شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    مصر تنفي وجود تفاهمات مع إسرائيل حول اجتياح رفح    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    "تيك توك": إما قطع العلاقات مع بكين أو الحظر    عن ظاهرة الترامبية    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    حدد يوم الثامن من مايو المقبل آخر موعد…الإتحاد السوداني لكرة القدم يخاطب الإتحادات المحلية وأندية الممتاز لتحديد المشاركة في البطولة المختلطة للفئات السنية    منتخبنا يواصل تحضيراته بقوة..تحدي مثير بين اللاعبين واكرم يكسب الرهان    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    المدير الإداري للمنتخب الأولمبي في إفادات مهمة… عبد الله جحا: معسكر جدة يمضي بصورة طيبة    طائرات مسيرة تستهدف مقرا للجيش السوداني في مدينة شندي    هيثم مصطفى: من الذي أعاد فتح مكاتب قناتي العربية والحدث مجدداً؟؟    ترامب: بايدن ليس صديقاً لإسرائيل أو للعالم العربي    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    للحكومي والخاص وراتب 6 آلاف.. شروط استقدام عائلات المقيمين للإقامة في قطر    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوراق بنما : التداعيات الديمقراطية غير المؤكدة
نشر في حريات يوم 03 - 08 - 2016


القدرة الديمقراطية للتسريبات:
جاءت التسريبات الضخمة التى يشار إليها باسم «وثائق بنما» 1 لتشكل صورة مصغرة من قدرة الديمقراطية فى مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وبعد ظهور ثورات «الربيع العربى» وحركة «احتلوا وول ستريت»، التى فُسرت على نطاق واسع على أنها تعبر عن إمكانية الحشد الديمقراطى والتعبير عن الرأى من خلال وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، توضح تسريبات بنما أن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لها دور أيضا فى المساءلة الديمقراطية.
وتكشف تسريبات وثائق بنما عن الأنشطة الغامضة لعدد هائل من الأشخاص والمؤسسات من جميع أنحاء العالم، بداية من (والد) رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون، والسيدة الأولى لاسكتلندا، إلى عائلة رئيس الوزراء الباكستانى، نواز شريف، ومن البنك الألمانى «دويتشه بنك» إلى اللجنة المركزية للحزب الحاكم فى الصين، ومن شركات عسكرية خاصة إلى كارتلات المخدرات فى المكسيك، وبالتالى ليس من المستغرب أن تحظى تلك التسريبات بهذا الاهتمام.
وقد أنشأ الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين على موقعه على الإنترنت صفحة خاصة لتلقى التسريبات عنوانها «ارسل تسريبات إلينا»، وامتدح فيها الأشخاص الذين يبّلغون عن وقائع فساد (أو من يطلق عليهم اسم مطلقو العصافير «المبلغين عن الفساد والتجاوزاتwhistle-blowers) كأبطال ثوريين فى الديمقراطية الحديثة، التى تتخذ بصفة متزايدة شكلا معاديا للديمقراطية التقليدية، حيث يساهم الشعب Demosفى فضح أصحاب النفوذ والأقوياء، والاعتراض عليهم، وكذلك مساءلتهم.
وفى حالة تسريبات وثائق بنما، تعد هذه القدرة الديمقراطية (democraticpotential) غير مسبوقة، من حيث الحجم والنطاق. وقد ظهرت لتساعدنا فى النظر إلى ما يتدفق من الشقوق التى حدثت فى الدروع التى تحمى أقوياء ذلك العالم من أن يُفضح أمرهم، وبالتالى الحصول على فرصة لاستراق النظر داخل عالم هؤلاء الأقوياء. إزاء هذه الحالة، من السهل جدا أن يتم تبنى شكل من أشكال رومانسية شبكة المعلومات web-romanticism بافتراض أن القدرات الديمقراطية المتعلقة بسياسة الإنترنت Internetpoliticsيمكن بشكل ما ترجمتها إلى مزيد من النتائج السياسية الديمقراطية. ويذكرنا مصير حركات "الربيع العربى» وحركة "احتلوا" (وول ستريت) بأن هناك فجوة متسعة بين القدرات المحتملة للسياسة الديمقراطية وبين تحقيقها.
ينطبق هذا الأمر على القدرة الديمقراطية للتسريبات، فمن المرجح أن القدرة الديمقراطية الهائلة للتسريبات سوف تعزز قدرات تلك القوى والسلطات ذاتها، التى تَعْد تلك التسريبات ظاهريا بتحجيمها. ويناقش المقال واحدا من الأسباب الرئيسية لهذه المعضلة، وهو المنطق التجارى للإنترنت، وبالتالى سياسة الإنترنت Internetpoliticsوالتى تجعل الأقوياء وأصحاب النفوذ يزدادون قوة. ولا ينفى ذلك وجود أسباب أخرى 2.
هل تعزز التسريبات القوى القائمة بالفعل؟
إن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تقدمها شركات، ويتم تنظيم عملها فى إطار السوق. وتعد أكبر شركات تقديم خدمات الإنترنت شركات خاصة، بالإضافة إلى العديد من الشركات الأخرى الصغيرة التى تقدم خدمات مرتبطة باستخدام الإنترنت، بما فى ذلك شركات صناعة الأجهزة، ونظم التشغيل، والبرامج، وبرامج الحماية، والتدريب، والصناعات الثانوية المرتبطة بمجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وبالتالى، تتمثل سيطرة السوق على ذلك القطاع فى أنه عندما تجتهد السلطات الحكومية لبسط نفوذها إلى مواقع الإنترنت، من خلال خلق ما يعرف باسم «السيادة السيبرانية» Cybersovereignty (أى السيادة على الإنترنت) – والذى تسعى اليه بسبب الأهمية المتزايدة للإنترنت – فإن تلك السلطات تقوم بذلك من خلال الدخول إلى عالم الأسواق، والتعاون مع كبار اللاعبين فى تلك الأسواق، لأن النفوذ السياسى على الإنترنت يمكن أن يتلاشى إذا لم تكن هناك مثل هذه السيادة. (Nye2014, DunnCavelty2015)
ويترتب على تلك الدينامية عواقب بعيدة المدى بالنسبة لسياسة التسريبات politicsofleaks، فهو يشكل ماهية التسريب، ونوع السياسة التى يمكن لتلك التسريبات أن تكون جزءا منها. وفى واقع الأمر، فإن الشركات التى تلعب دورا رئيسيا على الإنترنت، تعيش وتنتعش على المعلومات التى تنتجها العمالة الرقمية DigitalLabourالثابتة فى جميع أنحاء العالم.
فعندما نقوم بالقراءة، أو الضغط على وصلات للإنترنت، أو نعجب ببعض الصفحات أو الموضوعات، أو نكتب شيئا، أو نشترى عبر الإنترنت، فنحن بهذا ننتج كماً ضخماً من المعلومات، وننتج بالتالى إشارات معينة ونترك أثرا لها على الإنترنت، ومثل هذه البيانات التى ننتجها يتم بيعها وشراؤها، من خلال شروط نوافق جميعا عليها، من خلال الضغط على زر «موافق» على الشروط وقواعد الاستخدام.
ونحن نقوم بذلك بشكل روتينى لأن ذلك شرطا من شروط ممارسة أغلب الأنشطة على الإنترنت. وقد أصبحت مثل تلك البيانات والمعلومات عاملا جوهريا ليس فقط فى تحليل ممارسات المستخدمين المتعلقة بالماضى والحاضر، وأنماط السلوك، ولكن أيضا فى تشكيل تلك التوجهات والسلوكيات فى المستقبل.
وهناك رموز رقمية وخوارزميات (مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية والمتسلسلة) لتحليل تلك المعلومات من أجل تحديد نوع الصفحات التى ينبغى أن نراها من خلال محركات البحث، ونوع الإعلانات التى تظهر أمامنا فى صورة محتوى مقدم برعاية مؤسسة ما. فما نراه على الإنترنت، وما نعرفه من خلاله، وما نقوم به من أنشطة عبر مواقعه وحتى خارج نطاقه يجرى تشكيله وصياغته وفقا لهذه العملية. بل إنه من غير المبالغة القول إن هوياتنا ذاته++ا يتم تشكيلها جزئيا فى سياقها. (Thrift2011, Hansen2015) فما يجرى بيعه وشراؤه بكفاءة على الإنترنت، عن طريق الشركات التى تقدم خدماتها عليه، هو أجزاء من تلك العملية، وبالتالى توجد إمكانية للعبث بتلك المعلومات والبيانات.
ولذا، لماذا تصبح هذه القصة الشائعة بشأن دور الشركات التجارية على الإنترنت، ذات أهمية بالنسبة للقدرة الديمقراطية للتسريبات؟ إن المعلومات المتعلقة بالإشارات Signalsوخيوط التعقب Tracesالتى تنتجها هذه العمالة الرقمية (من المستخدمين)، وإمكانية التأثير عليها فى المستقبل، تعد تسريبا ضخما فى حد ذاتها، وفجوة كبيرة، وليس مجرد شق فى الدرع الذى يحمى الأشخاص العاديين من أن يكونوا فريسة للاستغلال أو للخداع، أو من أن يتم استيعابهم فى دوائر المنطق التجارى المتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. ولهذا التسريب الضخم للمعلومات آثار عميقة. ويعود ذلك جزئيا لسبب واضح جدا، وهو أن الأقوياء فقط هم من يملكون الموارد الضرورية للوصول إليه، وبالتالى لديهم القدرة على العمل من خلال تلك المعلومات التى تتدفق من خلال ذلك التسريب بطرق تناسب مصالحهم.
ويستطيع هؤلاء أن يدفعوا مقابل صياغة القواعد التى تمكنهم من الوصول إلى ذلك التسريب الضخم. وبشكل أكثر خفى، تعطى تلك الخوارزميات للتسريبات شكلها وصيغتها. فهم يصنفون، ويقسمون، ويرصدون، ويقدمون تلك المعلومات التى تتدفق، من خلال تلك الأكواد الرقمية. وهم يقومون بذلك، من خلال تحليل وتعلم كل ما يتعلق بالعمالة الرقمية DigitalLabour(من المستخدمين). ولأن تلك «العمالة» تعكس بالضرورة الأوضاع الاجتماعية والسلوكيات المرتبطة بها، ستقوم تلك الخوارزميات أو الأكواد الرقمية بضبط تلك المعلومات وإعادة إنتاجها، من خلال البيانات والمعلومات المتاحة. وهذا بدوره يغذى ما يتعلق بالعمالة الرقمية؛ من حيث نوع القراءة التى تتم على الإنترنت، والمفاتيح التى نضغط عليها، والأشياء التى نشتريها عبر الإنترنت، والأشخاص الذين نسجل إعجابنا بصفحاتهم، وهى أشياء تعتمد على كيفية ترتيب موقع جوجل لتلك المواقع والصفحات التى تظهر أمامنا، عندما نقوم بعمليات بحث على الإنترنت، والإعلانات التى تعرض علينا.3
وبالتالى ليس من قبيل المبالغة القول إن الطريقة التى تشكل بها الخوارزميات هذه التسريبات الروتينية، تلعب دورا فى تعظيم الفوارق التقليدية، بما فى ذلك تلك الفوارق المتعلقة بالوضع الاجتماعى، والعنصر، والنوع، والدين. وكما يقول الكاتب دومينيك كاردون فى كتابه الصادر بالفرنسية فى 2015 بعنوان (ما حلم الخوارزميات: حياتنا فى عصر البيانات الضخمة): "بطريقة متحفظة جدا، تعيد الحسابات الرقمية صياغة الترتيب الاجتماعى للمستخدمين، من خلال إضافة أحكامها الخاصة إلى الفوارق الموجودة فى المجتمع: فهؤلاء الذين لا يحظون برؤية جيدة على الإنترنت، سوف يتلقون خدمات أسوأ، وتقييمهم سيكون أسوأ". (Cardon2015)
أى أنه من المهم أن نعترف بأنه إلى جانب التسريبات المدهشة، مثل وثائق بنما، هناك تسريبات أخرى معتادة، والتى أصبحت جزءا لا يتجزأ من وظيفة شبكة الإنترنت. ومن خلال البقاء صامتين بشأن الآثار المحافظة لتلك التسريبات الروتينية، سيكون النقاش بشأن القدرة الديمقراطية للتسريبات غير مكتمل. والأهم من ذلك، أن هذا الصمت يزيد من تقبل فكرة التسريبات الروتينية وجعلها تبدو كأمر طبيعى، وتحويل كل الانتباه إلى الأعمال «الثورية» للأبطال الذين يقدمون تسريبات مذهلة. فى نفس الوقت يتم التغاضى عن أو نسيان هذه العملية الروتينية التى يمكنها من خلال العمل التقنى الذى تقوم به البنية التحيتة التجارية للإنترنت، أن تفرز تسريبات متواصلة.
ويظهر هذا التباين فى المفردات اللغوية التى نستخدمها؛ فنحن نطلق لفظ تسريبات، عندما يتعلق الأمر بذلك النوع المدهش والمثير للانتباه من المعلومات التى تخص الأغنياء. لكن عندما يتعلق الأمر بالفقراء، وأصحاب البشرة السوداء، أو غيرهم من المهمشين، فإن ذلك يعد أمرا آخر لا يتطرق إليه الحديث أساسا. فنجد أن شخصيات بارزة، مثل إدوارد سنودن، وجوليان أسانغ، وجون دوز، تأخذ شهرة وأضواءً أكثر من تلك الخوارزميات «العادية» التى تحلل معلوماتنا باستمرار. لكن بالنسبة لسياسة الديمقراطية democraticpolitics، فإن مصير الجماهير، وقدرتها السياسية، واستراتيجياتها، وإمكاناتها، وطموحاتها، ليس أمرا هامشيا، وبالتالى يكون الاهتمام المتزايد بتلك التسريبات مبررا، بل ومطلوبا.
و التسريبات «المذهلة» تعوق هذا الاهتمام، من خلال احتكارها للأضواء طوال الوقت. فهى تجرد التسريبات المتواضعة الأخرى من اسمها، ومن موقفها، ومكانها وسط الجمهور. وقد تنتهى تلك التسريبات «المذهلة»، مثل تسريبات وثائق بنما، إلى وضع يرسخ وجود السلطات القائمة بسهولة، بدلا من أن يحاسبها أو يفضحها بطريقة ديمقراطية.
يؤدى المنطق التجارى لآليات عمل وحوكمة الإنترنت إلى تقليص التأثيرات الديمقراطية للتسريبات من خلال وسيلة أخرى هى «تسويق» التهديد بالتسريب والاختراق المعلوماتى، بحيث تصبح الحماية المناسبة ضد التسريبات شيئا يمكن بيعه (من خلال برامج الحماية الإلكترونية). وإضافة إلى حماية علاقات القوة القائمة، يمكن للتسريبات أيضا أن تفضى إلى تعزيز عدم المساواة وأوجه الظلم القائمة، والتى تنتجها ديمقراطيات الإنترنت.
وتشير جولة فى مجال التسويق لأمن الإنترنت، فى معرض «الأمن ومكافحة الإرهاب» (SecurityandCounterTerrorExpo) الذى أقيم فى شهر أبريل 2016، إلى المدى الذى بلغه استيعاب وتوظيف التسريبات فى المنطق التجارى للإنترنت. فقد كان الحديث عن التهديد الذى تشكله التسريبات يملأ أرجاء المكان. وكانت تسريبات وثائق بنما على وجه الخصوص تشغل أذهان الزائرين ومنظمى المعرض على حد سواء، وبالتالى كانت محل نقاش فى الأحاديث الجانبية بشكل سرى. وكان مقدمو العروض وأعضاء فرق التسويق يشيرون إليها خلال عروضهم التقديمية، وكانت منتجاتهم فى الغالب توضع فى إطار أنها جزء من الاستراتيجيات الضرورية لضمان الحماية من خطر التسريبات. وتنوعت طبيعة تلك المنتجات بشكل كبير، لتشمل نظم التشفير، ونظم تكنولوجيا المعلومات والاتصالات المتكاملة التى تحد من مخاطر تسريب البيانات، من خلال وجود سيطرة مركزية على نظم البيانات (مثلا فى فندق، أو مطار، أو مدرسة، وغيرها من الأماكن)، ونظم الإدارة التى صممت للتعرف على أى موظف يخترق الأجهزة للوصول إلى البيانات لتسريبها، وكذلك نظم لحظر دخول أى شخص من خارج المؤسسة.
ويتحدث موظفو التسويق بوضوح عن تلبية مطالب قائمة بالفعل، وكانت شركات ومنظمات قوية أخرى تستثمر بكثافة فى ذلك المجال، وفقا للكثير من زوار المعرض الذين قاموا بشرح ذلك لكاتبة هذه السطور. وكانت النتيجة هى أن معظم الحضور فى ذلك المعرض كانوا مهتمين بشكل أو بآخر بقضية التسريبات. وبلغ من درجة سيطرة الاهتمام بمسألة التسريبات، وجود شركة تتخصص فى إنشاء جدران لحماية البيانات، حيث شرحت موظفة المبيعات أن 80 % على الأقل من عمل الشركة حاليا يتركز فى إنشاء تلك الجدران لحماية الخوادم، وقواعد البيانات من أى اختراق. وأضافت: "نحن نقيم جدرانا حول نظم التخزين السحابية"، والهدف منها هو الحماية من حدوث أية تسريبات غير مرغوب فيها. (Leander 2016)
إن انتشار المنتجات والخدمات المصممة لاستباق ومنع حدوث تسريبات، لايرتب تأثيرات ذات طابع محافظ، تجاه أوجه الظلم وعدم المساواة القائمة بالفعل فحسب، ولكنه يؤدى عمليا إلى تكريث تلك الفوارق. فتلك المنتجات ليست متاحة للجميع، ولا يتم إنتاجها كسلع عامة لضمان إنترنت آمن وبلا تسريبات لجميع المواطنين. لكنها منتجات تصدر للعملاء الذين يمكنهم أن يدفعوا الأموال، وسيفعلون، من أجل حماية أنفسهم من خطر التسريبات. وهذا يعنى فى المقام الأول الأقوياء والأغنياء، والشركات، والمؤسسات الحكومية، والشخصيات والمنظمات الذين فضحتهم تسريبات وثاق بنما. وفى الحقيقة، كانت الإشارة الدائمة فى ذلك المعرض إلى مخاطر حدوث تسريبات جديدة بقوة تسريبات بنما، فى سياق الحديث عن الأمن ومكافحة الإرهاب، تهدف إلى جذب الأقوياء وأصحاب النفوذ الذين يريدون أن يحموا أنفسهم من مخاطر التعرض للفضيحة الناتجة عن التسريبات. وبينما لا يوجد هناك ضمان أن المنتجات والخدمات العديدة التى تهدف لمكافحة تسريب المعلومات سوف تقيم درعا حصينة تحمى أصحابها تماما من تلك المخاطر، ربما يكون من المرجح أن يجعلهم ذلك أكثر عرضة لتلك المخاطر.
وبالتالى، وبعد أن أصبحت التسريبات جزءا من المنطق التجارى لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، فإنها الآن تنتج طبقة وقائية جديدة يمكن إضافتها إلى الدرع الواقية الفعالة والموجودة فى الواقع ليحمى الأقوياء من مخاطر تسريب أنشطتهم.
إن القدرة الديمقراطية لتسريبات وثائق بنما التى وعدت بكشف أصحاب القوة والنفوذ، وإتاحة الفرصة لمساءلتهم ومعاملتهم، وفقا لمبدأ المساواة، لم تتحقق بشكل قاطع، بل كان لها أثر عكسى، فقد جعلت الأمر أكثر صعوبة لكشف الأقوياء وأصحاب النفوذ الذين يبحثون دائما عما يمكن أن يزيد من حمايتهم. .
دفاعًا عن القدرة الديمقراطية للتسريبات:
إن تسريبات بنما والتسريبات بشكل عام لديها قدرة ديمقراطية هائلة، لكن كما أوضح الطرح آنف الذكر، فإن تلك القدرة لا يمكن ترجمتها بالضرورة إلى سياسات أكثر ديمقراطية، بل ربما على العكس تماما، فإن التسريبات عرضة لتكريس وتعزيز القوى الموجودة. وقد اقتفيت أثر سبب واحد لذلك، وهو حقيقة أن التسريبات تحدث فى سياق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التجارية. وهذا لا يلمح إلى أن التسريبات غير مهمة وذات نتائج عكسية بشكل حتمى بالنسبة للسياسة الديمقراطية democraticpolitics، لكن ما يؤكد عليه هذا الطرح هو سذاجة التفكير فى تلك التسريبات على أنها أمر فارق لصالح سياسة الديمقراطية القائمة على الإنترنت.
فهذا الطرح يؤكد مثلما هو الحال بالنسبة لأية ممارسة سياسية أن معنى التسريبات، وقدرتها على تحقيق «وعدها» الديمقراطى، مرهون بالسياق وعلاقات القوة التى يتم ترسيخها أو إعادة إنتاجها. بعبارة أخرى، فإن مناقشة التأثيرات الديمقراطية للتسريبات تستدعى التخلى عن الافتراضات السطحية وأن نشرع فى حوار أكثر جدية.
الهوامش:
1 – تعد وثائق بنما أكبر تسريب غير مسبوق لنحو 11٫5 مليون وثيقة من قاعدة بيانات رابع أكبر شركة قانونية للاستثمار بنظام الأوفشور، وهى شركة موساك فونسيكا. وقد سربت تلك الوثائق من مصدر مجهول إلى صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية، والتى بدورها شاركتها مع الاتحاد الدولى للصحفيين الاستقصائيين، ثم قام الاتحاد بعمل شبكة كبرى لفحص تلك الوثائق مع عدد من المؤسسات الصحفية الكبرى، مثل الجارديان، وبى بى سى، وذلك وفقا لما ذكرته صحيفة الجارديان نفسها.
2 – انظر على وجه الخصوص كتاب (كاردون 2015) وكتاب (دين 2013)، وكتاب (هاركورت 2015)، ودراسة ميتشيل، وهاركورت، وتوزنج لعام 2013، ودراسة كل من كونستمان وستين لعام 2015)، والموجودة بالتفصيل فى قائمة المصادر فى نهاية المقال.
3 – لمزيد من التحليل المفصل لعمل الخوارزميات، انظر إلى الصفحة التى تحمل عنوان «قائمة بدراسات الخوارزميات الأساسية)، وهى مفيدة للغاية، ويمكن الوصول إليها من خلال هذا الرابط: www.socialmediacollective.org/reading-lists/critical-algorithm-studies
(نقلاً عن مجلة الديمقراطية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.