عقار: لا تفاوض ولا هدنة مع مغتصب والسلام العادل سيتحقق عبر رؤية شعب السودان وحكومته    بولس : توافق سعودي أمريكي للعمل علي إنهاء الحرب في السودان    إجتماع بسفارة السودان بالمغرب لدعم المنتخب الوطني في بطولة الأمم الإفريقية    رئيس مجلس السيادة القائد العام والرئيس التركي يجريان مباحثات مشتركة بشأن دعم وتعزيز علاقات التعاون المشترك    شاهد بالصورة.. الطالب "ساتي" يعتذر ويُقبل رأس معلمه ويكسب تعاطف الآلاف    شاهد بالفيديو.. الفنانة ميادة قمر الدين تعبر عن إعجابها بعريس رقص في حفل أحيته على طريقة "العرضة": (العريس الفرفوش سمح.. العرضة سمحة وعواليق نخليها والرجفة نخليها)    شاهد بالفيديو.. أسرة الطالب الذي رقص أمام معلمه تقدم إعتذار رسمي للشعب السوداني: (مراهق ولم نقصر في واجبنا تجاهه وما قام به ساتي غير مرضي)    بالصورة.. مدير أعمال الفنانة إيمان الشريف يرد على أخبار خلافه مع المطربة وإنفصاله عنها    بعثه الأهلي شندي تغادر إلى مدينة دنقلا    وحدة السدود تعيد الدولة إلى سؤال التنمية المؤجَّل    تراجع أسعار الذهب عقب موجة ارتفاع قياسية    شول لام دينق يكتب: كيف تستخدم السعودية شبكة حلفائها لإعادة رسم موازين القوة من الخليج إلى شمال أفريقيا؟    عثمان ميرغني يكتب: لماذا أثارت المبادرة السودانية الجدل؟    ياسر محجوب الحسين يكتب: الإعلام الأميركي وحماية الدعم السريع    الفوارق الفنية وراء الخسارة بثلاثية جزائرية    نادي القوز ابوحمد يعلن الانسحاب ويُشكّل لجنة قانونية لاسترداد الحقوق    محرز يسجل أسرع هدف في كأس أفريقيا    كامل ادريس يلتقي نائب الأمين العام للأمم المتحدة بنيويورك    شاهد بالصور.. أسطورة ريال مدريد يتابع مباراة المنتخبين السوداني والجزائري.. تعرف على الأسباب!!    وزير الداخلية التركي يكشف تفاصيل اختفاء طائرة رئيس أركان الجيش الليبي    سر عن حياته كشفه لامين يامال.. لماذا يستيقظ ليلاً؟    "سر صحي" في حبات التمر لا يظهر سريعا.. تعرف عليه    والي الخرطوم: عودة المؤسسات الاتحادية خطوة مهمة تعكس تحسن الأوضاع الأمنية والخدمية بالعاصمة    فيديو يثير الجدل في السودان    إسحق أحمد فضل الله يكتب: كسلا 2    ولاية الجزيرة تبحث تمليك الجمعيات التعاونية الزراعية طلمبات ري تعمل بنظام الطاقة الشمسية    شرطة ولاية نهر النيل تضبط كمية من المخدرات في عمليتين نوعيتين    الكابلي ووردي.. نفس الزول!!    حسين خوجلي يكتب: الكاميرا الجارحة    احذر من الاستحمام بالماء البارد.. فقد يرفع ضغط الدم لديك فجأة    في افتتاح منافسات كأس الأمم الإفريقية.. المغرب يدشّن مشواره بهدفي جزر القمر    استقالة مدير بنك شهير في السودان بعد أيام من تعيينه    كيف تكيف مستهلكو القهوة بالعالم مع موجة الغلاء؟    4 فواكه مجففة تقوي المناعة في الشتاء    اكتشاف هجوم احتيالي يخترق حسابك على "واتسآب" دون أن تشعر    رحيل الفنانة المصرية سمية الألفي عن 72 عاما    قبور مرعبة وخطيرة!    شاهد بالصورة.. "كنت بضاريهم من الناس خائفة عليهم من العين".. وزيرة القراية السودانية وحسناء الإعلام "تغريد الخواض" تفاجئ متابعيها ببناتها والجمهور: (أول مرة نعرف إنك كنتي متزوجة)    حملة مشتركة ببحري الكبرى تسفر عن توقيف (216) أجنبي وتسليمهم لإدارة مراقبة الأجانب    عزمي عبد الرازق يكتب: عودة لنظام (ACD).. محاولة اختراق السودان مستمرة!    انخفاض أسعار السلع الغذائية بسوق أبو حمامة للبيع المخفض    ضبط أخطر تجار الحشيش وبحوزته كمية كبيرة من البنقو    البرهان يصل الرياض    ترامب يعلن: الجيش الأمريكي سيبدأ بشن غارات على الأراضي الفنزويلية    قوات الجمارك بكسلا تحبط تهريب (10) آلاف حبة كبتاجون    مسيّرتان انتحاريتان للميليشيا في الخرطوم والقبض على المتّهمين    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (حديث نفس...)    حريق سوق شهير يسفر عن خسائر كبيرة للتجار السودانيين    مياه الخرطوم تكشف تفاصيل بشأن محطة سوبا وتنويه للمواطنين    محافظ بنك السودان المركزي تزور ولاية الجزيرة وتؤكد دعم البنك لجهود التعافي الاقتصادي    الصحة الاتحادية تُشدد الرقابة بمطار بورتسودان لمواجهة خطر ماربورغ القادم من إثيوبيا    مقترح برلماني بريطاني: توفير مسار آمن لدخول السودانيين إلى بريطانيا بسهولة    الشتاء واكتئاب حواء الموسمي    عثمان ميرغني يكتب: تصريحات ترامب المفاجئة ..    "كرتي والكلاب".. ومأساة شعب!    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطأ سياسة النقد الأجنبي في التركيز على العرض فقط !
نشر في حريات يوم 03 - 01 - 2017

عرض النقد الأجنبي سيظل محدودا حتى ينصلح حال الانتاج الزراعي والصناعي
المطلوب إدارة الطلب على النقد الأجنبي بتخفيض الواردات والخدمات المستوردة والتحويلات للخارج
(1)
تقديم:
يتصاعد سعر الدولار في السوق وترتفع صيحات الحرب في البرلمان وعلى شاشات التلفاز والاذاعة وتسود صفحات الصحف بتصريحات الاقتصاديين، بل أن حتى الشيخ عبد الحق أدلى برأي الدين في تجارة العملات الأجنبية ودعى لتحريمها. وكل ذلك لن يؤثر على سوق العملات والذي انتقلت مراكزه للخارج وسط ما تبقى من مصادر عرض النقد الأجنبي عند المغتربين والمهاجرين، بينما بنك السودان ووزير المالية يتحدثون عن إجراءات ستعيد للجنيه وقاره مثل وصول جزء من الوديعة القطرية واتفاق مع شركات البترول العاملة بالجنوب لدفع حوالي 450 مليون دولار متاخرات أجرة العبور لما ضخ حتى الآن عبر الأنابيب ومحطات المعالجة السودانية. وكل هذا في نطاق عرض مزيد من النقد الأجنبي حتى يقابل الطلب المتزايد.
العرض محدود وسيظل محدودا
والقضية أن البنك المركزي ووزارة المالية يحاولان إدارة عرض النقد الأجنبي فقط وهذا مثل النجار الذي يحاول أن يصنع بابا من دون مقاييس حقيقية لفتحة الباب في الحائط أو من يحاول سد قدا ما دون الاهتمام بحجم القد. وأي طالب اقتصاد يعرف أن سوق النقد الأجنبي كأي سوق لا تتكون من العرض فقط بل هناك جانب آخر لها هو الطلب، وفي رأيي أن بنك السودان ووزارة المالية يخطأون كثيرا عندما يكثفون جهودهم في محاولة زيادة عرض النقد الأجنبي لملاحقة الطلب عليه دون أن يتخذوا من الإجراءات الفعالة ما يؤثر على الطلب، وليس من تلك الإجراءات على أي حل مطاردة تجار العملة وملاحقتهم وإعتقالهم، ذلك أن أهم أسواق العملة التي يتحدد فيها السعر موجودة خارج السودان حيث تجمعات السودانيين والمهاجرين، وحيث يتبع العرض هناك الطلب وليس العكس، مما يجعل أهمية الإجراءات الفعالة للتأثير في الطلب. والغريب في الأمر أن إمكانيات الدولة للتأثير على الطلب أوسع وأكثر فعالية في خفض سعر النقد الأجنبي من إمكانياتها للتحكم في العرض وزيادته لمقابلة الطلب المطلوق وفقا لسياسة حرية التجارة الخارجية التي تتبعها الدولة دون قدرة مالية حقيقية لتطبيقها دون أن تلحق الضرر بالمواطنين والدولة في الحاضر والمستقبل.
يتكون عرض النقد الأجنبي من عائد الصادرات من سلع وخدمات ومن المتحصلات غير المنظورة مثل التحويلات من الخارج ومن السحوبات على القروض والعون الاجنبي ومن الاستثمار الخاص المباشر ومن تحركات رأسمالية. وهذه كمية محدودة لا تكفي وارداتنا الضرورية من سلع وخدمات ولا تغطي مدفوعات ارباح وتحويلات الاجانب العاملين في السودان ولا تغطي انتقال راس المال السوداني للخارج ولا تغطي تسديد خدمات الديون الاجنبية.
وزيادة حصيلة الاجنبي تعتمد أساسا في المدى المتوسط والطويل على تحسين عائد صادرات السلع والخدمات، وتحسين عائد الصادرات لا يمكن أن يحدث في المدى القصير، ويحتاج على الأقل في مجال الزراعة لموسم زراعي كامل، أما تصدير الثروة الحيوانية فهو يواجه مشاكل علاقة البنوك السعودية والخليجية مع السودان، بينما تصدير اللحوم يقوم بالتبادل السلعي في معظمه والسلع الواردة بموجب ذلك التبادل معظمها هامشية ومن غير مصادرها. وهذا يترك المصدر الأساسي يعتمد على تصدير الذهب وقليل من الحديد الخام وبعض المعادن الأخرى والتي بدأت تخضع جميعها للمستثمرين الأجانب أو شراكات لها مع الدولة، وهذا يقلل من عائد صادر هذه المعادن، مما يجعل التعدين التقليدي الذي يقوم به المواطنون السودانيون هو المصدر الأكبر للعائد للنقد الأجنبي. ويظل الوعد برفع كميات البترول المصدرة خادع للكشوفات الجديدة ولاسترداد الشركات لنصيبها الذي استعملته الحكومة ونصيبها في الناتج الجديد. أما نصيب الصناعة من الصادرات فيكاد لا يذكر.
ونسبة لتدهور خدماتنا العامة في مجالات الصحة والتعليم فهي لم تعد تورد لنا نقداً أجنبياً إوتبقى لدينا مورد للنقد الأجنبي في مجالين أساسين من الخدمات: الخدمات المقدمة لتصدير البترول من جنوب السودان عبر أنابيب النفط والمعالجات، وهذا تعيقه الحرب الأهلية في الجنوب، والخدمات التي تقدمها الموانئ السودانية لدول الجوار كتشاد وأثيوبيا، وأما عائدات خدمات الطيران المدني والخطوط الجوية السودانية فقد تناقصت بشكل كبير لتوقف سفريات كثير من الخطوط الجنبية للخرطوم وبالتالي شحت الموارد من النقد الأجنبي التي تكسبها للبلاد.
والتحويلات من الخارج هي الأخرى لم تعد مصدرا للنقد الأجنبي عبر القنوات الرسمية وأصبحت معظم هذه التحويلات هي موضوع للسوق الأسود الذي أنتقل للعواصم الخليجية والأوربية حيث وجود المغتربين والمهاجرين. واصبحت الصرافات ووكلاؤها في الخارج وتجار السوق الأسود هم المتحكمين في تحويلات السودانيين في الخارج.
أما الاستثمارات الأجنبية الخاصة فإن دورها الحالي سلبي، فإلى جانب أنها تناقصت لعدم ملاءمة البيئة السياسية والاقتصادية وعدم سيادة حكم القانون وتفشي الفساد والمحسوبية لدخول استثمارات جديدة مهما بذل لها من حوافز بقوانين الاستثمار، فإن السماح لبعض الاستثمارات الأجنبية التي لا توسع الطاقة الانتاجية والتي تعمل في مجالات تجارة الصادر والوارد (والأخيرة متخصصة في سلع كمالية) أو المستثمرة في مجالات كالفندقة والمطاعم، رغم وجود خبرة سودانية تزيد عن مائة عام رعتها مصلحة المرطبات بالسكك الحديدية ثم مؤسسة الفنادق السودانية والقطاع الخاص السوداني والتي تحول أرباحها للخارج وبعضها عن طريق السوق الأسود، مما يجعل هذا المورد حقيقة غير دار للنقد الأجنبي. وسنتطرق للاستثمارات التي اصبحت تشكل جزءاً من الطلب على النقد الأجنبي عند مناقشتنا للطلب.
ولم يبق لنا إلا القروض والمنح والتي بدورها شحت لأسباب متعلقة بالعزلة الدولية التي يعيشها نظام الحكم في السودان رغم وجود سفارات أجنبية في السودان وسفارات سودانية في الخارج وعضوية السودان للمنظمات الاقليمية والدولية بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية الدولية، فالعزلة تفرضها المقاطعة الاقتصادية من الولايات المتحدة وحلفائها ونفوزها في سوق المال العالمي، كما تتعلق هذه العزلة أيضا بالاستخدام غير العقلاني للموارد مما جعل بعض المانحين يشكون في جدوى تقديم العون لقطر يتميز بعدم التخطيط السليم والفساد والمحسوبية وعدم الشفافية.
إذن أدارة عرض النقد الأجنبي بمعنى السعي لزيادته تواجه مشاكل في المدى القصير والمتوسط لأسباب بنيوية (سيطرة الطفيلية التي لا تسمح بزيادة وتوسع الانتاج والاستثمار فيه، تهدر الموارد المتاحة وتعزل السودان عالميا)، وبالتالي تصبح أي محاولة لإدارة النقد الأجنبي قائمة على استراتيجية او حتى محاولات إدارة العرض هي فاشلة ولا تخلف إلا مزيدا من تدهور النقد الأجنبي. ويبقى الخيار هو التأثير على طلب النقد الأجنبي، بهدف تقليل الطلب وبالتالي تخفيض الضغط الناشئ عن التوسع اللاعقلاني للطلب على النقد الأجنبي. ولمناقشة هذه المسألة لا بد من تبيان طبيعة وتركيب الطلب على النقد الأجنبي.
(2)
الطلب على النقد الأجنبي:
يتكون الطلب على النقد الأجنبي من مكونات عديدة:
1- الطلب لتمويل الواردات.
2- الطلب لتمويل الخدمات (تعليم، صحة، نقل، تأمين، إعادة تأمين، ….الخ).
3- الطلب لتحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية في السودان (شركات الاتصالات، البنوك الأجنبية، والمستثمرين في المعادن والبترول والمستثمرين الاجانب الجدد في الخدمات من مطاعم وفنادق ومستشفيات ومدارس ومعاهد وشركات تجارية، ,,…الخ).
4- الطلب لتحويلات العمالة الأجنبية في السودان.
5- ألتزامات الدولة الدولية (دفع ديون السودان وفوائدها، الاشتراك في المنظمات الدولية والإقليمية).
6- الطلب لتحويل استثمارات سودانية للخارج (هروب رأس المال أو المساهمة في استثمارات دولية).
7- الطلب للمضاربة.
8- الطلب للإدخار بالعملة الأجنبية لتخزين القيمة.
تستطيع الحكومة التأثير المباشر على الطلب على الواردات بقرارات إدارية بمنع إستيراد عدد من السلع غير الضرورية والكمالية وتحديد كمية المستورد من سلع أخرى عن طريق تحديد الكوتة التي يسمح باستيرادها، بل أن منع استيراد بعض السلع كالصابون بأنواعه وزيوت الطعام و كالحلاوة والبسكويت والشعيرية والمكرونة والمربات والعسل وانواع الجبن المختلفة وكثير من المعلبات والثلاجات والمكيفات، سيشجع منتجاتنا المحلية وسيدفع مصانعنا لزيادة الانتاج وايقاف استيراد العربات الفارهة التي تستهلك كميات أكبر من الوقود سيساهم في توفير النقد الأجنبي وتوفير الوقود وصيانة البيئة والطرق. ويمكن اعداد مئات من السلع التي تأتي من الصين وبعض الفواكه والخضروات المجمدة وغيرها وأن يكون التركيز على إستيراد القمح والأدوية والوقود والسكر والشاي والبن، وغيرها من الضروريات. ولا يمكن الاعتماد هنا على زيادة الفئات الجمركية على تقليل الطلب على البضائع الكمالية، لأن هذه يستهلكها من يستطيع أن يدفع مهما زادت أسعارها. إن هذا وحده قد يخفض الواردات لما يقارب ال 40%. ويخفض الطلب على النقد الأجنبي لاستيراد هذه السلع والذي يتم خارج النظام المصرفي، بل وخارج السودان وهو الآن مسئول عن رفع أسعار النقد الأجنبي، وسيؤدي انخفاض الطلب على تخفيض سعر النقد الأجنبي.
لقد حاول الوزير السابق علي محمود منع استيراد الأثاثات ورغم أن القرار قد تم الألتفاف عليه وتم تغييره لرفع الفئات الجمركية على الأثاثات المستورة فقد كانت النتيجة إيجابية وأرتفع وتحسن الانتاج المحلي من الأثاثات ولكن ما زالت مشكلة الاعتماد على الخشب المستورد رغم نجاحات بعض الورش في استعمال الخشب المحلي. ولكن قرار إيقاف العربات المستعملة قد صمد رغم محاولات الالتفاف. وهذا يعني أن القرارات الإدارية يمكن أن تنظم الطلب على النقد الأجنبي من خلال إيقاف بضائع بعينها، ولن يؤثر غيابها في حياة غالبية الشعب وانما سيسهم في تحسين الميزان التجاري وخفض الطلب على النقد الأجنبي.
(3)
تبقت لدينا أربع عناصر للطلب على النقد الأجنبي:
1.ألتزامات الدولة الدولية (دفع ديون السودان وفوائدها، الاشتراك في المنظمات الدولية والإقليمية).
2.الطلب لتحويل استثمارات سودانية للخارج (هروب رأس المال أو المساهمة في استثمارات دولية).
3.الطلب للمضاربة.
4.الطلب للإدخار بالعملة الأجنبية لتخزين القيمة.
إن ثلاثة من عناصر الطلب الأربعة هي خارج التأثير الإداري المباشر للسياسة الإقتصادية والمالية، لأنها تتعلق بحالة الثقة العامة في الإقتصاد السوداني، فإذا كانت هناك ثقة في أن الإقتصاد السوداني مستقر وفي حالة نمو فإن الطلب على النقد الأجنبي لأغراض تهريب رأس المال أو هجرته سيقل، بل ستنعكس المسألة ويعود رأس المال وقد يقود لزيادة العرض وكذلك فإن الطلب لأغراض المضاربة سيتقلص في حالة الاستقرار الاقتصادي والمالي وعند توقع تذبذبات كبيرة في سعر العملة وتوقع ثبات سعر الجنيه او عدم جدوى المضاربة في تقلبات سعر بسيطة محدودة من الممكن تحقيق معدل ربح أعلى في منشط إقتصادي. وهذا الأمر يصح أيضا لطلب العملة للإدخار فهو طلب قائم أثاثا على عدم الثقة في مستقبل الجنيه السوداني وتوقع ليس تقلبا بل إتجاها للإنخفاض، لذا يلجأ المدخر للحفاظ على مدخراته بالعملة الصعبة.
قلنا أن عناصر الطلب الثلاثة المذكورة من الصعب التأثير عليها بقرارات إدارية مباشرة ولكن تؤثر فيها السياسات الكلية ذات الطابع المستقر والسياسات الإدارية التي تلجم الطلب على النقد الأجنبي لاستيراد السلع والخدمات لأنه يؤدي لانخفاض الطلب الكلي على النقد الأجنبي وبالتالي يرفع من سعر الجنيه السوداني ويساعد في خلق الثقة، وتتوسع دائرة الثقة ويتعمق مداها كلما أدت السياسات الكلية لنمو الإنتاج المحلي بغرضي زيادة الصادرات (زيادة العرض للنقد الأجنبي) وإحلال الواردات (تقليص الطلب) ويظهر أثر مثل هذه السياسات في المدى المتوسط والطويل.
المضاربة لا يمكن محاربتها إداريا أو بوليسيا، المضاربة تعتمد على التنبؤ وقياس المخاطر، والعملة السودانية الآن تتيح مسرحا مثاليا للمضاربة، لأن كل المؤشرات تشير لاستمرار تدهور الجنيه وبالتالي فإن أي مشتر لعملة أجنبية يضمن أنه سيربح غدا، فالحل يكمن في اصلاح السياسات المالية والاقتصادية لتغيير مناخ التوقعات وهذا سيؤخذ بعض الوقت. و الأمر صحيح بالنسبة للمدخرين بالعملات الأجنبية، ولكن هؤلاء يمكن جذب مدخراتهم للجهاز المصرفي في حالة توليد ثقة بأن السياسة تجاههم ستكون مستقرة وانهم يستطيعون سحب مدخراتهم بالعملة التي وردوها مع وجود معدل فائدة معقول. ولكن من غير المعقول أن يشتري أحدهم نقدا أجنبيا من السوق الموازي بسعر موازي ويضعه في المصرف ليعامل بالسعر الرسمي أو حتى التشجيعي. المشكلة هنا هي عدم استقرار سياسات بنك السودان تجاه المدخرات والوداائع وشك الموردون في التزام البنوك في دفع مدخراتهم بالعملة التي وردوها بها.
وسيظل هروب راس المال السوداني للخارج احد عناصر الطلب ما دامت السياسة الاقتصادية والمالية وسياسة الاستيراد طاردة للاستثمارات، بل أن الجو السياسي العام وعدم سيادة حكم القانون وانعدام الشفافية في التعامل الحكومي والمصرفي والتمييز بين المستثمرين على اساس موقفهم السياسي او تبرعهم للمؤتمر الوطني وسيادة جو الرشوات والأتاوات. وهذه مسائل لا تحل بشكل اقتصادي فقط بل هي قضايا سياسية في الأساس وحلها لا يتم إلا بتغيير كامل للنظام السياسي الحالي.
إلتزامات الدولة الخارجية
وتبقى معنا مسألة التزامات الدولة الخارجية من النقد الأجنبي وهذه مسألة مركبة تبدأ من الصرف على البعثات الدبلوماسية والبعثات الدراسية الرسمية وسفر المسئولين للخارج وحضور المؤتمرات وما يقدم من مساعدات معلنة وغير معلنة لجهات سياسية خارجية أو لوبيات إعلامية وسياسية والاشتراكات في المنظمات الدولية والإقليمية (الأمم المتحدة و منظماتها، الإتحاد الأفريقي ومنظماته، الجامعة العربية ومنظماتها،…ألخ) وتصل أخيرا لدفع ديون السودان فوائدا وأصولا . وهناك مجال لقرارات إدارية لخفض المنصرفات في النقد الأجنبي فيما يتعلق ببعض بنود الصرف هنا مثل البعثات الدبلوماسية والبعثات الدراسية الرسمية وسفر المسئولين للخارج وحضور المؤتمرات وبعض الاجتماعات والتي يمكن أن يحضرها مندوبون من السفارات وايقاف اهدار المال في اللوبيات التي فشلت في التأثير على الرأي العام ومتخذي القرار.
ويبقى هناك اشتراك السودان في المنظمات الدولية والإقليمية والتي يصعب تقليصها أو تأجيلها، لأن ذلك يساهم في استمرار عزلة السودان الدولية، مع أن وجود السودان في الكثير منها شكلي وغير فعال ولا يجلب مصالح للشعب السوداني ويمكن تنظيم ذلك بأن يمثل السودان بأن تحقق للسودان منافع مما يتطلب إصلاحا سياسيا أساسيا في السياسة الخارجية للبلاد.
أما ديون السودان الخارجية، فهذه مسألة سياسية في المقام الأول فاستفادة السودان من مبادرة إلغاء ديون الدول الفقيرة أو إعادة جدولة بعض الديون تحتاج لتغيير أساسي في النظام السوداني لفك العزلة الدولية مما يسمح بتقليل عبء الديون وفي نفس الوقت يسمح بمساعدات دولية وإقليمية جديدة. ولكن من المهم كسب الثقة الدولية في أن السودان لا يهدر الموارد التي توفر له في الصرف البذخي والفساد وعدم كفاءة المشروعات وتنفيذها (وهنا لا بد من خضوع التنفيذ للشفافية والمنافسة وعدم استخدام الموارد لإثراء المحاسيب والشركات الخاصة للمسئولين وأقربائهم). وستظل مسألة دين السودان الخارجية هاجسا حقيقيا لكل من يتصدى لقيادة الاقتصاد سواء تحت هذا النظام أو في حالة نظام جديد لتقاطعها مع السياسات العامة للدولة وسياستها الخارجية على وجه الخصوص وقضايا السلام ووقف الحرب واحترام حقوق الانسان وسيادة حكم القانون والذي يتطلب نظاما قضائيا مستقلا ونظاما عدليا لا يخضع للجهاز التنفيذي وقوانين متلائمة مع التزامات السودان الدولية.
خاتمة:
لعل القارئ لاحظ في هذه المقالات كيف تتداخل السياسة الاقتصادية والمالية مع طبيعة النظام وسياساته العامة والخارجية، وأن مسألة تحديد سعر الصرف نفسه ليس عملا إداريا وهو يخضع لقوانين السوق ولكن يمكن، بل ويجب، على صانعي السياسية من إتخاذ القرارات الإدارية التي تؤثر على قوى السوق. وأنه يستحيل لدولة نامية مثل بلادنا أن تتحدث عن ترك قوى السوق تتحرك بحرية كاملة فيما سمي بتحرير الإقتصاد لأن ذلك ببساطة لن يخدم إقتصادنا ولن يؤدي لمعالجة ما يسميه البعض بتشوهات الاقتصاد، بل بالعكس أن ترك الحبل على الغارب يعمق تلك التشويهات ويؤدي لمزيد من التدهور الاقتصادي وتعميق الآزمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.