في هذا الباب حذرت الأسبوع الماضي السودانيين من الإسراف في التفاؤل بقرار رفع العقوبات الأميركية ونصحتهم أن يتعاملوا مع ذلك القرار في إطار حجمه الطبيعي بأن يفهموا تحديدا عناصره الإيجابية دون زيادة أو نقصان وأن يتذكروا أن الرفع الجزئي للعقوبات لن يعني بأي حال تدفق موارد نقدية للسودان لا يكسبها بجهده، بل تعني فقط أن حصيلة صادراته الخارجية ستنساب من دون عوائق وأن حقه في الاستيراد من كل دول العالم –إذا كان يملك النقد الأجنبي- سيكون متاحا. وقد سرني أنه خلال الأسبوع الذي أعقب نشر مقالي أن ارتفعت أصوات عديدة من المؤثرين في القطاع الاقتصادي الحكومي يطلقون نفس التحذير ويتخوفون مثلي من ذلك الاندفاع غير المرشد في الإسراف في التفاؤل الذي تسابق مسؤولون حكوميون في الإعلان عنه وحملوا القرار الأميركي فوق طاقته وبشروا أنه بعد صدوره فإن السماء ستمطر ذهبا وفضة! وفي ندوة اقتصادية عقدتها إحدى المنظمات تحدث القيادي الاقتصادي في المؤتمر الوطني حسن أحمد طه فحذر من الإفراط في التفاؤل من نتائج القرارات الأميركية وضرورة التعامل معها في حجمها الحقيقي وإدراك أبعادها وآثارها؛ إذ إن مجرد صدور القرار لا يعني حدوث تدفقات نقدية ورأسمالية فورية للسودان، منبها إلى أن الولاياتالمتحدة لا يزال لديها العديد من العقوبات المفروضة على السودان والتي تحد من فرص الاستثمار مثل استمرار اسم السودان في قائمة الدول الداعمة للإرهاب وقانون (نزع الاستثمار) الذي يحرم على الشركات العالمية الاستثمار في السودان، ونصح الخبير الاقتصادي بضرورة العمل الجاد لتقوية البنية الاقتصادية من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، ومنبها إلى أن تتمشى عملية الإصلاح عبر مسارين: مسار اقتصادي ومسار سياسي يحدث وفاقا داخليا يسمح بتقليل الصرف على الأمن والدفاع. ومن جانبه نبه الخبير الاقتصادي عز الدين إبراهيم إلى أن القرار الأميركي يعني رفعا (جزئيا) للعقوبات وأن الرفع الكلي سيتوقف على توفر شروط أخرى مرتبطة بتوصيل مواد الإغاثة لمناطق الصراعات وإنفاذ كامل متطلبات الحرب على الإرهاب، وتكهن بأن تضيف الولاياتالمتحدة شروطا جديدة خلال فترة المراقبة خلال الستة أشهر القادمة قبل الرفع الكلي للعقوبات، وعبر عن عدم تفاؤله بإمكانية تقديم أي مساعدة من الولاياتالمتحدة في ملف ديون السودان الخارجية. وتحدث في الندوة أيضاً الدكتور صابر محمد الحسن المحافظ السابق لبنك السودان والخبير الاقتصادي الأرفع في دوائر الحزب الحاكم وهو كان قد نبه من قبل إلى ضرورة إحداث إصلاحات اقتصادية عاجلة للاستفادة من القرار الأميركي وردد ذلك في هذه الندوة، مؤكداً أن السودان لن يستفيد من هذه الخطوة الأميركية ما لم ينفذ إصلاحات شاملة للسياسات الاقتصادية. يبدو أن موجة الاندفاع في التفاؤل غير المؤسس في التفاؤل بالخطوة الأميركية الذي تجاوز المدى قد أخذ ينحسر الآن وأصبح الحكام أكثر استعدادا للتعامل مع الأمر برشد وحكمة، وأن يدركوا أنه يوفر فرصة لإصلاح شامل اقتصادي وسياسي قد تأخر كثيرا حتى أوصلنا إلى ذروة الأزمة الحالية- ولكن هل يؤدي كل ذلك إلى تغيير حقيقي؟ ليس هناك من مؤشرات تدعو للتفاؤل!!; العرب القطرية