قلنا سابقاً أنً الطريقة الأكثر فعاليًة في التغلب على العقبات هى الاستعداد المسبق لها و التحسب لكل طارئ..ولخًصنا أسباب فشلنا في التغيير و أنًها ترجع لسبب رئيسي هو عدم وجود قيادة لديها خطًة عمل و برامج يجتمع حولها النًاس، لذلك عليناالبداية من هنا… على مرً التاريخ ، لم يحدث أن نجح كيان غير سياسي في اسقاط نظام ديكتاتوري لسبب أنً الكيانات السياسيًة وحدها تمتلك الآليًات و الوسائل الصحيحة لهزيمة الديكتاتوريًات لأنًها تسعى للوصول للسلطة كهدف رئيسي من خلال برامج عمل محدًدة تطرحها على النًاس(أصحاب المصلحة) يقبلونها إذا كانت تلامس احتياجاتهم و يرفضونها إذا كانت غير ذلك..، برنامج العمل وحده يمكنه الاجابة على التساؤلات التي يطرحها النًاس، و في نفس الوقت يفتح معهم حواراً و يطرح عليهم الأسئلة التي تقود لفهم توجهاتهم… ،مثلاً : من يقولون بأنً النظام لا يمكن اسقاطه بالعصيان لأنًه يسيطر على كل شيء لديهم تجارب شخصيًة إمًا خضعوا للتهديد و الابتزاز أو تعطيل مصالحهم أو لأنًهم لا يريدون المخاطرة فقد رأوا و سمعوا بمن نكٍل بهم نتيجة لمواقفهم…، لا يمكننا طمأنة مثل هؤلاء إلاً بالاستجابة لاحتياجاتهم حتًى تتغير نظرتهم بعد أن يروا فعلاً أنً من يحاول النظام التنكيل به لن يجد نفسه وحيداً في مواجهته، فهناك من يهتم بأسرته و من يواسيه محنته و يدافع عن حقوقه…، هذه المهمًة لا يمكن أن تقوم بها مجموعة غير سياسيًة ( لديها الآليًات و الوسائل الصحيحة..) ، كذلك من يخشون عودة الطائفيًة سيرون أمامهم جسماً فاعلاً يمكنه قطع الطريق أمامها…، و من يتخوفون من الفوضى سيجدون أمامهم كياناً قويًاً يشكل سداً منيعاً ضد أي فوضى محتملة… و هكذا.. على مرً التًاريخ، لا توجد مجموعة سياسيًة ناجحة إلاً و كان مدخلها اجتماعي في المقام الأول لأنً النًاس يشاركون في العمل الذي يلامس احتياجاتهم و يجدونه معبِراً عنهم و لا سبب آخر، و الأمثلة كثيرة على اسقاط ديكتاتوريات أشد قوة مثل نظام الشاه في ايران، بينوشيه في تشيلي و مسيلوفيتش في صربيا….، عامل النجاح المشترك في جميع تجارب المقاومة الناجحة (بلا استثناء) كان المشاركة الجماهيريًة الكبيرة (بسبب أنًها تعبر عن احتياجاتهم) و هو ما ظللنا نفتقده بسبب غياب الكيان السياسي المنشود.. الأحزاب التقليديًة (الأحزاب القائمة قبل انقلاب الجبهة) أصبحت عقبة حقيقيًة أمام التغيير و غير مؤهلة للقيام بأي نشاط يلامس احتياجات الناس ..، هذه الحقيقة الآن واضحة أكثر من أي وقت مضى ، …. إمًا طائفيًة يسيطر عليها أفراد هم الآخرون ليسوا على وفاق ..غالبيًة تنفيذييها(غوًاصات) أو باحثين عن المصالح الفرديًة لذلك من الطبيعي أن تتقاطع مصالحهم مع التغيير… ، في أحسن الأحوال اهترأت و تكلًست و شاخت و لم تتجدًد و لم تعد لديها المقدرة على التطور فأصبحت منفرة للكوادر المميزين (أحزاب اليسار)….، وجميعها يسيطر النظام على ثلثي مكاتبها التنفيذيًة ما يعني أنًها أصبحت هى الأخرى مختطفة لا حول لها و لا قوًة(راجع المحضر المسرًب لاجتماع اللجنة الأمنية الذي سبق و أن نشره البروفيسور/ إيريك ريفز… ) لذلك ليس غريباً أنً معظم قياداتها حريصون على بقاء النظام أكثر من أهل النظام نفسه ، على جانب الشًارع..تعايش البعض مع الواقع طوعاً أو اضطراراً فمثلت عندهم (سلطة الاحتلال) الوسيلة التي يعيشون بها ،و الضامن الوحيد لبقائهم،أجبرتهم الحاجة .. فتولًد فيهم الاحساس بالدونيًة و احتقار النفس… تتآكلهم الكراهيًة و البغضاء لكل شئ بدءاً بأنفسهم و الحزب كنتيجة حتميًة للآثار السلبية التي خلفها اسلوب عيشهم الحقير.. و تعامل النظام معهم…، على أنًه رغم هذا السوء.. لا يمكن للنظام أن يستوعب الكثيرين حتًى و إن حرص و أرادوا… لأنًه لا يستطيع كما قال رئيسه في لحظة صدق نادرة "الكيكة صغيرة و الأيادي كثيرة"…لذلك ، رغم هذا الواقع المشوًه يظل أكثر من 90% من الشعب متضرر من وجود النظام و لا يمكنه التعايش معه ..، حتًى من لديهم الاستعداد أن يدوسوا على انسانيتهم و لا يمانعون الغوص في الرذيلة الفرصة لم تعد متاحة أمامهم..، في هكذا واقع من الطبيعي أن تظل مقاومة النظام حتميًة.. . إن سألت النًاس لماذا لم تشاركوا في العصيان الأخير معظمهم يجيبون بأنًه لن يسقط النظام لأنًه (النظام) متمكٍن و لا يمكن التغلب عليه لأنًه يسيطر على مفاصل الدولة .. يمتلك المال و يتصرف في كل شئ..، يشتري من يشاء و يعرف كيفية الاستفادة من التناقضات الدوليًة ..، توصًلوا لهذه النهاية بالتجربة و لديهم مبرراتهم المنطقيًة …، البعض يقولون: لماذا نسقط النظام ليحكمنا الصادق أو الميرغني أو أولادهم؟ أيضاً هؤلاء لديهم مبرراتهم…، آخرون يقولون أنهم لم يشاركوا في العصيان خوفاً من الفوضى…، بمعنى آخر: لم أجد شخص واحد طرحت عليه السؤال و كانت اجابته أنًه يريد للنظام أن يستمر ..، هذا دليل قاطع على أنً النًاس لا يريدون النظام لكنًهم عاجزون ..في حيرة من أمرهم..فاقدون للبوصلة..هائمون…إلخ. الأحزاب الطائفيًة فقدت صلاحيًتها تماماً للعديد من الأسباب المعروفة أذكر ببعضها حتًى لا يكون الحديث مرسلاً …،هى المسؤول الأوحد عن وجود النظام الحالي ..شوًهت البناء الديمقراطي،و فتحت الباب على مصراعية في وجه أعداء الانسانيًة..، لا تحمل من الديمقراطية إلاً الشعارات الكاذبة ، لم تستوعب معناها لا شكلا و لا مضمونا، ،تقوم على مبدأ و سلوك مغاير تماماً لمعنى الديمقراطيًة.. قوامه تابع و متبوع و سيد و مسيود، ولدت غير ديمقراطية ،قادتها (الملهمون) يتسنمونها و يعبثون فيها الى ان يأخذهم الموت..(الإمام يترأس حزبه لأكثر من 53 عاماً و لا يفكِر في التنحي..و كذلك أبو هاشم..)، فشلت في تطبيق الديمقراطية على نفسها، عزًزت الطائفية و الجهويًة على حساب الهوية السودانيًة ، فقدت الدعم الجماهيري لأنًها خدعت المواطن بوعود لم تحقق منها أي شيء، زاوجت بين الانتهازيًة، اللاهوتيًة والطائفة فأوجدت أسوأ وصفة للفشل على الاطلاق ، نهجها مناف للأخلاقيات لدرجة أصبح معها من المستحيل تطبيق الديمقراطية بداخلها، استنفذت الوقت الكافي لتحقيق أي اصلاح أو خطوة باتجاه المواطن ..أثبتت فشلها في المحافظة على كوادرها و قواعدها ناهيك عن استيعاب قطاعات الشعب ،"تدار بعقليًة الباب يفوت جمل" ..، لا يمكن إصلاحهاحتًى لو ولج الجمل في سم الخياط…أثبتت الأيًام عدم أمانة قياداتها لأنً النزاهة تتطلب وجود علاقة بين أهداف الحزب ورغبات ومطالب الجماهير لذلك (الجماهير) لا يوجد مايربطها ببرامجها و توجهاتها العامة .. غير قادرة على صنع الرأي العام أو تحديد اتجاهاته، .. فالمواطن حاضر في الساحة السياسية والاحزاب غائبة تماماً، همها منصباً على بناء مصالحها الخاصة متجاهلةً كل ما يمت لتحقيق مصلحة الشعب بصلة…، تحمل بذور فنائها بداخلها فهى إمًا على أساس ديني..طائفي..عرقي أو قومي وليس من منطلق وطني أو ديمقراطي… هل يوجد استثناء أم ينطبق عليهم المثل الشعبي القائل: "عيال أم خير .. خيارهم خير..والخلاء أخير من خير" …؟ أفرغ هذا التحدي السًاحة و خلق فرصة لظهور كيان سياسي"منقذ" لديه برنامج يعبر عن تطلعات الجماهير و لديه المقدرة على تسخير الموارد البشرية و المادية لتنفيذ برنامجه….، الفرصة دوماً سانحة للعمل وسط الجماهير المتلهفة بالتعبير عن قضاياها الأساسيًة…المواطن يبحث عن حزب ديمقراطي لديه رؤية ومنهج وسلوك وثقافة ديمقراطية و برامج تستهدف بناء المجتمع واعمار البلد، يبحث عن كيان سياسي يتوجه إليه ليقوده نحو التغيير الذي يريده…، علًمتنا التجربة خلال عقود العتمة أنً أي كيان سياسي ولد في الظلام سيخرج مشوًهاً إن لم يكن مسخاً كريهاً..، لذلك لا يمكننا التفكير في حزب جديد مهما كان صدق القائمين عليه ..، في نفس الوقت لا يمكننا الاختيار من بين (عيال أم خير) … الاستثناء الوحيد الذي يصلح أن يكون كياناً ينجز التغيير هو حزب المؤتمر السوداني، يمتلك الأساس السليم و هو الوحيد الذي يزداد نشاطه و عدد جماهيره و يمكن أن يكون بديلاً مقبولاً لأنه يمتلك برنامج يعبر عن تطلعات الشًارع .. لديه الحلول العمليًة بشأن القضايا الاقتصاديًة و التنمويًة على أساس الاقتصاد التعاوني.. ، أساسه ديمقراطي يسمح بالتجديد المستمر و المواكبة…….الخ ، رغم ذلك ينقصه الكثير ،.. الجماهير لا تعرف عنه شيئاً…، ربًما امكاناته البشرية و المادية لتنفيذ برنامجه محدودة ..لذلك ينقصه الانفتاح و الأذرع المدنيًة (مجموعات العمل المباشر المتخصصة في توفير احتياجات النًاس من طعام و رعاية صحيًة..، و كل ما يسمح لمؤسسات بديلة لمؤسسات النظام بالتشكًل بحيث يراها عامًة النًاس و يستفيدون منها بصورة ملموسة..) تساعده على تنفيذ برنامجه حتًى يراه النًاس و يستفيدون منه فعلياً..، رغم ديناميكيته إلاً أنًه لم يصل لغالبيًة النًاس في مواقعهم لطرح برنامجه عليهم، عليه أن يبذل مجهودات أكبر لعمل مكاتبه داخل و خارج السودان كي تستقطب كفاءات تبحث عن وعاء يستوعب امكاناتها المهدرة ( على سبيل المثال تطوير موقعه على الانترنت بحيث يواكب متطلبات من يرغبون في العضويًة..) ، انتهاجه مبدأ "العلمانيًة" أمر منفر لأنً النًاس العاديين لا يعرفون لها معنى غير "الالحاد و التحلل من القيم الدينيًة" لذلك عليه حذف هذه المفردة من قاموسه كليًاً ..، يحتاج تبسيط خطابه حتًى يكون مفهوماً لعامًة النًاس…، يحتاج القيام بحملات توعويًة مكثًفة …، إقامة تحالفات راسخة على غرار "الحركة المستقلًة" تضمن الاستفادة من مجهودات من لا يحبذون الانتماءات الحزبيًة…، و أخيراً يجب أن تكون لديه تكتيكات و خطط عمل واضحة وفق جدول زمني و حملات محدًدة يطرحها على النًاس بشأن مراحل عمليًة التغيير تمتد لما بعد اسقاط النظام..،هذه بعض الأمثلة، هل لدى حزب المؤتمر السوداني المقدرة على معالجة هذه السلبيًات؟ قادته وحدهم يمكنهم الاجابة فهلاً أفادونا..؟ [email protected]