في ستينيات القرن الماضي سافر وزير خارجية السودان في زيارة إلى موسكو، سأله الصحفيون عن حيثيات الزيارة فقال إنه (يقود وساطة لحل الأزمة والتوتر بين الاتحاد السوفيتي والصين)!. في العهد الحزبي الثالث بالسودان- تقريباً- سنة 1988 صرح أحد أعضاء مجلس رأس الدولة أنه يعتزم السفر إلى العراق وإيران للوصول إلى تسوية تنهي الحرب الإيرانية العراقية.. في ذات الوقت الذي كانت فيه قوات التمرد بقيادة العقيد جون قرنق تكمل احتلال مدن الجنوب، وباتت تطرق أبواب الشمال من بوابة مدينة "الكرمك". قبل عدة سنوات، والسودان تستعر فيه الحرب الأهلية في عدة جبهات سافر وزير خارجيتنا– آنذاك- إلى بيروت تحت عنوان التوسط لحل الأزمة السياسية في لبنان. أمس نشرت الصحف تصريحات وزير الخارجية البروفسير إبراهيم غندور أن السودان يقود مساعي وساطة لحل الأزمة الخليجية، وقريباً ستبدأ جولة تشمل الكويت وقطر. علماً أن فضاء الوساطات والأجاويد تنشط فيه أمريكا– شخصياً- وبقيادة وزير الخارجية تليرسون، وفرنسا بوزير خارجيتها أيضاً، وتركيا برئيسها رجب طيب أردوغان– شخصياً- وغيرهم كثر، وفي كل هذا الزحام من الوساطات العالمية (الثقيلة)، ومن دول لها (خاطر كبير) لدى أطراف الأزمة.. يتحدث وزير الخارجية عن وساطة سودانية، وهو حديث منقول في الوكالات، ولا شك سيقرأه- بحاجب مرفوع من الدهشة- السيد ثابو مبيكي!. موقف السودان من الأزمة الخليجية المعلن هو الحياد، وقد تفهمته الأطراف، فقطر قالت إنها تقدر موقف السودان، ثم سافر السيد رئيس الجمهورية إلى الإمارات والسعودية، وكلتا الدولتين أكدتا تقديرهما أيضا لموقف السودان.. إذن ما حاجتنا إلى مزيد من (تطمين) أطراف الأزمة أننا على الحياد طالما الجميع يقدرون موقفنا، ولا يطالبوننا بمزيد من البراهين لإثبات حيادنا؟. في تقديري- هنا ينتهي دور السودان، ولدينا من الشواغل الكبيرة ما يتطلب التركيز الداخلي؛ فبعد بيان وزارة الخارجية الأمريكية الأخير واضح- تماماً- أن أكتوبر القادم هو ميقات رفع العقوبات الأمريكية عن السودان فيظل السؤال.. ومتى يرفع السودان العقوبات عن نفسه؟!، فالواقع أننا ننتظر قرار رفع العقوبات وكأنه- في حد ذاته- هو الحل، بينما يعلم الخبراء والاقتصاديون خاصة أن الأزمة الاقتصادية الكالحة التي نكابدها لن تنتهي بالقرار الأمريكي.. فالأجدر أن تبدأ الحلول من الآن.. لأن الاقتصاد ليس مخنوقاً بحبل العقوبات الأمريكية- وحدها- هناك كثير من العقد المربوطة- هنا- داخلياً، ولن يتحرك الاقتصاد- قيد أنملة- بعد رفع العقوبات إلا إذا تغيرت سياسات الحكومة. وللأسف ليس في الأفق تباشير (تغيير)؛ فالحكومة- رغم أنف (28) سنة من احتكار الحكم- تبدو كأنها قرأت علينا "البيان رقم واحد" قبل يوم واحد. أمريكا سترفع العقوبات.. فمتى ترفع الحكومة السودانية عقوباتها؟. التيار