قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بلاَع : لا يأكل أبداً (غير المسروق)
نشر في حريات يوم 06 - 03 - 2017


أمين محمَد إبراهيم
على أيام النكوص والتحول عن التجربة (الناصرية) إلي تدشين عصر ( الخصخصة والانفتاح) على يد أنور السادات، في مصر، صعد إلي قمة جهاز الدولة، وصوليون و انتهازيون ولصوص، فعم الفساد وكثرت تجاوزات الموظفين العموميين، و تفاقم تعديهم على المال العام، فتصدرت أنباء اختلاساتهم عناوين الصحف المصرية و تناولها كتابها في مقالاتهم وتحليلاتهم ورسوماتهم الكاريكاتيرية. و في تلك الحملة ضد استباحة المال العام، اسهم الكاريكاتيريست الراحل صلاح الليثي برسمه شخصين يجلسان في مكتب عمومي يقول أحدهما للآخر:" أنا الدكتور مانعني ما آكلش غير مسروق"، على وزن عبارة: "ما تاكلش غير مسلوق"، و التي ينصح بها الأطباء عادةً، مرضاهم من كبار السن أو غيرهم ممن يعانون من أمراض السكر و القلب و ارتفاع ضغط الدم …. إلخ (حماكم الله)، تحذيراً لهم من تفاقمها و مضاعفاتها.
تميَز الراحل الليثي (رحمه الله)، بقدرات لافتة على النفاذ بعمق إلي جوهر الظواهر التي يتناولها و موهبته الفذة في التعبير عن فكرته بكبسلتها في محض خطوط ساخرة و تعليق موجز في كلمات، غاية في البلاغة و الطرافة (معاً)، وهو سبب استهلالي مقالي بكاريكاتيره، دون إضمار أية فكرة لعقد مقارنة بين فساد تلك الحقبة في مصر و فساد دولة المؤتمر الوطني اليوم. فالفساد موضوع الكاريكاتير لا يكاد يساوي قطرة في محيط تجاوزات مسئولي دولة المؤتمر الوطني وتعدياتهم الفظة و المتكررة على المال العام. ونضيف إلي انعدام المقارنة، بين الحالتين، اختلاف جوهري آخر هو، تمتع المفسدين في دولة "هي لله هي لله" بضمانات حصانات مطلقة من المساءلة والجزاء. و في الحالات النادرة التي يقع فيها مفسديهم (الداقسين) تحت طائلة القانون، يجدون الحماية تتنزل عليهم من النافذين، تارة تحت أحكام فقه السترة، وأخرى وفق فقه التحلل فتبرأ ذمتهم من فعلهم الشنيع بإعادتهم ما سرقوه، في حال بقائه كما هو ولم يبدد، وهو من رابع المستحيلات. وقيل في رواية أخرى: بأقساط مريحة. فلذا فإن انتشار الفساد في دولة المؤتمر الوطني كانتشار النار في الهشيم، لا يدهش أحداً، بأي حال من الأحوال، بل العكس هو الأدنى، لإثارة الدهشة، وربما الصدمة العصبية (المشفوعة بهاء السكت) التي قد تلحق أهل الطهر والاستقامة ب (أمات طه). فتجد مخالفات وتجاوزات مسئولي دولة بله، عصية على الحصر، و يعجز الكتاب الواحد، دع عنك المقال الواحد، عن الاحاطة برصدها و احصائها. و لذا ولكي لا يرمينا أحد بالتجني على الناس واتهامهم جزافاً سنذكر، مثالاً دون حصر، ما رصدته منها تقارير المراجع العام السنوية أو تناولتها الصحف فيما يلي:
– الاستيلاء على ايرادات البترول في الفترة من بداية تصديره وحتى بعد شراكة الحركة شعبية مع الحزب الحاكم في السلطة وفق صفقة نيفاشا 2005م بدليل شكوى الحركة المستمر من خلو وثائق ميزانيات الدولة و وثائقها الرسمية، من أية بيانات توضح حجم مبيعات البترول و قيمته و مصارفه. واستمرت الحركة تطالب بالكشف عن الأرقام الحقيقية لحجم انتاج البترول و حجم مبيعاته وقيمتها، و في المقابل التزم مسئولو دولة المؤتمر الوطني صمتهم المطبق والمريب (المتفاقم). و (الصمت المتفاقم) تعبير بليغ للكاتب كمال الجزولي.
– مخالفات قضايا الأقطان وخط هيثرو و سودانير و بعثات الحج وزارة الأوقاف ومكتب الوالي و مسجل عام أراضي الخرطوم المنتدب من النائب العام علاوة على مخالفات بعض مستشاري ديوانه التي زكمت الأنوف، وغيرها الكثير من مخالفات، بعض أجهزة الدولة، التي لا تشملها تقارير المراجع العام السنوية، بسبب أن تلك الأجهزة قد بلغت بها الجرأة، صدق أو لا تصدق، حد رفض اخضاع حساباتها لمراجعة وتدقيق المراجع العام.
– ما نشرته وسائط إعلام داخلية وخارجية عن بيع و اجارة (شبه مؤبدة) ملايين الأفدنة من هذه الأراضي لدول وشركات أجنبية بعقود سرية لم تنشر للرأي العام، ولذلك لا يعرف الشعب شيئاً عن عقود بيع وايجار أراضيه، يجهل مصير قيمتها من الأموال، و لا يدري أين ذهبت؟. و ترتبط كل هذه الصفقات السرية المشبوهة بقرار جمهوري قضى بتتبيع كل الأراضي الحكومية بالولاية الشمالية لوحدة السدود التابعة لرئاسة الجمهورية مع تمتعها بسلطة مطلقة بحيث لا تخضع لرقابة أو محاسبة حكومية، و ذلك بموجب نص تضمنه ذات القرار، يقضي بإعفائها التام من الخضوع لقوانين ولوائح الخدمة العامة و كل لوائح المحاسبات المالية والحسابية، المفترض سريان العمل بها في الدولة المذكورة.
– ما نشرته صحيفة الشرق الأوسط عدد 3/12/1997م تجميد الادارة الأمريكية مبلغ يتجاوز ال (ست مليار و ستمائة مليون دولار أمريكي) قام بإيداعها ثمانية عشرة (18) من قياديي المؤتمر الوطني في حساباتهم بالبنوك الأمريكية.
– ما كشفه، من حيث لا يدري، أحد القياديين النافذين، في مؤتمر صحفي عقده قبل سنوات عن تمويل بناء وتشييد عقار (تجاري استثماري خاص) بقرض من بنك إسلامي سعودي بضمانة وزارة المالية السودانية. وكان ذلك حين سأله أحد الصحفيين عن مبرر ضمانة المالية لهذا القرض ( مع ملاحظة أن ضمانة القرض تعتبر بمثابة كفالة دين يلتزم بموجبها الضامن بأداء القرض و مصاريفه بديلاً عن المقترض حال فشله في السداد- الكاتب)، فاستشاط القيادي المذكور غضباً ورد على السائل بقوله: "المالية دي حقت أبوك؟!". و لا يسأل مثل هذا السؤال، إلا من يعتبر الدولة بأكملها غنيمة له ولحزبه حصراً، و يجحد أي حق لغيرهم فيها، مع أن السائل كمواطن شريك في المالية التي تعادل بيت المال في دولة الاسلام، و لا يتجرأ على جحد و إنكار شراكته إلا (قلاع). هنا يزجر مسئول الدولة السائل، بدلاً من زجر المالية التي تمول بناء عقار تجاري تنكر للمزيد من التمويه (في زي بيت من بيوت الله) و تقدَر تكلفة بنائه بمليارات الجنيهات. و سواء كان دافعه التستر على، أو الدفاع عن تصرف (غير مشروع)، فإن القيادي المذكور، برد فعله على سؤال (مشروع) و بإجابته الغاضبة عليه، قد أكَد حقيقتين، أولاهما هي : صحة الاعتقاد السائد بأنه (معجب بروحه حبتين)، و الثانية هي: سداد مقولة أنَ (الحياء) (عاطفة تقدمية) فعلاً.
– مخالفة القيادي والمسئول الاعلامي البارز في الحزب الذي قُدِم للمحاكمة مؤخراً بتهمة تجاوزات مالية في خلال إدارته لما يسمى بالهيئة القومية للتلفزيون والاذاعة. وبرأته المحكمة، لأنه وبحسب ما جاء بصحف الخرطوم الورقية قد دفع أمام المحكمة بأنه خصص الأموال التي اتهم بالتصرف فيها بالمخالفة للقانون، في تأهيل وتدريب إعلاميي الحزب الحاكم بتوجيهات صادرة له، من رئاسة الجمهورية.!! أما وقد دخل دفعه هذا المحضر القضائي، وأصبح، مِنْ ثَمْ، جزءاً لا يتجزأ منه، فإن باستطاعة أي قانوني ملم بأبسط أبجديات القانون، أن يدحض دفعه ويظهر أنه ليس نافياً للمسئولية الجنائية، بل يصلح اقراراً منه بمس بمسئوليته، كما يُعَدُ بينة (ابتدائية) بمشاركة رئاسة الجمهورية له في المسئولية الجنائية، و تشكل سبباً قانونياً وجيهاً و كافياً- في أي بلد يتمتع قضاءه بالاستقلال ويحتكم إلي حكم القانون، لجر رجل رئاسة (الهنا والسرور) إلي دائرة الاتهام والمساءلة و الجزاء.
و ذلك بقرينة أن الأصل هو تخصيص المال العام لأغراض خدمة المصلحة العامة، و أن الفعل الذي يجرمه القانون هو تخصيصه، بالمخالفة للأصل، لأغراض خدمة المصلحة الخاصة، التي لا تعود بالنفع والفائدة على كل المجتمع. و ما لا شك فيه، أن الحزب السياسي تنظيم خاص بمن أنشأه أو انضم إليه من المواطنين و لا يدخل ( بأي وجه من الوجوه) ضمن هيكلة جهاز الدولة و بالتالي لا علاقة له بالمصلحة العامة. إذن فتخصيص المال العام لخدمة مصلحة حزبية الذي أقرَ به في مجلس القضاء إعلامي الدولة هو ما يخالف القانون ويعاقب عليه بنصه الذي يقرر أيضاً، أن من يساعد أو يحرض أو يوجه أو يأمر أو يغري … إلخ أخر لارتكاب فعل تخصيص المال العام لخدمة مصلحة خاصة (كتأهيل وتدريب كادر حزبي) يُعَدُ مرتكباً للجريمة و يسمى فاعله شريكاً للفاعل الأصلي في المسئولية الجنائية متى وقع الجرم، كما يكون مسئولاً عن الشروع فيه إن لم يقع لسبب خارج عن إرادة الفاعل الأصلي.
و أخيراً ما تابعه القراء في الوسائط من سعي جهات عليا سعياً محموماً لفرض حمايتها على شركة باسم أمطار استوردت من دولة الإمارات شتول وفسائل نخيل حاملة لفطر أثبت الفحص أنه قاتل للنخيل. و ما تبع ذلك من استماتة تلك الجهات لمنع تنفيذ قرار صادر من الجهات الفنية المختصة بإبادة. و لم يدهش أحداً أن كشفت وسائط الإعلام في سياق تغطيتها لملابسات الحادثة، حقيقة أن الوزير التي تتبع له إدارات الفنية المختصة بمكافحة الأوبئة، هو نفسه رئيس مجلس إدارة الشركة المستوردة للفسائل الحاملة للميكروب القاتل للنخيل.
وصف العهد بالفساد و اتهام قادته بالعبث بالمال العام ليس حكراً على خصومه و معارضيه حصراً، بل شاركهم في ذلك من يعتبرون، من المؤسسين الأوائل لحركة الإسلاميين في السودان، ومن الجيل الذي تلا جيلهم. فمن المؤسسين قال الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد أنه لم يرى في أي عهد سابق (يشمل عهد الحكم الانجليزي المصري) فساداً كالذي رآه في عهد دولة المؤتمر الوطني. ومن الجيل الثاني قال الأستاذ يس عمر الإمام (رحمه الله) أنه يستحي من فرط فساد النظام أن يدعو أبناءه وأحفاده للانضمام لتنظيم الاسلامويين.
كما أن تهمة فرض نافذي النظام، حصانة مطلقة على الفاسدين والمفسدين، وتسترهم على تجاوزاتهم لا ً ينفرد بدمغ النظام بها معارضيه، وإنما شهد بها شهود من أهله. وقد صرَح بذلك كل من: وزير العدل الأسبق محمد بشارة دوسة والنائب العام السابق عوض حسن النور. و أعلنا ذلك على الملأ بقولهما أن الحصانات التي تسبغها جهات نافذة في الدولة على مسئوليها تغل يدهما ويد وزارتهما في محاربة الفساد، كما تحول دون تطبيقهما القانون على المفسدين من مسئولي الجهاز التنفيذي.
اعتبر قادة النظام السياسة (لعبة قذرة)، و أباحوا لأنفسهم الكذب والغش والخداع (المحرمات بنصوص قطعية الورد والدلالةً) في سياق ممارستها كلعبة قذرة. وليس بمستغرب على من فعلوا ذلك أن يدمنوا التكذب بشعارات دينية – بتحوير تأويل النصوص المقدسة – للتكسب الدنيوي المحض. ففي سبيل توطيد أركان حكمهم أطلقوا شعارات لم يقصدوا بها شيئا سوى خداع الشعب، ومنها حديثهم عن توطين القمح وتوطين العلاج، وتوطين صناعة السكر …. إلخ و في المقابل تمزيقهم فواتيرها (يقصدون الكف عن استيرادها)، و لكنهم في واقع الأمر، عملوا ما وسعتهم الحيلة، لتحقيق نقيض شعاراتهم، فوطنوا استيراد القمح والسكر وكل القوت الضروري، وسلعوا العلاج وكل الخدمات الضرورية، حتى بات لا يقوى على الحصول عليها، إلا من له المال الوفير في وطن يعاني سواد شعبه من الفقر، بسبب استيلاء أهل الحكم على الموارد والثروات والوظائف، مع تجريد غيرهم من كل ذلك وفرض ضرائب و رسوم وأتاوات وجبايات لا قبل لهم بها عليهم. فانتهى التطبيق الحقيقي لكل شعاراتهم إلي ما نراه اليوم على أرض الواقع الملموس وفي مقدمته توطين الجوع والفقر و الفساد بكل أشكاله، وتمزيق فواتير الأمانة والنزاهة والكرامة والاستقامة.
في عالم اليوم الذي أصبح بفضل انفجار ثورة العلم والتكنولوجيا أصغر من قرية صغيرة تأتيك أخبار أقاصيه وأدانيه على مدار الساعة وأنت قابع أمام شاشات التلفزة. و يشاهد و يسمع ويقرأ العالم كله كيف تحاسب الحكومات بصرامة وحزم مسئوليها النافذين عند ظهور أية شبهة فساد في مسلكهم وتصرفهم، بالغاً ما بالغت من البساطة والضاءلة، ويعقد المقارنة، بين أدعياء الطهارة هؤلاء، و النظم التي يدمغها هؤلاء الأدعياء الكذبة بالكفر لفساد الأخلاق. و المراقب لأحوال السودان، لا يرى في الواقع المجرَد الملموس، إلا نقيض ما يسمعه، من أبواق وسائط دعاية الاسلامويين. فمن يدع الاسلام ويحكم باسمه هو الأكثر افتقارا للنزاهة والاستقامة حتى بمعاييرها الدنيوية والفاسد فسادا مطلقاً. و لكي لا يتهمنا أحد بإطلاق التهم على عواهنها أنظر حصانة حكام السودان من المحاسبة والجزاء وما يحدث لنظرائهم، كمحاكمة رئيس دولة الكيان الصهيوني بتهمة الفساد لتصرف منسوبة إليه مضت عليه سنوات، و اتهام بنيامين ناتنياهو و زوجته والتحقيق معهم في شبهة فساد مالي، والاتهامات التي تواجه مرشح (يمين الوسط) للرئاسة الفرنسية فارنسوا فيون، وأخيراً مرشحة اليمين للرئاسة الفرنسية ميرين لوبان بشبهة فساد و التحقيق معهم. و التهديد الذي يواجه مرشحي الرئاسة هو الفرنسية احتمال منعهم من الترشح إذا ثبتت التهم التي تواجههما. وتؤكِد كل الدلائل أنَ اتهامهما والتحقيق معهما سيؤثر تأثيرا بالغاً في كل الأحوال، على أمكانية حصولهم على أصوات نسبة كبيرة من الناخبين.
و من يرى ما يحدث لكل من يعبث بالمال العام في دول الغرب العلمانية ويرى ما يحصل للمال العام في دولة "هي لله هي لله" التي يحكمها "أصحاب الأيدي المتوضئة" لا ينتابه أي شك، في أن الاكثار في أكل المال العام والتلاعب بموارد الوطن، من أول المؤهلات ( غير المعلنة) للترشح لتولي المناصب الدستورية والتنفيذية والسياسية وكل المناصب العامة في دولة حكم أجهزة الباطن والتمكين، و لا يستبعد بالتالي أن يكون طبيب (بله) ومعه قادة النظام قد نصحهم بألا يأكلوا شيئاً (غير المسروق). فلا غرابة إذن، أن يكفل نافذوا دولة (الباطن والتمكين) حصانة مطلقة من العقاب، للفاسدين والمفسدين، فيسود الفساد و تنتشر سرقة المال العام. وثالثة الأسافي هي عرض قادة الدولة التحلل على كل من ثبت عليه نهب وسلب مال الشعب، وهو ارجاعه ما سرقه، وذلك في الحالات النادر ة التي يحاكم فيها لصوص المال العام، فما الغرابة إذن أن يسرفوا في النهب والسلب؟!
لا سند لإبراء ذمة المجرم عموما والسارق خصوصاً و إعفائه من تحمل تبعات و مسئولية ما اقترفته يداه دون مساءلة ومحاسبة وجزاء في نصوص القوانين الوضعية أو الشرع الذي به يكذبون. ولكن الحديث عن سريان نصوص القانون من عدمه لا يجدي فتيلاً مع حكم الطغيان الشمولي الذي يجانب سيادة حكم القانون، ويدير شئون البلاد والعباد بسلطات مطلقة، تلغي وتبطل الدستور نفسه، و تحل محله مشيئته التي تلغي وتبطل العمل بكل ما يتعارض مع مصالح القلة الحاكمة من نصوص دستور أو قانون. ويمثل تعطيل تطبيق النصوص التي تقضي بوجوب تعقب المفسدين و تقديهم للمحاكمة و إنزال العقوبات الرادعة بهم، الضمان و الأمان لمن بيدهم المال العام وتعطيهم الضوء الأخضر للعبث به كيف شاءوا. ومع ضمان الحماية والحصانة فمن الطبيعي أن يفسدوا في الأرض مطمئنين، و يهجموا- كما يفعلون اليوم – على المال العام هجمة الأسود (المربعنة). و تعطيك تقارير المراجع العام ، تفاصيل سرقات مسئولي دولة المؤتمر الوطني من المال العام سنوياً بأرقام يشيب لها الغراب الأسود. ولو أخذت جملة ما سرقه ونهبه كل واحد منهم (في كل سنة مالية على حدة) ستجد أنه يكفي وحده لإقامة حد الحرابة عليه كل صباح جديد. بقرينة أن علة تشديد عقوبة الحرابة شرعاً هي منع زعزعة استقرار المجتمع، و عدم و المساس بأمنه سلامته و طمأنينته. فأي ترويع للمجتمع و مساس بأمنه و سلامته، أكثر من سرقة كل ماله و إفقاره حتى لا يجد الرجل ما يسد به رمقه، و رمق عياله؟؟! قال الإمام علي كرم الله وجهه:" لوكان الفقر رجلاً لقتلته". وقال الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري:" عجبت كيف لا يجد الرجل قوت عياله، فلا يخرج إلي الناسِ شاهرا سيفه".
فيا كادحي السودان، و فقرائه و محروميه، أخرجوا على نظام، عصابة اللصوص والفاسدين، شاهرين سيوفكم و رماحكم، لأنهم يسرقون أموالكم جهارا نهارا، ويبددون مواردكم في السفه، و التطاول في البنيان، والتعدد في الزوجات، و الترخص في متع الحياة و مباهجها الأخرى، غير مبالين بفقركم و جوع أطفالكم و مرض نسائكم. و لأنهم علاوةً على ذلك، يتكذبون للتكسب بالدين باتخاذه مطية لتحقيق محض أغراضهم ومصالحهم الدنيوية. سئل عبد الله بن المبارك أبوعبد الرحمن المروزي (118 -181ه)، رحمه الله: من الناس؟ فقال: العلماء، قيل: فمن الملوك؟ قال: الزهاد، قيل: فمن السفلة؟ قال: الذين يأكلون الدنيا بالدين.
*(بله الطاهر على بلاع) هو إمام و زعيم الجماعة في قصيدة الجابرية للشاعر الراحل حميد.
(منقول).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.