تزايد الحديث في الاونة الاخيرة عن جريمة الاختطاف ، واصبحت متداولة في مجالس المدينة باعتبارها جريمة دخيلة علي المجتمع السوداني .وتبرز اسئلة ملحة هل اصبح الاختطاف واقعا ملموسا ؟ام هو مجرد شائعة ضلت طريقها الي وسائل الاعلام ووجدت مستقرا لها في خيال المواطنين ؟ وهل الحالات التي اشتبهت بانها جرائم اختطاف في الاشهر الماضية مجرد فعل جنائي محدود ام هو سلسلة من الجرائم المنظمة ؟ وفوق هذا وذاك هل كان الاختطاف تحوير لقضايا عادية مثل حالات هروب الابناء من بيوتهم لطبيعة اطوار المراهقة ام تضخمت الاقاويل والشائعات ؟ القصة الاولي قد تمكنت شرطة ولاية الخرطوم من فك طلاسم حادثة اختفاء الطالب « س» من مدينة امبدة ، وعثرت عليه الشرطة في مدينة المهندسين . وكان قد وزع ذوو الطالب المفقود نشرة مناشدين الناس مساعدتهم في العثور عليه، الي هنا القصة عادية لكن تغيرت الاحداث ، لكن بعض ضعاف النفوس بادروا بالاتصال بهم هاتفيا مدعين اختطافه ومطالبين بفدية لاطلاق سراحه . ويذكر لنا خال الطالب « المختطف » النعيم « ان الحادثة لم تكن اختطافا بل هروب مراهق من البيت بدعوي اثبات الذات وطيش المراهقة ، ومضي في القول ان الابن عمل كمساري مع سائق حافلة وكان من المفترض علي السائق عند معرفته بان الابن هارب ارجاعه الي البيت لنا او تسليمه لاقرب مركز شرطة لكنه لم يفعل وهذا ماضاعف آلامنا واستغلالنا من بعض ضعاف النفوس بادعاء اختطافه ، كما اننا نلوم مدرسته لطرده منها دون اخطارنا بذلك لنكون متابعين لوضعه والحمد لله الان انتظم من جديد في المدرسة «. القصة الثانية التي اشتبه فيها بانها عملية اختطاف ، توصلت شرطة ولاية الخرطوم إلي فك طلاسم غموض اختفاء طالبة جامعية ابلغت اسرتها انها مختطفة وان المختطفين طالبوا بدفع فدية مالية مقدارها 200 جنيه لاطلاق سراحها ، وقلة مبلغ الفدية اثار شك الشرطة في القصة وبالبحث والتحري توصلت الشرطة إلي مكان الفتاة مع صديقتها واقرت الفتاة بانها احتاجت للمبلغ لاجراء عملية اجهاض . من الواضح انه لم تكن هناك أية حادثة اختطاف بل هما حالتا هروب من واقع معين . لكن ما الذي دفع الجمهور والصحف الاجتماعية لتحويل الاختفاء إلي اختطاف ؟ ولماذا ضخم الناس القضية ؟ وهل لدي الناس ولع خاص بجريمة الاختطاف كما يشاهدوها في الافلام الهوليودية ؟ وتعزو الباحثة الاجتماعية حنان الجاك توجه المجتمع إلي تضخيم الجريمة العادية إلي جريمة اختطاف إلي اننا كشعب سوداني نفتقد للشفافية في طرح القضايا وكذلك افتقاد المجتمع للأمن النفسي نتيجة لظروف السودان وهذا انعكس وأثر علي المجتمع . ومن الملاحظ ان المجتمع السوداني يميل إلي الشائعة كثيرا وخاصة اذا علمنا ان طبيعة المجتمع السوداني تميل إلي التفرج والمشاهدة وذلك ناتج من الفراغ والمساحات المهدرة من الزمن، وبسبب هذه الفرجة والمشاهدة تكون قراءتنا غير صحيحة للجريمة ،وتصبح الجريمة قابلة للتداول بين الناس وتكثر فيها الاضافات للجريمة ، خاصة اذا كانت الجريمة او القضية من الانواع المهددة للأمن الاجتماعي للأسر ومصدر للازعاج الأمني للسلطات . وتلعب الصحافة الاجتماعية دورا سالبا في هذه الجرائم من خلال توضيح العناصر الجاذبة للقارئ لقراءة الصحيفة وهذه الاشارة غير موفقة ولها تأثيرها السالب علي المجتمع . والاعلام خاصة الصحف الاجتماعية لا تتعامل بحيادية مع القضايا وتميل لعناصر التشويق والاثارة للقضية ولايقدر هذا الاعلام ذهنية القارئ و بذلك تصبح الصورة وكأنما الحوادث تكثر والصحف تنشر بزيادة المعلومات واضافتها وبالتالي يزداد افتقار المجتمع للاعلام الذي يوضح الحقائق ونحن لا نرفض صحافة الجريمة بل نريدها من اجل طرح الحقيقة وان هدفها النشر بغرض التوعية وليس النشر بغرض الاثارة . كما اننا نفتقر للمراكز البحثية الاجتماعية التي تقوم بتنوير المجتمع بالاشتراك مع الشرطة لئلا تتحول هذه الحوادث إلي فزع مجتمعي يثير قلق الأسر ، ويجب ان تتساءل هذه المراكز البحثية عن مصدر الشائعات ومن يقف وراء تضخيم الحوادث من حالة غياب فرد لاسباب أسرية إلي اختطاف ، واذا وجدت حالة فعلية لاختطاف ولابد من عمل مسح اجتماعي كامل حول دوافع الجناة وظروف المجني عليهم . والقصة الثالثة هي قصة طالب اللاماب حيث كشفت شرطة ولاية الخرطوم انها ألقت القبض على العصابة التي اختطفت الطالب يوسف حسن يوسف من منزل ذويه باللاماب، جنوبي الخرطوم،وبذلك تكون قد وضعت يدها على اخطر عصابات الخطف والابتزاز بالعاصمة ، وتتألف من 7 متهمين وينتحل أفراد العصابة صفة رجال الامن والشرطة، وتستهدف المواطنين البسطاء الذين يتمتعون بامتلاك الأموال من خلال جمع معلومات كافية عن الشخص المستهدف. وبالتحري معهم اقروا بارتكابهم لعدد من جرائم النهب والاختطاف والابتزاز والاستدراج لعدد من الاهالي بامدرمان دار السلام ومدينة النيل والازهري، والاستيلاء على مبالغ مالية. والحادثة حقيقية . وما الطريقة لاستئصال بذرة الاختطاف من الترسخ كجريمة عادية، وهل عملية الاختطاف تصنف كجريمة منظمة ام انها في اطار الفعل الجنائي المحدود، سؤال طرحناه علي الخبير القانوني والقاضي السابق بمحكمة الاستئناف محمد الحافظ محمود والذي قال في اتصال هاتفي «للصحافة» ان جريمة الاختطاف كانت ولا تزال من اخطر الجرائم لندرة فعل الجريمة ، في حد ذاتها ، وغالبا تكون اسبابها بغرض الابتزاز اوالكيد او الانتقام ويكون المختطف فيها عرضة لخطر القتل او ممارسة شهوه مخالفة للطبيعة ، وكلها ظروف مشددة يجب ان يضعها القاضي في اعتباره لخطورة الفعل مما يتطلب العقوبات الشديدة التي من شأنها كبح انتشار الجريمة وتطبيقها بتطبيق فكرتي الردع العام للجميع والردع الخاص لمن تسول له نفسه الاقدام علي هذه الجريمة ، وهناك ظروف مشددة لم يشر اليها القانون . واذا تداخلت معها جريمة الابتزاز فهي من الجرائم الخطيرة والتي يعاقب عليها القانون بصورة واضحة في المادة 176 من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م والذي ينص علي انه « اذا كانت جريمة الابتزاز قد ارتكبت بالتخويف بالموت او بالأذي الجسيم او بالخطف او بالاتهام بجريمة عقوبتها الاعدام ، يعاقب الجاني بالسجن مدة لا تتجاوز سبع سنوات كما تجوز معاقبته بالغرامة ». بيد أن حادثة اللاماب أوضحت بجلاء ان مرتكبي الاختطاف هم من منتحلي صفة رجال الأمن والشرطة وبحوزتهم أسلحة رشاشة مما يشكل مصدر قلق للمواطنين، يستدعي من السلطات الامنية القيام بجهود جبارة للحد من منتحلي صفة رجال الشرطة وحاملي الأسلحة غير المرخصة بالخرطوم .