين تدار امنياً وعسكرياً اكثر منه سياسياً . ميثاق الشرف : حيال توتر الاوضاع وقع الطرفان ميثاق للشرف حفاظاً على الامن والاستقرار وقبول ما ستخرج به الانتخابات من نتائج إلا أن الحلو قد رفض بموجب (ميثاق الشرف الإنتخابى ) الموقع بينه و الوطني الإعتراف بالنتيجة التى تم تجميعها من قبل الوطنى فى ذات الليلة ودفعت الحركة بنتيجة من عندها وقالت إن مرشحها هو الفائز ب(7) آلاف صوت على منافسه هارون ،وقد تسربت معلومات من داخل الإحتفال الذى دعت له الحركة فى ذات الليلة بضرب كادقلي ،إلا أن اجتماع (سرياً) بقيادة الحلو تم فيه تأجيل )ساعة صفر الكتمة ( والتى كانت محصورة معلوماتها وسط قيادات محددة وإقترح الحلو للتسوية تعليق إعلان النتيجة،وتكوين ثلاث لجان للمراجعة وافقت المفوضية على المقترح وتم إخطار مركز كارتر والمراقبين الآخرين ووسائل الإعلام ، وبدأت العملية بشئ من الشد والجذب والمغالطات والإتهامات والإنسحابات تارة بسبب عدم إكتمال عملية الفرز فى ليلتها تقول المفوضية بسبب الكهرباء ، وثانياً إحتجاجاً على تحريك صندوق إنتخابات (أم بطاح) والذي قالت الجهات المسؤولة إنه لأغراض التدريب ،وثالثاً نتائج مناطق القطاع الغربى والقوز وتقول الحركة بأن لها عضوية كبيرة لم تظهر أصواتهم ضمن نتائج الانتخابات التي حسمت المفوضية فيها النتيجة وتم إعلانها بالخرطوم ، حيث حصل فيها أحمد هارون مرشح المؤتمر الوطنى على (201455) صوتاً مقابل (194955) صوتاً لعبد العزيز الحلو مرشح الحركة الشعبية قطاع الشمال ، بفارق لا يتجاوز (6500) صوت وحل تلفون كوكو المرشح المستقل ثالثا ب(9130) صوتا من جملة (642555) ناخبا ، إلا أن الحلو رفض الإعتراف بالنتيجة واصفا إياها ب(المزورة) وجاءت الحركة بنتيجة حصل فيها مرشحها الحلو على (201,463 ) صوتاً مقابل (199395) صوتاً لمرشح الوطنى هارون و (9,043 ) للمرشح المستقل تلفون كوكو، وقالت إن جملة الناخبين ( 641,939 ) ناخباً وأن جملة الذين أدلو بأصواتهم (409,901)