الحاجة إلى الأمن غريزة.. الأمن شعور وليس مظاهر مسلحة، ولا إجراءات، فإن فُقد هذا الشعور فقد دخلت حياة الناس إلى فصل جديد. طوال الأسبوع لم يكن هناك حديث بين الناس سوى حكاوى وقصص الاختفاءات والاختطافات، هنا بلاغ رسمي مدون عند محاضر الشرطة، وهنا رواية مثقوبة عن حالة اختطاف، وهنا جريمة قتل غامضة وقعت بعد حالة اختفاء، وهنا وهناك، والخلاصة أن المشهد كله تحول إلى حالة هلع جماعي، والحقيقة غائبة. لم أر هلعاً في المجتمع كما يحدث الآن بين الناس في أعقاب قصص وروايات بعضها صحيح، وبعضها خيالي، المجتمع الذي يهلع لزيادة الأسعار، ويهلع لحالات الإسهالات المائية المنتشرة، لم يبلغ به الهلع كما يحدث الآن إزاء قصص وروايات وجرائم. تحول إعلام الشرطة إلى غرفة لنفي كل ما يرد في مواقع التواصل الاجتماعي، أول من أمس وقع حادث غير مفهوم في منطقة الأزهري جنوبالخرطوم، انتشر مقطع فيديو صُوّر للناس أنه لحظات قبض على بعض من حاول اختطاف أطفال، صراخ وضرب وحرق سيارة، ومع حالة الهلع المستشرية، خطف هذا الفيديو اهتمام الجميع، واعتقد الجميع أن عمليات الخطف وصلت حتى باب بيته. اضطرت الشرطة ليل أمس إلى إصدار توضيح أوردت خلاله قصة مختلفة. ثم ألحق إعلام الشرطة نفياً آخر بخصوص انتشار تسجيل صوتي يتحدث عن إلقاء القبض على الجناة في جريمة قتل أديبة. بدلاً من أن يصبح إعلام الشرطة مزوّدا للمواطنين بالمعلومات، والمتابعة، وتمليك الحقائق، خاصة في مثل هذه الظروف، تحول إعلام الشرطة إلى غرفة لنفي الشائعات. الخلاصة الآن هناك حالة هلع غير مسبوقة في المجتمع، من المرات القلائل التي يُجمع فيها الناس على حالة واحدة.. الشرطة تنفي، بينما العشرات من بلاغات الفقدان منتشرة في صفحات التواصل الاجتماعي، المجتمع لا يعرف أن هذه شائعة أو حقيقة، وهو أميل إلى تصديق الشائعة مهما كانت مجافاتها للحقيقة، ذلك لفقدان الثقة بين المواطن والسلطة، وهذه مسألة خطورتها عالية حينما تصل أمن الناس. وكأنما هناك مضخة تعمل على مدار الساعة، مهمتها نسج عشرات الروايات المتضاربة، وهناك من يعتقد أنها تحمل كل الحقيقة، ولا يريد قبول رواية غيرها، الإصرار على تصديق اللا معقول مثير للتساؤل. الآن- المطلوب هو الوصول إلى الحقيقة كما هي؛ لإنهاء حالة الهلع والفوضى النفسية التي ضربت الجميع، والإعلام على المحك. التيار